"إنزال وطني" لمهنيي الصحة أمام البرلمان تزامنا مع إضراب بالمستشفيات    بورصة البيضاء تفتتح التداول بأداء إيجابي    أساتذة بتطوان يطلبون "إسقاط التطبيع"    حكمة العدل الدولية تعتزم إصدار قرارها بشأن وقف إطلاق النار في غزة الجمعة    غرفة الجنايات تؤجل أولى جلسات ملف "إسكوبار الصحراء" وسط حضور كبير    تأجيل محاكمة شقيق بودريقة إلى 20 يونيو    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاتحاد المغربي للأبناك يعين مديرا جديدا لوكالته بتطوان إثر وضع نائب البكوري رهن الحراسة النظرية    الملك محمد السادس يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    دراسة: حقنة الظهر تقلل خطر حدوث مضاعفات أثناء الولادة    التغذية الصحية .. هكذا يمكن الحد من خطر الإصابة بألزهايمر    سفارة المغرب بموسكو تنفي صحة بلاغ حول الجالية الطلابية بمدينة ساراتوف    وقفة تضامنية مع غزة بالرباط تشيد باعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين    نادي وست هام يتعاقد مع المدرب الإسباني لوبيتيغي    تراجع أسعار النفط للجلسة الرابعة على التوالي.. هل سيستفيد المواطن من الانخفاض        تراجع أسعار الذهب متأثرا بمؤشرات حول رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة    موزعو "البوطا" يطالبون برفع هامش ارباحهم بعد قرار الحكومة تقليص الدعم    ردا على الوزير وهبي.. لهذا يطلب مهنيو الفنادق عقود الزواج للحصول على غرفة        تكوين «العهد» المعاصر    مؤسسة بيت الصحافة تطلق الدورة الأولى لجائزة بيت الصحافة للثقافة والإعلام    الشاعر والإعلامي المغربي محمد بشكار يطلق ديوانه السادس "امرأة بتوقيت الأبد"    البنوك المغربية رائدة النمو المالي والاقتصادي في إفريقيا.. موجودة في أكثر من 30 بلدا أفريقيا    رفع ستار الكعبة المشرفة استعدادا لموسم الحج    الملك يوجه "ضيوف الرحمن" بضرورة تمثيل بأفضل صورة خلال موسم الحج    الغلوسي: متابعة زيان لوحده بخصوص تبديد المال العام تمييز صارخ وغير مقبول    تيزنيت : جمعية النخبة للمبادرات المغرب تعطي انطلاقة تنفيذ مشروعها "الفضاء الرقمي للمواطن"    جمعية طبية تكشف أسباب حُرقة المعدة وسبل الوقاية والعلاج    بركة يؤكد من بالي أن المغرب مصمم على تعزيز قدرته على التكيف مع التغيرات المناخية    بسبب إخفائه شعار دعم المثليين.. لاعب موناكو يمثل أمام لجنة الانضباط    مندوبية الإتحاد الأوروبي ومجموعة الصور العربية للسينما تطلقان النسخة الثالثة من مهرجان السينما الأوروبية بالمملكة العربية السعودية    تدشين مخيم توبقال ويركان البيئي للصمود    الكوكب المراكشي يتعاقد مع المدرب فؤاد الصحابي خلفا لعادل الراضي    المهرجان الدولي للفيلم "الرباط- كوميدي" في نسخته الخامسة    نجوم دوليون يخطفون الأنظار بدعمهم لفلسطين في مهرجان كان السينمائي    الوزير الأسبق محمد بنعيسى ضمن أعضاء مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية الذين استقبلهم السيسي    أمِّ النَّكَبَات الفلسطينيّة فى ذِّكرَاها السادسة والسّبعون    الطالبي العلمي يشارك في اجتماع مكتب الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط بإسبانيا    السلطات الإسبانية تصادر العديد من المواد الغذائية المغربية    ابتداء من اليوم.. السعودية تمنع دخول مكة المكرمة أو البقاء فيها    بني ملال.. موظفو جماعة فم أودي يواصلون اعتصامهم رفضا للاقتطاع من الأجور    سفيان المسرار مرشح لجائزة أفضل لاعب لكرة القدم داخل القاعة في العالم    وزارة الحج والعمرة… إيقاف تصاريح العمرة ومنع دخول مكة لحاملي تأشيرات الزيارة    دوري أبطال أوروبا: بودابست تستضيف نهائي 2026    المغرب يخرج خاوي الوفاض من المسابقات الإفريقية.. أين الخلل؟    