جهاز الإحصاء الفلسطيني: مقتل أكثر من 134 ألف فلسطيني وأكثر من مليون حالة اعتقال منذ نكبة 1948    كأس الكونفدرالية الإفريقية.. نهضة بركان يفوز على الزمالك المصري    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    الانفصاليون في كاتالونيا يخسرون غالبيتهم أمام الاشتراكيين بقيادة سانشيز    طقس الإثنين.. أمطار رعدية مع هبوب رياح قوية بهذه المناطق    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    بلينكن يحذر إسرائيل من "الوقوع في فخ القتال مع حماس والانزلاق إلى الفوضى إذا لم يكن هناك خطة لحكم غزة في مرحلة ما بعد الحرب"    إقليم العرائش يستعد لاحتضان الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي ماطا للفروسية    3 نقاط تفصل فريق الدفاع الجديدي للكرة الطائرة لتحقيق الصعود للقسم الممتاز    المنتخب المغربي للتنس يتوج بطلا لإفريقيا    الجيش المغربي ونظيره الأمريكي ينظمان الدورة ال20 من مناورات "الأسد الإفريقي"    رصيف الصحافة: سمك فاسد في "جامع الفنا" يودع 3 أشخاص الحراسة النظرية    مطلب ربط الحسيمة بشبكة السكة الحديدية على طاولة وزير النقل    النصيري في ورطة بإسبانيا وعقوبة ثقيلة تنتظره    تفاصيل محاولة فرار "هوليودية" لمغاربة بمطار روما الإيطالي        "إيقاعات تامزغا" يرفع التحدي ويعرض بالقاعات السينمائية الأسبوع المقبل    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    بونو: هدفنا إنهاء الموسم بدون خسارة وتحقيق كأس الملك    جيتكس إفريقيا المغرب 2024.. وكالة التنمية الرقمية في خدمة النهوض بالابتكار والتكنولوجيا الجديدة    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    أردوغان: نتنياهو بلغ مستوى يثير غيرة هتلر    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    الهلالي يشارك في الاجتماع الاستثنائي للمجلس العالمي للتايكوندو بكوريا الجنوبية..    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    مطالب نقابية بإقرار منحة لعيد الأضحى    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمن شلقم ل«الحياة»: عملية لوكربي معقدة وليست صناعة ليبية خالصة ومفاوضات شاقة انتهت بدفع التعويضات (3)
نشر في مغارب كم يوم 18 - 07 - 2011

يؤكد وزير الخارجية الليبي السابق عبد الرحمن شلقم ان الاستخبارات الليبية كانت وراء تفجير مقهى لابيل في برلين في نيسان (ابريل) 1986 والذي ردت عليه أميركا بغارات على مقر القذافي في ثكنة باب العزيزية في طرابلس. لن يتوقف نظام القذافي عند هذا الحد. في 1988 انفجرت طائرة «بان اميركان» فوق لوكربي وتسببت في سقوط 270 قتيلاً. ويقول شلقم ان تفجير لوكربي لم يكن صناعة ليبية خالصة لكنه يكشف ان تفجير طائرة «يوتا» فوق صحراء النيجر في 1989 كان بسبب الاعتقاد بوجود معارض ليبي على متنها. أشرف شلقم على إنهاء قصة التعويضات المتعلقة بالطائرتين كما اشرف على معالجة ملف تخلي ليبيا عن اسلحة الدمار الشامل.
