بركة يقطع الطريق أمام المتورطين في شبهات الفساد    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    جوهرة بناني تحتفظ بلقبها: انتصار ملفت في رالي عائشة للغزالات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تسرب 27 الف لتر من الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    السنغال: تفكيك موقع سري للتنقيب عن الذهب شرق البلاد واعتقال 15 أجنبيا    توقيف الدعم المالي للأسر يجر لقجع للمساءلة    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين بمنع ارتداء سراويل داخلية تغطي الركبة    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    أكاديميون إسبان يؤكدون على أهمية مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    سانشيث فرسالة بمناسبة تأسيس حزب العمال الاشتراكي: حسيت بالدعم وممتن ليكم وخاصنا فالصبليون سياسة حقيقية ماشي الخداع    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    حصيلة نصف الولاية الحكومية: تناقضات وأسئلة عالقة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    صندوق النقد الدولي يشيد بقدرة الاقتصاد المغربي في مواجهة مختلف الصدمات    بعد الضجة الأخيرة حول لقاح "أسترازينيكا".. الطيب حمضي يوضح    مقترح قانون لتعزيز مشاركة المواطنين في العملية التشريعية    الداخلية تحدد تاريخ إجراء انتخابات جزئية بدائرتي بنسليمان وسيدي سليمان    حادثة سير تسلب حياة سيدة في مراكش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    الذهب يستقر بعد تثبيت البنك المركزي الأمريكي لأسعار الفائدة    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ترفع توقعاتها للنمو العالمي لعامي 2024 و2025    السعودية تدعو طرفي الصراع في السودان إلى ضرورة تغليب مصلحة الشعب السوداني    المغرب ينافس إسبانيا على التفوق الجوي.. "الميراج" في مواجهة "يوروفايتر"    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    ففرانسا تحكم على شيفور مغربي مهرب الحشيش فموك بغرامة قياسية فتاريخ جرائم تهريب المخدرات    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    دوري أبطال أوروبا (نصف النهاية/ذهاب): دورتموند يهزم باريس سان جرمان 1-0    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد    كولومبيا قطعات علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    بالفيديو.. تعطل فرامل جرافة يتسبب في اصطدام مروع بسيارة في إقليم الحسيمة    مليلية تودع "أحوري".. الصوت النضالي لحقوق الريفيين بالمدينة المحتلة    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    تخلف ورجعية. سلطات إيران استجوبت طاقم وممثلي فيلم "حبة الكرموس المقدس" اللي غادي يشارك ف مهرجان "كان"    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    «باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة صحافي مغربي إلى عاصمة القذافي قبيل سقوط نظامه
نشر في لكم يوم 03 - 09 - 2011

قيبل سقوط النظام الليبي، حاولت سفارة ليبيا في الرباط تنظيم رحلة جماعية لمثقفين وسياسيين وصحفيين لزيارة طرابلس لحضور تجمع لمناصر الدكتاتور الليبي الذي كان نظامه يلفظ آخر أنفاسه داخل عاصمته طرابلس. وأوكلت هذه المهمة كما هي العادة إلى بديعة الراضي، الملحقة الإعلامية بسفارة القذافي بالرباط، و"منسقة اللجنة الثورية العالمية" بليبيا القذافي، وعضوة حزب "الاتحاد الاشتراكي". وعلى غير العادة لم يستجب لدعوة الراضي التي دأبت على شحن مثقفين وسياسيين وإعلاميين وأشباه مثقفين إلى "جماهيرية العقيد"، أيام عزه، سوى شخصان هما ربيعة السعدوني، عضوة المجلس البلدي لمدينة القنيطرة، والمنتمية لحزب "العدالة والتنمية"، والصحفي محمد الطايع، صاحب هذا التحقيق الذي ينشره موقع "لكم" باتفاق مع الكاتب.
محمد الطائع ( ليبيا)
السفر الى ليبيا اليوم وهي محاصرة برا وبحرا و جوا، وأزيز الرصاص وروائح الدم والدخان تملئ سماء البلاد، مغامرة صحفية تستحق أن تعاش وهي كذلك ضرب من جنون قد لا يغتفر. استسلمت لفضولي الصحفي الذي استبد بي، وكان علي ان اقطع مسافة 2800 كلمتر في اقل من اربعة ايام ذهابا وايابا من تونس الى طرابلس عبر بوابة راس جدير.
الوصول برا إلى "راس جدير" وهو المعبر الحدودي الخاضع لكتائب القذافي تطلب قطع مسافة 600 كلم،قادما من تونس العاصمة.غادرت تونس العاصمة في حدود الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر. درجة الحرارة كانت في حدود الاربعين درجة مئوية. استقلينا سيارة أجرة ليبية مهترئة تكدسنا فيها انا واربع مغربيات، اثنين منهن غادرنا ليبيا بعد بداية انتفاضة 17 فبراير وهما اليوم قررنا العودة الى طرابلس. بجانبي في المقاعد الخلفية عمر ازراج، شاعر جزائري مقيم في لندن ويعمل صحافيا متعاونا مع جريدة العرب الدولية لمدة تزيد عن عشرين سنة. اخترقت السيارة المهترئة جنوب تونس عبر مدن القيروان، كندار وعلى اليمين سيدي بوزيد ومدن صغيرة اخرى.
القطعة الأولى من رحلة الجحيم
قطع مسافة 600 كلم، تحت درجة حرارة مرتفعة اصاب الجسد ببعض التعب، لم يخفف منه الا الروح المرحة للجزائري عمر أزراج. تحدث معي الرجل عن علاقاته مع مهرجان اصيلا، وحميمياته مع الراحل زفزاف، شكري، ومغامراته مع محمد الاشعري حين كان رئيسا لاتحاد كتاب المغرب، واحمد المديني و إدريس الخوري، المديني، برادة، الجابري، العروي، وغيرهم من المفكرين والمثقفين المغاربة. وجدته ملما بتفاصيل الحياة الفكرية و السياسية المغربية. تذكرنا اننا في رحلة الى بلاد العقيد، ولا احد منا يدري ما ينتظره، خصوصا ان طائرات الحلف الاطلسي لا تفرق بين الضيف والمستضيف.
كان ضروريا جدا ان يشاركنا "سي مسعود" بعض النقاش، ويخبرنا بما لا تخبرنا به الفضائيات العربية والأجنبية، و يزودنا ببعض المعلومات التي قد تفيدنا في هذه الرحلة/المغامرة.
سي مسعود، سائق ليبي، خمسيني العمر، يدخن بشراهة، ملم بما يجري في الوطن العربي من ثورات وانتفاضات وحراك شعبي. خبر الطريق بعدما احترف لسنوات السياقة من طرابلس الى تونس العاصمة.
