توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    اجتماع يُنهي أزمة فريق المغرب التطواني    من طنجة.. أطباء وخبراء يدقون ناقوس الخطر حول أوضاع مرضى السكري بالمغرب    الركراكي: لا أتعامل بالعاطفة والأهم هو تحقيق الانتصارات    المغرب يستعرض بواشنطن تجربته في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية    منظمة الأمم المتحدة للطفولة تشيد بتكامل جهود السلطتين القضائية والتنفيذية لحماية الطفولة بالمغرب    مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري تام وكامل لإطلاق النار في غزة    سيدة أعمال تعلن ترشحها لانتخابات الرئاسة الجزائرية    ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي للأحداث    "الأسود" يختتمون التحضير للقاء الكونغو    جثة إطار بنكي تستنفر السلطات بطنحة والامن يتحرى أسباب الوفاة    وليد الركراكي : "هدفنا هو البقاء على رأس مجموعتنا والاقتراب من التأهل"    اللجنة المؤقتة تُراضي أبرون وتنجح في مهمة معقدة    جمهورية إفريقيا الوسطى تعرب عن تشبثها بالوحدة الترابية للمملكة المغربية وتعتبر    كأس العرش (نصف النهائي) .. تأجيل مباراة الرجاء الرياضي أمام مولودية وجدة إلى 25 يونيو الجاري    أطعمة تخفض خطر الإصابة بقصور القلب    مجلس الأمن يتبنى قرارا أمريكيا بوقف إطلاق النار بغزة وحماس ترحب    الصغيري يكتب: مأزق الديمقراطية الداخلية للأحزاب المغربية    محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء .. منشأة على المستوى العالمي وأكبرها على مستوى إفريقيا    رقم قياسي لزوار معرض الاقتصاد التضامني والاجتماعي بتطوان    طقس الإثنين.. أمطار رعدية ورياح قوية بهذه المناطق    أخنوش: نمتلك الشجاعة لمواجهة معضلة التشغيل ولن يمنعنا أحد من التواصل مع المغاربة    المعارضة تشتكي "التضييق" عليها وتنتقد الاعتماد على برامج "ظرفية وهشة" للتشغيل    الأغلبية تحمل الحكومات السابقة مسؤولية أزمة التشغيل وتربط حل البطالة بتحفيز الاستثمار    هل تخدم الجزائر مخططات التقسيم الاستعمارية؟    مالاوي تعلن اختفاء طائرة كانت تقل نائب رئيس الجمهورية    السجن المحلي عين السبع 1 : 129 مترشحة ومترشحا من النزلاء يجتازون امتحانات البكالوريا    رسميا.. ريال مدريد يعلن المشاركة في كأس العالم للأندية    بعد إغلاق باب الترشيحات.. 3 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي    الأمثال العامية بتطوان... (621)    الحكومة تدرس حل العصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب    عناد نتنياهو.. هل هو ضعف أم استبعاد لنهاية المشوار السياسي؟    الحصيلة العددية لانتخابات البرلمان الأوروبي تضع القارة وسط "زلزال سياسي"    الأحمر يُغلق تداولات بورصة الدار البيضاء    بوانو: أخنوش قام بتخفيض رسوم الاستيراد لشركات أقربائه ورفع من نسبة تضريب المقاولات الصغرى    أطباء يستعرضون معطيات مقلقة حول مرضى السكري بطنجة    الناظور.. لقاء تشاوري حول مستقبل الأمازيغية بالمغرب    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    وزير الخارجية اللبناني يشدد على موقف بلاده الدائم الداعم لسيادة المملكة ووحدة ترابها    مجلس الحكومة يدرس إعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    لارام تستعد لاقتناء 200 طائرة جديدة    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين قبل عيد الأضحى    طيب حمضي ل"رسالة24″: احتمال إنتشار فيروس انفلونزا الطيور ضعيف جدا    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة.. الفيلم الكونغولي «متى يحل عهد أفريقيا» لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    العشرات يشاركون في كاستينغ المهرجان الوطني للمسرح والكوميديا ببنسليمان    يوسف القيدي مبادرة فردية شديدة التميز في مجال الفن التشكيلي    "الحياة حلوة" عن معاناة فلسطيني من غزة في الغربة…فيلم مشاركة في مهرجان "فيدادوك"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    موريتانيا تكشف اقتناء أسلحة متطورة    جسور التدين في المهجر.. لقاء مع الدكتور عبد النبي صبري أستاذ جامعي في العلاقات الدولية والجيوسياسية    استعمالات فلسفية معاصرة بين الهواية والاحتراف    «نقدية» الخطاب النقدي الأدبي    رابع أجزاء "باد بويز" يتصدر الإيرادات السينمائية الأميركية    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    أعراض داء السكري ترفع خطر الإصابة بالكسور العظمية    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    بنحمزة يوضح موقف الشرع من الاشتراك في أضحية واحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شافيقي عز الدين ...أعلم أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت
نشر في الوجدية يوم 07 - 04 - 2013


أعرف أنك اختفيت ولكنك لم تمت
أعلم أن قد اختفيت ولكنك لم تمت
أشهد أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت
فيدرالي.. إنك إنسان...
