كتب عبد الله النملي بعد أن قادت تقارير المجلس الأعلى للحسابات على عهد رئيسه السابق أحمد الميداوي أسماء وازنة إلى ردهات المحاكم والسجون، ها هو سلفه ادريس جطو، بعد سنة على تنصيب الحكومة الحالية، يفرج عن تقريره السنوي برسم سنة 2011، وهو تقرير قسم إلى جزئين، حيث خصص الجزء الأول لمراقبة تدبير الأموال العمومية بالقطاعات الإقتصادية والمالية والإجتماعية والإدارية، فيما خصص الجزء الثاني لمراقبة تدبير الجهات و الجماعات الترابية، وسنحاول من خلال هذه المقالة تقريب القارئ من أهم ما جاء في مضامين تقرير الجزء الثاني (667 صفحة) بخصوص الجماعة الحضرية لآسفي، خلال الفترة المتراوحة من 2004 إلى 2009 التي أفرد لها التقرير نصيبا وافرا من ملاحظاته في 32 صفحة كاملة، ابتداءا من الصفحة 432 إلى الصفحة 464، وقف فيها التقرير على العديد من الإختلالات والنقائص في التدبير والتسيير، هَمّت تدبير النفقات وتدبير المداخيل وتدبير الممتلكات الجماعية وتدبير التعمير، كما تخلل التقرير العديد من التوصيات في شكل إنذارات و توبيخات أو اقتراحات لتجاوز الأوضاع غير القانونية و أوجه القصور المسجلة، واختتم التقرير بجواب كتابي للرئيس الحالي للمجلس الحضري لآسفي مرفق بالتقرير في 12 صفحة، ابتداءا من الصفحة 452 إلى الصفحة 464. وقد جاء في مستهل تقرير المجلس الجهوي للحسابات بسطات أن ميزانية الجماعة الحضرية لآسفي تعاني من عجز دائم يرجع بالأساس إلى الإنخفاض المفاجئ في المداخيل، ومع العجز الهيكلي في ميزانية الجماعة سجل التقرير أنها أضحت غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه مدينيها، كما حوصرت بالديون المتراكمة والتي وصلت في 31 دجنبر 2010 إلى 251.176.719 درهم. وبخصوص تدبير النفقات لاحظ التقرير أن الجماعة الحضرية لآسفي أخذت على كاهلها مجموعة من النفقات لا تدخل ضمن تحملاتها، في شكل نفقات متنوعة لصالح أعوان وموظفي الجماعة، و أحيانا لصالح أشخاص وهيئات لا تربطهم بالجماعة أية صلة، الشيء الذي يشكل حسب التقرير خرقا للمادة 21 من الظهير الشريف رقم 584 _76 _1 وللمادة 39 من القانون 08_ 45 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية. كما وقف التقرير على نفقات متعلقة بايجارات تهم 11 حالة لمستفيدين غير معروفين، و حالتين تم تحديد المستفيدين منها، بناءا على تصريحات الموظفين الجماعيين، كما تحملت الجماعة نفقات استهلاك الماء والكهرباء لمجموعة من الأشخاص في غياب المصلحة العامة للجماعة، وفي غياب أي مقتضى قانوني أو تنظيمي يسمح بهذا التخصيص، وقد بلغ المبلغ الإجمالي لهذه النفقات، وفق ما جاء في التقرير، ما بين 2004 و 2009، ما مجموعه 3.155.951 درهم. وكشف التقرير كذلك عن نفقات همت تزويد المنتخبين والموظفين الجماعيين و أشخاص غير تابعين للجماعة بالوقود بغرض استعماله بسياراتهم الشخصية، هذه الكميات بحسب التقرير تراوحت بين 20 لترا في الأسبوع و50 لترا في الشهر، وقد تبين لقضاة المجلس الجهوي للحسابات بسطات أن الكمية غير المبررة من الوقود ومواد التشحيم التي استفاد منها أشخاص غير تابعين للجماعة وصلت قيمتها 220.950 درهم بين سنوات 2004 و 2009 . وسجل التقرير