وهنا نص الحلقة الثالثة:
لنعد الى الداخل الليبي. قتل ابراهيم البشاري وزير الخارجية السابق والمدير السابق للاستخبارات في حادث سير هل كان الحادث طبيعياً؟
- ابراهيم البشاري كان صديقي. سأخبرك مسألة. في 1994 حصل خلاف بيني وبين القذافي وبقيت حتى سنة 1999 بلا عمل. كان البشاري آنذاك مديراً لمكتب القذافي. كان يأتي ونخرج في السيارة. ذات يوم جاء اليّ وقال: سنسافر غداً مع القائد في سرت. كان ابراهيم شديد الحذر ولا يقترب من أي موضوع صعب الا اذا كنا نسير في الهواء الطلق او في سيارة لا يتوقع ان تكون زرعت فيها اجهزة للتنصت. كان يتفادى توجيه أي انتقاد الى معمر. المهم قال انه لن يذهب مع معمر بل سيلحق به. يبدو ان سائقه لم ينم تلك الليلة لانه سينطلق باكراً. لدى وصولهم الى منطقة اسمها القره بولي وهي منطقة تعرجات وانعطافات غفا السائق وانتقل من جانب من الطريق الى آخر وحصل صدام مع سيارة. قتل البشاري وسائقه كما قتل سائق السيارة الاخرى. ذهب موسى كوسى الى مكان الحادث وأجروا تحليلات حتى للشاي الذي شربه السائق وتبين ان الحادث غير مدبر. الاستنتاج نفسه وصل اليه ابراهيم بجاد صديق البشاري الذي زار مكان الحادث ايضا. اقول وبوضوح ان البشاري لم يقتل في حادث مدبر.
قيل انها كانت عملية مدبرة لأن البشاري مطلع على عمليات أمنية حساسة؟
- هذا غير صحيح.
هل كانت للبشاري علاقة بتفجير لوكربي؟
- لا.
لنتحدث اذاً عن لوكربي. ما هذه القصة؟
- في 1986 أغارت الطائرات الاميركية على منزل القذافي في باب العزيزية بحجة الرد على ضلوع اجهزة القذافي في تفجير مقهى في برلين وفي حادث في مطار روما ادى الى مقتل اميركيين. بعدها حصلت لوكربي ووجهت اصابع الاتهام الى ليبيا. حاولت يومها ان استفهم من البشاري فلم احصل منه على شيء محدد خصوصاً ان بعض السيناريوات تحدثت عن دور ايراني وأخرى عن دور سوري.
بسبب لوكربي تعرضت ليبيا لعقوبات شديدة ادت مع الوقت الى انهاك الليبيين. انا اشرفت على حل المسألة ودفعنا تعويضات والحقيقة اننا لم ندفع كل المبلغ. ثم سارعنا الى تعويض ما دفعناه عن طريق صفقات نفطية.
بعد حل المشكلة دعونا الى اجراء تحقيق عكسي. الاخوان في القيادة كانوا يسارعون الى القول: «يا أخ عبدالرحمن هذا ملف اقفل ومن الافضل ان تنساه». وكلما كنت اقترح اجراء تحقيق كنت اتلقى الجواب نفسه. لا أحد يريد اعادة فتح الملف والتحقيق فيه. استنتجت ان لوكربي قد تكون نوعاً من الانتقام من الغارة على باب العزيزية.
طبعاً هنا يجب ان اقول ان تفجير مقهى «لابيل» في برلين كان من عمل سعيد راشد وهو مهندس الكترونيات عمل في الاستخبارات الليبية وكانت هناك تسجيلات تثبت هذه المسؤولية.
بواسطة من نفذ هذا التفجير؟
- بواسطة عملاء ليبيين وحكم على أحدهم.
وطائرة «يوتا» فوق النيجر؟
- فجرتها الاستخبارات الليبية. اعتقدوا ان محمد المقريف، احد زعماء المعارضة، موجود على متنها. وبعد تفجير الطائرة تبين ان المقريف ليس موجوداً. لوكربي عملية مركبة ومعقدة. حكي يومها عن ادوار لدول ومنظمات. الامن الليبي طرف فيها لكنني اعتقد انها ليست صناعة ليبية خالصة.
من اتخذ قرار دفع التعويضات؟
- كان هناك حصار بسبب لوكربي وتسبب في انهاك الليبيين. كان هناك شخص اسمه فرحات بن قدارة محافظ البنك المركزي الليبي وهو الآن انشق وانضم الى الثوار. كان هناك مصرف اسمه «الاي بي سي» العربي في البحرين وكان هو عضواً في مجلس ادارته. وكان هناك محام اسمه كلايندلر. وكان محامو لوكربي شكّلوا لجنة تسيير وكان كلايندلر يمثلهم. ذهب بن قدارة الى البحرين والتقى كلايندلر.