حريق بسوق الخميس في مراكش يخلف خسائر مادية جسيمة    قمع الطلبة الداعمين لغزة يتسبب في إقالة رئيس شرطة جامعة كاليفورنيا    المغرب عازم على تحويل قطاع النقل لجعله أكثر مرونة واستدامة    المملكة المتحدة تتوجه لانتخابات عامة مبكرة في يوليو المقبل.. فماذا نعرف عنها؟    أمام 33 دولة.. السكوري يستعرض السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة واللجوء    مستجدات انتقال المغربي عطية الله إلى الأهلي المصري    كيف أحدثت الصحراء المغربية انقساما داخل الحكومة البريطانية؟    تنسيقيات التعليم تتمسك بتمكين الأساتذة الموقوفين من إلغاء عقوبات التأديب    هل استقر حمدالله على وجهته المقبلة بعيدا عن السعودية؟    حكاية طبيب "الدراوش" بتطوان في الزمن الجميل (الحلقة الثالثة)    دراسة: المبالغة في تناول الملح تزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة بنسبة 41%    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روبورتاج: تفاصيل الحياة اليومية القاسية لشعب الثلج في المغرب المنسي (+ فيديو)
نشر في لكم يوم 03 - 03 - 2016


إسماعيل عزام-CNN بالعربية 03 مارس, 2016 - 07:28:00
بمجرّد إعلان سقوط الثلوج في بلد عانى لأشهر من الجفاف، حتى انطلق عدد من من المغاربة نحو إفران، مدينة في وسط المغرب، معروفة بطابعها الأوروبي، لكي يستمتعوا بالتزحلق على الجليد.. بيدَ أن الثلج ليس دائمًا عنوانًا للاستمتاع، ففي إحدى مناطق ما اصطلح عليه عُرفيا ب"المغرب غير النافع".. يتحوّل الثلج إلى قطعة من العذاب، حيث يَقطع الطرق ويَقتل الماشية ويعزل السكان ويقلّص الحياة إلى قطعة خبز جافة وكأس شاي وأنين شعب يصلّي لله صباح مساء حتى يعجّل بظهور الشمس التي ستذيب أطنان البياض المحيطة به.
ما بين إقليمي تازة وصفرو بالشمال الشرقي للمغرب.. يعيش شعب يختزل الدولة في غطاء وقنينة زيت وقالب سكر وكيس طحين، هي مساعدات تأتيه من حين لآخر لمجابهة غول الثلج.. غيرَ أن هذه اللقمة سرعان ما تنتهي، أمام طريق مقطوعة يضطر معها السكان لسلك ممرّات لا تقدر عليها حتى البغال، وأمام برد شديد يقسو على الوجه فيحوّله إلى قطع لحمية غاية في الخشونة، وأمام بطون تنتحب بحثًا عن طعام ساخن وماء أقل برودة ممّا يمنحه الثلج.
الساعة السادسة صباحًا.. انطلقنا من مركز مدينة تازة نحن بويبلان، إحدى أشدّ المناطق برودة في المغرب، تلتهم السيارة كيلومترات طريق ملتوية تحتاج مهارة من السائق وصبرًا من المرافقين حتى لا يتجشؤوا ما تناولوه في الصباح. هدوء تام في هذه الجبال لا يخترقه غير صوت نقار خشب أو محرك سيارة بعيدة، لا تزال الخضرة مهيمنة على الفضاء، إلّا أن الثلج يتسلّل رويدًا رويدًا.. يمتزج الأخضر بالأبيض، وما هي إلّا دقائق حتى أضحى الثلج هو سيد الفضاء.. مرحبًا بكم في القطب المتجمد المغربي.
