((( إن الخير كله يأتي من الصحراء وان الشر كله يأتي من الصحراء )) هذه قولة معروفة للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ،فرغم بساطة أسلوبها ووضوحه فإنها عميقة في المعنى السياسي والاستراتيجي للدولة ،لكونها رسالة تحذير بأخذ الحيطة و الحذر في التعامل مع ملف الصحراء المغربية . وفي سياق منحى المقولة الملكية التاريخية الشهيرة وعدم تفعيل وتطبيق التعليمات الملكية السامية لصحاب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، فان الصبغة الأساسية التي لازمت أحداث العيون الدنيئة قبل نشوئها إلى وقت قيامها وبعد أحداثها .. الانحلال السياسي هو الطابع المميز لهذه الصيرورة الزمنية المتقاربة والمتشابكة ،التي سنحاول الإشارة إليها باختصار في النقط التالية : 1- سياسة الإهمال الجميع يعلم أن أصحاب فكرة الوهم البوليساريو يخلدون كل 12 أكتوبر ذكرى يطلق عليها الوحدة الوطنية،وفي كل سنة تقوم مختلف التيارات الموالية للفكر الانفصالي الداخلي بالاحتفال بهذه الذكرى سواء بالتظاهر العلني في الشوارع وخاصة في المناطق الصحراوية أو باقتحام المدارس التعليمية والجامعات وطرح أفكارهم الهدامة الداعية إلى الانفصال عبر المنشورات والكتابة على الجدران،فما دمنا نعرف كان لنا أن نتصدى لا أن ننتظر . وقبل الاحتفال بذكراهم الوهمية وانطلاق العد العكسي للاقتحام الداخلي للمغرب نجحت الوليساريو في تسريب لنا الانفصاليين المدربين على الهمجية ضمن أفواج العائدين إلى أرض الوطن وقد تجاوز عدد العائدين منذ بداية هذه السنة بحسب معطيات رسمية إلى 1600 عائد ،ناهيك عن بروز ظاهرة الملثمين،(عائدين شباب يخفون وجوههم طوال الوقت ) . وبصفة عامة فالعائدين إلى أرض الوطن أغلبهم عادوا طمعا وأكثرهم عادوا للقيام بمهمة كلفتهم بها المخابرات الجزائرية ،والقلة القليلة هي التي عادت عن وعي وإدراك تام بصحرائية المغرب . فبدأت إستراتيجية نصب الخيام في عدة مناطق صحراوية قبلت أغلبها بالقمع ،إلا مخيم ((أكديم ايزيك )) الذي يبعد عن شرق العيون ب13 كلم ودام أربعة أسابيع ،ولا نعرف السبب المبرر للسماح لهؤلاء بنصب الخيام هناك بالضبط ؟؟ فان سمحنا لهؤلاء بنصب الخيام فقط لاحتجاج الساكنة على الأوضاع المعيشية المزرية ومطالبتهم الدولة بحل مشاكلهم الاجتماعية المتمثلة على الخصوص في السكن والشغل ،فسيتحول المغرب في ظرف ساعة إلى خيام من طنجة إلى لكويرة ،أم أن هناك مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية ،وصحراوي درجة ممتازة وصحراوي درجة عادية ؟؟ إن الوطن يضم الجميع ويتسع للجميع وفي خدمة الجميع وينتظر تضحية الجميع ،فالضرورة تقتضي إشراك ومشاركة الجميع . (( لقد حل الوقت الذي يتعين على كافة السلطات العمومية، مضاعفة جهود اليقظة والتعبئة، للتصدي بقوة القانون، لكل مساس بسيادة الوطن، والحزم في صيانة الأمن والاستقرار والنظام العام; الضمان الحقيقي لممارسة الحريات)) مقتطف من خطاب صاحب الجلالة 2009/11/06