بشأن تسيير الطلبات العمومية عدم احترام مضمون دفتر التحملات، بسبب سوء تقدير الحاجيات، حيث لاحظ أن الجماعة تعمد إلى الزيادة أو النقصان في الأشغال ( أعمال خارج جدول الأثمان) وكذا عدم احترام مقتضيات دفتر الشروط الإدارية العامة عند الزيادة والنقصان في الأشغال وعند الأشغال الإضافية، فضلا عن اللجوء إلى الإستلام النهائي للأشغال بدون استلام مؤقت، وعدم تطبيق غرامات التأخير، وعدم احترام المقتضيات المتعلقة بفوائد التأخير. وعن نفقات التسوية لديون سابقة، لاحظ التقرير العديد من الطلبات التي تم إصدار الحوالات بشأنها ولم يتم انجازها فعلا، كما هو الحال مثلا للصفقات 33/2008 و 28/2008 و 29/2008 و 1/2009 و سندات الطلب رقم 05 بتاريخ 11/5/2007 ورقم 22 بتاريخ 18/3/2008 ورقم 53 بتاريخ 17/7/2008 و رقم 10 بتاريخ 3/12/2009 ورقم 176 بتاريخ 6/3/2009 . وأماط التقرير كذلك عن مخالفات تهم تدبير المداخيل، من قبيل قيام القابض الجماعي باستخلاص الرسوم نقدا، في حين كان يجب أن يتم التحصيل من طرف وكيل المداخيل، تطبيقا للمادة 127 من القانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، وكذا تحصيل المبالغ المتعلقة بالقرارات الجبائية لأملاك جماعية بطريقة جزافية دون مراعاة المساحة المستغلة، مما يؤثر سلبا على هذه المداخيل. ووقف التقرير عند الأكرية الجماعية حيث سجل بخصوصها أن المجلس الجماعي قام بكراء ملكين جماعيين لإنجاز سوق للباعة المتجولين، بمساحة اجمالية تصل إلى 7245 مترا مربعا إلى الشركة (أ) التي أقدمت على بناء سوق دون الحصول على رخصة من الجماعة، في خرق لمقتضيات المادة 20 من القانون المتعلق بالتعمير، مضيفا أن الجماعة لا تتوفر على تصاميم السوق التي نص عليها القرار الجبائي، علاوة عن أن الشركة أبرمت اتفاقيات للكراء مع الأغيار مخالفة مقتضيات المادة 668 من ظهير الإلتزامات والعقود، ناهيك عن عدم احترام البنود التعاقدية فيما يتعلق بالإيجار، و استفادة الشركة من تمييز تفضيلي، في مخالفة لمقتضيات المرسوم 2.98.482 بتاريخ 30/12/1998 الذي يكرس المساواة في الولوج إلى الطلبات العمومية عن طريق طلب العروض. وذكر التقرير أن الباقي استخلاصه للمحلات المعدة للسكن ولأغراض تجارية ومهنية بلغ عند أواخر 2010 إلى 176.725 درهم، و 4.065.815 درهم بالنسبة للمحلات المعدة للسكن، وقد أسفر فحص عقود كراء المحلات الجماعية عن وجود مجموعة من النقائص، أهمها أن الجماعة لا تقوم بالمراجعة الدورية للسومة الكرائية الشهرية للمحلات المعدة للسكن ( القيمة الدنيا 10 دراهم والقيمة القصوى 200 درهم)، أو تلك المعدة لأغراض تجارية أو مهنية ( القيمة الدنيا 50 درهما والقيمة القصوى 1200 درهم )، علما أن بين المحلات فيلات فاخرة وعددها 13 . كما سجل التقرير وضع ممتلكات الجماعة رهن إشارة بعض المنظمات بعقد أو بغير عقد وفي غياب أية اتفاقية، ناهيك عن استمرار عدد من الموظفين في استغلال المساكن الوظيفية بعد نهاية فترة مهمتهم الوظيفية، في خرق لمقتضيات منشور الوزير الأول عدد 94/316 بتاريخ 21/9/1994. وارتفع الباقي استخلاصه لواجبات الإحتلال المؤقت للملك العمومي الجماعي بآسفي أرقاما قياسية وصل