مساعدات لا تصمد أمام قساوة الثلج
صادف وجودنا توزيع الدولة لمساعدات على السكان، لذلك وجدنا في تامطروشت، نقطة إدارية تابعة لجماعة بويبلان، عشرات قاطني الدواوير وهم ينتظرون دورهم لنيل بعض المعونات.. أحدهم يعرفنا جيدًا، فقد التقينا به قبل سنة في مهمة مماثلة، ابتسامته لم تستطع إخفاء حزنٍ يتوارى في عينيه، إذ لم ينل عبد السلام أيّ شيء، والسبب هو وجوده في منطقة محاذية لا تدخل ترابيًا ضمن الدائرة التي ستستفيد. حاول بشتى الوسائل إقناعهم، بيدَ أنه لم يفلح، فالجواب كان: اسمك غير موجود.
لولا البرادع المتعددة الألوان لما أمكن تمييز بعض البغال الواقفة، فلونها الأبيض تداخل تمامًا مع لون الفضاء، في الأعالي دخان أبيض يخرج من عمق الجبال كما لو أن الثلج يحترق. من دواير متعددة ك تنكرارات، حميدو، تكسانت، تفرانت، أيت عبد العزيز، روكو.. أتى هؤلاء، قطعوا ما بين 20 و30 كيلومترا على البغال في فترة زمنية تجاوزت أربع أو خمس ساعات، وسيضطرون للعودة على أقدامهم، بمن فيهم النساء اللائي يحملن رضعهن فوق ظهورهن، لأن البغال أضحت محملة بالمعونات البسيطة، ولن تستطيع حمل أجسادهم الباردة.
يتحدث لنا أحدهم: "الثلج هو سبب معاناتنا.. عندما ينزل الثلج بقسوة يصير التنقل صعبًا للغاية ونُعزل عن العالم لأيام طويلة، فحتى البغال تعجز عن السير، ولولا التخزين لمات الناس جوعًا، لا كهرباء لدينا ولا ماء"، يتحدث لنا شيخ سبعيني، مضيفًا:" شكرًا للدولة التي فكرت فينا، لكننا نحتاج أصلًا للطريق حتى نصل إلى المركز لنيل المساعدات، فهناك من فضل البقاء في منزله عوض قطع هذه الرحلة الصعبة".
بحثًا عن حياة وسط الثلوج
كان صعبًا أن نجد منزلًا في فوضى الثلوج التي تعمّ المنطقة، فلا طريق تؤدي إلى الدواوير المأهولة بالسكان، أما المنازل النادرة المتناثرة هنا وهناك، فقد هجرها سكانها هذا الصباح لنيل المعونات، فلم يبق فيها غير كلاب شرسة مستعدة لتمزيق جسد كل من يقترب. استمرت رحلتنا لساعات أخرى قبل أن تنتهي قسرًا، فقد تحوّلت الطريق إلى قطعة من الصقيع، لم تعد معها عجلات السيارة قادرة على الاختراق.
في عمق منطقة بويبلان، توجد محطة للتزحلق الجليدي، كانت تعمل هنا منذ الاستعمار. اليوم يبدو أنها لا تثير أحدًا، فباستثناء بعض السياح الذين يعلمون بوجودها، نادرًا ما يزورها المغاربة.. محطة لو استُغلت على الوجه الأكمل، لفتحت منفذًا للسياحة بمنطقة فقيرة تبحث عن مورد زرق علّ وعسى تنفُض القليل من بؤسها.

أخيرًا عاد أحد أصحاب المنازل القريبة من الطريق الرئيسية. الصعود إلى بيته المشيّد فوق مرتفع صغير يحتاج أجسادًا قاسية، إذ تهوي قدمك لنصف المتر في كل خطوة فوق هذا الثلج. فتح لنا الباب فتعالت صرخات صغار الماعز، فوجئنا بأنه يقتسم دفء البيت الصغير مع الماعز، هو وأخويه وزوجته وابنتيه، إذ إن إخراج هذه القطعان إلى الخارج يهددها بالموت تجمدًا.
كغيره من سكان المنطقة، يقتات هذا الرجل من تجارة الماشية التي تعدّ المورد الأساسي للرزق، لكن الموت يتهدد صغار الماعز بسبب قلة العلف، أما الزراعة فكثيرًا ما تنتهي دون نتيجة بسبب تساقط الثلوج وندرة الأمطار. حاول أن ينوّع من مصادر دخله، ففتح محلّ بقالة في بيته كي يضمن له ولجيرانه التزوّد بالمواد الغذائية، بيدَ أن لعنة الثلج أصابته هو الآخر، فطوال أشهر الشتاء، لا يصل التموين إلى المحل ممّا يحكم بإغلاقه.
