وسط زخم المظاهرات التي خرجت تطالب بإسقاط الفساد، رفع المتظاهرون صور العديد من رؤساء ومديري المؤسسات العمومية في المغرب. بالمغرب، لا تستغرب إن علمت أن أكثر من مدير عام للعديد من المؤسسات العمومية يتقاضون أجورا تفوق بكثير ما يتقاضاه مثلا رؤساء الكثير من الدول الديمقراطية، التي تحترم مواطنيها قبل أن تحترم رؤسائها و مدراء مؤسساتها العمومية، دون الحديث عن الامتيازات الكثيرة و المتنوعة التي يتم إضافتها للمَبالغ المٌبالغ فيها لأجور هؤلاء المدراء المحظوظين، كأن البلاد، و لله الحمد، تعيش في بحبوحة، و لها من الفائض المالي ما يفرض عليها تكريم بسخاء غير مسبوق كل من يحتل منصبا رفيعا لإحدى المؤسسات العمومية، و ما أكثرها للأسف الشديد بهذا البلد الحزين.
بالمغرب أيضا، منصب مدير مؤسسة عمومية مثل المكتب الشريف للفوسفاط أفضل من منصب ثلاث وزراء دفعة واحدة، و الأكثر من هذا أن أدنى أجر شهري لمدير المؤسسات العمومية ال 25 الكبرى بالمغرب يوازي الراتب الشهري للوزير الأول عباس الفاسي.
بالمغرب أيضا، منصب مدير مؤسسة عمومية مثل المكتب الشريف للفوسفاط أفضل من منصب ثلاث وزراء دفعة واحدة، و الأكثر من هذا أن أدنى أجر شهري لمدير المؤسسات العمومية ال 25 الكبرى بالمغرب يوازي الراتب الشهري للوزير الأول عباس الفاسي.
بعملية حسابية بسيطة للأرقام التي أوردتها مشكورة المجلة الأسبوعية الناطقة باللغة الفرنسية "Tel Quel" في ملف خاص نشرته يونيو المنصرم، نجد أن مجموع الأجور الشهرية ل 25 مدير مؤسسة عمومية مغربية يصل ل 207 مليون درهم شهريا، أي ما يقارب 2.1 مليار سنتيم كل شهر و ما يعادل 25 مليار سنتيم سنويا.
25 مليار سنتيم هي الكلفة السنوية ل 25 مدير مؤسسة عمومية مغربية، دون أن نضيف إليها الامتيازات و المنح السنوية، رقم مرتفع يوضح كم تنفق الدولة المغربية بسخاء لا محدود له على المدراء المحظوظين، رقم كان بالإمكان استثماره بشكل معقلن يعود بالنفع الوفير على المغاربة، كتشغيل المئات من المعطلين الحاملين للشهادات العليا، و بالتالي ضمان حياة كريمة لمئات من الأسر، لو عمدت مثلا الدولة المغربية لتخفيض تلك الأجور الشهرية الدسمة، خاصة مع الأزمة المالية الخانقة التي يمر منها الاقتصاد الوطني جراء الأزمة العالمية التي اجتاحت الكرة الأرضية خلال السنتين الماضيتين.
مقارنة سريعة للأرقام التي أوردتها الأسبوعية الناطقة باللغة الفرنسية قبل نصف سنة و بين الأرقام التي أوردتها خلال الأسبوع المنصرم جريدة أخبار اليوم المغربية، نستنتج أن هناك بعض التضارب في أجور مدراء بعض المؤسسات العمومية المغربية، لا نملك معلومات دقيقة إن كان الأمر يتعلق بزيادة فعلية في الأجور الشهرية أم مجرد تضارب في الأرقام بين المصدرين.
فمدير المكتب الوطني للسكك الحديدية، ربيع الخليع، زاد أجره الشهري ب 10.000 درهم حيث انتقل من 75.000 درهم حسب (Tel Quel ) إلى 85.000 درهم حسب ( أخبار اليوم المغربية ) في نفس السياق انتقل فيه الراتب الشهري لعلي الفاسي الفهري، مدير المكتب الوطني للكهرباء و مدير المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، من 100.000 درهم حسب (Tel Quel) إلى 120.000 درهم حسب أخبار اليوم المغربية، أي بزيادة 20.000 درهم دفعة واحدة، ربما هي مجرد تكريم على تنصيبه رئيسا لجامعة كرة القدم السنة المنصرمة.