نهاية 2009 بحسب التقرير، ما يناهز 7,3 مليون درهم، هذا التقصير يقول التقرير تفاقم إذا علمنا أن 41 رخصة 7% من أصل 560 فقط من الإحتلالات تتوفر على رخصة، وبالنسبة لاحتلال الملك العمومي الجماعي فإن الباقي استخلاصه في نهاية 2009 بلغ 366.704 درهم عن الفترة الممتدة 1996 _ 2009 ، وقد أدى عدم اتخاذ الإجراءات من طرف الجماعة على حد وصف التقرير إلى احتلال أكثر من 555 مترا مربعا من طرف المقاهي و أكشاك ومحطات البنزين بدون رخصة. ولاحظ التقرير أن تدبير الممتلكات الجماعية يعاني من العديد من النقائص، حيث تبين أن سجل المحتويات غير مصادق عليه من طرف سلطة الوصاية، كما أنه لا يضم كافة الممتلكات الجماعية، وعزا التقرير ذلك إلى أن جميع رؤساء المجالس السابقين لم يقوموا بتحيينه وتصفية الملك الجماعي، في تجاهل لمقتضيات المادة 47 من الميثاق الجماعي، فضلا عن أن بعض الممتلكات التي تعد عادة جزءا من الملك العمومي البلدي، كالطرق وشبكة الصرف الصحي وشبكة الإنارة والحدائق والساحات العامة، لا يتم تسجيلها بسجل المحتويات، كما أن بعض المباني غير مدعمة بالملفات القانونية وبسندات الملكية وغياب تحفيظها. وخلص تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى أن هناك قصورا على مستوى تتبع الممتلكات العقارية، وذكر التقرير أنه تم منح قطعة أرضية مساحتها 1.999 متر مربع، كهبة لفائدة مدينة آسفي، بمقتضى قرار مؤرخ في فاتح شتنبر 1955، إلا أن مساحتها الحالية لا تتجاوز 713 متر مربع، وفقا لما هو مدون بوثائق المحافظة العقارية بآسفي، كما لا تتوفر الجماعة على معلومات مقنعة بخصوص تتبع ثمانية مبان تابعة للملك الخاص للدولة، وحصلت على ملكيتها بلدية آسفي بشكل تام ومجاني، و لا تتوفر الجماعة على وثائق من شأنها أن تبين المكان الحقيقي لتواجدها ومساحاتها وحدودها وكذا مآلها. كما كشف التقرير أن الجماعة قامت ببيع مجموعة من الممتلكات العقارية التي كانت بحوزتها من دون أن تقوم بحذفها من سجل المحتويات، علاوة عن الوضع غير المبرر رهن إشارة مجموعة من المؤسسات العمومية والخاصة بعض الممتلكات الجماعية بآلاف الأمتار المربعة بدون مقابل. وكشف التقرير عمليات تفويت بثمن منخفض مقاربة مع ما هو معتمد في السوق، تخص تدبير عمليات تفويت الملك العقاري الجماعي، وقد مكن الإفتحاص من الوقوف على عمليات البيع لمجموعة من الأراضي العارية للجماعة، مثلما هو الحال مع الشركة (A) التي حازت على أربع قطع أرضية بمساحة 20.216 متر مربع، على أساس ثمن 300 درهم للمتر المربع، ونتج عن ذلك بحسب التقرير حرمان الجماعة من مدخول يقارب 55 مليون درهم، إذا أخذنا كمرجع القطع المجاورة للأراضي المفوتة، هذا فضلا عن اللجوء أحيانا للبيع عن طريق الإتفاق المباشر والتراضي دون تقديم مبررات واضحة كما يقول التقرير. وفي مجال تدبير التعمير سجل التقرير إنجاز مشاريع بدون الحصول على رخصة إحداث تجزئة عقارية، ومنح رخص إحداث تجزئات عقارية رغم عدم جاهزية ملفاتها، حيث رخصت الجماعة بإنجاز تجزئات عقارية لفائدة 31 مجزءا، بالرغم من أن الملفات المتعلقة بها غير جاهزة و لا تستجيب لمتطلبات المادة 4 من القانون رقم 90 _ 25 ، وكذا رفض منح