ذ.عبد السلام المساوي
الآن ترحل.. فجأة ترحل.. هل تعبت؟! أنت طلقت التعب يوم ولدت أنت لم تشك التعب أبدا.. ترحل وتترك أهلك، إخوانك، أصدقاءك... تائهين حائرين... الصدمة كبيرة والفاجعة أكبر..الرجال لا يرحلون... الرجال لا ينسحبون... الرجال لا يموتون.. نعم لم تمت ولكن ساهمت في اقتلاع الموت من وطننا.. ساهمت في صياغة الفكر وصيانة الحكمة وتفعيل الحركة.. ساهمت في شق الطريق وتوضيح الرؤية وبناء المسار.. لما تعلمت الكلام ونطقت بأول كلمة قلت «لا».. لا للذل والهوان.. لا للعار والخذلان.. لا للنفاق والكتمان.. لا للخيانة والنسيان.. قلت لا للموت... أمثالك لا يموتون بل أحياء في التاريخ بل التاريخ حي بهم بل هم التاريخ... ترحل بيولوجيا لتفرض حضورا أقوى فأنت الحضور بالأمس واليوم وغدا.. لأن وجودك كان له معنى.. لم تأت إلى هذا العالم زائرا.. لم تكن مؤقتا.. بل أتيت فاعلا ودائما.. إنك اتحادي أصيل.
هل نبكيك؟! وهل البكاء قادر على إطفاء النار التي اشتعل لهيبها في كياننا لحظة علمنا بخبر رحيلك عنا.. لا.. لن نبكي لأنك لم تنته بل ابتدأت.. كنت البداية دائما... ستستمر.. ستحيا.. في كل من يؤمن بالمغرب بلدا ناميا.. ديموقراطيا وحداثيا.. في كل من عرف أنك كنت تزرع الابتسامة.. اليوم يتعطل البكاء.. جئنا لا لنودعك ونبكيك بل لنعتبر ونقدر الخسارة الكبيرة التي لحقت حزبنا بالجهة الشرقية...
أعرف أنك اختفيت ولكنك لم تمت
نعم لم تمت ولن تموت ولكنك غرست الورد في أرضنا، نشرت الحب وعشق الجمال، زرعت القمح وعلمت الأطفال، تغنيت بالحرية وعلمتها أغنية حلوة لأبنائنا الآن وغدا.. سنحلم ونحلم.. وطني وطن الجميع، وطن الحرية والعدالة، وطن يباهي الأمم بتضحيات رجاله الذين ناضلوا من أجل محو المسافات بين مواطنيه.. جميعا مغاربة لا فرق بيننا، ما يجمعنا هو حب الوطن من النية إلى الفعل، وكذلك أنت، إنك اتحادي أصيل.
أعرف أنك اختفيت ولكنك لم تمت.
