إعادة تهيئة مسارات مغادرة الرحلات الدولية والوطنية بمطار طنجة ابن بطوطة لاستقبال أزيد من مليوني مسافر    فوز عريض للمنتخب المغربي بإقصائيات كأس العالم.. والركراكي: "حققنا الأهم"    "صيد ثمين لولاية أمن تطوان".. ضبط 7,5 كلغ من الكوكايين وملايين السنتيمات    خلال أسبوع.. 18 قتيلا و2704 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    ندوة أطباء التخدير والإنعاش تستعرض معطيات مقلقة حول مرضى السكري    المغرب استقبل أكثر من 5.9 مليون سائح خلال 6 أشهر بما فيهم مغاربة يقيمون في الخارج    تدعم "البوليساريو".. استقالة نائبة سانشيز من قيادة "سومار"    طقس الأربعاء.. أمطار رعدية مرتقبة بهذه المناطق    مديرية آسفي "تتبرأ" من انتحار تلميذة    الغموض يلف مصرع تلميذة بتطوان    الركراكي: سعيد بأداء اللاعبين لكن لا يزال لدينا الكثير من العمل لنقوم به    الملك محمد السادس يحل رسميا بتطوان لقضاء العيد والعطلة الصيفية    عموتة يقود "النشامى" لتحقيق فوز تاريخي في تصفيات "المونديال"    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (16)        الأمثال العامية بتطوان... (622)    جمعية هيئة المحامين بتطوان تتضامن مع الشعب الفلسطيني    فرنسا.. اليسار يتجمع بعد تيه ورئيس حزب "الجمهوريون" يريد التحالف مع اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية    من المغرب.. وزيرة خارجية سلوفينيا تدين إسرائيل وتدعو لوقف تام لإطلاق النار بغزة    تشكيلة المنتخب المغربي أمام الكونغو برازافيل    عاجل.. الركراكي يكشف عن تشكيلة المنتخب المغربي الرسمية أمام الكونغو برازافيل    المغرب وسلوفينيا عازمان على إعطاء دينامية أكبر لعلاقاتهما الثنائية    أسئلة غلاء تذاكر مغاربة العالم بحراً وجواً تحاصر وزير النقل بالغرفة الثانية    الأخضر يغلق تداولات بورصة البيضاء    العثور على جثة فتاة داخل حفرة يستنفر السلطات الأمنية بمرتيل    وفاة المعلم علال السوداني، أحد أبرز رموز الفن الكناوي    عيد الأضحى: المكتب الوطني للسكك الحديدية يبرمج حوالي 240 قطارا يوميا    صندوق الإيداع والتدبير يعلن عن صرف المعاشات بشكل مسبق ابتداء من 12 يونيو    رسميا .. أولمبيك الدشيرة يعلن إجراء مباراة "الموسم" في البطولة أمام الدفاع الحسني الجديدي بدون جمهور    وهبي يعلن بدء استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكم المغرب    سفر أخنوش يؤجل الجلسة الشهرية بمجلس المستشارين    مصرع نائب رئيس ملاوي و9 أشخاص آخرين في حادث تحطم طائرة    المغرب يرحب بقرار مجلس الأمن الدولي    وهبي: أدوار الوساطة تحتاج التقوية .. ومنصة رسمية تحتضن الإعلانات القضائية    شركة إسبانية لصناعة الطائرات تستقر بالدار البيضاء    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    أبرزهم أيت منا.. 5 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي (صور)    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    شركة "آبل" تطلق نظاما جديدا للتشغيل في أجهزتها قائما على الذكاء الاصطناعي التوليدي    من إصدارات دار الشعر بمراكش الديوان الخامس من سلسلة "إشراقات شعرية" للشعراء المتوجين بجائزة "أحسن قصيدة"    القناة الثقافية تحاور الناقدة والروائية المصرية شيرين أبو النجا    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس اعتبارا من السبت القادم    سوق الأغنام بالرباط.. المعادلة المتداخلة لاختيار أضحية العيد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    المغرب يلتزم بإدماج التقنيات النووية السليمة في مختلف القطاعات    " فخورون، معلقون وعنيدون بعض الشيء"، عن منطقة كتامة والحشيش وأشياء أخرى..فيلم بالمسابقة الرسمية لفيدادوك    مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تنظم ورشة لتلقين مبادئ النقد السينمائي وتجويده، لفائدة الصحفيين    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    "نقاش نووي" يجمع المغرب وأمريكا    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    اجتماع يُنهي أزمة فريق المغرب التطواني    كيوسك الثلاثاء | ثلث الشباب المغاربة يفكرون في الهجرة    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    الحج ب "التهريب": "اضطررنا إلى التحايل لأداء الفريضة"    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكش : “بارد أوسخون يا مولاي أعقوب” ...