التنقل داخل هذا البيت صعب للغاية، فبين المرحاض وبيت الجلوس قد تكون الرحلة محفوفة بخطر السقوط وسط الثلج. تتحدث لنا زوجته: "أذهب يوميًا للبحث عن الحطب وأقطع لأجل ذلك بضع كيلومترات ذهابا ومجيئًا، وكثيرا ما أعود فارغة اليدين فنضطر إلى إحراق ما يصلح للحرق حتى ننال الدفء. لم أذهب يومًا بابنتيّ إلى المركز الصحي بسبب بعده وعدم حضور الطاقم الطبي. بل إن حتى الولادة كانت في هذا البيت بمساعدة حماتي".
عندما تصير الطريق أهمّ الأحلام
لم يتركنا محمد نمضي دون كأس شاي وبعض الخبز، هؤلاء سكان قادرون أن يشاركوك لقمتهم حتى وهم يجابهون الجوع يوميًا.. في طريقنا إلى العودة، التقينا بعشرات القرويين العائدين إلى مساكنهم البعيدة بعد توصلهم بالمعونات البسيطة، منهم سيدة تحمل طفلتها، أتت بها إلى المركز عندما سمعت وجود أطباء في حملة التوزيع، أخبرتنا أن ابنتها مريضة وأنها غالبًا ما تتركها دون علاج بسبب بُعد المركز الصحي حتى تشفى لوحدها، لكن هذه المرة طال مرضها أكثر من اللازم.
لم تصلهم في تلك الدواوير البعيدة قنوات الماء ولا أعمدة الكهرباء، يصل عدد السكان هناك إلى ما يقارب ألفين حسب ما رواه أحدهم، أطفالهم ينقطعون عن الدراسة بمجرد نزول الثلج، ولولا الملابس الصوفية التي تحوكها أمهاتهم، لتجمدوا بردًا.. لكن رغم كل شيء، يصرّ السكان على البقاء في المنطقة، كما لو أن الثلج الذي يعذبهم يشدّهم إلى أصلهم، فينظرون إلى شمس المدينة كوحش يُحرق بساطتهم.
باستطاعة هؤلاء البسطاء مواجهة الثلج، لكنهم يحتاجون إلى العدة اللازمة التي لن تصلهم سوى عبر إنجاز طريق عوض هذه الممرات التي تطأ حوافر البغال على صخورها فتُحدث صوتًا كالأنين.. لا مطالب سياسية لهم ولا انتماءات حزبية، لا احتجاجات ينظمونها ولا اعتصامات.. على استحياء يخبرونك أنهم يريدون الخدمات الأساسية حتى لا تتحوّل حياتهم إلى جحيم من صقيع، لا ينتقدون أحدًا ولا يلومون أحدًا، بل إنهم يتجنبون أيّ جملة قد تحمل جرعة غضب تجاه الدولة.
ودعونا بعد دقائق حتى يستطيعوا الوصول إلى دواويرهم قبل غروب الشمس، وطلبوا منا الإسراع في العودة حتى لا يحاصرنا الثلج كذلك وقد بدأ يرسل بعض الزخات الإنذارية. في الطريق إلى تازة، طفل يبيع أعشابًا مفيدة، وامرأة تبيع لبن الماعز.. كل واحد يبحث عن رزق يجعله يتشبث بالحياة في هذه النقطة المتجمدة من المغرب.. هذه هي أرضهم التي قاوموا من أجلها الاستعمار وكبدوه خسائر كبيرة لدرجة أنها كانت من آخر القلاع التي أسقطها الجيش الفرنسي، واليوم هم مستعدون لمقاومة الثلج والبقاء في بويبلان، مهما قست عليهم الطبيعة ومهما تقلّصت أحلامهم إلى مجرد طريق سالكة لبني البشر وكسرة خبر وكسوة صوف.


ينشر باتفاق مع الكاتب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.