وفاة الفقيه الدستوري عبد الرزاق مولاي رشيد    مصنع السيارات المغربي الأول يفتتح صالته للعرض بالرباط    الأمم المتحدة تقرر إدراج جيش الاحتلال الإسرائيلي على "قائمة العار"    إسرائيل تقول إنها تمكنت من تحرير 4 محتجزين في عملية عسكرية وسط غزة    استئناف المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي سيتم في الأيام المقبلة    أشرف حكيمي أعلى اللاعبين قيمة سوقية عربيا ونايف أكرد ثالثا    الأمن يعلن الحرب على مروجي الماحيا    الإيسيسكو تستضيف أمسية فنية للاحتفاء بمدينة شوشا عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024    بعد منعها من الغناء بتونس.. نادي الفنانين يكرم أسماء لزرق    الباحثة أمينة الطنجي تحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا بتطوان    مراكش.. كمين يطيح بعميد شرطة في حالة تلبس بتلقي رشوة    الامتحانات الجهوية للباكالوريا.. ضبط 66 شخص في حالة غش    مطالب للحكومة بصرف الدعم الاجتماعي قبل عيد الأضحى    بنعبد الله: حكام الجزائر يُغَذُّون العداء والكراهية ضد كل ما هو مغربي مؤسساتيا وشعبيا    بنعبد الله: خطاب الحكومة منفصل عن الواقع ويتجاهل الأوضاع الصعبة للشعب المغربي    وزارة الصحة تعلن عن تسجيل حالة وفاة بفيروس كورونا    المغرب يسجل 22 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" وحالة وفاة واحدة    وزارة الأوقاف: عيد الأضحى يوم الإثنين 17 يونيو 2024    4 أندية أوروبية في منافسة للتعاقد من نجم البطولة المغربية    المنتخب المغربي ينجو من فخ زامبيا ويؤمن صدارة المجموعة    أداء "روبوتات الدردشة" كأداة تعليمية يسائل الفرص والعقبات    رئيس الأرجنتين يتجنب "ممثل فلسطين"    السلطات الدنماركية توقف رجلاً اعتدى على رئيسة الوزراء في كوبنهاغن    لاغارد: مصاعب ترتبط بكبح التضخم    بنكيران مهاجما وهبي..لا نريد أن تصبح فنادقنا أوكارا للدعارة والفجور وإشاعة الفاحشة    الجزائر ترد على المغرب بعد إحداث منطقتين للصناعات العسكرية    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة: "متى يحل عهد أفريقيا" لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    هل يرحل إبراهيم دياز عن ريال مدريد؟    مشروع مبتكر .. اطلاق أول مشروع مبتكر الالواح الشمسية العائمة بسد طنجة المتوسط    كيوسك السبت | المغرب سيشرع رسميا في إنتاج الغاز المسال مطلع 2025    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    زياش والنصيري يُوقّعان الركراكي في المحضور    كأس أوروبا 2024: كوبارسي ويورنتي وغارسيا خارج القائمة النهائية لمنتخب اسبانيا    بطولة إنجلترا: فاردي يمدد عقده مع ليستر سيتي    ارتفاع مؤشر أسعار الأصول العقارية بنسبة 0,8 في المائة برسم الفصل الأول من 2024    الحسيمة.. اختتام فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان إبداعات جوهرة المتوسط    الأشعري في قصص "الخميس".. كاتب حاذق وماهر في صنع الألاعيب السردية    وفاة شاب غرقا في وادي اللوكوس    كيف بدأت فكرة الطائرات العسكرية المُسيرة في عام 1849؟    