وزارة العدل تتهيأ لتطبيق برنامج رقمي يساعد القضاة على تحرير الأحكام في سياق وصل الذكاء الاصطناعي بالمحاكم    من الصعب على المغاربة تقبل استمرار هذه الحكومة    برمجة يومية خاصة للمكتب الوطني للسكك الحديدية بمناسبة عيد الأضحى        كأس العرش: تأجيل مباراة نصف النهائي بين الرجاء الرياضي أمام مولودية وجدة    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    سوق الأغنام بالرباط.. المعادلة المتداخلة لاختيار أضحية العيد    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الحكومة تكشف خطتها لتسريع الإقلاع الاقتصادي وخلق فرص شغل قارة للمغاربة    حماس تعلن قبولها قرار مجلس الأمن لوقف الحرب في غزة    مالاوي.. مصرع نائب الرئيس وتسعة آخرين في حادث تحطم طائرة    المغرب يلتزم بإدماج التقنيات النووية السليمة في مختلف القطاعات    ماسك يهدد بحظر أجهزة "آبل" لتفادي عمليات التجسس    وهبي يقترح "وساطة مستقلة" لإبعاد نزاعات الزواج والشغل عن القضاء    المغرب ضيفا على الكونغو برازافيل في أكادير..    تصفيات المونديال.. المغرب يواجه الكونغو اليوم الثلاثاء وعينه على تعزيز صدارة المجموعة الخامسة    جثة هامدة تستنفر أمن طنجة    انتحار فتاة بسبب "الباك" يسائل دور المدرسة والأسرة في المواكبة النفسية للتلاميذ    "شغيلة التلفزة" تنادي بزيادة في الأجور    أخنوش يجري مباحثات مع رئيس الوزراء الأردني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    " فخورون، معلقون وعنيدون بعض الشيء"، عن منطقة كتامة والحشيش وأشياء أخرى..فيلم بالمسابقة الرسمية لفيدادوك    مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تنظم ورشة لتلقين مبادئ النقد السينمائي وتجويده، لفائدة الصحفيين    أطباء: مليون ونصف مصاب بالسكري لا تصلهم علاجات وزارة الصحة والتغطية الصحية لا تزال ضعيفة    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    غرفة التجارة بجهة طنجة تبحث عن تعزيز الشراكة مع نظيرتها الإيطالية    "نقاش نووي" يجمع المغرب وأمريكا    ميناء طنجة المتوسط يترقب رقما قياسيا جديدا بمعالجة 9 ملايين حاوية في 2024    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    إقصائيات كأس العالم.. عموتة يتطلع للانتصار على السعودية والانقضاض على صدارة المجموعة    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والكونغو    كيوسك الثلاثاء | ثلث الشباب المغاربة يفكرون في الهجرة    اجتماع يُنهي أزمة فريق المغرب التطواني    أمطار رعدية بالريف والجهة الشرقية اليوم الثلاثاء    الداكي: النيابات العامة استقبلت خلال سنة 2023 ما مجموعه 35 ألف و355 طفلا    العصبة تعلن عن برنامج الجولة الأخيرة من بطولة القسم الثاني    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    اسعار الاضاحي تفسد فرحة العيد وأسر تفكر في الاستغناء عن شعيرة الاضحية    مهارة الاستماع للآخر    الحكومة التركية تدرس ضريبة جديدة    اليمين المتطرف يحقق مكاسب "غير متوقعة" في انتخابات البرلمان الأوروبي    مديرية الحموشي توضح بشأن فيديو "ابتزاز شرطي لمبحوث عنه"    الركراكي يتقدم بطلب خاص للصحافة قبل مواجهة الكونغو    الحج ب "التهريب": "اضطررنا إلى التحايل لأداء الفريضة"    سيدة أعمال تعلن ترشحها لانتخابات الرئاسة الجزائرية    ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي للأحداث    الأمثال العامية بتطوان... (621)    أطباء يستعرضون معطيات مقلقة حول مرضى السكري بطنجة    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    جسور التدين في المهجر.. لقاء مع الدكتور عبد النبي صبري أستاذ جامعي في العلاقات الدولية والجيوسياسية    استعمالات فلسفية معاصرة بين الهواية والاحتراف    «نقدية» الخطاب النقدي الأدبي    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنستمتع: ف"على هذه الأرض ما يستحق الحياة"!