تاريخ غني وحي، مسار شاق وعسير، وطني مواطن، مناضل ديموقراطي، اتحادي اشتراكي.. كلمة واحدة في حقك يا عز الدين.. وأصير ملقحا ضد كل نزلات الخيانة والانحراف.. فالرجل أنت، والصدق فيك، والصمود متح دلالاته منك، والنبل ولد معك.. يكفي أن أعلن أنك الاتحاد ليسقط القناع عن المرتزقة الذين تاجروا بتاريخ الحزب فعاشوا خسة أنطولوجية.. إنك اتحادي أصيل.
أعلم أن قد اختفيت ولكنك لم تمت
إنك الرجل الذي يستحق منا ألف تحية وألف احترام وألف تقدير.. إنك الرجل الذي انسل منسحبا من الرداءة إلى التمدد في محبتنا له.. كنت تقول: لا يهمني الموت ولا أعيره أي انتباه.. لهذا واجهت المرض بشجاعة نادرة.. انتصرت على داء هزم الجميع.. ويشهد الجميع أنك لم تضعف ولم ترضخ.. كنت دائما عظيما لهذا كانت جنازتك عظيمة.. اطمئن يا صديقي، فالجماهير تكن لك الحب الصافي الصريح.. حضر الجميع، جاؤوا من مختلف الأمكنة والأزمنة.. من وجدة، فجيج، جرادة، تاوريرت، بركان، أحفير، الناظور، الدريوش... أحزاب ونقابات.. جماعات وجمعيات.. الاتحاديون تصالحوا مع أنفسهم اعترافا بنبلك.. كنت تحب الجميع فأحبك الجميع.. هنا جنازة شافيقي فطوبى للمشيعين.. لم أشهد أبدا جنازة اقتربت من عظمة جنازتك.. ومن الرباط، وعلى عجل.. حضر الأستاذ ادريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حضر ليقدم التعازي لأمك وزوجتك وأبنائك.. حضر ليتقبل التعازي.. فالحزب فقد قائدا فريدا متفردا بالجهة الشرقية... ويعلم لشكر الخسارة الكبرى التي لحقت الحزب برحيلك.. حضر ادريس إلى منزلك ليواسي الأهل والأحباب، الأصدقاء والإخوان.. ولكن حضر لكي يبلغ الرسالة.. حضر ليعلم الجميع انك عز المناضلين والمناضلات الذي يستحق كل اعتبار وكل تقدير.. حضر ليشهد الجميع أنك عز الناس الذي يستحق الاحترام كله والحب كله.. إنك المثال والقدوة.. الرمز والنموذج، لهذا أوصى الكاتب الأول أن تزين صورتك مقر الحزب بوجدة.. أن توضع صورتك إلى جانب صور عظماء الحزب، المهدي وعمر وبوعبيد... فأنت لم تكن دونهم تضحية ونضالا، ولم تكن دونهم صدقا وأخلاقا.. إنهم أساتذتك الذين ناموا مطمئنين لأنهم يعرفون أن مثلك يواصل الكفاح.. إنك اتحادي.. «كنت دائما تكافح وتجاهد» كما شهدت لك أمك بذلك رغم البكاء على غياب ابن اجتمعت فيه كل مواصفات الإنسان... كنت الرجل، الذي ملأ حياته، بلا دوي، بالوقوف هادئا في مواجهة الصخب.. صخب البحر تعارك موجه ليلا ونهارا... آه كم كنت تعشق البحر وعشق القنص مع ابنك صالح... صخب الحزب تواجه التناقضات والصراعات بمنطق الحكيم... صخب النقابة تعالج مشاكل العمال والمأجورين.. صخب الأبوة يحولك لحنا يدمع الأحاسيس... كنت تعشق الليل لتعود إلى ذاتك... تحرر التقارير، تفكر، تقرأ، تكتب.. كنت تعشق الليل فالنهار تنتظرك فيه إزعاجات كثيرة...
