العلمي يزور الصين مع وفد برلماني    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    مبيعات الإسمنت بالمغرب تتجاوز 4,10 مليون طن نهاية شهر أبريل    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    "ماركا": دياز بصم على أفضل موسم له في مسيرته الكروية    توقيف عشريني قام بدهس 3 أشخاص بأكادير بواسطة سيارة    هام لتلاميذ البكالوريا بالناظور.. هذه هي تواريخ الامتحانات والإعلان عن نتائجها    المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة يحتفي بالسينما المالية    مندوبية السجون ترد على ادعاءات وجود تجاوزات في حق نزلاء الجناح الانفرادي بالسجن المحلي "تولال 2"    محامو المغرب يدخلون على خطّ اعتقال محامية في تونس.. "اعتقال الدهماني عمل سلطوي وقمعي مرفوض"    ثاني أكسيد الكربون.. إقرار قواعد أوروبية أكثر صرامة بالنسبة للمركبات الثقيلة    إضراب وطني يفرغ المستشفيات من الأطباء والممرضين.. والنقابات تدعو لإنزال وطني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    من البحر إلى المحيط.. لماذا يتحول مسار الهجرة من المغرب إلى أوروبا؟    رئيس الزمالك يشهر ورقة "المعاملة بالمثل" في وجه بركان    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    حماقات النظام العسكري الجزائري تصل للبطولة الوطنية    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الدار البيضاء تحتفي باليوم الوطني للمسرح    كأس الكونفدرالية الإفريقية: نهضة بركان يفوز على الزمالك المصري في ذهاب النهائي (2-1)    نظرة فلسفية حول مشكلة الدولة    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    تليسكوب "ليزا"...    شطيرة نقانق عملاقة تزين ساحة "تايمز سكوير" بنيويورك    تحليل آليات التأثير الثقافي في عصر الرقمنة    قنصلية متنقلة لفائدة مغاربة إسبانيا    بنموسى يكشف أسباب تسقيف سن ولوج مباريات التعليم    تحقيق السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي    من يجبر بخاطر المتقاعدين المغاربة؟!    بعد الخسارة أمام بركان.. قرار عاجل من مدرب الزمالك المصري    الأساطير التي نحيا بها    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية "تاريخية"    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    الاعلان عن اختفاء قاصر من بليونش بعد محاولة هجرة إلى سبتة سباحة    الاشتراكيون يفوزون في انتخابات إقليم كتالونيا الإسباني    "المراهنة على فوضى المناخ".. تقرير يفضح تورط المصارف العالمية الكبرى في تمويل شركات الوقود الأحفوري    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو تشيع مغربي : أرضية للنقاش
نشر في مرايا برس يوم 21 - 02 - 2010

قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : المرء عدو ما يجهل ؟
لقد كثر الحديث مؤخرا في وسائل الإعلام عن الخطر الشيعي الذي أصبح يهدد المغرب ، إذ الكل يبدي قلقا و خوفا من التشيع ، و من الإقبال المتزايد على الإلتزام بالمذهب الإثني عشري من قبل بعض المغاربة سواء المقيمين في الخارج ، أو حتى من المقيمين داخل المغرب ، لدرجة أن بعض هؤلاء المهولين لم يتوانى عن إستعداء الدولة لإنزال سيف الملاحقات الأمنية ، و المتابعات القضائية في حق كل من تشيع تحت ذريعة الخروج عن الإجماع و الجماعة ؛ أما البعض فقد إنكب على الإرث التاريخي المشحون بالخلافات و الصراعات بين الشيعة و " السنة " ، و التي أجج نارها مكر الساسة و السياسة بتواطئ كثير من علماء البلاط و " ديدن القراء " ؛ في الوقت الذي لا نكاد نسمع لهؤلاء حسا و لا ركزا حينما يتعلق الأمر بهذا التمسيخ الذي بحق أصبح يستهدف بعمق المغرب ، و ينذر بكارثة لا قدر الله قد لا تبقي و لا تذر ؟ بل و أين هؤلاء من التنصير الذي بدأ يسري داخل كيان هذا البلد المسلم بكل هدوء كسيران السم في الجسم ؟!0