نشر في الوجدية يوم 23 - 08 - 2011


-كيف يكون ذلك؟
-ولم أصلا لا يكون!
-وأسبابه؟
-حاضرة كما تحضر ضدها..
ليست المسألة شخصية فقط وإن كانت نتائجها وثمارها شخصية!
بل إنني ومعي آخرون نزعم أننا بحاجة لتربية مركزة على الاستمتاع، حيث يبدو أننا بحاجة ليس للاستمتاع فقط، بل بحاجة للشعور به والتعبير عنه..
وأظن أن الهدف من الحياة هو أن نعيشها باستمتاع..ما قدرنا..
كل نشاط نمارسه يحمل في ذاته بذور المتعة، فنحن نشعر بها من لحظة الصحو-الميلاد حتى النوم-...نوم جسد ويقظة روح، بل حتى لنا أن نستمتع في الأحلام..
أحلام نوم وأحلام يقظة، كلتاهما مجال للاستمتاع..
فليست أعباء الحياة مدعاة لعدم الاستمتاع بل بالأحرى هي سبب وجيه للشعور به، حتى يكون معينا على تحملها.
وإن لم يكن التفاؤل ممكنا في مساحات كبيرة، فلنكن منصفين: أبيض وأسود وبين بين..
لنا أن نحتفل يوميا بأننا أحياء أصحاء جسد وروح ونفس..نتنفس نتحرك..نأكل ونشرب ونشاهد ونسمع ونتكلم ...فلا تقل لي حياتنا وحياتنا، فحياتنا كحياة آخرين تعلموا الاستمتاع بها وإن كان مع أسباب الفرح والسرور أسباب للحزن والغضب..وقل لي من هو الذي يخلو من الهم والاهتمام..؟
ثقافة الفرح هي ما نحتاج ونحن في طريقنا لتحقيق آمالنا وطموحاتنا أفرادا وجماعات، لا ثقافة العبوس التي تسطو على تسارع الحياة وتدفقها..
مشهد الناس اليومي هو مجال للبحث والتأمل تماما كرأيهم العام، ومشاعرهم هي جزء من الرأي العام، وهي دليل عليه، أو هي عامل مساعد للتفاعلات بين هم المواطن والوطن والعالم..
في تراثنا الشعبي والديني والاجتماعي ما يدعو للتفاؤل واغتنام فرص الفرح وعدم تأجيل السرور، وفي تراث العالم مثلما لدينا من تراث إنساني إيجابي في النظرة للحياة. ولا أود أن تكون كلماتي كلمات واعظ يعظ بالاستمتاع ولا يشعر به، بل لعلها كلمات عادية بسيطة فقط جاءت لتقول ملاحظة عن المشهد اليومي، والذي فيه من بصر الفرح من خلال ابتسامات مضيئة، لكنه بحاجة لمصابيح فرح جديدة، فهناك من حكم على نفسه بالتقشف في عالم المشاعر، ولا يود التعبير عن مشاعر الفرح حتى لا يتهم بالضعف، بل هناك من جعل ذلك نهج حياة، فلا يكاد يرينا أسنانه (كناية عن الابتسام)!
والاستمتاع في حياتنا المادية جميل، ولنا أن نستمتع بالطعام ورائحته ومذاقه وشكله وتناوله، بالشراب، بالماء ونحن نشعر بالعطش، بالماء على أجسادنا لتنقيتها من هموم الدنيا وليس غبارها فقط، بالماء ماء البركة والوادي والنهر والبحيرة والبحر، بزرقته الساحرة، بالسماء فيه، بالبرد، بالطعم، وبظل الكائنات المنعكسة عليه، من السماء كذلك من الأرض..
ولك ولي أن نستمتع بالمعنى، بضحكة طفل وترنيمة مرنّم، بغناء وموسيقى..بعبادة، صلاة وصيام..ودعاء..
والأمثلة كثيرة، وأسباب الفرح كثيرة، ولكن ما الذي ينقص؟ وما الذي يقودنا إلى عالم أكثر استمتاعا..!
الاستمتاع مرتبط بالفرح، نحن نستمتع فنفرح، ونحن نفرح فنستمتع..