-2 - سياسة التمييز طغت الازدواجية في التعامل مع العائدين الجدد الذين حضوا بامتيازات (منازل مؤثثة ورواتب شهرية) وبين قاطني مخيمات الوحدة الذين يعانون في صمت ظروفا مزرية من جهة ، ومن جهة أخرى بين الأسرى المدنيون الذين اختطفوا من التراب المغربي عند مزاولتهم لمهامهم في مناطق الصحراء و قاضوا سنين عدة في سجون البوليساريو والجزائر ،كان جزائهم الحرمان والإقصاء بعد عودتهم لأرض الوطن .فمن الأولى بالامتيازات والرعاية والعناية ؟؟ العائدون الذين لا نعرف نواياهم والملثمين والذين انكشف أمر أغلبهم أنهم خونة ،أم قاطنو مخيمات الوحدة الذين يعتزون بوطنهم وبمغربيتهم ،أم الأسرى المدنين الذين عذبوا في سجون الذل والعار وأرغموا على مفارقة ذويهم وأسرهم ووطنهم ؟؟ أم السكان الصحراويون الشرفاء ؟؟ فالتعامل بالسياسة التفضيلية بمثابة الحصان الهدية ،الذي استغلته المخابرات الجزائرية وكركوزتها البوليساريو فركب عليه انفصاليوا الداخل كمطية لتفعيل مخططهم لضرب المصالح السيادية المغربية من الداخل . وكان لنا أن نتخذ الحيطة منذ فضيحة ملف ((أكجيجيمات))وسالم التامك وأمينتو حيدر وتحركات الطلبة الصحراويين في العديد من المواقع الجامعية والتسرب إلى منظمات حقوقية مغربية وفضيحة العائدين الجدد الذين نصبوا على مجموعة من المواطنين ،وفضيحة بيع المنازل التي قدمتها الدولة للعائدين الجدد الذين بمجرد ما تمكنوا منها بحي الوفاق بالعيون مثلا حتى بيعت من جديد بطريقة غير قانونية وعادوا إلى تندوف صحبة المال . فماذا نسمي هذا التمويل الغير المباشر من طرف المغرب للبوليساريو عبر العائدون أس اثنان؟؟ :عاد إلى المغرب وبعد حصوله على الامتيازات وبيعها عاد من جديد إلى تندوف صحبة المال . فمسألة العائدين يجب أن تعالج وبصفة نهائية وذلك عبر : - إحصاء شامل لجميع العائدين منذ أن فتح المغرب أبوابه في وجه أبنائه من المغاربة المحتجزين في تنذوف بعد المقولة الشهيرة للراحل الملك الحسن الثاني رحمه الله ((إن الوطن غفور رحيم )).وبالإضافة إلى إحصائهم يجب معرفة وضعيتهم الاجتماعية - التأكد من هوية العائد وإجراء بحث دقيق وتفصيلي عنه (ولاسيما أننا بتنا نعرف إن هناك عصابات متخصصة في تزوير الوثائق الخاصة بالبوليساريو التي تستعمل كاقامات قديمة بالمخيمات ،حتى أصبحت تعرف هذه الظاهرة بالهجرة في الاتجاه المعاكس ومعرفة في نفس الوقت هل هو من أبناء الصحراء أم هو خائن انفصالي مرسل من قبل المخابرات الجزائرية ). - توزيع العائدين الجدد على مختلف المناطق المغربية مادام أن أرض الوطن من طنجة إلى لكويرة،وبمجرد ولوجه إلى الأرض المغربية يعتبر مغربيا ويسري عليه ما يسري على كل أبناء هذا الوطن من حقوق وواجبات . - تقنين الامتيازات والعطايا وفق مقياس محدد مسبقا يراعي فيه : سنه ومستواه الدراسي وحالته الاجتماعية ووضعيته القانونية ومدة احتجازه واعتقاله في مخيمات الذل والعار ،وكذا عمله أو رتبته أو منصبه إن كان مسؤولا في البوليساريو .. 3- سياسة التقليد اعتمدت الدولة على الأعيان والشيوخ لتدبير الشأن المحلي انطلاقا من اعتبار نظام القبيلة بمثابة معطى هيكلي للساكنة الصحراوية (ايت أربعين )،فخلقت الأعيان الإداريين وجندتهم في خدمة المصلحة الذاتية والالحاقية التي طبعت مسار الإدارة المحلية على امتداد الحقب ،إلا أن المرحلة الراهنة كشفت عن فشل سياسة الأعيان والشيوخ ،وفقدانها للسيطرة على الفئات الشابة والمكونة . فالسياسة المبنية على هؤلاء لم تؤدي إلا إلى تمزيق النخب داخل الكيان الصحراوي وتشتيته وتصارعه من أجل المقاعد الأمامية وكسب مزيد من الامتيازات الخاصة فقط ، فتأزمت الأوضاع وكرست الهوة بين الشباب والأعيان وفي النهاية أصبحت هذه الفئة المحضوضة صورية لا تمتلك أي تأثير في الحقل الاجتماعي وظهر ضعفها وفقدانها للأهلية أكثر خلال محاولتها البئيسة للحوار مع متزعمي مخيم أكديم ايزيك