إلا أن هذه الخرجات الإعلامية مع قليل من الملاحظة عن ظرفيتها و زمانيتها نجدها تتناغم و الآلة الدعائية التي تشنها قوى الإستكبار العالمي بزعامة الصهيونية الأمريكية على دولة إيران من خلال تسخين الرأي العالمي بالملف النووي ؛ خاصة و أن دولة إيران تدعي أنها " حامية " و " راعية " للشيعة في العالم ، حتى أصبح هؤلاء أبواقا و رجع صدى لأي تجشئ للآلة الدعائية لقوى الإستكبار ، و التي إستطاعت فعلا إحداث شرخ في الجسم الإسلامي بإحياء التعنصر المذهبي ، و الطائفية البغيضة ، خاصة مع قيام أنظمة عربية موالية لهذه القوى تدعي "حماية السنة " بتبني هذا التعنصر المذهبي و تغذيته " بحراس العقيدة " لشن حرب دعائية بالوكالة على دولة إيران " حامية " الشيعة ، و بالتالي على الشيعة و التشيع ، و إستبدال العداء للكيان الصهيوني الغاصب بدولة إيران 0
وعليه ؛ إن حدة الصراع بين الشيعة و " السنة " رهين بطبيعة العلاقة بين هذه الأنظمة الموالية و على رأسها النظام السعودي ، و دولة إيران ؛ فكلما كان الصراع على أشده بينهما ، و الذي تحركه ، طبعا ، أيادي خفية إلا و ترجم ذلك فورا على أرض الواقع ، على شكل فتاوى و نبش في مزبلة التاريخ ، لإستخراج ما تم إماتته و إقباره و النفخ فيه ، و لهذا فالصراع بين الشيعة و " السنة " في الحقيقة صراع سياسي يلبس ثوب المذهبية و الطائفية ، و أن ما تمثله دولة إيران بالنسبة للشيعة في العالم و ما تقدمه من دعم و محاولة إيجاد موالين يدافعون عن التوجه الإيراني ، يوازي ما تمثله دولة السعودية بالنسبة " للسنة " خاصة التيار السلفي الوهابي ،إذا كانت دولة السعودية أرض الحرمين و مهبط الوحي ، و المسلمون في جميع بقاع العالم يتوجهون إليها خمس مرات قبلة للصلاة ، فهذا لا يعني أنها التطبيق الأنموذجي والأمثل للإسلام ؛ و كذلك الأمر بالنسبة لدولة إيران ، و إن كانت عقيدتها شيعية ، وتحاول تسويق نفسها " بحراسة " الشيعة و التشيع ، فهذا لا يعني أنها التطبيق الأمثل للمذهب الشيعي ، مذهب آل البيت عليهم السلام 0
ولهذا فإن العنوان المشار إليه أعلاه :" نحو تشيع مغربي ؛ أرضية للنقاش " قد يحمل إشكالا معقدا مفاده أن ليس هناك تشيعا واحدا ، و إنما تشيعا متعددا ، و هذا الإشكال إلى حد ما كائن ، و ذلك نتيجة تعدد القراءأت و الإجتهادات و خصوصية كل بلد ، إلا أنه إذا أمعننا النظر ، و رجعنا الى المصادر المؤسسة لمدرسة آل البيت عليهم السلام المتمثلة في وعي وسلوك الأئمة عليهم السلام يجد أن التشيع واحد كما الإسلام واحد ، يروم تحقيق المشروع التوحيدي الذي سعى الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم و الأئمة سلام الله عليهم بدءأ بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و الذي يسع لعامة المسلمين و غير المسلمين ، أي جعلهم كتلة متساوية في الحقوق و الواجبات ، فالناس ( إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ) ، إلا أن مكر الساسة و السياسة و بتواطئ علماء البلاط أوجد حالة من اللبس و الضبابية ، و أشاع جوا من عدم الثقة و القلق حتى أصبح التشيع ينظر إليه على أساس أنه دخيل و تهمة و زندقة 0