أول كلمة سأسمعها من السائق سي مسعود، هي "الجرذان" وهي الكلمة المتداولة اكثر في معسكر حلفاء القذافي ، يقصد بالكلمة الثوار، واعتبر أن ما يحدث في ليبيا من تدبير الغرب الراغب في السيطرة على البترول الليبي. تشعب بنا الحديث الى امور السياسة والوضع في تونس وليبيا. لم يتردد السائق الليبي في انتقاد القذافي والمحيطين به من رموز النظام.
وحسب رواية سي مسعود، فان العديد من الليبيين ضد النظام، لكن تدخل قوات الحلف الاطلسي"الناتو" واستنجاد الثوار ب"الاجنبي" اغضب وجهاء القبائل المعارضين للقذافي.
في منطقة تسمى"كنتي" على مسافة 90 كلومتر من النقطة الحدودية التونسية "بنكردان"، توقفنا لتناول وجبة العشاء. العياء الشديد اخد من ركاب الحافلة الصغيرة ما أخد، وبلغ التوتر أشده عندما سمعنا ان طائرات الناتو قصفت مقر باب العزيزية بطرابلس وهو بمثابة الحصن الحصين للقذافي. اكفهرت الوجوه وبدأت الاخبار تأتي تباعا عبر الهاتف النقال للسائق سي مسعود قصف آخر في طرابلس، هجوم هنا وآخر هناك، وسطو وهجوم على السيارات المدنية من طرف شبان تجهل هويتهم في الطريق المؤدية الى معبر بنكردان، اي الطريق التي علينا قطع ما تبقى منها.
قبيل الوصول الى الحاجز الحدودي بنكردان، تتراءى مخيمات النازحين، عددها لا يتجاوز خمسة مخيمات، شبه فارغة من قاطنيها، لافتات كبيرة للهلال الاحمر التابع لدولة قطر، ولافتة أخرى لدولة الامارات العربية المتحدة وغيرها من الدول والمنظمات التي ابت الاّ ان تقدم المساعدات الانسانية للنازحين.
يحكي السائق، أن المخيم كان يحوي آلاف النازحين من مختلف الجنسيات في بداية الاحداث. وعن تراجع اعدادهم باستثناء النازحين من اصول افريقية يشرح سي مسعود، ان منهم من غادر في اتجاه بلاده، وآخرون فضلوا العودة الى ليبيا. وعن وضعية النازحين الأفارقة يوضح سي مسعود أنهم، لا يريدون العودة الى بلدانهم كما ان مصالح طرابلس تمنعهم من دخول اراضيها. رواية اخرى تقول ان القدافي يوظف هؤلاء الأفارقة ويتم تجنيدهم في معارك ضد الثوار، بل منهم من قال ان نظام القذافي يدفع خمسين دولار لوسطاء وشبكات الهجرة السرية عن كل افريقي يتم استقدامه، ويتم بعد ذلك تنظيم عشرات الرحلات الليلية يوميا بحرا بواسطة قوارب في اتجاه ايطاليا في افق اغراق الجنوب الايطالي بالمهاجرين السريين الأفارقة، انتقاما من الصديق القديم للقدافي برليسكوني، رئيس الحكومة الايطالية.
في تمام الساعة الواحدة والربع، وصلنا إلى معبر بنكردان، وهو اخر نقطة حدودية برية خاضعة لنفوذ السلطات التونسية، قبل الدخول الى الاراضي الليبية. خمسة حواجز امنية، اقل من 15 دقيقة،لطبع الجوازات واجراءات التفتيش . رجال الامن والجمارك لم يترددوا في اظهار لباقتهم معنا، ذكور واناث بزي نظيف ولباقة في التعامل، حتى ان "مراد" الجمركي لم يتردد في تعبئة ورقة المغادرة بنفسه لفائدة ركاب الحافلة.
على مسافة عشرة امتار تقريبا من المعبر الحدودي بنكردان، نصبت حواجز عدة، جلبة في المكان الى حد الفوضى، طوابير من السيارات في الاتجاهين اجراءات تفتيش مشددة. لافتة كتب عليها "مرحبا بكم في راس جدير" وصورة كبيرة للعقيد القذافي والراية الخضراء، كلها اشارة تنبيه اننا في اراضي الجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية العظمى . المسؤولون عن المعبر لا يمكن تمييز انتمائهم الوظيفي، لا زي موحد ولا رتب ولا نظام، وكلهم مدججون بالأسلحة. بعد كل مترين يطلب منا شخص ما جواز السفر، منهم الجالس فوق كرسي بلاستيكي ابيض بملابس رثة وبلحية مسدلة وحوله يتحلق زملاء جالسين القرفصاء، منهم من يرتدي سروالا عسكريا وقميصا رياضيا، وآخر بسروال وقميص صيفي ونعل، ينظرون الينا بازدراء. وسط هذا العذاب والعبث ونحن في الساعات الاولى من اليوم الموالي، وبعدما تحولت أجسادنا الى قطع متفككة من شدة التعب. كل من كان معي في الحافلة تسلم جواز سفره مختوما، الا انا. حوالي نصف ساعة وانا انتظر وابحث عن جوازي التائه. قادني شخص بدين الى غرفة الجمرك، ومن نافذة صغيرة، أمطرني شاب بأسئلة تشبه الاستنطاق وبصياح مزعج وسبابته في انفه. لم اتمالك نفسي حين راح هذا المراقب الطائش يقلب جوازي سفري بطريقتي مستفزة ويمرقني بنظرات احتقارية، مما جعلني افجر في وجهه كل غضبي، انتزعت جواز سفري. الحافلة المهترئة التي كنت اقلها تقدمت الى الأمام، قطعت المسافة راجلا خلفها، ولم يكن بجواري الا عمر الجزائري الذي نال بدوره نصيبه من العذاب،علما ان الرجل على عتبة الستين من عمره. ومن كثرة المراقبة البليدة للجوازات بين كل متر وشبر، اقسم عمر الا يخرج جواز سفره ثانية لاحد مفضلا العودة الى حال سبيله من حيث اتى على تحمل هذا العبث: "يا أخي ألا تستحيوا قليلا، لماذا تهينوننا هكذا، السنا مواطني المغرب العربي؟ افي كل شبر علي ان اخرج جواز سفري؟ اكرهتمونني في هذا الجواز والعرب" قال عمر غاضبا،ولم يهدا من روعه الا توالي احتراق السجائر في فمه.
مرحبا بكم في بلاد "ملك ملوك إفريقيا"؟
راس جدير، مكان مقفر وموحش، لا شيء فيه يوحي انك في معبر حدودي الا سلوكات رجال المعبر والحواجز المنتصبة، مقهى يتيم، ومحل بقالة وصور العقيد. في هذه اللحظة ايقنت ان رحلة العذاب وركوب المجهول بدأت بالفعل.
اذا كانت اجراءات دخول التراب التونسي جوا تتطلب اقل من ربع ساعة وكذالك الحال عند المغادرة برا، فان دخول ارض "ملك ملوك افريقيا" و "زعيم القادة العرب" و "الفاتح ابدا" يتطلب نصف يوم كحد اقصى .
