مؤتمر يبرز مساهمة "مخرجات الحوار" في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية بالمغرب    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    الناظور.. توقيف متورطين في صيد والاتجار في أصناف بحرية مهددة بالانقراض    حقيقة انفصال صفاء حبيركو عن زوجها    كأس الكونفدرالية: الزمالك المصري يعترض على تعيين حكام تونسيين في "الفار" خلال مباراته مع بركان    مرصد أوربي ينبه إلى تسجيل درجات حرارة قياسية    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    1.5 مليون شاب مغربي لا يعملون ولا يدرسون.. الشامي: رقم مقلق    العمال المغاربة في سبتة ومليلية يقتربون من الحصول على إعانة البطالة    عمدة البيضاء تعلن موعد الانطلاقة الفعلية لخطوط الترامواي الجديدة    المغرب يحتفي بذكرى ميلاد ولي العهد    أسترازينكا تسحب لقاحاتها من الأسواق    منصة "إفريقيا 50" تشيد بالتزام المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس لفائدة التنمية بإفريقيا    الرؤية الملكية في مجال النهوض بالاستثمارات الخارجية مكنت من تحويل التحديات الى فرص    الاتحاد العام للشغالين بالحسيمة يشرف على تأسيس مكتب نقابي لأصحاب سيارات نقل البضائع    إسرائيل تعيد فتح معبر كرم أبو سالم مع غزة    الحرارة تتجاوز المعدل الموسمي بالمغرب    محاضر جرائم الأموال تؤرق مسؤولين ومنتخبين بتطوان    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    تتويج إنتاجات تلفزيونية بمهرجان مكناس    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    "زمن الجراح من الريف الى الحوز" اصدار جديد للكاتب خالد مسعودي    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    أسترازينيكا تسحب لقاح كورونا من الأسواق    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    شهر ماي ساخن: تصعيد واسع للجبهة الاجتماعية ضد الحكومة : إضرابات، وقفات واحتجاجات للعديد من القطاعات دفاعا عن مطالبها المشروع    الحكومة تبرر وقف الدعم الاجتماعي المباشر ب"الغش" في المعطيات    الرباط: يوم تواصلي تحسيسي لفائدة مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    الجيش الملكي يواجه نهضة الزمامرة لتعبيد الطريق نحو ثنائية تاريخية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    مشروع قانون يتعلق بمناطق التسريع الصناعي يحظى بمصادقة مجلس المستشارين    سلا تشهد ولادة عصبة جهوية للألعاب الإلكترونية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    لوحة الجمال والعار    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    منتخب الصغار يواجه كرواتيا وإنجلترا وأمريكا    التقنيون يواصلون احتجاجهم ويستنكرون تغييب ملفهم عن جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    تأهيل ملاعب فوق عقار تابع لصوناداك يثير الخلاف داخل مجلس جماعة البيضاء    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    الصين: انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي في أبريل إلى 3,2 تريليون دولار    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    مجلس جماعة فاس يقرر إقالة العمدة السابق حميد شباط من عضوية مجلسه    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضرورة إصلاح وتطهير الحقل النقابي
نشر في لكم يوم 10 - 12 - 2010

لا أرغب مطلقا في أن أتدخل أو أساهم في الحوار الذي يجري حاليا ويهز الساحة العمالية النقابية في المغرب. كما لا أرغب في أن أتأبط عصا الترحال والذهاب للدعوة إلى حركة نقابية أصيلة وحرة ومستقلة وديمقراطية.
وبما أن كل حقيقة لا تغري بالجهر بها، فإنني لا أود أن أطلق من جديد نقاشا لن يكون مرة أخرى سليما أو هادئا، نظرا للمصالح الكبرى المطروحة. لكن هل يجب الاعتراف مرة أخرى أنني لا أستطيع أن أمنع نفسي عن الخوض في المجال، ذلك أن الشأن النقابي يظل حاضرا في اهتماماتي، حيث أن العقود التي قضيتها في النضال وفي المسؤولية لا تترك لي مجالا للابتعاد عن الانشغال بهذا الشأن.
وإذ أستجيب فقط لواجب التوضيح، فأنا على يقين ومتأكد من أن ذلك النقاش سيكون صاخبا، وهو الأمر الذي لا أرغب فيه، ليس بدافع الخوف من المواجهة، بل لعامل التقدم في السن والحالة الصحية التي لم تعد تتيح لي ذلك.
إن الحركة النقابية العمالية، كما كانت في الماضي خلال معركة التحرير، ستظل من الأهمية بمكان، أمرا ضروريا وحاسما أيضا بالنسبة لمستقبلنا جميعا، يدعو إلى عدم الركون إلى الحياد والتفرج أو إلى الابتعاد عن التردد، بل يدفع إلى الإسهام - كل حسب قدره- في مسؤولية إصلاح مستقبل هذا النضال.
إننا نجد أنفسنا منذ بعض الوقت أمام صفحة جديدة من النضال النقابي المغربي، ذلك أنه في يوم السابع من أكتوبر من هذه السنة استدعي المجلس الوطني للاتحاد المغربي للشغل للاجتماع على إثر وفاة الأمين العام للاتحاد الراحل المحجوب بن الصديق.