ولهذا فالمتوخى من هذه المقالة ، طرح موضوع الشيعة و التشيع في المغرب للنقاش العام ، و ذلك لما لهذا الموضوع من حساسية سواء من جهة الدولة التي تسعى الى خنق الشعب في إطار فكري واحد و أوحد ، ألا و هو مذهب ( مالك بن أنس ) ، رغم أن فرض المذهب المالكي يتناقض مع موقف (مالك) نفسه ، لما إمتنع على موافقة الخليفة جعفر المنصور على إلزام الناس بتقليد مذهبه ، و فرضه بقوة السلطان ؛ أو من جهة الحركة الإسلامية ، و خاصة التيار السلفي الوهابي ؛ بل وحتى من عامة الناس ، فالتشيع دائما ينظر إليه على أساس أنه إلحاد في الدين و زندقة ، الشيء الذي دفع بكثير ممن إختار التشيع مذهبا للتعبد إلى ممارسة التقية و التستر رغم أن التقية مبدأ إسلامي محض مما زاد في خلق جو من التوتر و الريبة و سوء الفهم ، خاصة و أن أغلب ما كتب عن التشيع و الشيعة من جانب مدرسة ( السنة و الجماعة ) بزعامة التيار السلفي الوهابي كانت كتابات أيديولوجية متشنجة يغلب عليها طابع الإنفعال و الذاتية و الإستعلاء و التجريح ، إن لم نقل الدس و الإفتراء ، حتى أن المطلع على هذه الكتابات إن لم يكن على معرفة مسبقة بالسياق التاريخي لمسار المذاهب و الفرق الإسلامية ، و ملابسات النشأة ، و ما صاحبها من مؤامرة الحكام ، و تواطئ علماء البلاط ، ليحكم على التشيع بالكفر و الزندقة و الإلحاد 0
ولرفع هذا اللبس و إشاعة جو الإطمئنان ، و الأمن لابأس من تقرير أمرين لا بد من الإشارة إليهما قبل كل شيء :
1 لا أعتقد أننا سنختلف ، إذا قلنا لكي نعرف عقائد مذهب ما ، أو تقييمه ، لا بد من الرجوع إلى الكتب المعتبرة عند أهل هذا المذهب ، فلا يعقل الإعتماد على ما يكتب أو يقال خاصة إذا كان من خارج المذهب ، لأن هناك إحتمالات عدة أن يكون ما يكتب أو يقال عن جهل و تطفل ، أو عن حقد و تحامل ، أو خيانة و تحايل ، و بالتالي يكون الهدف مزيدا من الفرقة و تحريف الواقع و التشهير ، كما لا يصح الإعتماد على أقوال واحد من أبناء المذهب ، إذا لم تجتمع كلمة المذهب على الثقة بمعرفته و علمه و موافقته ذلك للعقل و الدين ، كما لا أعتقد أنه يصح الإعتماد على العادات و التقاليد المتبعة عند العوام ، و إعتبارها المقياس ، إذ الكثير من تلك العادات و التقاليد يأباها الذوق قبل العقل و الدين ، و لهذا يجب التأكيد على أن أي موقف سواء من الأحداث ، أو من الأشخاص ، إنما يجب أن ينبع و بشكل دائم من القواعد الشرعية و النصوص القرآنية و النبوية ، و ما خالف القرآن الكريم و السنة المطهرة نضرب به عرض الحائط ، و لو كان صادرا من أية جهة مهما كانت مرتبة أو علم أو وزن أو مكانة هذه الجهة 0
2 إن الإعتقاد و الإيمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه و الإجبار ، وإنما يحكم فيها الإقناع و الإختيار ، بحيث لا يمكن فرض أي عقيدة أو مذهب على الآخرين بالقوة و الإكراه إطلاقا ، و أن محاولة خنق الناس في إطار فكري أو فقهي بعينه يتنافى مع أبسط القيم و المبادئ الإنسانية ؛ لأن حرية الإعتقاد و الإيمان مكفولان في ديننا الإسلامي 0
ومتى إتفقنا على هذين الأمرين و الإقرار بهما نكون قد خطونا الخطوة الأولى ، و الصحيحة نحو وعي التمذهب ، و سلوك الإلتزام الحق بعيدا عن التعنصر و التطرف و الغلو 0
التمذهب :
إن أكثر الناس تعصبا لمذهب ما ، أبعدهم عن التدين ، فالشخص المتعصب تنغلق نفسه على ما آمن به ، و بالتالي تكون نفسه مبتعدة عن كل ما لا يعتقده ، فلا يرى الحق إلا معه ، لا مع غيره ، دون أن يفتح عقله و قلبه على الرأي الآخر ، بل يتخذ من رأيه و سيلة للإيقاع بالآخرين ، و بالتالي إلغاؤهم ، لدرجة أنه صار التعنصر لأي شيء هو أشد ألف مرة من الإستعداد للتمسك بالحكم الثابت من الشرع ، دون أي تسائل عما الذي يحمل على الإعتقاد الى حد التسليم بأن المذهب الذي ورث عن الأباء و المجتمع الصغير هو الحق الأوحد و الأمثل ؟ و أنه الصورة الأكثر كمالا للدين الإسلامي الحنيف الذي لا يشاركه مذهب آخر في حظه هذا من الكمال ؟!!