بن كيران يدعو إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة    حادثة سير وسط طنجة ترسل شخصين في حالة خطيرة للمستشفى    إدارة الرجاء تلعب ورقة المال للفوز بالبطولة    المخابرات المغربية تفكك لغز تحركات شخص خطير في إسبانيا        الأمثال العامية بتطوان... (619)    السيد بوريطة : المملكة المغربية تدين بشدة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى التي "تقوض جهود التهدئة" في غزة    تظاهرة "نتلاقاو في وزان" تعود بنسختها الثالثة لتعريف بالتراث المحلي    البرازيل تشيد بجهود المغرب للمضي قدما نحو تسوية الخلاف في إطار مبادرة الحكم الذاتي    لارام تعيد تشغيل الخط الجوي المباشر بين الدار البيضاء وساو باولو    وفاة أول مصاب بشري بفيروس "اتش 5 ان 2"    دراسة: السكتة القلبية المفاجئة قد تكون مرتبطة بمشروبات الطاقة    افتتاح فعاليات الدورة المائوية لمهرجان حب الملوك    بداية تداولات بورصة البيضاء بارتفاع    فيتامين لا    الدكتورة العباسي حنان اخصائية المعدة والجهاز الهضمي تفتتح بالجديدة عيادة قرب مدارة طريق مراكش    السعودية تعلن الجمعة غرة شهر دي الحجة والأحد أول أيام عيد الأضحى    إصدار جديد بعنوان: "أبحاث ودراسات في الرسم والتجويد والقراءات"    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات عامة حول بعض مفاهيم اليسار المعاصر
نشر في العرائش أنفو يوم 24 - 02 - 2017


بقلم :عزيز قنجاع


تقديم: إن المسالة الأساس في عملية تجديد إنتاج اليسار لفكره السياسي الراهن، لا بد أن ينطلق من إعادة النظر في الأسس والمفاهيم التي انطلق منها هذا اليسار في توصيف هذا الواقع .وأي مقاربة لهذا الواقع لا تعود لتساءل الأصول المؤسسة للقول اليساري لن يكون في إمكانها أن تتبين لنفسها ولن يكون في إمكانها العودة لتملك واقعها ووجودها كقوة تود أن تكون دافعة للتقدم، لذا سيحاول هذا المقال أن يقارب المفاهيم الأساس التي انبنى عليها الفكر اليساري، ونقصد بالمفاهيم الأساس, المفاهيم التي شكلت الأس بالمعنى المنطقي والزمني اللذان تحكما في الرؤية والفكر السياسي اليساري. وهي المفاهيم التي تولدت عن قراءة خاصة لإشكالية مركزية داخل النسق الماركسي ظلت مقاربتها تشكل الأرضية التي من رحمها تولدت جميع التيارات اليسارية والحركات الانشقاقية عموما, ألا وهي إشكالية التراكم الرأسمالي . I-في معنى التراكم. 1- فالرشتاين: التراكم والنظم. لقد صاغ ايمانويل فالرشتاين ما سماه "الحركات المعادية للنظم" بالإشارة إلى أن الملمح الرئيسي للتوسع الامبريالي تاريخيا كان هو التراكم. تقوم منظومة فالرشتاين على اعتبار " إن التراكم الرأسمالي هو في العمق عقلاني فمكاسبه الإضافية الشرهة المولعة بالاكتساب تستمر دون ضابط رغم ان تكاليفه في الحفاظ على هذه العملية وفي دفع تكاليف الحروب لحمايتها وفي شراء ولاء الأطر الوسطية باهظة جدا لا تسوغها المكاسب ". تتضمن عملية التراكم الرأسمالي إذن الأساس الواقعي الذي يتيح لنا معرفة الميكانيزمات التي على أساسها تقوم عملية الانزياح الرأسمالي وميله العام نحو التوسع، دافعا بذلك الفئات الاجتماعية والقوى الحاملة له الى الخروج من مراكزها الجغرافية للبحث عن قيم إضافية جديدة.وهي عملية معقدة في التاريخ نجد صداها المبكر في الأدب الغربي كرواية روبنسون كريزويه أو لدى جين اوستن أو ديكنز أو كونراد. ان العودة ال نقاش هذه المسالة من داخل الأدبيات الماركسية يبدو الآن مفيدا نظرا لكون هذه الأدبيات ربطت مسالة الاستعمار بالمسالة الاقتصادية. ونقاش إشكالية التراكم الرأسمالي من داخل المنظومة الاقتصادية الماركسية لمن الأهمية بمكان لتوضيح الأسس التي ينهض عليها الواقع الراهن والقوانين المتحكمة في مساراته. وقبل الانطلاق في نقاش تأثير موضوعة التراكم في الفكر السياسي الراهن لا بد من إطلالة مقتضبة لفهم آليات هذه العملية. 