إن الحدث لمن الأهمية بمكان. و الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب أنه لم يصدر أي بيان ضاف عن هذا الاجتماع، لا حول الوضع النقابي في المغرب، ولا حول النظرة المستقبلية لأول مركزية نقابية في البلاد.
وأهمية هذا الاجتماع تأتي من كوننا نوجد في منعطف تاريخي من النضال النقابي المغربي، فلا شيء في المستقبل يمكن أن يشبه الماضي. إن الممارسات والسلوكيات والأفعال المعروفة كلها يجب أن يطرأ عليه تغيير جذري. إنه أمر لا مفر منه ولا يمكن تجنبه. إنها فترة يجب على أولئك الذين لهم غيرة على القضية النقابية الاستجابة لدعوة التدخل وتقييم المرحلة الماضية، والمهم هو أن يتم ذلك في جو من الهدوء ومن دون تهييج للعواطف ومن غير حدة. يجب التحلي بالتعقل لمواكبة هذا التطور بعيدا عن كل تحيز، ولكن دون أي تنازل. وذلك لاستخلاص العبر من هذا الماضي القريب، لكي ننطلق من النتائج لرسم معالم المستقبل ولإقرار المعالم التي يجب تحديدها لممارسات جديدة، وأيضا لتحديد المبادئ الأساس وجعل المناهج والأهداف في مستوى ما يجري من أحداث في عالم تتسارع فيه التغيرات والتطورات.
إن ما تسرب عن اجتماع المجلس الوطني ل: (ا.م.ش.) والذي رددته الصحافة، لا يتيح لنا تكوين فكرة عن ما تم نقاشه، ولا عن المواضيع التي تم التطرق إليها. وفي غياب أية توضيحات نجد أنفسنا محاصرين في التخمينات. فهل تم التطرق مثلا إلى الأسباب التي دفعت إلى تجميد مؤسسات (ا.م.ش.) خلال فترة طويلة بلغت خمسة عشر سنة؟ في الوقت ينص قيه القانون الأساسي للمنظمة على دورية المؤتمر الوطني كل خمس سنوات.
وهل تم طرح نقاش حول خرق المبادئ الأساسية للنضال النقابي المغربي، الذي كان من طبيعة (ا.م.ش.) دون أن يعرف أي أحد لماذا وقع ذلك؟
وهل أثيرت قضية أموال (ا.م.ش.)، خصوصا قبل انعقاد المؤتمر الذي يتطلب اجتماعه ميزانية مهمة؟ وكيف سيتم تمويل نشاطات المنظمة في الفترة الحالية؟ وباختصار ما هي الوضعية الحالية لمالية (ا.م.ش.)؟ ثم قبل كل شيء يجب استغفال الناس والنظر إليهم بالمنظار الذي لا ينطبق عليهم، إذ ما هي القيمة التي يمكن أن نضفيها على مؤسسات لا تتمتع بالمصداقية طوال 15 سنة، دون استثناء أي مؤسسة منها؟ وحتى كون المجلس الوطني للاتحاد المغربي للشغل ليس مؤسسة منتخبة، وبالرغم من كونه ذو تمثلية واسعة للقاعدة العمالية، لم يكن هذا مبررا لتجميد المؤتمر. والواقع أنه طبقا لقوانين(ا.م.ش.) فإن هذا المجلس مشكل من أعضاء الأمانة العامة، وأعضاء اللجنة الإدارية. ومبدئيا أمين عام وأمين الصندوق عن كل اتحاد جهوي، وكل الجامعات النقابية وعضو عن كل اتحاد محلي. وفي مجال التطبيق كان يشمل مسؤولين محليين وجامعيين آخرين، وتنظيمات عمودية أخرى أطلق عليه اسم نقابات موحدة تضم عمالا من نفس القطاعات الإنتاجية. إن المجلس الوطني الذي كان في اجتماعاته يقوم بتوضيح قرارات المؤتمر الوطني ويتخذ التدابير الضرورية لتطبيقها، واتخاذ مواقف حول الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد.
وإذا كان على المجلس الوطني القيام بذلك، فهو من أجل سد الفراغ الذي يفصل عادة بين مؤتمرين وطنيين، لأن طبيعة تركيبته المتجددة تعكس الصورة الحقيقية للتمثيل النقابي خلال فترات اجتماعاته.
وإذ نقول ذلك، فإنه لا شيء يبرر تجميد اجتماعات المؤتمر الوطني الذي يعد الهيأة العليا للاتحاد، إذ لا يوجد ما يفسر ما كان عليه الحال خلال 15 سنة.
إن هذا الشطط لا يوجد له ما يبرره ولا ما يدفع إلى القبول به، ولا ما يضفي عليه أية صفة. لكن خلافا لما قيل، وبمناسبة اجتماع المجلس الوطني ل: (ا.م.ش.) يوم 7 أكتوبر الماضي، فهذا لا يبرر إضفاء الصبغة الشرعية، لكونه هيأة غير منتخبة.
وهنا وجب التذكير بأن المجلس الوطني ظل يجتمع ودون انقطاع إلى حد الآن ثلاث مرات في السنة على الأقل, حيث يجتمع في الدخول الاجتماعي، وليلة فاتح ماي، وغداة فاتح ماي لتقييم التظاهرات المنظمة بهذه المناسبة، ولختم السنة الاجتماعية عمليا.