فلم تقدر على الحد من تيار الغضب الشعبي الناتج طبعا عن التدبير السيئ لكل الملفات الاجتماعية ذات الطبيعة الاستعجالية ،وأكثر من ذلك أن منسقي المخيم رفضوا التواصل والحوار معهم . وانطلاقا من المغرب الموحد قانونيا وسياسيا وإداريا وبالرغم من طرح مبادرة الحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية ،فانه من الأحسن الاعتماد على مقاربة النخب المحلية المنتخبة لتسيير دواليب الشأن المحلي و الجهوي التي لها مرجعية قانونية وشرعية من خلال صناديق الاقتراع بدل نخب الأعيان التي تستمد قوتها من الدولة تارة ومن الرجعية التاريخية ثارة أخرى . وما دام أن دور الأعيان والشيوخ أصبح ثانويا في التخطيط للسياسية الإستراتيجية بالأقاليم الصحراوية ،فنتمنى أن تتوجه الدولة لإشراك الفئات الشابة في تدبير الشؤون المحلية وإعطائهم الفرصة في تحقيق دواتهم. وفي نفس السياق يجب أن يوضع حد لهذه السياسة المنحلة المبنية على التفضيل والامتيازات والعطايا ما دام أن نفس الأزمة الاجتماعية التي يعيشها سكان الأقاليم الجنوبية موجودة بنفس المواصفات أو أكثر في جميع أقاليم المملكة ،لأن قضية السكن والتشغيل قضية وطنية تعني كل المغاربة ولا تخص فئة اجتماعية معينة أو جهة معينة ،فلا فرق بين شرق وجنوب وغرب وشمال المغرب ،فالتعامل بمنطق المساواة والعدل هو الكفيل برد الثقة لجميع الساكنة الصحراوية بصفة خاصة والساكنة المغربية بصفة عامة . 4- سياسة الاستفزاز : إن السيدة كجمولة العائدة (صنف عائدة درجة ممتازة ) والبرلمانية بالصدفة (عن طريق اللائحة الوطنية ) عن حزب التقدم والاشتراكية (وبرلمانية في الولاية الماضية تحت اسم حزب الحركة الشعبية ) والعضو بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (أهم أهدافه الدفاع عن مغربية الصحراء والتعبير عن مواقف المغرب في المحافل والهيئات الدولية ) مثلث سياسة الاستفزاز أحسن تمثيل ،بتصريحاتها المغرضة والمحرجة للمغرب والمغاربة والخارجة عن الإجماع الوطني . ثم أليس من الخزي أن تطلب النائبة التائهة ..السكن المجاني للصحراويين وملايين المغاربة مثقلين بالقروض الطويلة الأمد من أجل اقتناء مسكن،وملايين المغاربة يقطنون في دور الصفيح ؟؟ أ لا تعرف السيدة النائبة التائهة عن أوضاع المغرب أن المغاربة الذين يملكون عقارا لا تتجاوز نسبتهم 20 في المائة ؟؟ فحتى وان كانت السيدة النائبة تشكك في الرواية الرسمية وكما تدعي أنها رأت بأم عينيها مواطنون غير صحراويين ينهبون ويخربون بتغطية من القوات العمومية ،فكان لها أولا أن تقدر المرحلة وتراعي شعور المغاربة قاطبة و ترحم على شهداء الواجب،ثم تطرح ما عندها تحت قبة البرلمان مادامت ممثلة بالصدفة الشعب المغربي جميعا وليس فقط سكان مدينة العيون باعتبارها فائزة في إطار اللائحة الوطنية،وان أرادت أن تعبر وتنتقد فالإعلام الوطني أولى بتصريحاتها .. فان اختيار هذا التوقيت الحرج بالذات من جهة واختيار المنابر الإعلامية المعادية لقضيتنا الوطنية من جهة ثانية لدليل قاطع على أن السيدة تخدم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أجندة المخابرات الجزائرية وعميلتها البوليساريو والمكونات الاسبانية المعادية لصحرائية المغرب . وهذا التعبير الواضح والمكشوف بتعاطف السيدة مع أعداء الوحدة الترابية يجبر الدولة أن تكون حازمة في اتخاذ موقف ردعي نهائي ليكون بمثابة عبرة لكل من سولت له نفسه أن يشكك في مصداقية مغربية وشرعية قضيته الوطنية ولو بحبة رمل من صحرائنا المغربية . 