2-التراكم عند ماركس. بالعودة إلى تصفح كتاب الرأسمال لماركس سنجد ان هذا الأخير لاحظ أن الرأسمالية تجنح في تطورها إلى التوسع اللانهائي ان عن طريق الاستعمار المباشر أو عن طريق السوق الخارجية كسوق عالمية ، رغم أن كتاب الرأسمال لم يجد اكتمالاته العملية في الارتباط بمسالة الاستعمار نظرا لكونها ظاهرة لم تكن لتجد مكانها في الخط الذي فكر به المؤلف موضوعة الرأسمال، بسب كونه كان يرصد المنطق الداخلي لعملية التراكم الرأسمالي في صيغتها الفزيائية العلمية، إلا أن عملية الربط هذه ستجد صداها على مستوى كتابات ماركس السياسية، حيث سيعتبر هذا الأخير الاستعمار تحقيقا تاريخيا للإمكانيات الواقعية لصيرورة الرأسمالية و على هذا الأساس فهم ماركس الاستعمار البريطاني للهند حيث قال عن بريطانيا "هي الأداة غير الواعية للتاريخ". إن اعتبار خروج بريطانيا للاستعمار باعتبارها أداة لاواعية للتاريخ المحكوم في قوانينه و بناه بمنطق التطور الرأسمالي كأفق متزايد الاتساع ينتج التجارة الخارجية بسبب ضرورات تطوره الداخلي، والتجارة الخارجية تستدعي فيما تستدعيه الاستعمار كحلقة مكملة للسيطرة على الأسواق ومصادر فائض القيم. 3-الانعكاس السياسي لموضوعة التراكم بين لينين وروزا ليكسمبورغ. بعد وفاة كارل ماركس أصبحت عملية التراكم وفهمها يشكل عصى الرحى الذي تخرجت من طاحونته أفواج من الانشقاقيين داخل الحركة الشيوعية العالمية، والبداية كانت بين لينين وروزا لكسمبورغ فالاثنان رغم أنهما اتفقا على ربط الاستعمار بتطور نمط الإنتاج الرأسمالي إلا أن الاثنين اختلفا في صيغ المقاربة تراكم الرأسمال . إلا انه لا بد من تسجيل ملاحظة عرضية وهي أن لينين اختلف مع روزا لكسمبورغ لا لاعتبارات علمية، ولكن للاستتباعات السياسية لموضوعة التراكم .ففي الوقت الذي اعتبرت فيه روزا لكسمبورغ أن الفعل الإنساني يبقى خارج إمكانية التحكم في مسار التاريخ باعتبار قاهرية قوانين التراكم داخل نمط الإنتاج الرأسمالي في التحكم في صيرورة الحركية التاريخية ، رأى لينين في الأمر تأسيسا سياسيا لرؤية لا تعطي للفعل الواعي المنظم اعتبارات أساسية أو هي تأسيس للعدمية كوجه آخر للفوضوية، وهو المسار الذي ميز أنصار حركة اسبارطاكوس، في الوقت الذي شدد لينين على دور الحزب في التوجيه و التحريض والتأطير السياسي قاطعا الطريق أمام أي عمل عفوي، من هنا يتبين أن الاستتباعات العملية لفهم موضوعة التراكم لها تأثير مباشر على الممارسة السياسية اليسارية في فهم طبيعة التنظيم والفعل الإنساني ودوره في الثورة . 4-روزا ليكسمبورغ وموضوعة التراكم تقول روزا في كتابها "تراكم الرأسمال" تظهر الرأسمالية في بدايتها و تنمو تاريخيا في وسط اجتماعي لارأسمالي، ففي أوروبا الغربية تمتد الرأسمالية بادئ ذي بدء داخل الوسط الإقطاعي الذي انبثقت عنه اقتصاد الاستعباد في الريف ، وحرفية الفرق المهنية في المدينة ثم بعد القضاء على الإقطاعية ، تمتد داخل وسط فلاحي وحرفي معا ، حيث يسود بالتالي الاقتصاد السلعي البسيط في الزراعة كما في الحرف، وخارج أوروبا تحاط الرأسمالية الأوروبية بأراضي شاسعة، حيث تتواجد جميع الأشكال الاجتماعية وفي كل درجات التطور ، بدء بقبائل الصيادين الرحل الشيوعية حتى الإنتاج السلعي الفلاحي و الحرفي .