علقنا بمعبر راس جدير من الساعة الواحدة صباحا الى الساعة الثامنة صباحا، بسبب الروتين الإداريين وتعقيدات نظام الجماهرية. في قاعة "المراسيم" وهي قاعة رسمية لاستقبال الضيوف. قاعة فسيحة مكتظة بالأرائك الجلدية وصور العقيد في ازياء مختلفة ، عسكرية، مدنية، تقليدية. استلقينا فوق الارائك، الاجساد منهكة، الوجوه شاحبة، لا طعام ولا شراب ولا راحة. قدم لنا " مصباح" نفسه كمكلف باستقبالنا ومرافقتنا وهو موظف بوزارة الثقافة. تكاد الساعات وهي تمر ببطيء، والإجهاد، وتوقع كل الاحتمالات، جعل الوضع عصيبا وكئيبا. كانت الفرصة مواتية لأتجاذب أطراف الحديث مع مصباح، حولا الوضع في ليبيا والثوار والعقيد. يقول مصباح، ان البلاد في حاجة الى اصلاحات وان الشعب ضاق ذرعا بمظاهر الفساد والتهميش. وهو ينتقد الاوضاع لا يتردد في تبجيل القذافي الذي لا يتردد في وصفه ب"القائد". وعن الثوار يقول "هم مجرد جرذان وخوارج، وفيهم مرتزقة من جنسيات عربية وافريقية مختلفة، ومتشددون اسلاميون مندسون، لكن لا احد في ليبيا يريد ان يتقاتل الاخوة، وهناك مساعي كثيرة بين زعماء القبائل في الشرق والغرب من اجل ايجاد حل للازمة". وعن اتهامه للثوار بتجنيد مرتزقة، يوضح مصباح "لقد اسرت الكتائب العديد منهم، ورأيت بعضهم". السائق سي مسعود، له رواية أخرى، مفادها أن المعارضين للنظام والثوار موجودين في كل المناطق بما فيها طرابلس. وان القذافي وابناءه جردوا من السلاح كل المدن والمناطق التي يشكون في ولائها لهم، وان المرتزقة موجودون في كلا الطرفين. سي مسعود، يكشف أن اهل الشرق وخاصة بنغازي رافضون لحكم القذافي وابناءه، والنساء البنغازيات يزغردن على كل قتيل ويقبلن على الموت بشكل مذهل، مفضلين الموت على العيش تحت نظام القذافي وابناءه.
الساعة الرابعة صباحا، لم يسال علينا أحد في قاعة المراسيم، السيد مصباح استسلم للنوم واستلقى على الأريكة الجلدية، رحت لا ابرح المكان، توجهت نحو مركز الشرطة على اجد اجابة تشفي وساوسي. دخلت على غرفة لأمن المعبر، حارس في الباب، قمحي اللون، طويل القامة، نحيف البنية لم ارى مثل بنيته قط في اسلاك الامن والجيش، وداخل القاعة وجدت شرطيين، كانا مسمرين على شاشة التلفاز يتابعون قناة الجماهرية التي كانت تبث النشيد الوطني. سالتهما عن سبب منعهم لنا للمغادرة، فأجاب المسؤول عن المركز، "ننتظر فاكس من طرابلس يسمح لكم بالدخول". شرحت له الوضع ومستوى هذا العبث، ولم يتردد في الرد علي "أخي انأ هنا انفذ الاوامر ولا اقرر، انتظر الاشارة من المسؤولين في طرابلس"، حييته على صراحته، والقيت بجسمي على الاريكة المقابلة لمكتبه.
حضر للمكتب السيد يونس، رجل أعمال ليبي، رافقنا من تونس. احتج يونس بقوة على رجال الامن، واجرى اتصالات متكررة مع طرابلس، لنفهم في ما بعد ان المسؤول الليبي في طرابلس المكلف ببعث الفاكس نائم ولا احد يريد ايقاظه، كما ان السلطات الليبية عممت إجراءات شفوية على مسؤولي المعابر يقضي بضرورة توفر كل زائري ليبيا على التأشيرة، بمن فيهم مواطني دول اتحاد المغرب العربي، والتي كانت معفية منها قبل بداية الاحداث. المثير في الموضوع ، ان المصالح الخارجية الليبية من سفراء وقناصلة لا علم لها بهذا الاجراء.
في تمام الساعة السابعة صباحا، كتب لنا ان نتحرك، من راس جدير صوب العاصمة طرابلس، وتفصل النقطتين مسافة 150 كيلومتر. الوصول الى طرابلس يتطلب اعصاب من نوع خاص. دوي الرصاص يسمع بين الحين والآخر، ونقاط التفتيش التي نصبتها الكتائب فاقت العشرين نقطة للمراقبة. رجال الكتائب شباب في مقبل العمر، جلهم اشعت الشعر، يضعون كراسي بلاستيكية وسط الطريق، وجوه متسخة، ورئيسهم بنظارت شمسية واخرون يتقدمون نحو السيارات، والجميع مسلح بأكثر من رشاش. اخرون يهربون الى تحت أسمال تنصب كخيام لاتقاء لهيب وقيض يذيب الجسد والجمجمة. معدل الحرارة في حدود 45 درجة. ورغم تغييرنا للحافلة، حيث استبدلنا حافلة النقل العمومي التي اقلتنا من تونس الى راس جدير، بحافلة مريحة ومكيفة، الا ان الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة والغبار المتطاير في الهواء هزم المكيف الهوائي، وبتنا نتصبب عرقا والعطش يخنقنا، ودوي الرصاص يحيي الرعب والخوف بداخلنا.
لتغيير الحافلة، من سيارة اجرة عمومية الى سيارة تابعة للدولة، حكاية أخرى، هي ان مسؤولا ليبيا حكى لي في راس جدير ان تغيير السيارة ضروري تفاديا لمضايقات الكتائب، الذين يتحرشون بالركاب وخاصة النساء، حيث كثر الحديث عن اغتصابات في صفوف النساء من طرف الكتائب.
الزاوية، صبراتة، صرمان : مدن تحولت الى مرآب ضخم
على طول مسافة 150 كلم، يتراءى من جهة اليمين الجبل الغربي ، حيث يتمركز الثوار ، وفي جهة اليسار الشريط الساحلي الممتد .أول مدينة دخلناها بعد خروجنا من معبر راس جدير هي "زوارة"، ثم "صبراتة"، ف"صرمان"، و"الزاوية " ثم مدينة "الماية "وهي آخر مدينة قبل دخول طرابلس.
كل المدن تشبه بعضها، مساكن مهجورة،محلات تجارية مغلقة، شوارع فارغة من المارة ،مشاريع متوقفة، منازل مبنية بشكل عشوائي لم يراعى فيها اي حس معماري. شعارات التضامن مع العقيد القذافي منتشرة في كل شبر شبر وحائط حائط " الشعب يريد معمر العقيد" و " الفاتح ابدا" وغيرها من مقتطفات "الكتاب الاخضر المقدس ". صور القذافي من مختلف الاحجام في الشوارع والمنازل ، بل ان صوره مرفوعة ايضا حتى في اوراش البناء ؟ باختصار مدن من خراب واشباح.