فليس المجلس الوطني إذن هو الذي لم يجتمع، ذلك أن هناك بعض الغموض حول هذا الأمر، إذ أن الهيأة التي لم تكن تجتمع إلا نادرا كانت هي اللجنة الإدارية (التي كانت تسمى خلال بعض الوقت باللجنة التنفيذية)، وهذه الهيأة التي انتخبت آخر مرة في المؤتمر الوطني التاسع سنة 1995، اجتمعت لأول وآخر مرة خلال ذلك المؤتمر من أجل انتخاب أعضاء الأمانة العامة الوطنية، باستثناء الأمين العام الذي انتخب مباشرة من طرف المؤتمر.
ومع أن القوانين تقتضي اجتماع اللجنة الإدارية كل شهر للسهر على تطبيق قرارات المؤتمر. وهو الأمر الذي لم يحدث مطلقا، وأستطيع أن أشهد على أنه منذ سنة 1970 لم تجتمع هذه اللجنة إلا نادرا، وخلال المؤتمرات الوطنية، باستثناء مرة واحدة، وكان ذلك يوم 4 يونيو 1981، على إثر الزيادة في أسعار المواد الأساسية الضرورية التي قررتها الحكومة يوم 28 ماي 1981 ( كتاب "ا.م.ش.": حلم و واقع).
وهذا الأمر يؤكد أن الوضع القائم ظل محافظا عليه مع بعض الاستثناءات النادرة.
والهدف من سرد كل هذه التطورات المشار إليها هو فقط من أجل توضيح وضع بالغ الغموض وغير واقعي. أما الأمر الذي يجب إبرازه والإشارة إلى خطوطه الكبرى هو بالأحرى القيمة التي يمكن أن نعطيها لمؤسسات طالها التقادم بفعل عدم عقد المؤتمرها الوطني للمنظمة طيلة 15 سنة. وهو ما يشكل خرقا لمقتضيات القانون الأساسي.
وبعد كل هذه الفترة ماذا يمكن استخلاصه بعد هذا التجميد سوى أن كل شيء سقط في التقادم، وكل شيء فقد قيمته، ونتيجة لذلك فإن اجتماع بعض الهيئات كيفما كان نوعها أصبح لا يعني شيئا.
وفي هذه الحالة فإنه كان من الواجب على الأقل خلال المجلس الوطني الأخير توضيح ومحاولة إيجاد مخرج يمكن به أن يضفي، ولو بعضا من الشرعية على الإعداد للمؤتمر المقبل، بعيدا عن أخطاء الماضي.
يجب أن يعرف الجميع ومن الآن، أنه لا يمكن الاستمرار في نفس المتاهات كما كان في الماضي، فكل ما كان يجد له مبررا، بالرغم من أنه غير مقبول خلال المرحلة الماضية لأسباب تاريخية، لا يمكن أن يقبل بعد اليوم.
وليس من الممكن أن نعطي لأخطاء الماضي طعم الوقت الحاضر.
إن اغتصاب الضمائر لم يعد مبدئيا مسموحا به.
يجب علينا أن نحلل كل شيء أدى إلى هذا الجمود الذي طال حتى أعلى هيأة في المنظمة، وهي المؤتمر الوطني .
فإذا كانت المؤتمرات السابقة قد عقدت في تواريخ، لنقل إنها مقبولة، (1955، 1959، 1963، 1967، 1972، 1979، 1985، 1989، 1995)، فلاشيء يمكن أن يبرر الفراغ المقصود والمنظم الذي دام كل هذه الفترة الطويلة إلى اليوم..
وأغرب ما في الأمر هو أنه سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي فإن الجميع التزم صمتا متواطئا حول هذا الموضوع. ولا نقصد هنا تحميل المسؤولية إلى الحاكمين، لأن الأمر يهم مسيرين نقابيين يتحملون مسؤولية منظمة جماهيرية مستقلة مثل هذه. إذ ليس هناك قانون في هذا الموضوع، والمسؤولون الوحيدون عن كل ما يجري في المنظمات الجماهيرية هم المسيرون النقابيون أولا وأخيرا ، لكن المسؤولية تقع أيضا على المناضلين و المنخرطين.
وإذا كنا ندرك صمت القادة المسيرين لأسباب لن نتردد في الإشارة إليها في ما سيعقب، فإن موقف المناضلين والمنخرطين يترك لنا الكثير من الاستغراب، فلماذا إذن لم يتحرك أي أحد منهم؟ ولماذا لم يظهر أي أحد أي اهتمام بوجوب احترام المقتضيات القانونية للاتحاد المغربي للشغل؟
لأنه ليس هناك ما يفقده المناضلون والمنخرطون إذا ما لو طرحوا المشكل ببساطة. إن هذا الموقف الغريب لمناضلي ومنخرطي (ا.م.ش.) لا يجد له تفسيرا لكون الجميع التزم باتفاق ضمني مشترك، هو موقف الانتظارية.
إن الأمر كان كما لو أن العمل في إطار قانوني من أجل المطالبة فقط باحترام مقتضيات قانونية، بمثابة ارتكاب خطأ. وأن ارتكاب مثل هذا الخطأ يعرض صاحبه لعقوبات قد تذهب إلى حد إبعاده عن كل مساهمة في أي نشاط مقبل في حظيرة (ا.م.ش.).