فحين أن الإنتماء المذهبي في الإسلام ، هو إنتماء فقهي ، أي ترجيح لمذهب ما من المذاهب الإسلامية ، و الإنتساب إليه في عمل إلتزامي معين عن وعي و قناعة و إختيار ، و ليس عن إجبار و إكراه ؛ و لهذا نجد أن أغلب هؤلاء المتعنصرين للمذهبية ، بهم جهل بالدين ، و هبل في السياسة ، و خبل بالواقع ، و رغم ذلك نصبوا أنفسهم و كلاء رسميون للإسلام 0
الغلو و التطرف :
إن الدرجة الرفيعة ، و المكانة العالية ، التي أعطى الإسلام لآل البيت عليهم السلام من خلال الآيات الكريمة ، و الأحاديث النبوية المطهرة ، الواردة في حقهم عليهم السلام على أساس أنهم المطهرين ، و أحد الثقلين ، و أنهم سفن النجاة ، جعل بعضا من محبي و مشايعي آل البيت عليهم السلام يتجاوزون حد الحب و التعظيم و الموالاة ، إلى الغلو فيهم و الخروج عن حد المعقول و الإعتدال ، بل و أضافوا لهم في الدين و الدنيا ما تجاوزوا فيه الحد ، و خرجوا عن القصد ؛ و الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم قد تنبأ بظهور هؤلاء ، حيث قال : [ يا علي ... و إن أمتي ستفترق فيك ثلاثا ؛ ففرقة شيعتك ، وهم المؤمنون ؛ و فرقة عدوك ، و هم الشاكون ؛ و فرقة تغلو فيك ، و هم الجاحدون ] ، و لهذا نجد أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام نفسه قد تبرأ من هؤلاء الغلاة قائلا : [ اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ...اللهم أخذلهم أبدا ، و لا تنصر منهم أحدا ] ، و كذلك نجد الإمام الصادق عليه السلام في تحذيره لأصحابه من هؤلاء ، أنه قال : [ إحذروا على شبابكم الغلاة ، لا يفسدونهم ، فإن الغلاة شر خلق الله ] ؛ إلا أنه يجب التنبيه إلى أمر مهم و هو أن لا يدفعنا هذا الى ترك وظيفة شرعية ألا و هي تعظيم مكانة ومنزلة آل البيت عليهم السلام ، أي الوقوف على الحد الفاصل بين الغلو و التعظيم ، كي لا يكون غلو الغلاة ، و تطرفهم في حق الأئمة عليهم السلام ذريعة لعدم ممارسة تلك الوظيفة ، و بالتالي التنقيص من قدسيتهم و طهارتهم و عصمتهم و كراماتهم 0
وللإشارة ، فالشيعة ليس لديهم كتاب يأخذون بكل ما فيه ، و لا يمحصون أقواله ، و له حصانة عن النقاش غير القرآن الكريم ، أو أنه يأتي بعد القرآن الكريم ، بل و علماء الشيعة يحرمون الرجوع الى أي حديث من غير النظر فيه سندا و متنا ، لأن عصمة الأئمة عليهم السلام لا يعني عصمة الرواة و الناقلين 0
الصحابة :
العقبة الوحيدة ، و الأساسية التي تحول دون تقارب بين " السنة " و الشيعة ، وتزيد الهوة ، هو الموقف من الصحابة ، وهذه العقبة رغم كبرها و علا تها ، و ذلك لما تراكم حولها وعليها من أزمات و مصائب ، فإنه بالركون الى الحق والبعد عن التعصب ، يمكن تجاوزها ، و تسوية أمرها ، خاصة "سنة" و شيعة الى العروة الوثقى التي تجمعنا ، كتاب الله عزوجل، و ما صح و تواتر من سنة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم ، فاحترام أصحاب نبينا من إحترامه صلى الله عليه و آله وسلم ، وكذا أزواجه أمهات المؤمنين ، فلا سب ، و لا لعن ، و لا طعن ؛ لأن الأئمة عليهم السلام بدءأ بأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ما