كتب مذكرة وحولها الى مكتب معمر القذافي الذي حولها اليّ وطلب مناقشتها مع فرحات بن قدارة فجاء وهذا ما حصل في ضوء قرار مجلس الأمن الذي يطلب تنفيذ اربعة شروط: الاعتراف بالمسؤولية، نبذ الارهاب، التعويض ثم التعاون في التحقيقات. عملنا على المسؤولية المدنية وأحضرنا مستشارين وعملنا على كل فقرة وأنشأنا لجنة برئاستي وعضوية محمد الزاوي الذي كان سفيراً في لندن وهو الآن أمين المؤتمر الشعبي العام وعبدالعاطي العبيدي الذي كان نائبي للشؤون الاوروبية، وهو الآن وزير الخارجية، وموسى كوسى أيضاً كان معنا. بدأنا نناقش موضوع التعويضات وذهبنا الى معمر القذافي واجتمعنا أنا والعبيدي والزاوي معه ربما أكثر من خمسين مرة وكان يرفض رفضاً باتاً.
ماذا كان يقول القذافي؟
- كان القذافي يقول نحن مظلومون ولا يمكن أن ندفع. هم أيضاً قتلوا. لماذا يقتل الاسرائيليون ولا يدفعون ويكرر مثل تلك الخطابات؟
هل كان ينفي اي علاقة بتفجير لوكربي؟
- كان يقول لا علاقة لنا بلوكربي فلماذا ندفع التعويضات. الحقيقة كان هناك وزير بترول اسمه عبدالله البدري هو الآن أمين عام منظمة «اوبك». أنشأنا لجنة التعويضات برئاسة محمد عبدالجواد وهو رجل مال ليبي كان مسؤولاً عن الاستثمارات وهو متزوج من قريبة للرئيس حافظ الأسد. ذهبوا وتفاوضوا مع كلايندلر والمحامين الاميركيين حول المبلغ الذي سيدفع وكان آخر تصور ان ننشىء حسابا لولبيا مثل خطاب الاعتماد: نضع مبلغاً ثم عندما تحضر ورقة معينة نضع مبلغاً آخر. قلنا عندما يرفع الحظر الاميركي ندفع أربعة ملايين دولار، وعندما يرفعون الحظر الدولي ندفع أربعة ملايين، عند شطب اسم ليبيا عن لائحة الارهاب ندفع مليونين عن كل ضحية فيكون المبلغ الاجمالي عشرة ملايين عن كل ضحية، وفي النهاية دفعنا 8 ملايين عن كل ضحية. فذهب محمد عبدالجواد وتفاوض ولكن عبدالله البدري عندما كان وزيراً للنفط قال هذا المبلغ سأسدده من عائدات النفط من امتياز واحد.
طلب القذافي من محمد الزاوي وعبدالعاطي العبيدي الاجتماع شخصياً بالمحامين واحضار جواب نهائي والتأكد من عدم وجود عمولات. عادوا واجتمعت معهم وقالوا ان كل الامور جيدة. حولنا المبلغ الى مصرف التسويات في سويسرا وجهزت رسالة في نبذ الارهاب واستشرنا محامين دوليين واساتذة وقلنا انها مسؤولية المتبوع عن التابع: لا أعترف بمسؤوليتي ولكن أعترف بمسؤوليتي عن أعمال موظفين يعملون لدي، مثل ان ترسل سائقك الخاص لشراء خبز فيدهس شخصاً في الطريق فتكون أنت غير مسؤول عن الناحية الجنائية ولكن من الجانب المدني أنت تدفع (الديّة)، فنحن اعترفنا بالجانب المدني ونعتبر ذلك من الانجازات المهمة جداً.