5- سياسة الارتجال : يبدو أن الدولة وخاصة القائمون على تدبير الشؤون الصحراوية بالأقاليم الجنوبية تناسوا أو تعمدوا أن يخرقوا الثقافة الصحراوية عبر المهراجانات الصاخبة الصيفية بجلب فنانين ومغنيين من مختلف بقاع العالم بأثمان خيالية قاصدين بذلك الترويح عن سكان الصحراء ،والكل يعلم أن الفن الصحراوي فن عريق والإنسان الصحراوي شاعر بطبعه ويكفيه رنين أغاني الكدرة أو الهول أو الكيفان ..أو الطرب الحساني ..أما أن يفرض عليه مهرجانات مستوردة ومطبوخة تحت مبادرة راقية هي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي هدفها الأساسي والاستراتيجي هو الإدماج الكلي في الحياة الكريمة للمواطن المغربي بتقليص نسبة الفقر ومحاربة الهشاشة والتهميش والإقصاء الاجتماعي ..فكان بدل أن يصرف أكثر من 1200 مليون سنتم في مهرجان واحد مثلا مهرجان روافد أزوان بالعيون ،أن يتم استثمار هذا المبلغ الضخم لانتشال الساكنة المعوزة من وهدة الإقصاء الاجتماعي وخلق فرص عمل للشباب الصحراوي العاطل عن العمل . 6- سياسة الازدواج : أصبحت في العقد الأخير ظاهرة تطفو على السطح الساحة المغربية ،ويترامى حولها المسؤولون المغاربة قبل المواطنون العاديون،وقد برزت أكثر في قضية إقالة الوزير المنتدب في الخارجية ،وهي الجري وراء كسب الجنسية الاسبانية بشتى السبل . ولو لم يكن المواطن الذي قتل خطأ في أقاليمنا الجنوبية بالإضافة إلى الجنسية المغربية يحمل الجنسية الاسبانية لما سمح لاسبانيا التدخل في الحادث ومطالبتها بفتح تحقيق في الحادث ؟ وعلى سبيل المثال فقد حصل هذه السنة أكثر من 64 ألف مغربي على جنسيات أوربية مختلفة ،فمسألة حصول أي مغربي مقيم في الخارج على جنسية البلد الذي يعيش فيه مسألة مشروعة ،لكن ما ننبه إليه نحن ونعتبره اهانة للمغرب هو حصول المسؤولون الحكوميون والعسكريون على جنسيات بلدان مختلفة وهم يعيشون في المغرب فالمواطن لا يستوعب أن مسؤولا يدافع عن قضية وطنه أو يحمل حقيبة وزارية أو له منصب دبلوماسي أو ممثلا للشعب في إحدى المجلسين..يحمل جنسيتين ،وخاصة عندما نسمع أن الدولة الاسبانية تقدم جنسيتها في طبق من ذهب إلى المسؤولين المغاربة وتتخذ في ذلك إجراءات استثنائية تفضيلية . فيجب أولا وقبل كل شيء أن نحدد الحاملين للجنسية الاسبانية وخاصة في صفوف مسؤولينا ونوابنا البرلمانيين ،ونضع شروطا قانونية وأخلاقية تراعي مصلحة البلاد وسيادتها على المسؤولين ذوي الجنسيات المزدوجة ،وقبل أن يجلس على كرسي المسؤولية ليمثل المغرب والمغاربة ويتكلم بلسانهم ويدافع عن قضياهم يجب أن يكون مقتنعا بانتمائه مفتخرا بمغربيته ومستعدا للتضحية بماله ومنصبه ونفسه في سبيل مقدسات وثوابت أمتنا المغربية ،وذلك بحمله الجنسية الأصلية لبلده الأم لوحدها . 7- سياسة الارتزاق : الكل يعرف أن أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات بالمغرب تسجل في أقاليمنا الجنوبية ،حيث تتجاوز النسبة 60 في المائة ،فمثلا بلغت نتائج الاستحقاقات الأخيرة بجهة كلميمالسمارة 69.5 في المائة وبلغت في جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء 61.5 في المائة ،وحصد في هذه الجهة بالذات حزب الاستقلال لوحده على 111 مقعد بعدد أصوات قدرت ب 26 ألف و916 لصوت النخب الحزبية . فهذه الأرقام تطمئن عند قراءتها في الوهلة الأولى ،و لاسيما أن