صح عنهم أنهم سبوا ، أو لعنوا ، أو طعنوا في أحد من الصحابة ، أو من أمهات المؤمنين ، حتى أن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام لم يكفر من خاصموه في معركة الجمل ، و لم يكفر معاوية بن أبي سفيان ، و لم يكفر الخوارج ، و إنما كان موقفه من هؤلاء المخالفين الذين ناصبوه العداء لدرجة أنهم شهروا عليه السيوف ، و ألبوا عليه الجموع ، بل وشنوا عليه حربا دعائية عجيبة تسربت الى كل زوايا المجتمع ، كان موقفا في غاية النبل و الشهامة ، إذ لم يغمض لهم حقا ، و لم يمنعهم فيئهم ، و لم يمنعهم من الصلاة مع الناس ، و لم يمنعهم شهادتهم في الخصام ، بل أن الإمام علي عليه السلام لما سمع بعضا من جيشه في حرب صفين ، يسب أهل الشام قال لهم :[ إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، و لكنكم لو وصفتم أعمالهم ، و ذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، و أبلغ في العذر ، و قلتم مكان سبّكم إياها : اللهم إحقن دماءنا ، و دماءهم ، و أصلح ذات بيننا و بينهم ، و إهدهم عن ضلالهم حتى يعرف الحق من جهله ، و يرعوي عن الغي و العدوان من لهج به ] ، بل وحتى لما سأله أحدهم عن الخوارج ، هل هم كفار ؟ أجاب عليه السلام : [ بل من الكفر فروا ]0
ولهذا يجب أن لا نقف عند ما شحن به غلاة الشيعة القدامى ، و من نهج نهجهم ، من روايات و أحاديث ، تسب بعض الصحابة ، أو تطعن في بعض أمهات المؤمنين ، فهذا مما لا يستقيم مع المنهاج النبوي للأئمة عليهم السلام ؛ و للإشارة فمدرسة ( السنة و الجماعة ) هي الأخرى لم تخلو من غلاة و متطرفين ، فمعاوية بن أبي سفيان سنّ سنة سبّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من فوق المنابر و " الأمة " تؤمّ على الدعاء لعقود من السنين ، حتى أبطل تلك البدعة الضالة " عمر بن عبد العزيز "0
إلا أن هذا لا يعني عدم تقييم و نقد جيل الصحابة ، و القول بتفاوت درجاتهم ، فالصحابة فيهم السابق بالخيرات ، و المقتصد ، و الظالم لنفسه ، و هذا التقييم ، و هذا النقد لا يعني بالضرورة قدحا و طعنا في التربية النبوية للصحابة ، أو تنقيصا من المعلم الأول صلى الله عليه وآله وسلم بحيث أنه لم يربي صحابته ، إذ سرعان ما إنقلبوا لما إنتقل الى الرفيق الأعلى ؛ لأن القرآن الكريم ، و السنة المطهرة يشيران إلى هذا الأمر ، أي إنقلاب بعض الصحابة ، و تبديلهم ، و إحداثهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم [ .... إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ...] ، و بالتالي فإن محاولة للربط بين تقييم و نقد جيل الصحابة ، و التربية النبوية ، من السكوت أو تبرير ما جرى وحدث ، إنما محاولة تدليس و خطأ منهجي 0
أما نحن لنكون تلاميذ الإمام علي عليه السلام و طلاب مدرسته العظيمة ، فيجب أن تتجسد فينا تلك القيم و المواقف النبيلة ، و الشهمة للإمام علي عليه السلام في تعاملنا و تقييمنا لبعضنا البعض ، نضع اليد على السلبيات ، و لكن في إطار الشرع و العقل ، و نمجد الإيجابيات لكي تنمو هذه القيم الإيجابية في المجتمع ، لكي لا يتساوى المسيء ، و المحسن ، لأن المجتمع الذي يساوي بين المحسن ، و المسيء مجتمع مريض ، و فاسد إختلت فيه الموازين0