المقرحي والسرطان
بخصوص الافراج عن عبدالباسط المقرحي هل صحيح انه تم تزوير أوراق انه مصاب بالسرطان؟
- هذا غير صحيح. أنا قابلت ديفيد ميليباند وزير الخارجية (البريطاني) حين كنت وزيراً للخارجية وفي الأمم المتحدة وكنت في زيارة رسمية الى واشنطن واستشرت طبيباً ليبياً من أشهر الاطباء في العالم اسمه ابراهيم الشريف ولجنة طبية وكان الرجل مصاباً بنوع من السرطان تم تشخيصه بالاجماع من قبل جميع الاطباء. انه سرطان قاتل ولا أمل في الشفاء منه. اما ما قيل عن صفقات وضغوط فهذا غير صحيح. كانت هناك شحنة انسانية كبيرة وعندما ترى عبدالباسط المقرحي في حالته المرضية تتأثر فهو كان انساناً منهاراً. وخلال شهرين تغير 180 درجة.
ما هو وضع المقرحي حالياً؟
- انه غائب عن الوعي وتعبان.
وهكذا عاد القذافي يستقبل ضيوفاً غربيين، استقبل توني بلير.
- استقبل كثيرين: غيرهارد شرودر وتوني بلير وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وكثر وقفوا في الطابور لمقابلة القذافي، وبتشجيع اميركي.
هل كل هذا بسب النفط؟
- لا ليس من أجل النفط بل لإثبات أن من يتوب ترضى اميركا عليه ويرضى العالم عليه ولتشجيع الآخرين من الدول المارقة مثل ايران وكوريا الشمالية وفنزويلا على الاقتداء بليبيا. لأول مرة توضع دولة على لائحة الارهاب ثم تشطب. ثم ان ليبيا مهمة جداً في الجغرافيا السياسية.
من استقبل القذافي من المسؤولين الاميركيين؟
- زارتنا كوندوليزا رايس وديفيد ولش وعدد من الشيوخ والنواب. ثم زارنا ساركوزي. ثم زار القذافي اوروبا: البرتغال وفرنسا وفتحت له ابواب ايطاليا واستقبل فيها استقبال الفاتحين.
كيف تصف علاقة القذافي برئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني؟
- كانت علاقة ودية جداً. برلسكوني كان يرى في معمر القذافي شخصية تاريخية نادرة واستثنائية.
ماذا كان يقول عن المسؤولين الغربيين والاميركيين؟
- معمر لا يقصد دائماً ما يقول، فقد يشكر شخصاً في الصباح ثم يذمه في المساء، أو العكس. لماذا هذا الحب لبرلسكوني؟ لأنه قبّل يده مباشرة على الهواء واشاد به وشكره. وهذه كانت رسالة خاطئة من معمر. معمر القذافي الآن مشوش، يقول: أنا خرجت من مواجهات مع فرنسا في تشاد، دخلت في حروب غير مباشرة مع بريطانيا، اميركا قصفتني وحاربتني، لوكربي، «يوتا»، أسلحة الدمار الشامل، كلها خرجت منها معافى.
ما قصة أسلحة الدمار الشامل وكنت يومها وزيراً من تفجير لوكربي.jpg للخارجية؟
- كانت الزعامة هاجس القذافي ولا تستطيع أن تكون زعيماً ما لم تكن قوياً فاذا امتلكت أسلحة دمار شامل ستضعف أمامك الدول المقابلة لك. للأسف اندفعوا باتجاه السلاح الذري والكيميائي والجرثومي، وكانت مصدراً للنهب والعمولات لأنها مصاريف سرية وأنا أشك أن ليبيا كانت فعلاً قادرة على أن تنجز سلاحاً ذرياً.