عدد المقاعد النيابية الموزعة على جهات الصحراء الثلاث تصل الى 19 مقعد نيابي رغم ضآلة نسبة سكانها ،ونعتقد أن الجهة مؤطرة سياسيا بأحزاب وطنية ممثلة بنخبة قادرة على التواصل مع الساكنة وتمثيلها أحسن تمثيل . لكن الواقع يكشف العكس ،فالواقع السياسي بأقاليمنا الجنوبية أكثر خبثا و مكرا من الواقع السياسي المشرد بباقي أقاليمنا بالمغرب . فصراع معظم الأعيان والشيوخ ما هو في الحقيقة إلا صراع على المناصب في الجماعات والبرلمان والمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية وو،والمدخل يبقى دائما هو الصراع حول كسب التزكية من الحزب الأقوى ،والجميع يعرف أن حزب الاستقلال هو الحزب المسيطر في الأقاليم الجنوبية وخاصة في العيون ،لا لكون الحزب قويا بل لكون القبيلة التي انتخبت باسم الحزب ظلت هي الأقوى في الساحة الصحراوية لسنين عديدة ،وقد لاحظ المتتبع للشأن السياسي بالمغرب أنه بمجرد ما وطئت قدم حزب الأصالة والمعاصرة بأمينه العام من الأصول الصحراوية حتى بدأت التطاحنات السياسية والاستفزازية تطغى على الساحة الصحراوية ،ووصل سهم التطاحنات والصراعات حتى داخل المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية . وكل هذه الصراعات والانشقاقات مبنية أساسا على المصلحة الشخصية والارتماء في أحضان التبعية المنافقة من أجل الظفر بمسؤولية كبرى ومنصب عالي . فسياسة الارتزاق هذه لن تقدر حتى على كسب الصوت الصحراوي وثقته فبالأحرى ستكسب أصوات الدول والهيئات الحقوقية الدولية وجمعيات المجتمع المدني في مختلف بقاع العالم وخاصة في اسبانيا . 8- حقوق المنسبات : من الملاحظ أن بلادنا اتجه فعليا و بإرادة ملكية سامية شجاعة نحو تعزيز الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وإقرار الديمقراطية ،وقد ترجم هذا جليا في هيئة الإنصاف والمصالحة . رغم أن بعض توصيات هذه الهيئة لم تفعل بعد في الساحة الواقعية للمغاربة . ومن المعروف أن المغرب ربح مركزا متقدما على مستوى الصعيد الدولي وتجاوبا مشرفا بطرح مبادرته السامية بإقرار الحكم الذاتي داخل السيادة المغربية كحل توافقي سياسي وعادل ونهائي للنزاع المفتعل في الصحراء ،وهو ما جعل جبهة الوهم والاحتيال البوليساريو والمخابرات الجزائرية البليدة تعتمد على إثارة الفتنة من قبل انفصالي الداخل لاستغلالها كورقة رابحة لحقوق الإنسان في الصحراء لتعزيز مطلبها المتمثل في توسيع صلاحيات بعثة المينورسو إلى الصحراء المغربية ،ولتضليل المنتظم الدولي على الحل الواقعي المقدم من طرف المغرب . فما دام المغرب في وضع المبادر والمتقدم ،فلا مجال له للوقوع في بعض الانزلاقات والتراجعات في المجال الحقوقي ،إذ لابد للمغرب أن يسترد مكانته ورمزيته كأقوى تجربة ديمقراطية حقوقية في محيطه العربي والإسلامي والإفريقي،وذلك عبر مراجعته لبعض التجاوزات و الاختلالات التي طبعت الصورة الحقوقية في السنوات القليلة الماضية : منها : - إطلاق جميع المعتقلين السياسيين - إسقاط العقوبات السالبة للحرية في حق الصحفيين - طي ملف ما يسمى ب((بلعيرج ))وإعادة حزب البديل الحضاري للساحة السياسية والترخيص لحزب الأمة بالمساهمة السياسية . - التفاوض السياسي المتدرج والأفقي مع جماعة العدل والإحسان لولوجها معترك المشاركة السياسية بدل فقه الاعتزال الذي تتبناه . ( الاعتراف بها كجمعية عادية في البداية ). - الطي النهائي لملف ما يسمى ب(السلفية الجهادية )بفتح حوار حقيقي ومسؤول بين الدولة والمعتقلين ولاسيما عندما أطلق الشيوخ المحسوبين على هذا التيار مبادرة ( المراجعات الفكرية ). وكذا أن يعمل المغرب على إعادة النظر في دور ووظيفة المؤسسات الحقوقية الرسمية وإعادة هيكلتها بتحديث وزارة خاصة بالمواطنة وحقوق الإنسان ،ولاسيما أن المغرب كانت له تجربة فريدة بوزارة حقوق الإنسان التي كان لها تفاعل ايجابي واحترام في مختلف المنابر الدولية بخبرة وحنكة وزيرها محمد اوجار . 