إن الجميع كان إذن في انتظار حدوث حتمية طبيعية وإرادة سماوية، حيث لا أثر لأية إرادة إنسانية.
وهذا ما حدث بالفعل. كما لو أن الأمر كان من غير المنتظر، فإن الجميع داهمهم الحدث، بمن فيهم المسيرين النقابيين. ونتيجة لذلك فقد وضع الجميع أمام وضع من الغموض لم يرغب أي واحد في إجلائه ومواجهته، سواء في الفترة التي شابها كثير من الشطط وأضرت بالتسيير الجيد للمنظمة، أو الوضع الحالي المتميز بانعدام أي شرعية للمؤسسات. وهذا عطل كل أمكاني لاتخاذ أي قرار، وبالتالي جعل كل قرار قرارا باطلا.
فالجميع وجدوا أنفسهم أمام وضع لا يمكن العثور على مثيل له. وإذن فلتغمض الأعين حول كل ما جرى وحول كل ما يجري، والتظاهر بالاعتقاد، أو بالدفع إلى الاعتقاد بأن كل شيء سيؤدي إلى ما يمكن أن نطلق عليه حياة نقابية عادية.. بينما أن كل شيء مغشوش. وكأننا أمام من يقول: "تحركوا.. فلا شيء يستحق المشاهدة...". وكأننا نسير في نفس التيه الذي تميز به الماضي وننطلق في جولة جديدة منه.
هل من الممكن أن يقبل اليوم ما جرى بالأمس؟
ففي مواضيع يمكن أن نتحدث بما هو مقبول، إذا كان الأمر يتعلق بالوضع النقابي في (ا.م.ش.)، وكيف يمكن تبرير صلاحية مؤسسات عدمت مصداقيتها، لأنها عمرت 15 سنة. إنه وضع فقد بوصلته بالمطلق، ومن كل الوجهات.
لنعد الآن إلى المسيرين وإلى الصمت الذي لزموه طوال هذه الفترة حيال عدد من خروقات القانون الأساسي للاتحاد المغربي للشغل، مما أدى إلى تجميد كل اجتماعات المؤتمر الوطني.
وهنا أرى من واجبي التذكير أنه في سنة 1992 في كتابي الموسوم ب " الاتحاد المغربي للشغل: حلم وواقع" كتبت ما يلي في الصفحة 158: "... وكأنني أما لعبة قمار (الروليت) لم أر انطلاقا من سنة 1985 إلا أن كل شيء يدور حول المال ومن أجله".
والواقع أنه كان كل شيء وما يزال إلى اليوم يدور حول مصالح شخصية. ولا يمكن لأي أحد مطلقا أن ينكر هذا الأمر. وبطبيعة الحال، ولنكون واضحين، فإن من المسلم به أن هذه الآفة والنقص المعيب لا يقتصر على (ا.م.ش.) وحده، فالداء أكثر انتشارا واستشراء.
ولا يمكنني أن أجزم بأن هذا الأمر يوجد في مكان آخر من العالم. فلدينا من بين النقابيين من يملك ثروات تعد بالملايير .
كيف أصبح هذا ممكنا؟ وكيف لأشخاص -نحن نعرف بعضنا البعض- وهم لا يتحملون سوى مسؤولية اجتماعية، ويمارسون نشاطا لا تعويض عنه، أمكنهم أن يجمعوا كل هذه الثروات؟ إنه لأمر مدهش حقا.. والتفسير لذلك هو أننا أمام "إلكترونات حرة" لا تخضع لواجب تقديم الحساب والمساءلة. في هذه الحالة نؤكد دون تردد أن أية مسؤولية غير مقننة وغير خاضعة لواجب تقديم الحساب ليست بمسؤولية مطلقا. فهي تتحول بطريقة حتمية إلى سلطة مطلقة فاسدة دون فرامل ومن دون حدود. وفي هذه الحالة، ونظرا لانعدام أية مراقبة ظهرت ممارسات أخرى، تحول فيها منصب المسؤولية الاجتماعية إلى مصدر مشبوه للكسب. وفي وضع كهذا كرسه القادة المسيرون، فإن إفشال كل إمكانية للمراقبة يؤدي إلى تجميد السير الطبيعي للمؤسسات وإلى وضع حد لكل محاولة للتذكير بقوانين وتنظيمات المنظمة.
إن كل شيء يمر وراء الإغراء، ويصبح الهدف الوحيد الذي يظل قائما هو المحافظة على ثروة المسؤول وضمان دوامها. بالنسبة إليهم فكل ما عدا ذلك مجرد هراء.
وفي هذه الحالة، فإن السؤال الذي يجب طرحه على كل الطبقة العاملة المغربية هو الآتي: هل يتعين أن نترك النضال النقابي في هذه البلاد يسير إلى الهاوية، مع العلم بالأهمية التي يمثلها الشأن النقابي بالنسبة لنا جميعا.
فهل يجب أن نترك العمل النقابي عرضة لأطماع الطامعين من جهة، ومحل ازدراء الآخرين من جهة أخرى؟
وهل يجب أن نسلم بأن يبقى المال وحده مركز اهتمام المسيرين النقابيين؟
لا.. بطبيعة الحال، وألف لا.
