في الصورة: إدغار موران (يسار) بجانب نور الدين الصايل (يمين) أثار تولي المفكر والفيلسوف الفرنسي الشهير إدغار موران رئاسة لجنة تحكيم الفيلم الطويل في الدورة 13 من المهرجان الوطني للفيلم الذي تستمر فعالياته المقامة حالياً في مدينة طنجة إلى يوم 21 من يناير/ كانون الثاني الجاري جدلاً وانتقادات وسط عدد من النقاد السينمائيين المغاربة، بين مؤيدين ومتحفظين على هذا الاختيار. ورأى نقاد مختصون أن اختيار المثقف الفرنسي المعروف غير موفق، وبأنه يكرس التوجه الفرنكفوني الذي يطغى على السينما المغربية ولا يخدم مصلحتها ولا تطورها، فإن نقادا آخرين اعتبروا أن رئاسة موران للجنة ستعطي بُعداً ثقافياً وفكرياً متميزاً للمهرجان. التبعية لفرنسا
وصرح الناقد السينمائي المغربي أحمد سيجلماسي ل"العربية.نت" أنه في جميع المهرجانات التي لها علاقة بالسينما الوطنية تكون لجان التحكيم مكونة من فعاليات ومتخصصين ينتمون إلى البلاد ويكون عندهم اهتمام وثيق بالفن السابع، حيث لا يُعقل أن يترأس لجنة تحكيم مهرجان سينمائي أناس لا علاقة لهم بالسينما من قريب. وأوضح سيجلماسي أنه بالنسبة لرئيس لجنة تحكيم الدورة الحالية لمهرجان طنجة، موران يبدو ظاهريا أن له علاقة بشكل أو بآخر بالسينما، باعتبار أنه ألّف كتابين حول السينما وهما "السينما أو الإنسان المتخيل" في 1956 و"النجوم" عام 57، كما شارك في إخراج فيلم وثائقي مع "جان روش" أحد أبرز رواد السينما الوثائقية في العالم. وقال أيضا: "إن ذلك حدث منذ أكثر من 50 سنة واهتمامات موران فلسفية وسوسيولوجية أكثر منها فنية وسينمائية، وحتى إذا سلمنا باهتماماته السينمائية أو الفنية عموما فالطاغي عليها هو الطابع النظري الفكري الصرف، علاوة على كبر سنه وعدم سماح أجندته بالمكوث إلى يوم اختتام المهرجان، ولعل هذا هو مبرر "التخريجة" التي جعلت من الحقوقي والسوسيولوجي أحمد حرزني نائبا له"، وفق تعبيره. ولفت الناقد إلى أن لجان التحكيم في الدورات السابقة كان يطغى عليها حضور شخصيات ذات تكوين فرنكفوني، مما أفضى إلى هيمنة هذا التوجه على أهم المهرجانات السينمائية المنظمة بالمغرب من خلال استدعاء أسماء من عالم الثقافة الفرنكوفونية. وتساءل أيضا إلى أي حد سيظل هذا المهرجان الوطني للسينما وغيره رهينة في يد التوجه الفرنكوفوني، مبرزا أن هذا التفضيل يكرس تبعيتها في بناء هويتها الأصيلة وخصوصيتها الثقافية كما لا يخدم البَتَّة مصلحة وتطور السينما المحلية . وخلص سيجلماسي إلى أنه من اللازم ضمان نوع من التوازن والانفتاح اتجاه ثقافات وآفاق أخرى، مثل السينما الإيرانية أو سينما أمريكا اللاتينية أو أسماء فنية من بلدان متقدمة سينمائيا، وليس دائما فرنسا. بُعد فكري وثقافي
ومن جهته، قال الناقد والباحث السينمائي الدكتور عز الدين الوافي إن إثارة مسألة ترأس لجنة التحكيم من طرف مفكر فرنسي جاءت من خلال ملاحظة لوزير الاتصال الحالي. وردد صداها منبر إعلامي وطني، مردفا أن مثل هذه الملاحظات تأتي في سياق التحولات السياسية التي يشهدها المغرب وخصوصا من خلال تسريب زوايا جديدة حول الشأن السينمائي، عبر مسؤولين جدد لهم رأي مخالف لما كان سائدا. وأضاف: "في ما يخص موضوع الهوية الوطنية للمهرجان، فمن الأفضل أن يكون أعضاء لجان التحكيم من مفكري ومثقفي ومبدعي البلاد وهم كُثر"، مشيرا إلى وجود نوع من العلاقة الوشيجة التي تربط الحساسيات المرجعية والثقافية لمثقفي المغرب بما هو فرنسي تحديدا. واستطرد الوافي موضحا أنه من خلال الكلمة الافتتاحية التي قدمها موران، وهو مثقف عالمي من العيار الثقيل، يحضر هذا الرجل كفيلسوف وكمفكر، مضيفا أنه بعيدا عن منطق التعصب يمكن لهذا المفكر أن يعطي للمهرجان من جهة بُعده الثقافي والفكري، وفي نفس الوقت ينفتح على رؤية مغايرة تبقى محكومة بهويتها الثقافية للنظر من زاوية مخالفة لمنتوجنا الوطني. وخلص الناقد إلى القول: "ليس من الضروري أن يكون رئيس التحكيم أجنبيا، ولكن من الأحسن أن يكون مغربيا". وكان الناقد السينمائي مصطفى المسناوي قد شَبَّه، في مقال له أخيرا بصحيفة "المساء" المغربية استقدام مفكر من طينة موران للحكم على الإنتاج السينمائي المغربي بجلب طبيب عالمي جرّاح للعب دور الحكم في مباراة محلية لكرة القدم، مضيفا أن كرة القدم بعيدة عن هذا الطبيب الجراح الخبير في مجال تخصصه ولا يمكن للعبه دور المُحكم سوى أن يثير الشفقة تجاهه والسخرية تجاه من استقدموه، على حد تعبير المسناوي. وجدير بالذكر أن إدغار موران هو أحد أهرامات الفكر المعاصر وله إسهامات معرفية وثقافية بارزة، وتم منحه الدكتوراه الفخرية من طرف العديد من الجامعات العالمية ويرأس لجنة تحكيم الفيلم الطويل في مهرجان طنجة إلى جانب الناقد أحمد الفتوح والناقد والصحفي اللبناني إبراهيم العريس والمدير الفني السابق لمهرجان "فريبورغ" الدولي للفيلم السويسري مارسيال كنايبيل والصحفية سناء العاجي والسوسيولوجي أحمد حرزني.