09- دبلوماسية الارتجال : كشفت الأحداث الدامية الأخيرة عن تراجع التفاعل المغربي مع محيطه الدولي وخاصة مع دول الاتحاد الأوروبي ،فأصبح المغرب يتبنى مرغما السياسة الدفاعية عن مواقفه حيث تمكنت الجهات المعادية لنا بالهجوم الشرس على وحدتنا وتزيف أحداثنا ،فنجحت في كسب تأييد الموقف الاسباني و موقف الاتحاد الأوروبي . والكل يعلم أن الهجمة الدبلوماسية للجزائر والبوليساريو قد ابتدأت منذ مدة في مختلف المحافل الدولية،وأعطت ثمارها في إشعال فتيل قضية أمينتو حيدر وما نتج عنها من تداعيات سياسية واعلامية ضخمتها وسائل الإعلام الاسبانية وأغلب جمعياتها المدنية ،الشيء الذي هيأ الاستجابة العمياء في أحداث العيون . - فلماذا لم ننجح نحن في اختراق مخيمات تندوف ونخلق انتفاضة عارمة بالمحتجزين ؟؟ - ولماذا لم ننجح في إقناع المنتظم الدولي بأن جبهة البوليساريو جماعة إرهابية تمثل الجناح السري لتنظيم القاعدة في شمال إفريقيا ؟؟ فالدبلوماسية المغربية الآن يجب أن تغير من مسار اشتغالها وأن تتبنى السياسة الهجومية وتكون أكثر فعالية وإنتاجية. وبالرغم من طرح المبادرة الملكية السامية الراقية المتمثلة في الدبلوماسية الموازية ،فان توظيفها و تنزيلها على أرض الواقع شابته عدة اختلالات لدرجة أنها تحولت في كثير من الأحيان إلى فسحة سياحية لا فائدة ولا جدوى منها . فكم من قافلة نظمت في إطار الدبلوماسية الموازية من مختلف مناطق المغرب إلى أقاليمنا الجنوبية ؟ولكن لم تلمس الواقع الصحراوي الذي كان مهيأ للتشردم بسبب الهوة الاجتماعية . وكم من رحلة نظمت من المغرب إلى مختلف العواصم العالمية وعلى الخصوص الاوروبية وبالضبط الاسبانية ؟ولكن لم تنجح حتى في استقطاب جمعية مدنية فاعلة أو هيئة حقوقية رائدة . فالدبلوماسية الموازية إن الدبلوماسية الآن يجب أن تبتدئ من الداخل ،أن تعمل الدولة على تقوية الجبهة الداخلية لها ،وأن يعم الاستقرار والأمن والكرامة في كل المغرب وخاصة في أقاليمنا الجنوبية،وأن نعمل على غرس المواطنة الحقة في الإنسان ،فرأسمال المغرب الآن هو الإنسان وقدسية قضيته هي الصحراء المغربية فلا إنسان مغربي بدون صحراء مغربية ولا صحراء مغربية بدون إنسان مغربي . وأن تعمل الدولة في إطار الدبلوماسية الموازية الموجهة ( تكون موجهة بطريقة غير مباشرة من طرف الدولة) على خلق دبلوماسية متخصصة ( دبلوماسية حزبية ،دبلوماسية اقتصادية ،دبلوماسية طلابية ،دبلوماسية جمعوية ،دبلوماسية دينية ...) تعمل وفق أجندة محكمة ومحددة من حيث الرؤية والأهداف ومن حيث المدة والمتابعة . فالوطن لا يباع ولا يشترى ،وإنما يكتسب بالانتماء والمشاركة والالتزام والإخلاص،فهل استوعبنا الدرس من أحداث العيون ؟ وفي المقابل هل سننهي سياسة الانحلال التي ترسخت بفعل التراكمات السياسية المختلة التي حاولنا تصنيفها في مقالنا هذا كعناوين صغرى لسياسة الاحتقان التي أدت بانفجار الوضع بالعيون بعد تأزم الوضع ؟؟