في البدء هو المكان الأول والوجه الأول والوجوه الأولى..
البيت: ليس أفضل منه للتربية على الاستمتاع بما هو سبب له، فلا نستمتع من فراغ، وهو أي الاستمتاع تعبير عن الشعور، تعبير كلامي وشعوري وحركي وصوتي..فلا قمع للأطفال المستمتعين أبدا..لأننا إن فعلنا فإننا سنربيهم على ثقافة غيرها، تجعلهم يخفون استمتاعهم عن آبائهم وأمهاتهم، فلا يرون إلا جادين في غير جدية، وصامتين في كلام كامن في النفوس..
إن التعامل العفوي مع الاستمتاع يجعل الأطفال متصالحين مع أنفسهم ومع الكبار، ويخلق في نفوسهم الشعور بالرضا والاطمئنان والأمان..وهذا إنما يقود إلى الإبداع والتفكير، فينشأ الطفل ذا ذكاء اجتماعي يستطيع من خلاله ليس النجاح في الاتصال والتواصل، بل في تطوير الشخصية المفكرة والشاعرة –الشعورية!
في البيت، حين يعبّر الوالدان والكبار عن الشعور بالاستمتاع، يطمئن الصغار على الكبار؛ فمن الضروري لصحتهم النفسية أن يطمئنوا على الكبار، حيث أن لهم قلقهم الخاص، ولهم حزنهم العميق أيضا تجاه ما يرون من وضع للكبار مثير للحزن أو للقلق..
في المدرسة: يخشى المعلمون من استمتاع الطلبة، لأن ذلك برأيهم "يميّع" شخصياتهم، لذا يؤثرون الجدية. وعليه فإن الطالب-الطفل/ة ما إن يدخل ساحة المدرسة حتى يخرج منها وهو مطالب بأن يطيع الأوامر، ويجلس هادئا ويمشي هادئا ويقرأ هادئا ويضحك هادئا، بلا صوت وبلا حركة وبلا نفس! لكن الأولاد دوما يجدون أساليبهم الخاصة لشرعنة فرحهم واستمتاعهم..
في المدرسة يخشون أن يكون للاستمتاع أثر سلبي على التحصيل المدرسي..أي على التعلم!
والحق أن الاستمتاع يحبب الدرس والدراسة والعلم والمعرفة للمتعلم..
ومن جهة أخرى، فإن حق الطفل أن يستمتع أيضا..في المدرسة وخارجها، ولم يوضع حق الترفيه كمحور رابع وأساسي في اتفاقية حقوق الطفل الدولية..
ومن الضرورة الأخلاقية أن نسعى إلى إسعاد أطفالنا..وتعليمهم كيف يستمتعون بما حولهم، خصوصا الأطفال الذين يعيشون في ظل النزاعات والحروب..كأطفالنا..
ولعل ما ذكره د. خليل هندي عن التعليم والاستمتاع، والذي جاء في خاتمة ورقة له قدمها عن مهارات التعليم في القرن الحادي والعشرين*، يعبّر عما أريد الذهاب إليه:
"وفي الختام، لئلا ننسى، دعونا نذكر أنفسنا بالغرض من كل هذه التنمية للمهارات، والتي تتجسد في تمكين الطلاب من الاستمتاع في الحياة. ويعلم الله أن هناك الكثير من البؤس والفقر والمرض، وفي حالة شعبي الفلسطيني الذي أنتمي إليه، فالاحتلال والقهر، يكفي لتمزيق الفؤاد. لكن، على حد تعبير الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، "على هذه الأرض ما يستحق الحياة". إن الهدف الأسمى للتعليم ينبغي أن يكون تمكين الناس من تقدير الأشياء الجيدة في الحياة. لهذا، نحن بحاجة إلى تنمية الذائقة الفنية والجمالية لدى الطلبة، وهذه أيضا هي مهارات للقرن الحادي والعشرين وما بعده".
صحيح أنه ذكره في الختام، لكنه ليس من باب تأخير الحديث عن الاستمتاع، بل من باب جعل ذلك هدفا وثمرة للتعليم..
وقد كان اقتباسه لعبارة محمود درويش"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" موفقا، ولو تأملنا قصيدة محمود درويش، جزءا منها، لأدركنا وتعمق إدراكنا أن الاستمتاع بالحياة سهل، وغير مكلف!