ففي هذا الوسط تتم إيوالية التراكم الرأسمالي". وتميز روزا بين ثلاث مراحل في التراكم : اولا صراع الرأسمال ضد الاقتصاد الطبيعي ، صراعه ضد الاقتصاد السلعي و صراعه على المسرح العالمي حول ما تبقى من شروط التراكم " من هنا يبدو أن مسالة توسع نمط الإنتاج الرأسمالي عند روزا ليكسمبورغ ارتبطت تاريخيا بخروج أوروبا عن مركزها الجغرافي للبحث عن شروط أرقى للتراكم وهي ليست عملية إرادية بل مرتبطة بصلب تطور نمط الإنتاج الرأسمالي. أين تختلف روزا عن ماركس في فهم عملية التراكم ؟. 5- عودة إلى ماركس فبالنسبة لماركس التمركز القوي للرأسمال الثابت عبر التكنولوجيا يستدعي في المعادلة إنتاج فائض قيمة نسبية كل ذلك يدفع الرأسمالي إلى التفتيش عن مصادر أكثر ثباتا لفائض القيمة وذلك عن طريق تثوير سلكة الإنتاج وتطوير المكننة و التقنية المتطورة و تقسيم العمل ...مما يؤدي إلى زيادة الرأسمال الثابت وانخفاض الرأسمال المتحول ومردود هذه العملية يأتي مناقضا لطموحات الرأسمالي في الربح إذ أن الزيادة المطردة في الرأسمال الثابت يقابلها انخفاض اتجاهي في نسبة الربح..وسعي الراسمالي خارج حدود النمط الرأسمالي والتفتيش عن مصادر ثابتة للربح ضمن مجتمعات لارأسمالية " ان هذه المعادلة التي تحكم عملية التراكم الرأسمالي مرتبطة بتفكيك التشكيلات اللارأسمالية بشكل لا يمكن ان نتناول معه هذه التشكيلات بمعزل عن الرأسمال نظرا لكون هذه البنى لم تعد مطابقة لنموذجها الماقبل رأسمالي ومرتبطة في نفس الوقت بحدود تاريخية تمنع هذه التشكيلات من أن تتحول إلى نمط رأسمال ناجز وربما باليات إنتاج نقيضة حسب ما ذهبت إليه الدراسة المنجزة من قبل مهدي عامل في موضوعة نمط الإنتاج الكولونيالي. وإذا كان لينين قد اعتبر المرحلة الامبريالية كإحدى المراحل الحاسمة والنهائية في تطور نمط الإنتاج الرأسمالي باعتبارها مرحلة التناقض الحاسم بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ضمن خطية غائية موجهة دون الاهتمام بالمسالة المركزية في صيرورة الرأسمالية والمبنية أساسا على العلاقة التقابلية القائمة بين فائض القيمة المطلق و فائض القيمة النسبي والرأسمال الثابت والرأسمال المتحول. - II التراكم و دول العالم الثالث لقد ارتبطت عملية التراكم في صيرورتها الواقعية إلى دفع أوروبا أولا ثم باقي البلدان الرأسمالية الأخرى، إلى الخروج عن مراكزها الجغرافية لتملك باقي المناطق اللارأسمالية، في حركة سميت تاريخيا بالاستعمار واتخذت بعد ذلك إشكالا سياسية متعددة وتحت أسماء مختلفة، لكن ما يهمنا هنا هو كيفية فهم اليسار الثالثي للتحويلات التي أحدثتها عمليات التراكم على بنية مجتماعتنا. 1- تنبيه منهجي دائما ما اعتبر التحليل الماركسي تحليلا لا ينسجم وخصوصية واقعنا التاريخي واعتبرت مفاهيم الماركسية وأعمالها في فهم مجتمعاتنا، سمة على تيار تغريبي يسقط مقولات غريبة على واقعنا القائم ، إلا إن تحليل إشكالية التراكم تضعنا عند تحليل مجتمعاتنا في صلب التحليل الماركسي، على اعتبار أن بنية مجتمعاتنا الحديثة تشكل جزءا من منظومة نسقية تولدت عن الاستعمار كوجه مباشر لحركة تطور النمط الرأسمالي للإنتاج, وبالتالي فالرأسمالية كبنية إنتاجية أصبحت محركا لمجتمعاتنا في تميز يطال شكل تكونها كبنية تابعة، أو كبنية تمتاح دورها من تقسيم العمل على الصعيد الدولي. وبالتالي يتم على مستوى التناول إمكانية إعمال مفاهيم المنظومة الماركسية باجتهادات ومقاييس قد تكون مختلفة، لكن متفق حول منطلقاتها. 