يُفْصِح الدستور المغربي عن كون اللغة العربية اللغة الرسمية الأولى للدولة، وبما أنها اللغة الأولى فيتوجب على بلدنا العزيز أن يمنحها مكانة خاصة عبر تعزيز حضورها في الإعلام المرئي والمسموع، كما يجب تعميق التواصل بها ومعها في مقرراتنا الدراسية التي من المفترض أن تربي النشء على الاعتزاز المطلق بلغة القرآن. وبما أني أومن بنصوص الدستور فصلا فصلا، فقد ارتأيت ذات يوم جميل أن أتنقل بين قنواتنا التلفزية والإذاعية علّي أشنف مسمعي بروعة لغة المتنبي وفصاحتها،لكنني أدركت أن لا علاقة لإعلامنا باللغة العربية، فبين رفع المنصوبات، ونصب المرفوعات وهلمّ جرّا... أيقنت أن لغتنا الرسمية التي تريد مؤسساتنا تكريسها هي الدارجة. ومما أكد لي ذلك، وأنا أتابع بشغف حفل استقبال صاحب الجلالة للشخصيات التي ستوشح بالأوسمة، ذاك الشخص العجيب الغريب الذي ينادي على الأسماء إذ لم يكفَّ مجهودا في النيل من اللغة العربية بين اللكم والضرب والرفس. ومما يؤكد أن اللغة العربية صارت مهددة بالمسخ في بلدنا العزيز المسلسلات المدبلجة بالدارجة التي صارت تأخذ حيزا هاما على قنواتنا، كما أنه قلما تجد مذيعا يتحدث الفصحى سواء بالمرئيّ أو المسموع. خلاصة القول، إننا في عصر المسخ اللغوي، حيث انقسم مجتمعنا إلى المتمسكين باللغات الأجنبية الفرحين بما آتاهم الله منها كونها الحبل الوثيق الذي يربطهم بالمدنية، ويخرج بهم من جحيم العربية المتصل بكل متخلف، وبين فئة لا تقوى على التواصل مع الفصيح كونها محاصرة بكل ما هو دارجي من إعلام وإشهارات ووسائل التواصل الحديثة، وفئة قليلة تتمسّك باللغة العربية التي يحفظها الله من فوق سبع سماوات بما حفظ به الذكر الحكيم.