"على هذه الأرض ما يستحق الحياة:
تردد ابريل
رائحة الخبز في الفجر
آراء امرأة في الرجال
كتابات اسخيليوس
أول الحب
عشب على حجر
أمهات تقفن على خيط ناي
وخوف الغزاة من الذكريات
على هذه الأرض ما يستحق الحياة
نهاية أيلول
سيدة تدخل الأربعين بكامل مشمشها
ساعة الشمس في السجن
غيم يقلد سربا من الكائنات
هتافات شعب لمن يصعدون الى حتفهم باسمين
وخوف الطغاة من الأغنيات
على هذه الأرض ما يستحق الحياة
على هذه الأرض سيدة الأرض
أم البدايات
أم النهايات
كانت تسمى فلسطين
صارت تسمى فلسطين
سيدتي استحق لأنك سيدتي
استحق الحياة"
في رأي الشاعر أن ما يدفع الإنسان للاستمتاع بالحياة هو: تردد ابريل، ورائحة الخبز في الفجر، وآراء امرأة في الرجال، وكتابات اسخيليوس، وأول الحب، وعشب على حجر، وأمهات تقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكريات..و نهاية أيلول، وسيدة تدخل الأربعين بكامل مشمشها، وساعة الشمس في السجن، وغيم يقلد سربا من الكائنات، وهتافات شعب لمن يصعدون الى حتفهم باسمين، وخوف الطغاة من الأغنيات..
ولكل منا دواقعنا للاستمتاع بالحياة، نتشابه معه، ونختلف، لكن عمق المعنى هنا هو إنساني مقدر لقيم الحياة لا لثمن الأشياء..
وردت قصيدة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" من ديوان "ورد أقل"، كان الشاعر أربعيني العمر في الثمانينات، أكبر مني بعام أو عامين حين قالها، ولي كما هو لك أن تفكر فيما يبهج الإنسان في الحياة..
من نعم الله على البشر، أن أسباب السعادة في الحياة غير مكلفة، وأن أهم ما في الحياة مجاني: الماء والهواء..والخبز ليس مرتفع الثمن أيضا!
كأربعيني، فإن ما أحبه على ضوء قصيد درويش: رائحة الخبز في الشتاء، قراءة القصص والروايات ومشاهدة الأفلام، موسم النرجس والحنون، تأمل شمس الشتاء وهي تشكل رسومات بديعة جديدة عند الغروب، رائحة المشمش المستكاوي..
وعلى ضوء اختياراتي: أحب أن أعطش فأشرب الماء تحت ظل شجرة في كرمنا، وأن يغلبني النوم تحتها فأنام، رمي الحصاة في بركة عين سلمان متأملا الأمواج الدائرية حتى تختفي، تأمل الموج لساعات، تناول الخبز مع البندورة والزيت والملح وحبات زيتون وبيضتين مسلوقتين ممزوجتين بزيت زيتون، ظل الشجر، رؤية الآثار القديمة، محادثة الأطفال والشيوخ، الكتابة، اصطحاب أطفالي وزوجتي في رحلة جبلية، سماع الأغاني، تأمل الفجر، صوت الليل، مذاق العنب البلدي، تأمل الجمال، وجه امرأة يثير الفكر، السفر في أرض الله..وشمس الشتاء من وراء زجاج..والإحساس بالفصول وتغير الطقس والمناخ..
ومعظمها غير مكلف..!
لك أن تفكر بما يبهجك..في عمق فكرك ونفسك..ما يبقى ويدوم..
وهذا لا يعني الزهد في الحياة، فلك أن تنسجم مع العصر ومتطلباته..ولك أن تستمتع بما يستمتع به الآخرون من مقتنيات..لكن عمق جمال الحياة أن تمشي على رجلين، وأن تشم الروائح وتسمع الجميل، وتبصر الجمال، وتلمس الحياة..وتذوق الطعوم: الحلو والمالح والحامض..وتشرب الماء!
تلك حكمة الأربعين..ولكل حكمته، وكل بما يهوى..ويستمتع..
"مهارات القرن الحادي والعشرين" خطاب د. خليل هندي رئيس جامعة بيرزيت، في دعوته لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم في (الدوحة ، قطر)، 8 كانون الأول 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.