التسلم المؤقت لتجزئة " القدس " التي يبدو أنها أنجزت بالشكل والطريقة المطلوبة حسب ما يستنتج من الزيارة الميدانية التي قامت بها لجنة المراقبة للمجلس الجهوي للحسابات بسطات للتجزئة المذكورة، فضلا عن منح رخص إحداث تجزئات عقارية رغم غياب تجهيزات الربط بشبكة الإتصالات، وكذا استمرار سريان رخصة إحداث تجزئة عقارية رغم تجاوز مدة 3 سنوات. وعن تدبير ملفات البناء لاحظ التقرير تسليم رخص البناء خلافا لرأي لجنة المشاريع الصغرى وتسجيل عمليات البناء بدون رخصة، وشيوع الإستثناءات في ميدان التعمير، إذ بلغت بجميع أصنافها ما بين سنوات 2004 و 2009 ما مجموعه 99 استثناءا بحسب التقرير. ومن الإختلالات التي كشفها التقرير تفويت الجماعة الحضرية لآسفي عقارا مساحته 7 هكتارات إلى الشركة (O) بغرض إنجاز مشروع الفيلات الإقتصادية " ابن رشد "، وفي المقابل التزمت الشركة المذكورة بإعادة تجهيز الأحياء التي تشكو خصاصا في التجهيز بسيدي بوزيد، وقد تم توثيق هذا التفويت بواسطة عقد بيع ملحق بدفتر التحملات واتفاقية شراكة، وقد أفضى افتحاص هذا الملف على ضعف قيمة تفويت العقار، وعدم احترام دفتر التحملات المتعلق بعملية إعادة التأهيل، وعدم إنجاز المهام و الإلتزامات المترتبة عن اتفاقية الشراكة. وسجل التقرير أن الولوج للمفات التقنية لتجزئة " المسيرة " و تجزئة " لمياء " تم بصعوبة، حيث تطلب الأمر بحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات وقتا طويلا، وقد خلصت عمليات الإفتحاص من الوقوف على حقيقة عجائبية وغرائبية، ذلك أن الجماعة الحضرية لآسفي لا تتوفر على أية وثيقة تخص التجزئتين، و أضاف التقرير أن منح رخصة إحداث تجزئة " المسيرة " تم على أرض يقول عنها التقرير، أن جزءا منها يوجد في منطقة من المفترض أنها محفوفة بالمخاطر، دون إجراء دراسة معمقة جيوتقنية للأساسات، ناهيك عن القيام بالتسليم المؤقت قبل استكمال أشغال التجهيز، وعدم تطابق تصميم التهيئة وتصميم التجزئة، ووجود تناقضات عميقة بين تصميم التهيئة وتصميم التجزئة، ومنح رخص للبناء في تجاهل تام لتصميم التهيئة، حيث أن عددا كبيرا من ملفات البناء تم إخضاعها لدراسة لجنة المشاريع الصغرى و أصدرت بشأنها آراء مخالفة، وعزا التقرير أسباب الرفض في تواجد البقع موضوع البناء فوق منطقة خضراء حسب تخصيص تصميم التهيئة ( V25)، و أضاف التقرير أن الرئيس السابق منح رخص للبناء دون المرور عبر لجنة المشاريع الصغرى. أما مشروع تجزئة " لمياء " فقد سجل بشأنه التقرير خرقا للمادتين 4 و 5 من القانون 90 _ 25 المتعلق بالتجزئات العقارية في منح الرخصة بإحداث التجزئة، كما تبين من خلال دراسة الملف التقني للرخص الثلاث الممنوحة للمجزئ بأن بين تصميمي 1996 و 2006 عرفت التجهيزات تخفيضا ملحوظا (من ثلاثة أفرنة و 3 حمامات إلى فرن واحد وحمام واحد ) ، أما المساحات الخضراء (انتقلت من 57 مساحة خضراء إلى مساحتين فقط و30 شجرة )، وهي تجهيزات يقول عنها التقرير ضرورية للساكنة والتي كان يتوجب الحفاظ عليها، ناهيك عن أن التجزئة حصلت على الإستلام المؤقت رغم وجود عيب في التطابق، ومنح رخص للبناء ضدا وبدون رأي اللجنة التقنية المحلية كما جاء في التقرير.