على طول الطريق، تظهر طوابير بمآت السيارات تنتظر دورها للتزود بالوقود، امتداد بطول كيلومترات يكشف ازمة وقود حادة تعيشها هذه المدن التي تحولت الى مرآب ضخم،ومحطة للوقود رغم ان البلد نفطي بامتياز . سائق الحافلة ومعه مرافقنا "مصباح"، أكدا ان الناس يبيتون ثلاث ايام واحيانا اسبوع للتزود بالوقود. الجماهيرية الليبية الاشتراكية العربية العظمى لا تكرر النفط ، ولتكتمل سريالية المشهد، فان اليبيين يستوردون حاليا البنزين من تونس للتغلب على النقص الحاصل في هذه المادة الحيوية.
تعتبر مدينة الزاوية، التي تبعد 40 كيلومتر عن العاصمة طرابلس، واحدة من اهم المدن الليبية،والتي عرفت صراعا كبيرا بين الثوار والكتائب،تفضح منازلها وشوارعها ومبانيها مدى الدمار البشع والجرائم التي ارتكبها نظام القذافي. المدينة قصفت بالصوارخ ومختلف الاسلحة الثقيلة. مصادر تتحدث عن الاف القتلى والمجهولة مقابرهم،وعدد كبير من النازحين والمفقودين والاسرى . آثار الرصاص والقنابل والصواريخ في جل المساكن ،مباني محترقة بالكامل، شظايا زجاج الادارات. و حسب شهود عيان فان نظام القذافي كان سيبيد سكان الزاوية وصبراتة وصرمان لولا تدخل قوات الناتو . المدينة دكت دكا وجرد ابنائها من السلاح وتفرض عليهم الكتائب قانون الطوارئ وحضر التجوال.
وفي مدينة الماية، و هي آخر مدينة قبل الوصول الى العاصمة طرابلس،تتمركز كتيبة اللواء 32 التي يقودها "خميس" نجل العقيد القدافي، وتلعب هذه الكتيبة دور الدفاع المتقدم عن العاصمة طرابلس وتنسيق عمل وتموين باقي الكتائب المنتشرة في مدن : صرمان،زوارة،صبراتة،والزاوية. ويقول المرافق"مصباح" أن مدينة الماية، تعرضت الى قصف مكثف من طرف قوات الناتو. ويضيف ان قوات القدافي تحكم سيطرتها بالكامل على المنطقة، وان محاولات هجوم الثوار لا تتوقف خاصة في الليل آملة بذلك استعادة سيطرتها على "صرمان" و"زوارة" و"الزاوية" باعتبارها منفذ استراتيجي حاسم للتوجه نحو طرابلس.
طول المسافة الفاصلة بين المعبر الحدودي راس جدير والعاصمة طرابلس، عرى حقيقة الاوضاع في ليبيا حتى قبل اندلاع الاحداث. فمنطقة الشمال الغربي منطقة بئيسة ومنكوبة ولم تستفذ الا النزر القليل في مخططات التنمية . ورغم كون الجماهيرية الليبية دولة نفطية وغنية، تبقى هذه المدن على الهامش حيث انتشار واسع للبطالة وتردي الخدمات الاجتماعية وانتشار الفساد والمحسوبية من قبل محظوظين يعدون على راس الاصابع .
42 سنة من حكم القذافي لم يستطع خلالها تمكين هذه المناطق من بنية تحيتة حقيقية، لا سكة حديدية و لا طرقات ولا مؤسسات، حتى اضواء المرور و علامات التشوير منعدمة . صحراء شاسعة بمدن عشوائية لا يوحدها الاّ الفوضى الممتدة في الربوع وصور القذافي التي فاق انتشار كل التوقعات.
الثوار يعتبرون ثورتهم جوابا عمليا ضد الطغيان وانتفاضة من اجل الحرية والكرامة،فيما يعتبرها الموالين للقذافي تمردا عسكريا وانقلابا على الشرعية بدعم من الغرب.
أخيرا..الوصول الى طرابلس؟
بعد 24 ساعة كاملة من السفر برا،بليلتها البيضاء،وصلنا اخيرا الى العاصمة طرابلس. وقفت الحافلة امام فندق "باب البحر". مرة اخرى صورة ضخمة " للقائد..الفاتح أبدا" .اغلق السائق محرك الحافلة،واخرس ضجيج المحرك الذي فعل فعله في آداننا. سحبنا ارجلنا التي تجمد الدم في عروقها،واتجهنا نحو مصلحة الاستقبالات. منتصف الزوال في العاصمة طرابلس اقل حرارة من المدن التي مررنا بها. الفندق مكتظ بالوفود العربية من:تونس،الجزائر،مصر،سوريا،لبنان،المغرب،السودان. الوفود كانت على موعد مع فعاليات اطلق عليها" ملتقى الادباء والشعراء والمثقفين العرب".
وجدت نفسي غير ملزم بحضور افتتاح الملتقى، لست شاعرا ولا اديبا ولا ادعي مع المدعين. منتهى حلمي في الحياة هذه اللحظة، هي اخد حمام ساخن والاستسلام لوسادة ناعمة. انتظرت امام الموظف المكلف بالاستقبال اكثر من ربع ساعة، اخدت رقم ومفتاح الغرفة، فيما فضل الموظف أخد جواز سفري واحتجازه في الدرج. سالته : لم اسمع قط ان فندقا يعتقل جواز سفر الزبون. ردا ضاحكا: في الجماهيرية نفعل دلك، وسنعيده لك يوم ستغادر الفندق. أجبته: منصورين إنشاء الله، وعاش الفاتح ابدا؟؟
جلسة افتتاح فعاليات "المثقفين والادباء العرب" ستنطلق بعد قليل او هي انطلقت بالكاد. جلبة ببهو الفندق. طلب مني ان استعد للانتقال الى فندق" المهاري"، حيث تقام الفعاليات. رفضت الطلب. كذلك فعل مرافقي الجزائري الشاعر عمر ازراج، الذي فضل النوم الى اليوم الموالي على ان يحضر اي نشاط. اخذت المصعد نحو غرفتي بالطابق الثالث ودهني يحرضني على ان افعل ما سيفعله عمر.
وأنا بالغرفة، صرخ جسمي صرخته ونفث كل تعبه وارقه، وقررت أن اصل بالليل بالنهار لليوم الثاني على التولي. فضلت حضور الافتتاح على البقاء في الغرفة، حين اكتشفت أني في زنزانة من خمس نجوم. حرارة مفرطة في الغرفة والمكيف معطل، الحمام بدوره معطل وبلا منشفات، لا ماء في الغرفة او حتى كاس فارغ لتناول عقار طبي من نوع "دوليبران" لتسكين حمى تمزقني، وحتى ثلاجة الغرفة غير مشغلة، المصابيح بدورها غير موجودة.