2- الصراع الإيديولوجي الدولي و التعتيم المعرفي شهد العقدان اللذان تليا انهيار المنظومة السياسية الاشتراكية و سقوط جدار برلين عملية توضيب إيديولوجي وخلط مفاهيمي مورس على مستوى واسع في حقل الصراع السياسي على المستوى العالمي، لإيجاد صيغ تبريرية لهيمنة أحادية على الصعيد الدولي، وضعت مجمل الفكر اليساري ضمن مسارات جديدة وتوفيقات جعلت مجمل إنتاجياته النظرية والفكرية التي راكمها طيلة المدة ما بعد الحرب العالمية الثانية موضع تحوير شامل، وذلك ضمن استراتيجية توفيقية أعادت رسم أفق جديد للحدود المعرفية للمفاهيم التي دأب اليسار على نحتها في عمليات القراءة المتكررة لواقعه، وجعلت الطرف المهيمن عليه في هذه العملية دون إمكانية إنتاج فكر يستطيع من خلاله رسم مساره وتميزه . تولد عن هذه العملية إمكانيات جديدة لم تكن متاحة في الماضي حيث أصبحت قوى غارقة في المحافظة قادرة على توظيف مفاهيم غاية في التقدم حتى بدون حرج علمي ومعرفي مثل حشر مفهوم التقدم ضمن باقة فضائل خطاب الحركات النكوصية للإسلام السياسي. 3- التخلف والعولمة في أدبيات اليسار الراهن مفهوم العولمة أصبح بمثابة المفتاح السحري للجواب على معضلات المرحلة ، لكن تناوله يؤدي الى طرح مع ذلك مجموعة من المساءل على بساط النقد والتحليل. فهل العولمة وليدة المرحلة المتأخرة للرأسمالية؟ هل العولمة ارتبطت تاريخيا بسقوط جدار برلين وانهيار النظم السياسية الاشتراكية.؟ هل القبض على مفهوم العولمة من قبل مجموعات اليسار عموما والمغربي على وجه الخصوص، وتبنيه كصيغة أكثر تطورا في عملية استعادة الوجه الآخر للنضال ضد الامبريالية حيث تم على أرضيتها تشكيل مجموعات صغيرة تخصصت في مجابهة ظواهر العولمة كاطاك وجيل التروتسكيين، و تبدو المجموعات المناهضة للعولمة ببلادنا أكثر جدية في التعاطي النضالي مع موضوعها يصل الى حد تحريم أكل الهمبورغر، الشيء الذي أسس لتبني صيغة المواجهة دون مناقشة أصول المفهوم و مترتباته الإستراتيجية على العمل السياسي اليساري. ويبقى بالمقابل السؤال مطروحا حول تخلي المفكرين اليساريين والتنظيمات العربية السياسية عن الصيغة التي راكموها في قراءة واقعهم السياسي انطلاقا من مفهوم التخلف إلى منطق آخر لم يتم التأسيس له داخل الفكر السياسي ونعني به منطق العولمة، في الوقت الذي شكلت الكتابات العربية في موضوعة التخلف ريادة عالمية كما نجدها عند فرانز فانون في الجزائر والوثيقة الإيديولوجية المقدمة للمؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمغرب ودراسات رفعت السعيد وسمير أمين بمصر، كما قدم الحزب الشيوعي اللبناني قراءات متقدمة في الموضوع كما هو الحال عند كريم مروة و مهدي عامل وقد وجدت هذه القراءات متوازيات لها عبر العالم ككتابات جوندر فراند و سلسو فورطادو بأمريكا اللاتينية وعند بتلهايم و ايف لاكوست بأوروبا. 4- التخلف و العولمة وجهتا نظر متناقضة في فهم عملية التراكم وإنتاج