نشر في مراكش بريس يوم 07 - 02 - 2012


ذ مراد بولرباح
مدينة سبعة رجال مراكش هذه الأيام، “أسخونة” وباردة في نفس الوقت، مثل حمام مولاي يعقوب، ففي الوقت الذي تستقبل فيه مهرجان السينما الذي صار مثيرا للجدل، والتظاهرات الفنية والإقتصادية والإجتماعية الدولية الكبيرة وتوزع في فنادقها منصات عروض الأزياء.. ومعارض الفنون التشكيلية والأثاث الفاخر ، هو الوقت ذاته الذي تتكاثر في جوانب نفس المدينة الأزبال والقمامات، في أركان الفيلات قبل المنازل الفقيرة، وتحت سلاليم العمارات وجنبات الفيلات، لدرجة أن السياح باتوا يتجولون في أزقة مراكش العتيقة، وهم يضعون كمامات على أنوفهم، خائفين ربما من “أنفلونزا الأزبال” .
مما يجعلنا نتساءل عن مآل المخطط الجماعي للتنمية، مامصيره ، وإلى أين وصل، إن كان بالفعل يسير أصلا؟
هنا أضواء كاشفة بكل الألوان واحتفالات ليلية وسباق مجنون نحو الاستهلاك واستعراض للنّعم والخيرات.. ، وهنا منازل آيلة للسقوط، وتراكمات للأتربة في الأكياس، تحولت إلى متاريس للمنحرفين،وجدارات مفبركة، تحجب الرؤية والهواء والأنفاس، إذ تتجول في مراكش العتيقة، فتشعر وكأنك في جنوب السودان أو في الصومال هنا المركبات التجارية التي تبيع الماركات العالمية المميزة في كل شيء، والمطاعم الفاخرة حيث تختلط فيها الشموع بالهمسات،وتمتزج في أرجائها المأدبات بعبق ألف ليلة وليلة، وينعم الأثرياء والمشاهير بما لد وطاب، وهنا الكلاب الضالة في باب دكالة، ومشاتلها التي تنتجها في ديور الصابون. نعم الكلاب الضالة ، التي باتت تتمرغ على أعشاب الحدائق وتعلو مصطبات النافورات لتشرب، بعد أن فضلت الهجرة في الآونة الأخيرة نحو أزقة جليز، بدل المكوث في الأحياء الشعبية ، ينهرها هذا، ويضربها ذاك.
مراكش في كل هذا، بأناسها الطيبين البسطاء وبفقرائها ومُهمَّشيها في الأحياء الشعبية وبالشقق الاقتصادية العيانة في أغلبها قلبا وقالبا، ، يتابعون هذا التحول لمدينتهم، التي تساق إلى عالم البذخ بأعين مغمضة، كي تنام مع الثراء في سرير واحد.. فالظاهر اليوم أن مراكش لم تعد تكفيها ملاعب الغولف والكازينوهات والبحار الاصطناعية والمطاعم والحمّامات العصرية، حيث «الحكّة» ب 1000 درهم بصابون بلدي مخلوط بالياسمين وزيت الأركًان والشوكولاطة.. هنا حيث البذخ والطمع في أرصدة الأثرياء يدفعان المستثمرين المغاربة والأجانب إلى تجريب جميع أوجه الجنون.. في الأكل والملبس والسكن والحمام ... ومن أجل إبراز إحترافية البدخ، لم يكتف بعض المستثمرين السياحيين بصباغة الثلج على “الفيترينات” الزجاجية في المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم .. ولم يكتفوا بالتمتع برؤيته على قمم الأطلس الكبير المكللة بالثلج من باب الجديد ومن تسلطانت والمحاميد .. بل صنعوا جليدا ، أبرد من جلد القطب الشمالي في مراكش وقالوا لصاحبات وأصحاب الملايين : ها هو الثلج “جا حتى لعندكم” وصار في متناولكم للتزلج.. فقط افتحوا “بزاطمكم” وطلعوا نقودكم!وشي حاجة أخرى..