اخبرت ادارة الفندق بما انا فيه من "النعيم"،وتوجهت توا الى فندق "المهاري".
فندق المهاري واحد من افخم الفنادق في كل التراب اليبي. مواصفات عالمية في التصميم والديكور. ولجت قاعة اللقاء، كانت غاصة بالوفود اجنبية وليبيين. ممثلو الوفود يتوافدون على منصة الخطابة يقولون"كلاما" كلام في كلام. كلام مرتجل، مدح مقزز وهلوسات قومية ونفاق مغاربي وهجوم على الغرب "الهمجي، البربري، الصليبي، الصهيوني، العلوج". حتى قناة الجزيرة وبعض الفضائيات نالت حظها من الهجوم وايضا بعض الدول العربية خاصة الخليجية. تبجيل وتعظيم للعقيد "راعي الوحدة العربية، والوحدة الافريقية، ملك ملوك افريقيا، زعيم العرب، المناضل المقاتل الثوري، المجاهد، الاب الحنون، راعي الفن والأدب، المدافع عن الإسلام والعروبة "وهلما كلاما. الوفد المغربي هو وحده الذي لم يلقي كلمته. بجوار قاعة الاجتماع الذي حضره مسؤولين في الدولة وبث مباشرة عبر وسائل الاعلام الرسمية، يوجد معرض للكتاب، ازدحام وفوضى جل الحاضرين من الوفود يصرون ان يحملوا معهم كل الاصدارات من كل الاجناس، يخرجون من القاعة ووجوهم مغطات بالكتب، هل سيقرؤون كل هذه الكتب؟ رمقت بعض العناوين، كانت تافهة للغاية. هنا أيقنت وتأكدت من طبيعة الحضور وجل الضيوف.
لم امكث في فندق "المهاري" سوى 20 دقيقة، إلى فندق "باب البحر" وصلت بواسطة الحافلة المخصصة للوفود. الساعة في حدود الخامسة مساءا، تذكرت اني لم اتناول وجبة الغداء منذ يومين ولم انم يوم كاملا. نفس الفوضى في مطعم الفندق، اكلت قليلا و توجهت نحو زنزانتي رقم 320 في الطابق الثالث.
طرابلس، مدينة ساحلية، فوضوية العمران. حركة المارة والسيارات قليلة للغاية. كل المؤشرات تفيد ان المدينة تعيش وضعا استثنائيا. المدينة غارقة في الأزبال، و الناس بدأت تشكو نقص التموين. التحرك وحيدا طليقا في عاصمة الجماهيرية، ضرب من الخيال. رغم الوعود التي تلقيتها من المسؤولين الليبيين الذين التقيت بهم، والذين اخبرتهم اني لست معنيا بلقاء الشعراء والمثقفين، وان قصدي هو التعرف اكثر عن الوضع العام وتحديدا التعرف معاناة المغاربة المقيمين في ليبيا. بالأمس منحوني كل الوعود ان بإمكاني التحرك والتجول بكل حرية ولقاء من اشاء من الناس وزيارة مختلف الاماكن، الا اني صدمت من شدة المراقبة على تحركاتي التي لا تفارقك فيها اعين الامن اللليبي على مدار الدقيقة. عدد صور القذافي اكثر من عدد مصابيح الشوارع. بعض العمارات الشاهقة واغلبها فنادق وحدها تعطيك الانطباع انك في مدينة تنتمي الى القرن الواحد والعشرين. لا طير في السماء، لا سينما لا منتزهات، لا قطار ولا انترنيت، جل الجدران تحمل شعارات تمجد القائد "الله وليبيا ومعمر وبس". بعض العشرات من الشباب في الشاطئ لتزجية الوقت.
الهواء الرطب للعاصمة ونسائم البحر، لا تقوى على مقاومة الشعور بالاختناق الذي يختلج في الافئدة.
بينما كانت اشغال ملتقى الشعراء والمثقفين متواصلة، تنقلت إلى الساحة الخضراء التي الف القذافي ان يجمع الحشود، ويلقي خطبه. الساحة محاطة بأشجار النخيل، وشاشة ضخمة تنقل اشغال الملتقى وتبث نشرات الاخبار، وما ان حركت الة التصوير حتى نط رجال الأمن، فوجدت نفسي محاطا بامرأة ورجل قدما نفسهما انهما مراقبي الساحة واخبروني ان لا حق لي في التصوير. بعد اخد ورد، تلقى الاثنين اشارة من ثلاث رجال كانوا في سيارة رباعية الدفع على مسافة خمسة امتار تقريبا. عاد رجل الامن وطلب مني عدم مزيد من الصور والاكتفاء بصورة واحدة. تحركت في اتجاه مجموعة من الشابات سالتهن عن الاوضاع في طرابلس، الاولى وتدعى سعيدة، طالبة رفضت الحديث والخوف يملئ عيناها أما رفيقتها فاطمة وهي خريجة جامعية عاطلة، فتقول "كلشي باهي، وفي انتظار العمل فانا اتقاضى مبلغ شهري الى حين حصولي على الوظيفة" وعيناها لا تتوقفان عن الدوران وارتعاشة اليدين تبرز ما تعانيه من خوف ورهبة من نظام لا يرحم معارضيه. نفس السيناريو تكرر مع الشباب بجانب الكورنيش. سؤال "هل انتم مع القذافي ام مع معارضيه" يثير حفيظة المستجوبين وتسمع اذناك ما لا تحسه كل حواسك.
من الساحة الخضراء، اتجهت إلى سوق الجمعة، ثم سوق جامع الصقيع وشارع عمر المختار، شارع المنصورة، مرورا بمنطقة كركاش ومنطقة بنعاشور التي تعتبر من الاحياء الراقية للغاية في العاصمة طرابلس، ووصولا إلى سوق جامع الصقيع وحي بو سليم الذي يصنف ضمن خانة افقر الاحياء الشعبية بالعاصمة.
المناطق الراقية للعاصمة اغلقت محلاتها من مدة، وهاجر اصحابها الى خارج ليبيا، حتى حركة السير تراجعت في كبريات الشوراع، قياسا مع ما كانت عليه في السابق حسب افادات بعين المكان. التنقل وسط العاصمة يستوجب المرور على كتائب مسلحة ومتاريس متعددة، كما ان اثار قصف الناتو لوسط العصمة لا تخطاه العين في اكثر من مكان، كقصف مقر الرقابة الشعبية الموجود بشارع ابو مليانة وسط العاصمة والذي احترق بالكامل.