أشهد أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت
كنت تكره اللغة السوداوية والأسلوب المتشائم ولغة اليأس والتيئيس، كنت تكره التطرف والعدمية، الثرثرة ولغو الكلام، الكذب والنفاق، المكر والخديعة... كنت تكره الكره... لا... كنت إنسانا جد متفائل، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل.. وهذا الصدق... وهذا الطموح.. وهذا الحب اللامشروط لهذا الحزب رغم التهافت لدى البعض والتدمير لدى الآخرين.. كنت تبني وغيرك يهدم.. ولكن كنت دائما تنتصر وغيرك ينهزم.. في جميع المحطات الحرجة كنت العريس.. تأتيك المسؤوليات وأنت فيها زاهد.. وهذه إحدى أسرار قوتك.. يتكالب البعض، يناور البعض الآخر.. تعقد الجلسات المشروعة واللامشروعة.. تنظم اللقاءات والاجتماعات هنا وهناك.. في السر والعلن.. وفي الأخير أنت القائد.. لم تردها ولم تسع إليها وإنما أتتك متوسلة آملة.. المسؤولية امرأة، والمرأة لا تحب إلا الرجل الشجاع الصادق.. وكذلك كنت!
أعلم أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت
كنت دائما عز الدين.. عز الوطن.. عز الحزب.. عز المناضلين والمناضلات.. وكنت دائما شفيقا بالجميع.. بالأهل والأحباب.. بالأصدقاء والخصوم.. عز الدين شافيقي، اسم ومسمى، دال ومدلول، رمز ومعنى.. إنسان بشوش في طيبوبته، وطيب ببشاشته، قوي في هدوئه، وهادئ في قوته.. هكذا أنت كما عرفناك، اسمك العز، اسم أنجبته جبال الأطلس من عمق تاريخها ونضالية أهاليها ولطافة سكانها... اجتماعي بطبعك.. وما أسهل تأقلمك في المجال إذا أردت بمحض إرادتك، دون أن تخضع لأي أمر أو قرار.. تحب الحرية بمسؤوليتها ومروءتها.. وتقول «لا» للقمع والتسلط وإعطاء الدروس الأخلاقية بالمجان.. إنسان أنيق، صريح، صادق.. تقول ما في سريرتك صراحة وجهارا، ولا تخشى في ذلك لومة لائم.. ولا أحد كان يجرؤ على لومك.. الجميع كان يتقزم في حضرتك لأنك صادق وأصيل، إنك اتحادي.. كريم نبيل، صديق صدوق، أخ عزيز، محب عاشق... صفاتك أو بعض من صفاتك أنت الإنسان.. عرفناك المناضل القوي الذي تسكنه الرقة، والمناضل الحكيم الذي ترقد فيه الليونة.. كنت تمقت النميمة والإشاعة.. السب والإساءة.. الحجر والوصاية.. الغرور والزعامة.. الوهم والدناءة.. القبح والنذالة.. لقد كنت كبيرا.. كنت العز.. إنك اتحادي أصيل.
أعلم أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت
بين مؤتمر ومؤتمر وطول المحطات النقابية والحزبية... بين انتخابات تشريعية واستحقاقات محلية.. لم نسجل أبدا أنك تتهافت على موقع قيادي أو تتكالب على مقعد انتخابي.. العفة هي سيدة الميدان والترفع عنوان الرجل.. في كل مرة كنت ترفض الترشيح رغم إلحاح هؤلاء وهؤلاء.. كنت فقط تروم إنجاح المرحلة.. كنت تعرف جيدا طموحات البعض أنانيات البعض الآخر... لهذا كنت توجه الرسائل وتبلغ الدروس بتنازلاتك الدائمة، وكان الجميع يخجل منك، وكم من مناضل عبأ استمارة ترشحه فسحبها بتوجيه منك.. كنت تناضل بكبرياء.. لا تزاحم أحدا على «مساحة» أو «تفاحة» كان يكفيك ما تتواجد فيه لكي تنسج بألوان النضال.. نسيجك المميز.. عبد الرحيم بوعبيد كان يعرف أن في الاتحاد أمثالك عندما قال «السياسة أخلاق»، ويشهد الجميع أنك مارست السياسة بأخلاق راقية... آلمك كثيرا ما حدث في مؤتمر الكونفدرالية بالعيون، وآلمك أكثر ما حدث في المؤتمر الوطني السادس للاتحاد الاشتراكي... وما حدث من قبل ومن بعد، لهذا كنت حريصا على تجنب كل ما من شأنه أن يخلق صراعا ويولد عداوة.. وكنت واعيا كل الوعي أن أسباب الشتات والفتنة أسباب شخصية مؤسسة على ذاتيات عمياء وأنانيات مدمرة.. كنت تزرع وهم يحصدون.. تركت لهم المواقع والمناصب وعانقت النضال والتنظيم.. فليخجل من أنفسهم أولئك الذين لم يفهموك... شافاهم الله؟!