عكس المثالين السابقين الذين لم يكن هناك اتفاق بين اليومية الناطقة باللغة العربية و الأسبوعية الناطقة باللغة الفرنسية، فإنهما يتفقان معا على كون الراتب الشهري لإدريس بنهيمة مدير الخطوط الملكية المغربية محدد في 130.000 درهم.
و معلوم أن ادريس بنهيمة يعد أحد أقرب المقربين من القصر الملكي و أكبر المحظوظين بالمملكة المغربية، سبق له أن تربع على كرسي العديد من كبريات المؤسسات العمومية خلال العقدين الماضيين، لدرجة أنه يمكن تلقيبه بابن بطوطة المناصب الحساسة بالمغرب. بين الرقم الذي نشرته الأسبوعية الناطقة بالفرنسية يونيو الماضي و ما نشرته اليومية الناطقة باللغة العربية، هناك فرق شاسع في الأجر الشهري لمدير المكتب الوطني الشريف للفوسفاط، مصطفى التراب، ف" Tel Quel" تقول أن أجره الشهري محدد في 300.000 درهم بينما تأكد "أخبار اليوم المغربية" أنه لا يتجاوز 200.000 درهم.
نفس الشيء ينطبق بالتمام على الراتب الشهري لوالي بنك المغرب، عبداللطيف الجواهري، تقول أنه يتقاضى شهريا 250.000 درهم بينما تأكد أخبار اليوم المغربية أنه لا يتجاوز 200.000 درهم.
بعد ثلاث سنوات قضاها كمدير لبريد المغرب، انتقل أنس العلمي لمنصب مدير صندوق الإيداع و التدبير خلفا لمصطفى الباكوري، الذي أقيل من منصبه لظروف لا زالت غامضة إلى حدود كتابة هذه السطور، هذا الانتقال سيمنح أنس العلمي زيادة محترمة في أجره الشهري مقدارها 20.000 درهم، حيث أصبح راتبه الشهري حاليا هو 100.000 درهم ( حسب أخبار اليوم المغربية )بعدما كان يتقاضى 80.000 درهم حسبTel Quel ) )علما أن سلفه في صندوق الإيداع و التدبير، مصطفى الباكوري، كان يتقاضى 130.000 درهم حسب TelQuel ) ) كما أن خلفه في بريد المغرب، أمين بنجلون التويمي، أصبح يتقاضى 90.000 حسب ( أخبار اليوم المغربية).
السؤال المطروح و بإلحاح شديد من طرف المواطن المغربي العادي، الغارق في بحار الفقر و أنهار التخلف و الأمية، لا يتعلق بتلك الأجور المٌبالغ فيها، كما سنوضح من خلال التالي من السطور، و إنما يتساءل عن نوعية الإضافة التي قدمها أكثر من مدير مؤسسة عمومية، التي بقي على رأسها سنين طويلة، بدون حسيب و لا رقيب، لتكون النتيجة في الأخير اختلاسات مالية تفوق التصور كما وقع للبنك السياحي و العقاري – السياش اختصارا – و البنك الشعبي و صندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و البعض الآخر يعيش أزمة مالية خانقة بسبب سوء التسيير و التدبير المالي، كما هو الحال في الوقت الراهن مع القناة الثانية – دوزيم – و الخطوط الجوية المغربية، و مع ذلك لم نلمس من القائمين عليها أي تدخل عاجل لإنقاذها من الإفلاس المنتظر لا قدر الله، كالعمل على تخفيض أجور كبار الموظفين كخطوة أولية مع ضرورة ترشيد النفقات بهدف تخطي الأزمة المالية الخانقة التي يعيشانها معا.