النووي وعبد القدير خان
من هم الخبراء الذين عملوا في مشروع البرنامج النووي الليبي؟
- كان بينهم الباكستاني عبدالقدير خان وعلماء من ليبيا ودول عدة قد يكون بينها كوريا الشمالية. أنا عُينت يوم 3 آذار (مارس) 2000 وزيراً للخارجية وذهبت يوم 9 آذار (مارس) 2000 مع موسى كوسى الذي كان مديراً للاستخبارات ومعي مفكرة أظن فيها عشرة أو 12 نقطة. وبعد أقل من أسبوع من تعييني ذهبت الى القيادة في طرابلس ومعي موسى كوسى وقلت للأخ معمر أنا أريد أن أعمل ومعي هذه الأجندة فغضب غضباً شديداً وتركني ومشى. لحق به موسى كوسى وأنا غادرت بسيارتي. بعد ساعة جاءني موسى الى مكتبي وقال سنعقد المؤتمر الشعبي العام خلال أسبوع أو أسبوعين لكي تُعزل لأن القذافي غاضب منك. بعد يومين أو ثلاثة استدعاني القذافي لوحدي، وهو عنده طريقة خاصة، وقال لي: انك قبل يومين قلت لي كلاماً لم أفهمه. فهو أحياناً لا يحب أن تتحدث اليه أمام شخص آخر، عندما تكون منفرداً به يختلف الوضع وهو فكر بالكلام الذي كنت قلته له. وتحدثت عن المؤتمر الشامل وكيف نحل مشاكلنا فاستمع الي استماعاً مطولاً، وقلت له أن ايطاليا تستطيع أن تنتج سلاحاً ذرياً في خمسة أيام واليابان خلال 48 ساعة أما نحن فسيعادوننا ويسببون لنا المشاكل، فاستمع حقيقة اليّ. وكان المسؤول عن (البرنامج) المهندس معتوق محمد معتوق وهو الآن وزير البنية التحتية، قال لي القذافي أن أناقش هذا الموضوع مع معتوق. تحدثت الى معتوق فقال لي: ما رأيك يا عبدالرحمن أن نعمل شيئاً آخر بالنسبة الى البرنامج الذري: نأخذ شبابنا العلماء في الفيزياء الذرية وننقلهم الى باكستان ونزودهم ببطاقات شخصية باكستانية ولا يعلم بهم أحد بحيث يكونون خلال سنتين أو ثلاثة جاهزين بالكامل ويصبح لدينا المعرفة. وعدت الى معمر فوافق وذهبت الى باكستان.
من قابلت في باكستان؟
- قابلت برويز مشرف في قصر الرئاسة وحاولت التحدث اليه عن المشروع فلم يعلق وغيّر الحديث كأنه لم يكن يريد ان يتحدث في ذلك المكان. في اليوم التالي استدعاني الى قاعدة جوية وقلت له الفكرة فاستحسنها. واتفقنا على هذا الأساس أن يتلقى العلماء الليبيون الخبرة ويبقون في سبات كالخلايا النائمة. اي تكون عندنا المعدات والخبراء والمواد ونقرر عندما تسنح الظروف الدولية. تفاهمت مع معتوق أن هذا مخرج مشرف لمعمر وعليه ألا يخاف.
هل قابلت عبدالقدير خان في باكستان أم كان يزور ليبيا؟
- لم أقابله. معتوق والخبراء كانوا يقابلونه عادة خارج ليبيا، وقد يكون زار ليبيا ولكن ليس لدي علم. في 2001 في بداية عهد جورج بوش الابن في الرئاسة، طلب مني معمر قبل ذهابي الى الجمعية العامة أن أقابل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وأطلب منه ان يكلم بوش لتطبيع العلاقات بين واشنطن وطرابلس . قابلت الرئيس بوتفليقة فأعلمني أن لديه موعداً في اليوم التالي مع الرئيس بوش وسيبلغه. بعد يوم من اللقاء امسكني بوتفليقة من يدي في الممر بين الجمعية العامة ومجلس الأمن وقال لي: قابلت الرئيس بوش ويقول لك التالي: «إما أن تنزعوا أسلحة الدمار الشامل أو سيدمرها هو بنفسه ويدمر كل شيء من دون نقاش». قلت للرئيس بوتفليقة أنني قلت هذا الكلام للأخ معمر فقال لي أنت جبان وخائف، فقال لي الرئيس بوتفليقة: «بلغه أن لديك شقيقاً في الجبن والخوف هو عبدالعزيز بوتفليقة». كنت أبلغت القذافي أن علينا التخلص من هذا البرنامج فنحن لا نحتاج (هذه الاسلحة) وليس لدينا عدو، ولا أرض محتلة، وتخزينها صعب وقد تتسرب وتتسبب بكارثة ولدينا أولويات (تجاه) شعبنا فاعتبرني القذافي فزّانياً جباناً (فزّاني نسبة الى أهل الجنوب وهم ناس طيبون يحبون القرآن وغير عدوانيين فيعتبرهم البعض جبناء، فليس بيننا قطاع طرق أو من يهجمون على قبيلة لأخذ إبلها فهذا في عرفنا حرام، وأغلبهم يعيشون في واحات وهم متدينون ويقرأون القرآن ولا يأخذون مالاً حراماً).