الشيعة المغاربة :
إن الشيعة في المغرب ليسوا قوما وافدين ، أو طارئين ، كما قد يتوهم البعض ، و إنما هم جزء من المجتمع المغربي الذي يعيشون فيه ، و ينتمون إليه ، مهما قل عددهم أو كثر ؛ فالتشيع أبدا لم يكن إنتماءأ على حساب الأوطان و الشعوب ، و إنما منهاج يتعبد به ، و يتقرب به إلى الله عزوجل ، إسترشادا بفكر آل البيت عليهم السلام ، و أن حبهم لهذا البلد الحبيب لا يشوبه شائبة ، رغم ضيق جبة الدولة ؛ و لهذا فعلى الدولة أن تتجاوز هذا التباين المفتعل بين المسلمين ، و ذلك بإدماج الفئات المذهبية في المجتمع على أساس وطني ، في دولة تكفل لمواطنيها الحقوق الأساسية ، و تفتح المجال حتى يشعر الشيعة في المغرب بالأمن و الأمان و الحرية داخل وطنهم ، و هذا الشعور سوف يقطع الطريق على الخط الإيراني الذي ينطوي على أجندة إيران الدولة ، إذ في ظل هذا الإستقطاب الطائفي الذي يتفاقم كل يوم ، و هذه التجاذبات الإقليمية ، إذا لم تقم الدول العربية بالتعامل مع الشيعة في بلدانها بحكمة ، و دراية ، و تشعرهم بالإنتماء و الحرية و الأمن ، فليس بعيدا أن يلجأ الشيعي لإيران خاصة و أنها تدعي " حماية و رعاية " الشيعة و التشيع في العالم ؛ ولذا فعلى الشيعة في المغرب أن يعلموا أن إيران دولة لها مصالحها القومية ، و أجندتها الإقيمية ، و أن التشيع وعي و سلوك ، قبل أن يكون مذهبا ، و أنه فوق الأوطان و الإنتماأت السياسية ، و التجاذبات المصلحية ، و أن يعلموا أنهم جزء لا يتجزء من أمة الإسلام الكبرى ، و ليسوا بفئة منعزلة عنها ، و أن أي تحرك يجب أن يتم ضمن الصيغ التي تعتمدها شعوبهم في أوطانهم التي ينحدروا منها ، و يعيشون معها و فيها 0
العمالة و التبعية :
و كما هو معلوم أن أي نظام ، أو دولة تحاول إيجاد أتباع ، و كسب موالين يدافعون عن شرعيتها ، و مصالحها ، و أهدافها ، و ذلك من خلال شراء الذمم ، أو فتح أبواب الرقي الإجتماعي ، من مناصب و إمتيازات ، و لهذا نجد أن البعض يحاول إلصاق تهمة التبعية ، و العمالة ، و الموالاة للشيعة في الوطن العربي لجهات خارجية و طبعا القصد هنا لدولة إيران بل ، و أن هذه هي الموضة الجديدة ، ولذا كان لزاما فصل الخطاب في هذه التهمة الخطيرة ، و المتهافتة في نفس الآن ، فمن حقنا أن نتساءل عن المقصود بالعمالة والتبعية ، لأن هناك من يخلط الأمور، و يتعمدها من أجل إنزال سيف الملاحقات الأمنية ، و المتابعات القضائية ، في حق كل من إختار التشيع مذهبا للتعبد ؛ فإن كان القصد بهذه التهمة الإرتباط الفقهي بالمراجع ، فأظن أن الأمر قد لا يحتاج حتى للإلتفات ، أحرى مناقشتها ، لأن المرجعية ترتبط بالأعلمية ، و الشخص ، لا بالزمان أو المكان أو الوطن ، و هذا من المتفق عليه حتى عند مدرسة ( السنة و الجماعة ) كإرتباط كثير من السلفيين في المغرب بمراجع وهابية بدولة السعودية ؛ أما إن كان القصد يتعلق بإملاء القرار السياسي من قبل دولة إيران ، فهذا مما لا يقبله عقل يفقه أبسط مبادئ السياسة
قبل الختام :