فالمواطن العادي قد يضطر مرغما لتقبل تلك الأجور المرتفعة لمدراء العشرات من المؤسسات العمومية، لو عمد و عمل هؤلاء المدراء على تحسين خدمات مؤسساتهم في وجه المواطن المغربي العادي، و تطوير أسهمها في الحياة اليومية له حتى ينعكس ايجابيا عليه، و ليس على كبار موظفيها فقط، لكن أن يتم العكس و يواجه هذا المواطن المقهور، بإكرامه حيا بارتفاع صاروخي لمتطلبات الحياة اليومية، فلا يعقل أن ترتفع فواتير الماء و الكهرباء، و المغرب مطل على بحرين و يتوفر على عدد مهم من السدود، و البلاد تعرف خلال السنين الأخيرة تساقطات مطرية مهمة، أمطار أعادت الحياة للعديد من العيون بمختلف المدن و القرى المغربية، و مع ذلك يكون هذا المواطن مكرها على أداء فواتير مرتفعة لكل من الماء و الكهرباء نهاية كل شهر.
الأمر لا يقتصر عند هذا الحد، بل يتجاوزه لما هو أسوأ، و ذلك عندما يتم إلزام المواطن العادي بأداء ضرائب لا يعرف كيف نزلت عليه، و ما الرابط بينها و بين فاتورة الماء و الكهرباء مثلا، حيث يتم إدراج ضريبة متعلقة بإنعاش الفضاء السمعي البصري في تلك الفواتير، مما يزيد من حيرة هذا المواطن المغبون في حياته اليومية، حتى لو لم يكن يتوفر على جهاز تلفاز و لا يشاهد قنوات الرداءة في أحسن الأحوال، و رغم ذلك تكافئه تلك المؤسسات العمومية بضرائب تثقل كاهله المثقل أصلا بمصاريف الحياة اليومية، لكي ينعم كبار الموظفين المحظوظين في نعيم الحياة و الإعفاء من المصاريف الشهرية – الماء / الكهرباء / الضرائب / الهاتف الثابت و الجوال / الأنترنيت / تذاكر القطارات و الطائرات و الإقامة في الفنادق المصنفة...
خلاصة القول قراءة متأنية ما بين سطور صفحات الأجور الشهرية لكبار مدراء المؤسسات العمومية، تعطينا فكرة واضحة و فاضحة على الفارق الكبير الذي يوجد بين طبقة غنية تزداد غنى و أخرى فقيرة تزداد فقرا و توسعا في نفس الوقت، دون أن نسجل أي خطوات جريئة لتغيير خريطة كبار المدراء المحظوظين، لأنه من غير المقبول و لا المعقول أن يتم إعفاء أكثر من مدير مؤسسة عمومية لسوء تدبيره لقطاعها، ليتم أسابيع بعد ذلك تنصيبه في منصب مدير مؤسسة أخرى لا علاقة تجمعه و إياها و تخصصه السابق و الدراسي في نفس الوقت، لتكون النتيجة النهائية تناقض صارخ و بعيد كل البعد عن المنطق و الموضوعية.
جدول توضيحي للأجور الشهرية ل 25 مدير مؤسسة عمومية:
اسم المؤسسة:
اسم المدير:
الأجر الشهري حسب: -Tel Quel -أخبار اليوم المغربية
المكتب الشريف للفوسفاط: مصطفى التراب 300.000 200.000
بنك المغرب عبداللطيف الجواهري
250.000 200.000
صندوق الإيداع و التدبير مصطفى الباكوري 130.000
أنس العلمي 100.000
الخطوط الجوية المغربية ادريس بنهيمة 130.000
القرض العقاري و السياحي علي هراج 120.000
أحمد رحو 150.000
البنك الشعبي محمد بنشعبون 120.000
المكتب الوطني للكهرباء علي الفاسي الفهري 100.000 120.000
الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة فيصل العرايشي 95.000
بريد المغرب أنس العلمي 80.000
أمين بنجلون التويمي 90.000
الوكالة الخاصة طنجة المتوسط سعيد الهادي 80.000
المكتب الوطني للسكك الحديدية محمد ربيع الخليع 75.000 85.000
مجلس القيم المنقولة حسن بوقنادل 75.000
المديرية العامة للضرائب نورالدين بنسودة 70.000 القناة الثانية – صورياد - سليم الشيخ 70.000