“ألم يقل لڭعير رفيق درب حميد الزاهير”
“بغيتي لبحر نجيبو ليك ألبنيا الله يهديك”
“إيو .... دابا مراكش راه فيها لبحر وأجبل وحتى الثلج والثلج لاخور اللي كيسخن لعظام”
لسان حال أهل مراكش، الذين خبروا السنوات العجاف والسمان، يقول في جنون الثراء الذي ضرب مدينتهم: “فلوسو يغسلو كفسو”. فقط لأن الأموال الطائشة التي ترمى هنا وهناك والأطعمة الباذخة التي تزين الأطباق والسيارات الفارهة التي تجوب الطرقات.. كل هذا النعيم هو حكر على أصحابه، من غنادر الأمة، فيما يبقى أهالي المدينة الحمراء ما يزال بينهم من يفترشون الأرض في محيط المحطة الطرقية.. هنا، حيث أرامل يجْرُرن أطفالا حفاة يقتاتون مما يسقط من ثمرات النخيل على الأرض المتّسخة ،وأطفال آخرون يؤثثون الشارات الضوئية،ب “الكلينيكس”..
لايجادل أحد، أن صندوق مراكش الجماعي فيه خيرات كثيرة ولكنها لا تقتسم بالتساوي على الأحياء ولا توظف في إحترام البيئة والثقافة والحضارة والإنسان.. ولا في القضاء على الفقر والتهميش بدوار الخليفة أبريك، ودوار السراغنة وأكيوض وقبور الشو وسيدي سوسان وغيرها من النقاط السوداء العفنة التي تشوه وجه المدينة الشاسع والمضياف.
وعلى كل حال، فقد وُجد الغنى للقضاء على الفقر، أما في مراكش فربما تم إستدعاء الغنى ليزاحم الفقر، ليتفرج عنه لا أن يقضي عليه.. وصار المراكشيون في كل هذا يعلقون على الخيرات و”الماركات” التي تجوب شوارع المدينة في أيدي فئة من المنعم عليهم بالقول: «آيه أخويا ، لحجل كثير والقرطاس سالا”!..
لو قدر ليوسف بن تاشفين أو لأبي العباس السبتي أو القاضي عياض ، أو حتى للمنصور الذهبي، أن عاشوا بيننا اليوم وزاروا بعض الأندية الليلية ذات الخمسة نجوم، أو الفنادق البادخة و”الواعرة”، أو البحار المراكشية الإصطناعية،لاعتقدوا أنهم في مدينة من مدن حكايات ألف ليلة وليلة، بطوبة من ذهب وطوبة من فضة، وليس في حاضرة الفقراء والدراويش وأهل القناعة والعفة، مدينة التصوف والمتصوفة والعلماء..