والشيء الذي يفرض نفسه اليوم قبل الغد، وبشكل أكيد، على الطبقة العاملة، كل الطبقة العاملة المغربية، هو الشروع في القيام بعملية إصلاح وتطهير الحقل النقابي، من أجل تخليق العلاقات في حظيرته. يجب أن لا نتساهل في أن يستمر المال في تعفين الوضعية النقابية في المغرب. لكي نحقق ذلك يجب تكريس الحق الشرعي، ومطالبة كل القادة والمسيرين النقابيين السابقين والجدد، كيفما كانت المسؤولية التي يتحملونها، أن يقدموا الحساب بشأن تسييرهم ومصدر ثروتهم، ولا أحد يجب أن يفلت من التحقيق كيفما كانت المبررات. إن هناك مسؤولين كثيرين في تهافتهم على المال القذر على حساب العمال ساهموا بقدر كبير في تعفن الحركة النقابية، ودفعوا إلى الانشقاق الإجرامي وتشرذم صفوف الطبقة العاملة. إنه مما لا شك فيه أن الطبقة العاملة إذا ما استطاعت أن ترص صفوفها وأن تنادي بصوت واحد إلى تخليق الفضاء النقابي، فإنها ستتجنب الأوضاع التي لا تتحكم فيها القوانين والسلوكيات المشبوهة والمتعفنة والمخزية، وأن تبعد عن قيادة النقابات أصحاب الملايير العفنين. لكن لكي تتجنب الطبقة العاملة أي انزلاق في المستقبل وتضمن للأمد الطويل حياة نقابية سليمة، فلا يمكن أن يتحقق ذلك سوى باللجوء إلى هياكل منظمة صارمة، وإلى تنظيمات مسؤولة تخضع نشاطاتها لجدولة زمنية محدودة، مع العودة إلى المبادئ الأساسية للحركة النقابية.
مبادئ حركة نقابية أصيلة: الوحدة والاستقلالية والديمقراطية النقابية.
إن الحديث عن هذه المبادئ والمناداة بها في كل وقت وحين، كما هو الحال الآن، ليس بكاف، بل يجب العمل بها يوميا أثناء ممارسة المسؤولية النقابية.
وعلينا التأكيد إذن أن هذه المبادئ تهدف أساسا إلى حماية الوحدة النقابية. هذا المبدأ الأساسي العظيم الذي يعطي للنشاط النقابي فعالية أكثر، والذي هو في نفس الوقت يشكل حاجزا يمنع من الانزلاق نحو المغامرة والانحراف و المساومة والمزايدات. إنه البوتقة التي تنضج فيها المسؤولية وروح الاتزان.
لقد كان هذا المبدأ الأول ولمدة طويلة - قبل أن يطاله النسيان شيئا فشيئا- من الأساسيات التي يدافع عنها (ا.م.ش.).
يجب أن نشير هنا إلى أننا لم نجد أي مرجع لهذا المبدأ في أشغال المؤتمر الأول للاتحاد المغربي للشغل، غير أنه إذا كان ما يزال موجودا على مستوى الخطاب فقد اختفى من الممارسة اليومية. انعقد هذا المؤتمر التأسيسي في 20 مارس من سنة 1955 في غمرة الكفاح المعادي للاستعمار، والوحدة الوطنية ضد الاستعمار كانت قائمة وكانت حقيقية، وكان ذلك كافيا.
لقد كان علينا أن ننتظر المؤتمر الثاني ل: (ا.م.ش.) لنجد فصلا في التقرير التوجيهي مخصصا لهذا المبدأ، مع أول ذكر لمبدأ الاستقلال النقابي في أدبيات الاتحاد.
إذ أن المغرب بدأ يواجه مشكل الانقسام النقابي العمالي، وأمام هذا الامتحان كان رد فعل (ا.م.ش.) تأكيد تعلقه بالوحدة النقابية وتخصيص فصل لهذا الموضوع في مؤتمره الثاني، والتذكير، من أجل ضمان الوحدة بأن تكون المنظمة مستقلة تنظيميا عن كل التشكيلات السياسية.
إن مبدأ استقلال الحركة النقابية هذا كان ضروريا للدفاع بشكل أحسن عن وحدة الطبقة العاملة.
ويجب التذكير هنا أن مبدأ الاستقلال هذا قديم، وقد جاءنا من التجربة النقابية الفرنسية، ويعود إلى تاريخ "ميثاق أميان" الذي صادق عليه المؤتمر المنعقد في هذه المدينة من طرف الكونفدرالية العامة للشغل (السي. جي. تي) سنة 1906، ونص هذا الميثاق على أن "... يحمل كل العمال كيفما كانت آراؤهم وتوجهاتهم السياسية أو الفلسفية واجب الانتماء إلى التجمع الأساسي الذي هو النقابة... وبأن "السي. جي. تي" تجمع كل العمال خارج أية مدرسة سياسية". والمصادقة على مثل هذا المبدأ كانت واجبا من أجل محاولة إنقاذ الطبقة العاملة الفرنسية من التشرذم.
والواقع أن مختلف التيارات الفلسفية والسياسية والدينية كانت تخترق المجتمع الفرنسي المتكون من كاثوليك وبروتستانت وملحدين وليبراليين واشتراكيين وفوضيين...".