ليل طرابلس مختلف تماما علن نهارها. حركة السير تتحسن قليلا، فيما تكثف الكتائب من المراقبة المشددة للشوارع ومداخل الأحياء، والناس لا تبالي بقصف الناتو. ترتفع الصيحات وتردد الحناجر مختلف الشعارات المؤيدة "للقائد" جراء كل قصف. تحدي مختلط بالجنون. الزغاريد ترتفع في السماء ممزوجة بطلقات نارية في الهواء. "الناس تعودوا على الحصار والقصف" هكذا يشرح يونس. في غرفتي بفندق باب البحر وسط المدينة والمصنف "زورا" من فئة خمس نجوم، أراقب طائرات الحلف الأطلسي المخترقة للأجواء. هدير الطائرات العسكرية يمنع النوم عن الجفون، قصف لأكثر من موقع والزغاريد والصيحات في ارتفاع . الى جانب ضجيج الطائرات والقصف والاحتفالات الموجودة بالساحة الخضراء، هناك دوي القنابل الصوتية المتواصلة في إطار الحرب النفسية على العقيد وجيشه.
اختراق باب العزيزية
مع كل شروق يكبر الأمل في الحياة. وفي مختلف الأسواق والإحياء تبرز مظاهر الأزمة "لدينا احتياط كافي لمدة ثمانية أشهر في كافة مواد التموين" يقول يونس صاحب شركة والمشرف على الرحلة.
الى حي"بوسليم" انتقلت، وهو من أشهر الأحياء الشعبية بليبيا. مباني متواضعة متراصة، مبنية بالآجور الأحمر، بعضها مكتمل البناء بطلاء ابيض والآخر أشبه بالجحور. كثافة سكانية هائلة،حركة نشيطة على خلاف باقي الأحياء بطرابلس. تشكلها جنسيات متعددة، خاصة الجالية الإفريقية. تقدمت نحو مجموعة من الشيوخ يفترشون الأرض، رفضوا التحدث معي، حتى ان احدهم قال لي"هل لك تصريح للحديث مع المواطنين"؟ صرفت النظر عنهم واتجهت لدكان بقالة لصاحبه "سليمان" سوداني مقيم في ليبيا لسنوات، لم يخف عنا صاحب البقالة الخصاص في مواد التموين، فيما السوق المجاور للحي يعرض كافة المنتجات والسلع. أمتار قليلة التقيت جمال سالم"، موظف ب"السلامة الوطنية" قيل لي إنها تشبه خدمة رجال المطافئ. تنقل معي الرجل 20 دقيقة تقريبا "لا نرى بديلا عن القائد، والأوضاع باهية للغاية" هكذا قال. لم يتردد في نقلي إلى بعض الأزقة واطلاعي على بعض الدكاكين التي تضم كميات وافرة من المؤن. في المخرج الشمالي للحي كان خمس شباب ينصبون خيمة والسلاح فوق الأكتاف "نحن متطوعون من أبناء الحي، نقوم بتنظيم السير والدخول والخروج من والى الحي، خاصة في المساء عبر دوريات بالتناوب، وندافع عن مساكننا وأهلينا" يقول احد عناصر الكتائب، ولما سألته عن دواعي هذا الإفراط في الرقابة، لم تتأخر الإجابة على لسانه" في بعض الفترات تحدث انفلاتات ويتعرض الحي لهجمات بعض العملاء من الجرذان".
بؤر المعارضين وتحديدا من الشباب منتشرة بكثرة في قلب العاصمة طرابلس، حسب ما أكده أكثر من مصدر. يشتغلون في الخفاء ويتحركون ليلا بحذر شديد،خاصة في حي ابوسليم، سوق الجمعة، باب بنعاشير وسوق جامع الصقيع.
جل المحال التجارية التي زرتها وحتى داخل الفنادق، يهتم الليبيون بالفتاوى الصادرة من الشرق، خاصة من مشايخ العربية السعودية. فقد أفتوا جميعهم بتحريم تمرد المعارضة، والاعلام الرسمي يكرر منطوق الفتاوى ليل نهار الى جانب النشيد الرسمي وفنطزيات بالية، كما يتم استثمارها في مختلف اللقاءات والجلسات.
للتمكن من دخول باب العزيزية، الحصن الحصين للقذافي، كان لزاما التوفر على تصريح للزيارة من طرف مسؤولي الإعلام الخارجي. وبما ان الوفد العربي المشارك في فعاليات "الملتقى الأدبي " حصل على تصريح مشترك للزيارة، فكان لزاما علي مرافقة الوفد لباب العزيزية وباقي المناطق المبرمجة للزيارة.
باب العزيزية، رمز من رموز نظام القذافي، ومكان مهاب لدى كل الليبيين، ونسجت حوله الأساطير. هنا يعيش"القائد" ويقرر في مصير البلاد والعباد. باب العزيزية، مقر الحكم والحاكم.
يحيط بالمكان سور اسمنتي يمتد علوه إلى حوالي عشرة أمتار، شاسع للغاية، والحراسة على مدار الساعة. حدد للزيارة أقل من خمس دقائق. الدخول تطلب إجراءات تفتيش دقيقة من خمس حواجز. كان في استقبالنا سيدة بدينة سمراء اللون ببذلة عسكرية وسروال دجين وحذاء رياضي. تنقل الوفد بين بعض الخيام التي نصبتها بعض الجاليات العربية، المغرب،الجزائر، السودان، ودول افريقية للتضامن مع العقيد. في الوسط مساحات خضراء، وخيمة العقيد وصور العقيد. كما يوجد في قلب المكان منزل القذافي الذي سبق ان قصفته القوات الأمريكية في الثمانيات، وحوله القذافي إلى متحف ومزار في الهواء الطلق. وفي قلب هذا المكان أيضا ألقى القذافي خطابه الشهير للعالم "من انتم..بيت بيت دار دار ..زنقة زنقة..أعلن الزحف المقدس وسأزحف أنا والملايين..ثورة ثورة إلى الأمام إلى الأمام"... وغيرها من العبارات الشهيرة والتي اشتهرت في كل بقاع الدنيا، حتى أن جل الليبيين شيبا وشباب اضبطوا رنات هواتفهم النقالة على عبارات هذا الخطاب.
في أقصى اليمين من الساحة، أثار انتباهي لون العلم المغربي مرفوعا على خيمة مهملة. تقدمت انا وبديعة الراضي الموظفة بالسفارة الليبية بالمغرب والمشرفة على الوفد المغربي بمعية نعيمة السعدوني وهي ناشطة جمعوية بمدينة القنيطرة وايضا عضوة بالمجلس البلدي للقنيطرة عن حزب العدالة والتنمية الذي سبق له ان اشتغل على احياء التوأمة بين بلدية القنيطرة المغربية ومدينة الزاوية الليبية، ( قلت) تقدمنا نحو الخيمة المغربية وبرفقتنا المسؤولة الأمنية الليبية، فاستقبلنا "إسماعيل والي"، مغربي من مواليد فاس، مقيم بليبيا مند ما يربو عن ثلاثين سنة. في جلسة حميمية، كشف إسماعيل أن المغاربة لا يعنيهم امر الصراع بقدر ما هم مهتمين باستقرار الاوضاع. واضاف "انا هنا أدافع عن ليبيا، فهذه الارض اعطتني الكثير ولم ارى من الاخوة الليبيين الى الخير، واعرف مغاربة غادروا ليبيا إلى المغرب وما لبثوا أن رجعوا، كما ان هناك مغاربة في بنغازي فرض عليهم ان يكونوا ضد النظام، واصدق القول أننا كمغاربة لا يهمنا الصراع بقدر ما يهمنا السلام والاستقرار". قدم لنا إسماعيل زوجته وأبناءه، وفي طريقنا لتوديعه حلت بالخيمة أربع نساء مغربيات، انفك ارتباطي بالوفد مرة أخرى وبقيت بالخيمة استمع لمغاربة لا يوحدهم الا غضبهم من سفارة مغربية لا تهتم بهم على حد قولهم.. وسفير ترك ليبيا مند بداية الاحداث حتى وكالة المغرب العربي للأنباء بلا ممثل، فيما الدول الأخرى حاضرة دبلوماسيا وإعلاميا.