فجميل أن تكون مراكش مدينة عصرية تذكر في القرن الواحد والعشرين بعظمة، بغداد العباسية ودمشق الأموية وقرطبة الأندلسية والقاهرة الفاطمية، وجميل أن ترى الأجانب يفتحون أفواههم ويرفعون رؤوسهم لبهجة الفنادق وأناقة الحدائق وتنوع المرافق، وهم يتقاطرون على المدينة من مدريد أو باريس ولندن،
ولكن لابد من التفكير في تنمية المدينة وتحيين مخططها الجماعي،الذي صارت تتقادفه أشغال المجلس وإلتزامات البرلمان، فقد بدأت الحضارة في مراكش تشيد بجانب البؤس والأناقة والبدخ تختلط مع التخلف والتهميش والإقصاء يهاجم الأضواء والاحتفالات ، فتلك الشابة التي تحمل في يدها حقيبة «لوي فويتون» التي يصل ثمنها إلى 5 آلاف أورو، وهذه السيدة الثرية تجر معها كلب «شيواوا “بقيمة 3 آلاف أورو، وهذا الفتى المدلل يلبس أزياء شانيل، وذاك التلميذ بالمدرسة الخاصة يحمل ساعة «سيروتي» اليدوية، وفي حقيبته هاتف محمول بآلاف الدراهيم، وهذا مستثمر أجنبي لايحمل في محفظته المحبوكة من جلد التماسيح سوى عشرات “الكارت فيزيت” من كل حجم ولون ..
ويبقى السؤال عالقا ، فيما إذا كان المجلس الجماعي قادرا على أن يعمل جاهدا حتى لا تتحول مراكش إلى مسرح ضخم ومشوه ، تحتشد على خشبته المظلمة كل التناقضات من مشاهد التباهي الاجتماعي إلى صور التسول الإحترافي والإستجداء بالعاهات الحقيقية والمفبركة، ومن مواصفات النفاق الإجتماعي إلى ملامح الإقصاء المجالي، لدرجة بات فيها تلاميذ البعثة الفرنسية التي ينتسب إليها المراكشيون من بنات وأبناء الذوات أكثر من أبناء الأجانب، تحت حراسة عناصر الشرطة ممن يرابطون اليوم كله أمام بوابة المدرسة في “الفارڭونيت” التابعة للأمن الوطني، فيما تلميذات ثانويات وإعداديات أحياء المسيرة و الداوديات، وصوكوما والمحاميد، وسيدي يوسف بن علي وباب أيلان وباب أغمات يرعبهن اللصوص وقطاع الطريق بشفرات حلاقة، ويتعلم في عقولهم تجار “البولة الحمرا” والقرقوبي والمخدرات الصلبة والسائلة، من أجل أخذ التذاكير والتأشيرات نحو عالم مليء بالرعب والانحراف والعنف.
والجميع لايريد لمراكش أن تتحول إلى مدينة “مساحيق” تجميلية وهمية، تضع لعكر على الخنونة وتتبجح بالأبهة الجوفاء والعظمة الخاوية، وحده البؤس خرج من هذا السباق مرفوع الرأس هذه المرة، لأنه الحقيقة التي لا تقبل التنافس والإشهار..
فأعياد رأس السنة في مراكش لم تعد يوما واحدا أو حتى أسبوع كامل، بل هي على طول العام مقاهي صاخبة وملاهي تجلب بالمناسبة ومن غير مناسبة مغنين يحتفلون بالصوت وبالحلوى المخدومة والدوخة .. ، وبالتقاليد والمواصفات العالمية الجديدة الآتية مباشرة من عواصم العالم ومدنه الشهيرة، من إيبيزا وسان تروبي وميلانو وجنيف ولاس فيغاس.. هنا مراكش، حيث “اللي علفهوم منڭي” يشربون “الشامبانيا” و “النشيفاز”في كؤوس بلورية مزركشة بوريقات الدولار.. ، ويزدردون كبد التون المُسمّن وفواكه البحر النادرة وأجبان فرنسا وشيكولاطة سويسرا، التي توزع على الطاولات “بحال النبڭ” لدى الفقراء، قبل أن يأكلوا ربعها وترمى الثلاثة أرباع الأخرى في قمامة لايعرف حتى الجن الأزرق مطارحها، وبالأحرى الجياع من الفقراء والكلاب “الشمشامة”.. وبعدما يكون الجميع قد أدى الثمن.. ثمن الاحتفال بالغنى والانتصار على الفقر وليس بمراكش طبعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.