وهذا المبدأ كان يستهدف حماية الوحدة النقابية في فرنسا. وفي المغرب أيضا كانت الوحدة العمالية تتطلب تبني هذا المبدأ سنة 1959. وهكذا فإن القرار التوجيهي حول التوجه العام المصادق عليه في (ا.م.ش.) سنة 1959 تبنى "ضرورة الاستقلال التنظيمي والإيديولوجي الكامل عن كل مكون سياسي أو حكومي".
أما المبدأ الثالث للحركة النقابية يتمثل في الديمقراطية النقابية، إذ بدونها فإن مجرد الاستقلال عن كل مكون سياسي أو حكومي لن يكون كافيا لتحقيق شروط الوحدة النقابية.
لكن إذا كنا نجد مرجعا صريحا لهذا المبدأ في قوانين (ا.م.ش.) ، فإنني لم أعثر عليه ضمن أدبيات الاتحاد، ما عدا لو كان فضولي المعرفي وقراءاتي في أدبيات (ا.م.ش.) لم تفدني في الوصول إلى نص يتضمن هذا المبدأ. وهذا ما يدفع إلى الاستغراب.
ومع ذلك فكل واحد من المناضلين، خاصة أولئك الذين مروا من مدرسة تكوين الأطر النقابية، يمكن لهم أن يشهدوا بان رفاقنا المكونين عالجوه بكثير من العناية، (وأنا نفسي تناولته في كتابي "(ا.م.ش.): حلم وواقع" عدة مرات، خصوصا في الصفحتين 142 و143).
وهنا من الضروري التذكير بأن فكرتنا ( أو فكرتي على الأقل) بأن مبدأ الديمقراطية النقابية كان يشكو من حصره في نطاق ضيق.
يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أننا كنا نعيش مرحلة قمع ومصالح طبقية، لم يكن لها من هدف سوى المس بالمنظمة النقابية وبالوحدة العمالية.
وكان من الواجب علينا أن نتحلى بالحذر. ولهذا السبب كنا نقول نعم للديمقراطية النقابية على كل مستويات المسؤولية، ما عدا في ما يتعلق بالأمين العام، فهنا يجب أن يتوقف كل شيء، إنه موقف إرادي ويخضع لتمعن من طرفنا، كان بالنسبة لنا هذه هي الطريقة المثلى لحماية المنظمة وخطها السياسي ومبادئه. فالحفاظ على الأمين العام كان بالنسبة لنا الضمان لهذه الوحدة واستمرارية المنظمة.
إذ بالنسبة لي كان لا يهم إن تكون لي، مسؤولية على أي مستوى كان. وحتى لو كنت حارسا مثلا في اتحاد محلي صغير لاستطعت أن أناضل بفعالية من أجل القضية العمالية والشعبية. فهل كنا على خطأ؟ وهل كنا على حق في اتخاذ هذه الحرية بالنسبة لمبدأ أساسي نقابي؟ وهل كان بالإمكان أن يكون لنا موقف مغاير لذلك؟. حول هذه النقطة الأخيرة، أشك شكا أكيدا، ذلك أنه كان علينا أن ننتصر أولا على قناعتنا، ثم نتفوق على ثقل التقاليد الممارسة التي كانت توفر قوة كبرى للمسؤول رقم واحد في المنظمة.
هنا يجب فتح ملف حول هذه المسألة، كما يجب أن يستمر النقاش حول هذه النقطة، مثلما هو الحال بالنسبة للنقاط الأخرى. فحول الوحدة النقابية مثلا، فإن عددا من بين الرفقاء وضعوا مسألة التعلق بهذا المبدأ موضع تساؤل. أما بالنسبة لي فإني متمسك به ومؤمن، وسأبقى كذلك إلى آخر رمق من حياتي.
عندنا في المغرب، الكثيرون يتخوفون من الوحدة النقابية، ولا أحد يدراك بأنه لا يوجد شيء أسوء بالنسبة للمجتمع من الانقسام النقابي، فهذا الانقسام هو الذي من طبيعته أن يخلق الفوضى عن طريق اللجوء إلى الخطابات الطاعنة وإلى المزايدات، وإلى السلوكيات الشعبوية التي تستهدف في نفس الوقت تغليط الجماهير، وإلى تغطية الأهداف الدنيئة لبعض المسؤولين الذين يستمرئون البروز في واجهة الساحة بنوايا غير شريفة. من الواضح اليوم أن الإضرابات المتكررة هي نتيجة الانقسام النقابي أكثر من أي شيء آخر، إنه انقسام ليس له ما يبرره على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي غير الجشع والرغبة في الحصول على المال السهل.
فالنسبة لهم لا يهم استمرار المرء في التعلق بالوحدة النقابية مادام يستطيع أن يكتفي بنصيبه العمالي، (سواء كان فردا أو حزبا سياسيا) يمكنه أن يضمن لنفسه جمهورا وموارد مادية ذات طبيعة مافيوزية.