السفارة المغربية خارج التغطية
يكشف إسماعيل: "أنا هنا منسق للمغاربة المقيمين بليبيا،أسوة بباقي الجاليات قررنا الدفاع عن القذافي وصامدون معه في البيت الصامد. إلى حد الساعة سجلت أزيد من 700 مغربي قرروا المبيت ليلا هنا تحديا للقصف، فإذا استهدف الناتو القائد ومقره فنحن معه شهداء الى الجنة". فهمت من الرجل أن النظام الليبي وعد من يعتصم ليلا بباب العزيزية ببطاقة خاصة تحمل اسم الشخص وعنوانه على اساس استفادته من مجموعة من الامتيازات تبتدئ بالجنسية وتنتهي بالتعويضات المالية السخية. وحين سالت الرجل عن التنسيق مع السفارة المغربية قال غاضبا "السفارة المغربية لا تسال عن احد وعملها ناقص ولا تهتم بالمغاربة وأسال من شأت، حتى من رحلوا إلى المغرب في بداية الأحداث وعددهم تقريبا 12 ألف أكثر من نصفهم رجع إلى ليبيا، هنا لنا شغل وسكن واسر، لنا ذكريات ورحلة عمر ولا يمكن لنا أن نبني حياة جديدة في المغرب بعد هذا العمر الطويل هنا كما انه لا يمكن للدولة أن تعوضنا ما نملكه هنا".
العراضي محمد، مواطن مغربي من قلعة السراغنة، اشد تحمسا الى العقيد، لا يخفي اعتزازه بمغربيته "هنا مغاربة ولكن طرف ديال خبزنا كاين هنا، وحنا مع القذافي". أخد محمد الراية المغربية وبدا يرفرف بها في سماء باب العزيزية، نبهني أن الوفد غادر المكان، تجاهلت ما قله. محمد متعطش للحديث بدوه غاضب من عمل السفارة ولا يعنيه في شيء اكراهات الحرب ومنطق الدبلوماسية أو حتى هجمات الناتو "نذهب لعملنا صباحا، ونعود بعد الزوال للاعتصام هنا ونحمي القائد" يشرح. وحين سألته انهم يتحولون إلى أدرع بشرية،أجاب مسرعا نافثا دخان سيجارته من انفه وفمه في آن واحد "لا يهم، الرجال تموت دفاعا عن عرضها وارضها واولادها".
عائشة س، سعاد أ، بشرى ح، عائشة ب، مغربيات بأعمار مختلفة، منها الموظفة بقطاع الاتصالات وربة بيت المتزوجة من ليبي، وضعهن الاجتماعي مريح، قادمات من مدن مشرع بالقيصري، الرباط، الخميسات، بنجرير. لم يبخلن عني بالوقت والحديث عن ليبيا والمغرب. اخبرتهن ان هدف زياتي هو التعرف عن وضع المغاربة في ليبيا، واختزلن القول "يوجد بليبيا حوالي 120 ألف مواطن مغربي، والمغاربة يعيشون مشاكل حقيقية، سافر بعضهم للمغرب وترك منزله واقتحمه الثوار ومنازل أخرى نهبها الثوار، الناس تعاني. لذلك يفضل البعض التعامل مع من يسيطر على الوضع في هذا المكان أو ذاك، والحقيقة الثابتة أن المغاربة محترمين هنا والكل مع الاستقرار والسلام". وعن سبب قدومهن الى باب العزيزية اجبن"جئنا لنسجل أنفسنا في قائمة الصمود في البيت الصامد دفاعا عن القذافي ومغاربة آخرون فضلوا دعم الثوار في بنغازي، الناس ضيوف في هذه الأرض وتريد الحفاظ على أرواحها وممتلكاتها". وجدت نفسي استغرقت في الخيمة حوالي الساعة، وقررت التحرك وقبل مغادرتي طوقني مغاربة باب العزيزية بأمانة إيصال صوتهم وصوتهن للمسؤولين المغاربة بالتحرك العاجل لإيجاد حل للجالية المغربية بليبيا خصوصا ان الافق مفتوح على المجهول.
وانا اتجه نحو باب المغادرة، حتى وجدت نفسي معتقلا بين ايدي حراس باب العزيزية "لماذا بقيت هنا والوفد تحرك إلى حال سبيله؟ ما كنت تقول للمغاربة في خيمتهم؟ أين التصريح الذي دخلت به؟ ارينا الصور الملتقطة ومكنا من الهاتف النقال؟ بقيت محتجزا قرابة 15 دقيقة، استنجدت باسماعيل، منسق المغاربة في باب العزيزية، والذي رافقني حتى خروج البوابة وشرح للحراس باللهجة الليبية سبب تأخري، ولم افهم إلا ما فاه به احد الجنود ذو الشارب الكثيف "انسته الجلسة مع المغاربة انه في باب العزيزية"؟
بعد مغادرة باب العزيزية رفقة إسماعيل، لم اعثر لا للوفد ولا للحافلة عن اثر. اخبرنا الحراس ان الوجهة التي تنقل اليها الوفد هي مقر اقامة ابن القذافي الذي توفي في غارة للناتو، طلبت من إسماعيل مرافقتي الى هناك وتحديد مكان اقامة سيف العرب والذي اكد لي اسماعيل ان مواطنة مغربية توفيت بدورها بعد قصف الناتو لمنزل ابن العقيد، حيث كانت تشتغل ضمن طاقم المشغلات. اجرنا سيارة اجرة وانتقلنا الى بيت سيف العرب القذافي، وعلى بعد حوالي 20 مترا من البيت، اوقفتنا كتيبة من الشباب بزي مدني شداد غلاظ. استفسروا عن سبب الزيارة، اخبرهم اسماعيل بالقصة، تقدموا نحوي وطلبوا مني جواز السفر وبطاقة الصحافة وتصريح التنقل، اجبت ان الجواز محتجز بالفندق وبطاقتي المهنية وكافة وثائقي في الحافلة التي تخلفت عنها، وعن التصريح اجبتهم اننا نتوفر على تصريح مشترك كوفد ولا اتوفر على هاتف محلي للاتصال بالمشرف على الزيارة رغم اني مكنته من رقم الهاتف، كما اخبرته بغرض الاقناع، ان مسؤولا بالاتصال الخارجي اكد لي ان التحرك في طرابلس متاح بكل حرية، وادركت العكس تماما. بعد اخد ورد نهر احدهم اسماعيل وهاجم سائق سيارة الاجرة وفتش سيارته تفتيشا دقيقا وسحب اوراقه. تطور الخلاف وتوترت الأعصاب، قبل أن تأتي إشارة الى شخص ثاني من عناصر الكتائب من الزقاق المجاور بإخلاء سبيلنا. طلبت من سائق سيارة الاجرة التنقل مباشرة الى فندق باب البحر ومعي اسماعيل.