أعلم أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت
تتميز بأنك متعدد المميزات، ولا فرق بين مميزاتك.. كنت تختلف ولا تخالف، تفكر ولا تثرثر، تنصت ولا تسمع، تفعل لا تقول، تواكب ولا تساير، تنضبط ولا تخضع، رافض لا يدعي الثورة، وطني خام ومواطن أصيل، إنك اتحادي... فالانتماء للحزب ليس موضوعا للمزايدة والارتزاق.. من هنا رفضت التزين بمساحيق الإساءة إلى المناضلين والمناضلات.. خطيب ذا قدرة فائقة على الإقناع، يعشق التجمعات، حيث اللقاءات الضاحكة والنقاشات تمنح معنى للحياة.. منذ البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة العطاء.. كنت تخاطب في الناس عقولهم، تخاطبهم بلغة عربية أنيقة.. كنت فصيحا إلى درجة أن أحدا ما صدق يوما أنك أستاذا للغة الإنجليزية.. نعم! كنت متفوقا على أهل الاختصاص في العربية والبيان كما كنت متفوقا أخلاقا ونضالا.. لقد كنت الحكيم، إنك اتحادي.. حين تنضج عناقيد الغضب في حقل الحزب والنقابة، كنت تبحث عن عزلة مع جريدة أو كتاب أو أغنية من الزمن الجميل هروبا من مقرات تعج بالبؤس ورجال أشداد غلاظ... تهرب من أولئك الذين يغتصبون النضال ويعذبون الاتحاد.. تهرب من أولئك الذين يسرقون التاريخ من تضحيات الشهداء وتتجنب صراعات الشيوخ لتتفادى يأس الشباب.. لكن الواقع هنا والآن.. مضطر للهروب مؤقتا... وغالبا ما كنت تهرب إلى السعيدية لتقضي يوما أو يومين، السبت والأحد، إن شاءت النقابة وشاء الحزب فحرراك من اجتماعات ولقاءات لا تنتهي... كنت تهرب لتسقي بعطف الأبوة ولدين صالحين وبنتا يانعة.. لتسقي بحب الزوج امرأة مثالية.. كنت تعمل جاهدا على تجنيبهم لسعات الغياب الاضطراري وتمنحهم الأمل في المستقبل.. كنت تحاول أن تملأ نهاية الأسبوع عطرا بعد أن ملأت أيامه معاناة.. فالرجل له قلب.. والأب له إحساس، وكان عليك أن تواجه الأمواج والإعصار.. وكنت تعتبر هذا واجبك.. وهذه مهمتك.. وإلا فليرحل عن هذا العالم الذي هو في حاجة إلى العواطف النبيلة وشيء من التضحية.
لقد كنت المفرد في صيغة الجمع، كنت الأب دائما.. رحل والدك فأصبحت أبا لأخيك وأخواتك... وضحيت وناضلت من أجلهم.. وارتحت يوم رأيت أن المهمة نجحت، فنلت رضا الأم وتقدير الأخ والأخوات.. في جلسات حميمية كنت تحدثني عن حبك لأخواتك وحبهن لك.. حب استثنائي لأمك وامتنان لأبيك.. كنت الابن البار.. كنت الزوج المخلص لزوجته.. وكم من مرة عبرت لي عن معاناتك لأنك مقصر في حق امرأة تبذل الكثير من أجل إسعادك.. كنت العاشق لولديه وبنته.. كنت دائما أصيل.. إنك اتحادي.