المال النقابي
لقد جعلت الأموال النقابية التشتت العمالي واقعا ملموسا، ذلك أن في الحركة النقابية في مغرب اليوم أصبحت المبادئ والسلوك الأخلاقي، والتعلق بالقيم الإنسانية العليا من القضايا والأمور المحاربة ومستهزأ بها، فالمال وحده هو المعتمد، وللحصول عليه كل شيء مباح ومتاح ومقبول، وإلا كيف يمكن أن نفسر كون بعض المأجورين تحملوا مسؤوليات نقابية أصبحوا يتربعون على رأس ثروات ضخمة؟ فالمال يحمي المرتشي، أكان كبيرا أم صغيرا. في أحد كتاباتي السابقة التي نشرت في سنة 2009 تحت عنوان "تسعة قرون وسط الزوبعة"، نددت بهذه السلوكيات وذكرت بأن " من الحقيقة القول بأن آخرين لا يفكرون من خلال عملهم النقابي سوى في ملء جيوبهم من الإناء الكبير المليء بعرق العمال...، فالمستغلون للطبقة العاملة في حظيرة المنظمة معروفون، إنهم يوزنون بالملايير، إنهم لا يستطيعون ولن يتمكنوا، اليوم و غدا، من إخفائها ولا من نكرانها. وفي هذه الحالة فإن الطبقة العاملة المغربية وحدها، إذا كانت منظمة تنظيما جيدا وشاعرة بمسؤولياتها، يمكن لها، ويجب عليها أن تطالب بالحساب من كل أولئك الذين اغتنوا بشكل فضائحي على حسابها من بين المسؤولين النقابيين. كل المسؤولين النقابيين. لا أحد، ولا أحد إلى الأبد يمكن أن يتنصل من واجب تقديم الحساب على تسييره السابق، وأيضا على ثروته. يجب على جميع المسؤولين، بمن فيهم أنا شخصيا، أن يخضعوا لتحقيق دقيق وشامل من طرف هيأة عمالية تتمتع بالنزاهة والمصداقية، والهدف واحد هو تخليق المسؤولية النقابية وجعلها فقط في خدمة الطبقة العاملة والجماهير الشعبية. ولهذا السبب على كل العمال وكل المأجورين أن ينظموا أنفسهم في خدمة الطبقة العاملة والشعب المغربي برمته وبطريقة فعالة.
كيف يجب أن ننظم أنفسنا؟ إنني أجد من الغرابة طرح هذا السؤال بهذا الشكل، ذلك أنه لدي تصور بأن هناك إرادة تتوجه نحو نفس التيه الذي طبع الماضي وتسعى إلىإنتاج دورة أخرى من هذا التيهان. علينا أن نقول لا، وأن نقول كفى.. إن من الضروري العودة إلى الديمقراطية النقابية وتدبير شأن المنظمة العمالية حسب ما هو منصوص عليه في قوانينها. وفي هذه الحالة، وبالعودة إلى الوضع الذي يعرفه (ا.م.ش.) يجب التأكيد على لا يمكن أن نمنح شيكا على بياض لهيئات فاقدة الصلاحية، وبالتالي غير شرعية لكي تدعو أو تهيئ مؤتمر المنظمة.
لقد كان من الواجب أثناء انعقاد المجلس الوطني عدم التزام الصمت حول 15 سنة من تجميد المؤسسات، كان من الواجب أيضا التحلي بالشجاعة وعدم إخفاء المشاكل حتى يكون الانطلاق نحو المستقل بأقدام راسخة.
وللقيام بذلك كان يجب جمع مؤتمر، وهذا يجمع عليه الكل. لكن ليس جمع أي مؤتمر كيفما كان. وهنا من الضروري أن نميز الفرق بين مؤتمر البهرجة، كتلك التي اعتدنا عليها في بلادنا، ومؤتمر مكون من مؤتمرين منتخبين، أن نميز بين "مؤتمر الدار"، ومؤتمر مفتوح على الطبقة العاملة المغربية بكاملها..
شروط مؤتمر تمثيلي
بدون مؤتمرين منتخبين من القاعدة لا يمكن أن نتحدث عن مؤتمر. إذ أن المغرب قليلة هي المؤتمرات التي تستحق تسميتها، ذلك أن الشروط الموضوعية التي يجب التقيد بها بصرامة للوصول إلى مؤتمر حقيقي متعارف عليها، هي التي تجعل من أي مؤتمر ذا تمثيلية لا نقاش فيها. وفي حالة (ا.م.ش.) اليوم كان المنطق يفرض أن توجه الدعوة إلى مجلس وطني موسع، تستدعى له كل الطاقات والاتجاهات التي ظلت وفية لمبادئ المنظمة والتي راكمت تجربة قوية، حتى يمكن بواسطتها المساعدة على إعادة ترتيب البيت الداخلي للمنظمة، علما أن شرعية المؤسسات الحالية لا يمكن لها أن تسترجع بتاتا. كان من الواجب التفكير في معالجة ما يمكن معالجته، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وتكون مهمة هذه اللجنة هي الوصول إلى انتخاب أعضاء المؤتمر انطلاقا من الخلية الأساسية، أي من نقابة المؤسسة.
إنها مهمة ليست بيسيرة أو سهلة، فهذه الانتخابات يجب أن تغطي مجموع التراب الوطني، وأن تشمل كل الاتحادات المحلية والجهوية والنقابات الموحدة والجامعات، وكل هذه التنظيمات العمودية و الأفقية هي التي تنتخب أعضاء المؤتمر. وتتكفل اللجنة التحضيرية بجدولة هذه الاجتماعات، وتأمين تتبع كل هذه العملية. يتطلب هذا التحضير بطبيعة الحال وقتا أطول، وهو الشيء الذي لم يتحه المجلس الوطني المنعقد يوم 7 أكتوبر الأخير حين قرر الدعوة لمؤتمر ينعقد يومي 11 و12 دجنبر 2010.