طرابلس مفخخة بالكامل
في طريقنا الى الفندق، انفجرت مكنونات سائق سيارة الاجرة الشاب، مما خفف بعض توتري وقال واثقا باسما : لن يرحل القذافي حتى يخرب ليبيا هو وأبناءه،الشعب مل منه، وضاق درعا بزبانيته الذين يركبون اليوم على ثورة الشباب الذين صفاهم القذافي. الحراك اطلقه الشباب من اجل حياه أفضل، لكن القذافي اغتال مئات الشباب بالدبابات والصواريخ والاعتقالات في المشكوك في ولائهم متواصلة ليل نهار ويعدون بالآلاف، لكن كل هذا سيتغير قريبا". فاجأتني صراحة الشاب وسألته مزيدا من التفاصيل "طائرات الناتو لا تقصف المدنيين بل تقصف الأهداف العسكرية التي ينقلها لها الشباب في طرابلس عبر جهاز وتقنية الثريا". وأضاف " ثورة 17 فبراير اطلقها الشباب الذي تمت تصفيته، وسرعان ما ركب عليها اركان النظام من عبد الفتاح يونس وآخرون، كلهم أساؤوا للشعب الليبي وألان يغيرون ولاءاتهم كي لا يحاسبوا، وحاولوا القيام بتمرد عسكري مسلح، وبصراحة فلولا تدخل الناتو لما انتصر الثوار ولأباد القذافي المجنون بالسلطة نصف السكان الذي يبلغ عددهم خمسة ملايين وهو مثل عدد العمالة الاجنبية".
المكان الوحيد الامن في طرابلس الى جوار باب العزيزية هو فندق "ريكسوس" وفندق "المهاري"، آما الأول يعج بالصحافيين من مختلف وكالات الانباء العالمية، وفيه يقيم الناطق الرسمي للحكومة الليبية موسى ابراهيم. الفندق من سبع نجوم بذخ في كل شيء، كما يتردد عليه كثيرا نجل القذافي سيف الاسلام، اما الثاني فتقام فيه انشطة رسمية ويؤوي اجانب من جنسيات مختلفة خاصة اطر الشركات المشتغلة في النفط وبعض العائلات الفارة من بنغازي ووجهاء القبائل. انتقلت الى مقر السفارة المغربية المتاخمة لشارع طارق بن زياد،حملت معي أسئلة وهموم المغاربة. طرقت باب الفيلا المغلق حيث مقر السفارة، لم يجبني احد . عدت أدراجي إلى فندق المهاري لأجد السيدة بديعة الراضي تعلن اختتام فعاليات الملتقى وهي تتلو برقية "نصر ووفاء للأخ القائد".
على هامش اشغال الجلسة الختامية التي حضرت العشر دقائق الأخيرة منها، نزولا عند رغبة السيدة بديعة الراضي، التقيت بنائب السفير الليبي بالمغرب والذي عبر صراحة عن "امتعاضه" للطريقة التي تتناول بها الصحافة المغربية أخبار ليبيا،ذكر جرائد وأسماء صحافيين، حاولت ان اشرح له الامر والوضع المختلف بين المغرب وليبيا خاصة في مجال الصحافة.
من جانبه، أكد عمر محمد السنوسي، المستشار الاعلامي للهيئة العامة للصحافة، في لقاء جانبي ان"ليبيا ستخرج من محنتها، رغم أن هناك خلاف بين اجنحة السلطة". وكشف أن هناك مغاربة في عداد الموتى سواء في طرابلس او في بنغازي وان جنسيات عربية تقاتل في كلى الطرفين.
لم استرد طعم الحياة إلاّ حين وطأت قدماي ارض تونس واستنشقت هواء منعشا كأني نجوت من كابوس مرعب وشدة اختناق مزمن . انفرجت اساريري ونسيت كل تفاصيل الذهاب والاياب الذي لم يخل بدوره من محن. استسلم كامل جسدي للراحة في جزيرة "جربة" التونسية، رغم أن عيون القذافي ظلت تطاردنا حتى غادرنا تونس، وهكذا تحمّل بدني وعقلي ما بقي وعلق به من تعب وارهاق وأرق ونحن نطوي الطريق رفقة سائق سيارة اجرة تونسي من جربة حتى العاصمة تونس، بعدما عبرنا الجزيرة بواسطة باخرة يطلق عليها التونسيون "البطاحات".
وانا اخترق الحدود الفاصلة بين تونس وليبيا نهارا وتحت ضوء الشمس، وسط شريط ممتد من محلات الصرافة وتغيير العملة ورواج هائل للبضائع والسلع، شرد ذهني في السيارة متجها الى العصمة تونس، في تفكيك طلاسم عدم تمكن الليبيين الى يوم الناس هذا من ركوب القطار في بلدهم ورفض القذافي انجاز السكة الحديد وقد ضل في الحكم ازيد من اربعين سنة؟ وعجبت ايضا لدولة تمارس الجلد في الساحة العمومية، ولا تتردد في التغني بالمغرب العربي، وتذكرت المواطنتين المغربيتين، شابتان في مقتبل العمر، مقبلات على الحياة، "ذكرى" وهي فنانة وأختها "جيجي"( أسماء شهرة) الصحافية العاملة في القناة الليبية، واللتين غادرتا ليبيا في اتجاه اهلهما بالمحمدية قبل ان تقررا العودة الى طرابلس وغادرنا دونهما. وعلق بذهني كيف يحترم ويقدر ويحفظ الجزائريون والليبيون والتونسيون عن ظهر قلب اغاني عبد الوهاب الدكالي والغيوان وجيل جيلالة وسميرة بنسعيد وعبد الهادي بالخياط وغيرهم من الفنانين المغاربة وكيف يتابعون عن كثب أدبائنا وفنانينا، حينها أيقنت أن الدبلوماسية الفنية والأدبية أبقى وأضمن، وعلى إيقاع الطرب المغربي الاصيل من ليبيا الى تونس تلقفت اذناي صوت مضيفة الخطوط الملكية المغربية في الرحلة المتجهة من مطار قرطاج الدولي بتونس في اتجاه مطار محمد الخامس بالدار البيضاء
---
تعليق الصورة: نساء مغربيات استخدمن كذروع بشرية بباب العزيزية وفي الوسط الصحفي محمد الطايع صاحب الربورتاج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.