10 ديسمبر, 2016 - 03:15:00 قال إلياس العماري، الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة"، إنه من الطبيعي أن تثير مصادقة المجلس الأعلى للتعليم على مشروع الرأي الذي تقدم به رئيس الحكومة حول مساهمة الأسر في تمويل التعليم الثانوي والعالي، نقاشا عموميا واسعا وحركة احتجاجية في الأوساط النقابية والتعليمية والشعبية؛ لأن الأمر يتعلق بقضية حساسة تعني بشكل متفاوت المغاربة جميعا". وأضاف العماري، في مقال له تحت عنوان "مجانية التعليم.. الشجرة التي تخفي الغابة"، نحن أمام حالة شرود مزدوج، دشنها طلب رأي في الوقت الميت من زمن الحكومة المنتهية ولايتها، وانساق معها إبداء رأي متسرع قبل تشكيل الحكومة الجديدة، واستكمال هيكلة وتنصيب السلطة التشريعية؛ فكيف يستقيم دستوريا وتنظيميا إبداء رأي بمعزل عن إطارات ومؤسسات مناقشته وتصريفه؟ يتساءل العماري. وعاد العماري في مقاله التحليلي لحقبة ما قبل استقلال المغرب، حيث اعتبر أن "التعليم ظل في مغرب الاستقلال رهينا بالسياسة الاستعمارية نفسها، الفرنسية على وجه التحديد، ويحضرني هنا التحليل السوسيولوجي المعروف لبيير بورديو في إعادة إنتاج التفاوت بين الطبقات الاجتماعية عبر الأنظمة التعليمية. يبدو أن المنطق نفسه الذي كشفه بورديو تم استنساخه في منظومتنا التعليمية منذ التجارب الأولى للحركة الوطنية، مرورا بمسلسلات الإصلاح، وصولا إلى اليوم"، على حد تعبير العماري. "ففي الوقت الذي كانت رموز الحركة الوطنية تدعو عموم الشعب إلى التشبث بأصول "الهوية العربية" للمغرب وبأصالة الثقافة المغربية من خلال "تعريب" المنظومة التعليمية، كانت ترسل بناتها وأبناءها إلى مدارس البعثة الفرنسية وإلى المدارس والجامعات العريقة في الخارج"، يقول العماري، قبل أن يؤكد "وبالفعل فقد بلغت المقصود من استراتيجياتها، وهو السيطرة على المربع الضيق للنخب في عالم الإدارة والاقتصاد والأعمال والمال والسياسة؛ مع بعض الاستثناءات القليلة التي استطاعت اختراق هذا المربع بمجهودات ذاتية معزولة". وأورد العماري أن "نظامنا التعليمي الحالي يكرس المنطق الطبقي نفسه الذي ولد مع الاستعمار وترعرع مع الحركة الوطنية وتقوى عظمه مع مسلسلات الإصلاح لما بعد الاستقلال، فالمجانية التي نخاف عليها اليوم هي في الحقيقة مجرد وهم يتم تسويقه للطبقات الفقيرة من مجتمعنا"، متسائلا: "هل المجانية هي فقط بناء حجرات دراسية جزء كبير منها مفكك؛ وتجهيزها بطاولات وسبورات، وتزويدها بالطباشير وبعض الأدوات الديداكتيكية، وتوظيف أساتذة وإداريين وأعوان؟ هل التعليم هو هذا فحسب؟ من يشتري الكتب المدرسية والأدوات والدفاتر؟ من يؤدي رسوم التسجيل والتأمين؟ من ينقل التلاميذ إلى المدرسة؟ من يوفر الغذاء لعموم التلاميذ طيلة أيام الدراسة؟ .. هل يمكن تصور مجانية حقيقية بالحجرات والأساتذة فقط؟ وهل يتم احتساب تكلفة الأسر لتغطية مستلزمات الذهاب إلى المدرسة؟. واستطرد العماري في حديثه، "إن زمن المدرسة، كحق جماعي في المعرفة والعلم وإنتاج الثروة الرمادية، هو زمن سطوة اقتصاد المعرفة وزمن صنع المستقبل بامتياز؛ ما يستدعي مبدئيا بناء تعاقد وطني جديد حول المدرسة والجامعة، على قاعدة التشاور المؤسسي الثابت والمستمر مع الفاعلين التربويين والشركاء الاجتماعيين والمؤسسيين والمدنيين".