في 2003 أو 2004 كان هناك قمة افريقية في مابوتو في موزامبيق وكنت أنزل في فيلا ومعي عمرو موسى وجلسنا سوياً الى العشاء فاتصل بي نوري المسماري مدير المراسم في ليبيا (هو الآن منشق) وأبلغني أن الأخ القائد يريدك ان تأتي بسرعة، فسألته مَنْ معه؟ فقال معه الرئيس بوتفليقة. فاستأذنت عمرو موسى وذهبت اليه فوجدت معه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وبعد السلام قال: ها قد جاء عبدالرحمن (شلقم) فأبلغني ما قصة انه شقيقك؟ فروى له القصة: ان عبدالرحمن شقيقي في الجبن، فأنا جبان مثله. وأعدت على مسامع القذافي القصة. وقصة أسلحة الدمار الشامل لن أنساها أبداً وبقينا على اتصال. ثم ذهب سيف الاسلام الى بريطانيا وتكلم مع الاستخبارات البريطانية MI6 وقال ان معمر قرر وقف برنامج أسلحة الدمار الشامل. ولم يبلغني أنا بقراره بل تحدث في الأمر مع ابنه سيف الاسلام.
سيف الاسلام
هل كان قصده تلميع صورة سيف الاسلام؟
- لا أعرف التفاصيل لكن أنا وجدت لديه تجاوباً وفي الختام الذي قام بكتابة الصفحة الأخيرة في هذا الموضوع هو سيف الاسلام ومعمر القذافي. سيف الاسلام اتصل بمقسم MI6 (الاستخبارات البريطانية) وترك رسالة صوتية يقول فيها: أنا سيف الاسلام ابن معمر القذافي وأريد أن أتحدث معكم فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل. حدد له موعد فقال انه يريد في المقابل تحسين العلاقات. في ما بعد استدعاني القذافي وأبلغني بما حدث وقال انه لا يثق بالاميريكيين والبريطانيين وسيضحكون علينا وسيوثقون أن لدينا أسحة دمار شامل، ورطوا صدام حسين ويريدون أيضاً أن يورطونا. أذكر أنني قلت له ايها الأخ القائد: النصارى لا يكذبون، والاميركيون لا يخافون منا (لا يخافون ولا يستحون) فمن نحن ليضللوننا؟ فقال لي أنت طيب وتصدق حتى هؤلاء الناس. فبدأنا جميعاً اتصالاتنا: موسى كوسى، كان مدير الاستخبارات، وعبدالله السنوسي، مدير الاستخبارات العسكرية، وأنا بالسياسيين. أنا اتصلت بالاميركيين والبريطانيين وجميع الأطراف، وموسى كوسى بالاستخبارات البريطانية MI6 والاميركية CIA كان ذلك في اوائل كانون الأول (ديسمبر) 2003 (بعد الغزو الاميركي للعراق). لكن للأمانة المفاوضات بدأت قبل ذلك وليس كما قال البعض أن القذافي خاف بعد غزو العراق، بدأنا التحدث في التخلص من برنامج أسلحة الدمار الشامل في 2001 وقد عتب عليّ القذافي في البداية ثم أثر عليه الرئيس بوتفليقة كما أسلفت.