البرامج السياسية. لقد غطى مفهوم "التخلف" كل الكتابات اليسارية ما قبل مرحلة انهيار المنظومة الاشتراكية، وشكل المعنى الكامن لكل كتابات اليسار في المسألة السياسية، واستدعى هذا المفهوم كشعار بالمقابل مفهوم "التقدم" كنقيض مباشر و أساس للبرنامج السياسي والنضالي العام، أما مفهوم "العولمة" الذي اكتسح مجال الفكر بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وانتعش بشكل كبير في الدراسات الاستراتيجية سواء على المستوى الرسمي أو لدى الأحزاب اليسارية فقد استحث بالضرورة استجداء مفهوم التنمية كصيغة تندرج ضمن الرؤية التي يطرحها المفهوم بالاستتباع الحتمي والتولد الضروري. فكما تولد مفهوم "التقدم" معرفيا عن مفهوم "التخلف" ضمن سياق من المتولدات الدلالية والمعرفية، تولد مفهوم "التنمية" عن مفهوم "العولمة" ، ولا بد من الاشارة هنا إلى أن المسالة ليست عملية استبدال مفاهيمي أو تمرين لغوي بل إن لكل مفهوم مستتبعاته العملية في إنتاج البرامج السياسية. فالعولمة تعالج إشكالية التراكم من وجهة نظر رأسمالية أي بتحليل يستند إلى معطيات تطور التراكم الرأسمالي، وليس الأمر كالتخلف الذي يرى إشكالية التراكم من حيث آثارها على البلدان التي تم لي مسارها التاريخي لحشرها ضمن منظومة الإنتاج الرأسمالي. وبالتالي فان وجهة نظر العولمة ترى توسع الرأسمالية وتحققها ببلداننا تحققا لإمكانياتها في تطورها الذاتي، في حين فان وجهة نظر "التخلف" ترى التوسع الرأسمالي في بلداننا من حيث آثاره وفعله التاريخي في بلداننا و ليس بما تحققه الرأسمالية من تراكم على هذا الصعيد. ويصير الفرق بينها على مستوى القراءة السياسية هو الفرق بين إنتاج برامج سياسية تقارب الموضوع من وجهة نظر ممانعة عندما تستند الى واقع التخلف كبنية قائمة تعيد إنتاج نفسها ضمن منظومة رأسمالية واحدة. وبين العولمة كصيغة تصوغ القبول بالاندماج اللامتكافئ ضمن نسقية أحادية الاتجاه تجد حلها في مسار التاريخ. تستدعي قراءة التخلف معالجة شمولية للظاهرة أي يستدعي الحل شكلا سياسيا بكسر ميكانيزماته الواقعية المولدة له، في حين تكتفي العولمة باستدعاء الحلول الجزئية لمشكلات آنية في تمظهراتها، كالفقر والتهميش والهشاشة ومنظومة وصف طويلة لآثار شكل محدد في إنتاج الثروات والتي قد تصبح جزء من عمل الأحزاب وتضمنها برامجها السياسية، كما يمكن أن تصبح في سياق التخصيص والتخصص إلى مشكل جمعوي بسيط ، يقوم بادوار في سياق العولمة تقوم على تفتيت المجتمع تحت اثر نمط من التنمية يعتمد على مقاربات طفيلية غير منفكة عن الدولة، حيث تغدو السلطة أداة لإدارة تفتيت المجتمع وفتحه أمام الأنماط الجديدة للانخراط داخل النظام الاقتصادي العالمي. إن عدم الوعي بسياق توطين مفهوم العولمة داخل أوطاننا ضمن رؤية ممنهجة للصراع الاستراتيجي الدولي ينتج لا محالة رؤية تنبني على التقابل بين طرفي المعادلة – المركز و المحيط - كاختلاف طبيعي يؤكد الهوية والتماثل والتصالح الأبدي، وهي أطروحات أخذت أشكال مختلفة وتحت عناوين "شمال إفريقيا والشرق الأوسط" بشكله الأمريكي الى "تكتل حوض البحر الأبيض المتوسط" بالصيغة الأوروبية. هذا بالإضافة الى ما تتضمنه صيغة "العولمة" من وعد بالمساواة الوهمية خارج العلاقات الفعلية وهي الصيغة الأمثل للعصر في سياق تطور الايديولجية المهيمنة. فهي و إن لم تكن كمقولة تنفي واقع التفاوت والتمايز بل تقره و تعترف به، إلا أنها لا تعلن طابعه الجوهري ومن ثمة تطرح في صلبها إمكانية المساواة التي هي مبدأ الوجود حسب هذا المنطق، لكن لا في العلاقات الواقعية بل في سجل الحضور أمام القدر، أمام الله، أمام صناديق الاقتراع، أو أمام حضارة العصر في الأمد البعيد باستصلاح أثار حضورها القطاعي كما هو الحال بالنسبة لموضوعنا، مبشرة بالوفاق كحل للتناقضات بين الدول المهيمنة والدول التابعة بتعميم نعم العصر في آجال غير مسماة على مجموع الإنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.