وقبل أن نختم هذه المقالة ، لا بأس من طرح نقاط نراها قد تكون عونا ، و وسيلة لتجنب هذا التعنصر المذهبي ، و فسح المجال أمام من إختار التشيع مذهبا للتعبد ، لممارسة معتقده في واضحة النهار ، دون تهويل لفرض مزيد من القيود ، و إلصاق للتهم الرخيصة :
1 من الثوابت التي فوق الإختلاف ، أن الإقرار بالشهادتين ( لاإله إلا الله ، و محمدا رسول الله ) صلى الله عليه وآله وسلم ، و آمن بالإسلام ، و رضي به دينا و دنيا ، فهو مسلم مهما كان مذهبه ، فلا يجوز إتهامه بالكفر ، بمجرد أنه مخالف في المذهب ، أو أي شيء من فروع الفقه ، أو شيء من فروع الإعتقاد التي تعد مسائل إجتهادية ، لأن القول بالكفر أمر شنيع لا يليق إلا لمن بدل و إتخذ غير الإسلام دينا0
2 الكف عن الإسفزاز ، و تحويل الإلتزام المذهبي الى تعنصر للمذهب و تحزب ، و الترفع عن جرح المشاعر و الطعن في مقدسات الفريق الآخر ، فإن هذا الإستفزاز يثير العداء ، و يدفع بالمتعصبين و المتطرفين من كلا الجانبين الى ممارسات جانحة تتناقض و ديننا الإسلامي الحنيف 0
3 إلتماس العذر ، فلا يصح أن يختلف الشيعي مع " السني " ، أن يأتي " السني " و يكفر مثلا الشيعي ، و يبدعه و يضله ، وكذلك الأمر بالنسبة للشيعي في تعامله مع " السني " ، بل يجب أن نتعاون فيما إتفقنا فيه ، لا أن نجعل الإختلاف سببا للإخراج من الملة ، و أيضا النظر الى التنوع المذهبي على أنه إختلاف فكري إجتهادي حول فهم الإسلام 0
4 تقديم المصلحة العليا للإسلام ، على المصلحة المذهبية ، و التقوقع الفئوي ، وفتح قنوات التواصل بين المسلمين ، لأن مصلحة الإسلام ، و هموم المسلمين لا تخص فئة دون الآخر ، أو مذهبا دون الآخر 0
وهذا لن يتأتى إلا من خلال تكسير الحواجز النفسية ، و التي سببها عقلية التعصب و الجمود ، التي تورث الحقد والبغضاء و الضغينة 0
مسك الختام :
و خير ما نختم به هذه المقالة ، هو إيراد كلام رفيع لأحد أبرز رواد الحركة الإسلامية في المغرب ، الشيخ : " عبد السلام ياسين " مرشد حركة ( العدل و الإحسان ) نقلا عن كتابه نظرات في الفقه و التاريخ حيث يقول : [... كيف ترى نبّاشي الخلافات سفلة القراء يعيثون فسادا ، و تلزم الحياد ؟ كيف تُفرّق بين شطري الأمة سنة و شيعة ، طائفة ممن لا يعقلون ، و أنت ساكت ؟... هذا وجه أخيك الشيعي .. هذا وجه أخيك المنضم الى جماعة ، غير جماعتك ، و هو ماد يده إليك على إستحياء وحذر ...هل نظرت الى هذه الوجوه من أعالي الأمور ، ودواعي الوحدة و الأخوة ؟ أم نظرت إليها من خلال كتب مليئة بآثار الصراع الماضي حين كان يكال الصاع صاعان ؟ هل شوه تاريخ مضى ، و حرب قائمة ، و خلافات في الوسائل و المنطلقات و الأساليب وجوه إخوتك في عينيك ؟ إمسح عن عينيك غشاوة التقليد ، و عن قلبك إمسح ران الغفلة عن الله رب العالمين ، ومن عقلك إنزع ذهنية التبلد على عادة الكسل ، تبصر وجه أخيك في مرآة المحبة ، وقد مسح عنه تشويهات صنعها وهمك حبه لله و رسوله ، و إيمانه بالله و باليوم الآخر ، و تشبثه بالقرآن ، و دفاعه عن الحوزة ، و سخاؤه بالدماء و الجهد لنصرة دين الله ]0
فهل من معتبر ؟ و هل من متعض ؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.