أعلم أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت
لما اخترت التعليم مهنة كنت واعيا بأن هذه المهنة تختلف عن كل المهن، فهي قناعة واختيار ليست حرفة وارتزاقا.. اخترت التعليم لتناضل ضد الأمية والجهل، ضد الجمود والكسل.. اخترت التعليم مهنة إيمانا بإنسانية الإنسان.. هذه الإنسانية التي توجد عندما تحضر لأنه في البدء كانت الكلمة، كلمة اقرأ! اخترت التعليم لتغرس الورد وتشيع النور، لتفجر طاقات وقدرات أبناء هذا الوطن.. لتفجر مواهب وإبداعات أطفال هذا الوطن.. اخترت التعليم وفضلته على سائر المهن التي وفرت لمن مارسها امتيازات ومواقع... اخترت التعليم مهنة في وقت كان بإمكانك أن تختار أي مهنة أخرى لو انجذبت إلى الإغراءات المادية.. عشقت التعليم لأنك تعشق الإنسان، أساس وهدف كل مشروع تنموي... إنك اتحادي أصيل.
أعلم أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت
لقد وفضت أن تكون كائنا بيولوجيا فقط واخترت أن تكون كائنا سياسيا ونقابيا... اخترت أن تكون إنسانا.. اخترت الحضور وألغيت الغياب.. اخترت أن تكون نقابيا دفاعا عن العمال والمقهورين، انخرطت في العمل النقابي للمساهمة في توعية العمال وتحريرهم من أبشع صور الاستغلال وأشكال الاستلاب... كنت مؤمنا بأن النقابة هي التي تنقل مطالب العمال وكل الفئات الشعبية من القوة إلى الفعل... كنت مؤمنا بأن النقابة هي التي تعبر بصدق عن معاناة العمال والمضطهدين.. تعبر عن آلامهم وآمالهم.. كنت مؤمنا بأن النقابة هي التي تناضل من أجل كرامة الإنسان... إنك كونفدرالي..
فيدرالي.. إنك إنسان...
في السبعينات كان لك موعد مع التاريخ، فكان للتاريخ موعد مع واحد من أولئك الذين يساهمون في صنعه.. انخرطت في حزب القوات الشعبية وأنت تلميذ لتدخل التاريخ من باب النضال مع المواطنين الشرفاء، مع الاشتراكيين الديموقرطيين..انخرطت في الاتحاد لتقطع مع خسة المرعي وتسمو إلى رفعة المواطن.. انخرطت في الاتحاد زمن الجمر والرصاص.. اخترت وكان الاختيار صعبا، صعبا بل مستحيلا على الجبناء والمرتزقة، على الدمى والأصنام... انخرطت في الاتحاد فاخترت النضال والتضحية وطلقت الخوف والدونية.. اخترت فحملت نعشك على كتفك لأنك قررت أن توجد يوم كان غيرك في الجهة الأخرى عدما.. اخترت الاتحاد فاخترت مواجهة الظلم والاستبداد، القمع والإبادة.. اخترت الاتحاد فرفضت الإهانة... إنك اتحادي أصيل.
العز يوم ولدت ويوم تولد، العز يوم ولدت إنسانا، والعز يوم ولدت مناضلا.. ولدت كذلك وعملت من أجل ميلاد مغرب الإنسان المناضل.. ضد الفقر والأمية.. ضد البؤس والدونية.. ضد القبح والسادية.. الإنسان المناضل.. العاشق الحالم.. الحي الواعي.. الحر الكريم.. اتحادي أنت بل أنت الاتحاد.. يتعب كل من حاول الفصل بينكما أو على الأقل محاولة فك/تفكيك هذه الوحدة الأنطولوجية، وحدة بمعنى الاتحاد أحيانا وبمعنى الحلول دائما.. يتعب كل من حاول ذلك أو فكر فقط في المحاولة لأن وحدة عز الدين والاتحاد لا تقبل الثنائية باعتبار أنها وحدة وجود، ففي البدء كان الاتحاد.. وفي البدء كان الاتحاديون.. كان شافيقي... إنك اتحادي أصيل.. كنت تعلم أن المعنى والوجود، الماضي والآتي، التاريخ والمستقبل، الحاضر المتجدد، المتغير المتطور.. كنت تعلم أن المشروع هو الاتحاد، مشروع لا يوجد في مغرب الأحزاب مشروع مثله.. إنك اتحادي أصيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.