فهل من الممكن ومن المعقول إعداد وعقد مؤتمر وطني في الظروف التي تعرفها المنظمة الآن، والقيام بذلك في وقت وجيز ؟
بالطبع لا. وهنا يجب أن نكون واضحين: إذا لم تكن انتخابات المندوبين إلى المؤتمر من طرف القواعد العمالية فسنصبح مرة أخرى أمام "مؤتمر الدار" ونفتح الباب على مصراعيه للزبونية ونقبر في نفس الوقت الديمقراطية النقابية لفترة أخرى .
يجب إذن أخذ ما يكفي من الوقت لتوفير شروط مؤتمر عادي.
وفي أثناء ذلك لنترك للجنة التحضيرية مهمة تسيير الشؤون الجارية للاتحاد المغربي للشغل إلى حين إتمام الانتخابات الديمقراطية لمؤسسات جديدة ، وبالتالي إخراج المنظمة من حالة اللاشرعية التي توجد عليها.
لقد كان من المرغوب فيه أثناء هذا التحول الكبير الذي تعيشه الحركة النقابية المغربية، والذي هو بمثابة انطلاقة جديدة، أن يوحد كل المناضلين جهودهم، و بنفس الحماس يرسون قاعدة جديدة لحركة نقابية موحدة مفيدة وفعالة، تعرف كيف تواكب التطور الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وبناء إنسان الغد، وبعث حركة نقابية ذكية وعصرية ومطابقة للألفية الجديدة، حركة نقابية واعية ومفكرة وقادرة على تقديم المبادرات، حركة نقابية مفتوحة على الطبقات الاجتماعية الأخرى، وطنية دون شوفينية، متضامنة بعيدة عن كل انكماش أو تقوقع.
نريد نقابة للبحث ومبدعة للنظريات لتكون قادرة على التكيف بشكل مستمر مع المتطلبات الوطنية والعالمية التي تبدو في الأفق والتي تعرف تطورات سريعة، إن إنجاز هذه الأهداف يتطلب منظمة عمالية واعية ومسؤولة.
وبالرغم من أن هذه الفكرة تكررت عدة مرات في الخمسين سنة الماضية، فإننا يجب أن نوضح أن الأمر لا يتعلق أبدا بالعمل على المطالبة بتنظيم الطبقة العمالية وحدها، بل على العكس من ذلك، فمن الواجب أن تمتد هذه الحركة التنظيمية لتشمل الشرائح والطبقات الاجتماعية، من فلاحين وتجار ونساء وصناع تقليديين ومقاولين. لا نتردد في الإشارة إليها كلما سنحت الفرصة. وقد سبق للرئيس عبد الله إبراهيم أن كان أول من أشار إلى أهمية هذا الاختيار التنظيمي في التقرير المذهبي المقدم إلى المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في ماي 1962. لقد كان الراحل عبد الله إبراهيم يتمتع برؤية مستقبلية واضحة والبحث عن فعالية قصوى، حيث كان يستهدف من وراء عرضه، لا فقط المغرب، بل أيضا ما سماه ب"الوطن المغاربي". إذ بالنسبة إليه فإن "الإبقاء على التقسيم الترابي للمغرب العربي سيؤدي إلى نظم سياسية موجهة من الخارج وقمعية في الداخل". وهذه الوحدة يجب أن تأخذ في فكر المناضلين معنى دقيقا، إنهم في مجموع المغرب العربي يتمثلون في النقابات العمالية وفي الفلاحين، وكذلك في الاتحادات الطلابية ومنظمات الشباب والاتحادات المهنية والصناع التقليديين والاتحاد النسائي، وهم كذلك المنظمات التي تعد بحق وسائل بناء المستقبل، منظمات تستطيع، بقدر ابتعادها عن المواجهات التي عرفها النصف الثاني من الحركات السياسية التقدمية. إننا في حاجة إلى مثل هذه القرن العشرين، أن تؤسس لاستقرارات كبرى وتكون أداة للاقتراح وللمساهمة في بناء إنسان الغد، ولتخطي كل الحواجز وتجاوز ملف الحدود الموروث عن الحقبة الاستعمارية، وتكوين الأداة الفعالة للوحدة المغاربية.
حسن البزوي:
مناضل نقابي، تولى عضوية الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل من سنة 1972 إلى سنة 1990، حيث صدر في حقه قرار فردي بالإبعاد من ا.م.ش. وقعه الأمين العام المحجوب بن الصديق. وقد نشر حسن البزوي بعد سنتين على هذا الحادث كتابا بين فيه بالوقائع والوثائق ملابسات وخلفيات إبعاده اللاشرعي من الاتحاديستقر حسن البزوي حاليا بمسقط رأسه بمدينة الجديدة حيث يتفرغ للتأمل والبحث والكتابةوقد صدر له في السنة الماضية مؤلف باللغة الفرنسية بعنوان: "تسعة قرون وسط الزوبعة"، ويتناول من بين مواضيعه الصراع العربي الصهيوني.
كما نشر سنة 1992 كتاب: "الاتحاد المغربي للشغل: حلم وواقع". وله مشاريع أخرى ستنشر لا حقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.