يوم 18 كانون الأول (ديسمبر) 2003 اقترح علينا الاميركيون والبريطانيون أن يظهر معمر القذافي ويقول انه كانت لدينا برامج أوقفناها ويظهر بلير يشكره ويثني عليه ويظهر بوش. كنت يومها مع معمر وأبلغته ومعي مدير المراسم ولدينا ضيوف في القيادة فقال لي القذافي هذا كلام أرفضه رفضاً باتاً فسيضحكون علينا وأتكلم أنا ولا يتكلمون هم بعدي، هذه خدعة ومؤامرة. فدخلت معه الى منزله فقال لي أين أنت ذاهب أنت داخل الى منزلي؟ والقذافي للأمانة كان يتحملني فيما هو في مصلحته، وكان معنا نوري المسماري مدير المراسم فقال له: خذ عبدالرحمن خلصني منه أريد أن أنام. في صباح يوم 19 كانون الأول (ديسمبر) وكان يوم جمعة ذهبت الى مكتبي وجاءني موسى كوسى مدير الاستخبارات حوالى الساعة التاسعة ثم التحق بنا محمد الزاوي وكان سفيرنا في بريطانيا وعبدالعاطي العبيدي نائبي في الشؤون الاوروبية وكان الاتفاق ان لا بد من حسم الموضوع اليوم. فاقترح معمر أن نحضر تسجيلات: يسجل تصريح القذافي على شريط مرئي تلفزيوني ويسجل تصريح بلير وتصريح بوش كذلك، رفض الاميركيون والبريطانيون ذلك وأصروا أن يتحدث القذافي أولاً. واستمرينا في هذا الموضوع من التاسعة صباحاً الى الثامنة والنصف ليلاً ونحن نكتب بيانات وهم يعترضون وقد أجرينا ربما خمسين مكالمة مع MI6 وسبعين مكالمة معCIA في ذلك اليوم. وأتذكر أن موسى كوسى أغمي عليه من الارهاق. وتحدثت مع معمر القذافي هاتفياً أكثر من عشرين مرة وعبدالله السنوسي وسيف الاسلام القذافي. ثم ذهب عبدالعاطي العبيدي ومحمد الزاوي الى القذافي وكان في مزرعته يوم الجمعة قرب طرابلس ليناقشوه وكان متوتراً. في الساعة التاسعة ليلاً أبلغنا الاميركيون أن الخبر قد يتسرب الى الصحافة واذا تسرب «احترق» كل شيء. وكنا نعدل في مشروع البيان ونضيف ان ليبيا لديها برامج كانت «قد تؤدي» أو «ستؤدي» أو الصياغة الأفضل الى أن أقنعناهم أخيراً أن أتحدث أنا ومعمر يؤيدني لكنه قال «لا»، «أنا ما ليش دعوى». قلت له ايها الأخ القائد بلير وبوش ينتظرونني فضحك وقال لي «يا سلام من أنت الذي تتصور ان بلير وبوش ينتظران حضرتك لتطل بطلتك البهية وهم يتداعيان ويتسابقان ويتقافزان للتعليق على كلامك أو تأييدك. يا رجل ألم أقل لك انك بسيط». أخيراً توصلنا الى أن نكتب نحن بياناً باسم معمر القذافي تبثه وكالة الأنباء الليبية أن القائد معمر القذافي استمع الى ما قاله أمين اللجنة الشعبية العامة (من دون تسميته) صفتي كانت كبيرة: أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي للجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية العظمى، المهم قبلوا هم بهذه الصيغة وأنا خرجت وألقيت بياناً في مؤتمر صحافي وبثينا التعليق المنسوب الى معمر القذافي في وكالة الأنباء فخرج بلير فوراً وعلّق ولحقه جورج بوش الابن واستحسنا ذلك وهكذا.
ثم بدأنا في برنامج تفكيك أجهزة الطرد المركزي وتسليم بعضها للاميركيين ثم جاءت وكالة الطاقة الذرية. وبدأنا في تفكيك هذه الملفات «الألغام» الى أن وصلنا الى ما وصلنا اليه من تطبيع كامل مع المجموعة الدولية وشطب اسم ليبيا من قائمة الارهاب ورجعنا الى وضع الدولة العادية.
هذا يعتبر إنجازاً لأنكم قدمتم للقذافي فرصة لانقاذ نفسه.
- طبعاً، لكن معمر فهمها على طريقته لأنه يعتقد ان هناك قوة غيبية تحميه. الفارق ان جميع مشاكله كانت مع الخارج أما الآن فقد دخل في مواجهة مع شعبه. جزء كبير من الشعب الليبي كان مع معمر لكن عندما رأوه يقتل الناس تغيّر الوضع.
* غداً حلقة رابعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.