روبورتاج من إعداد: عبد السلام أجبيرن في الصورة: مواطنون يعبرون عن فرحتهم أثناء فتح الطريق بين جماعتين قرويتين قبيلة غزاوة من القبائل القديمة التابعة ﻹقليم شفشاون، خاضت حربا شرسة في عهد اﻹستعمار اﻹسباني والفرنسي، فجزءا منها كان تابع للنفوذ الفرنسي وجزء آخر تابع للنفوذ اﻹسباني، لكنها اﻵن أصبحت حرة طليقة بعد معانات كلفت تضحيات لا مثيل لها، من طرف مجاهدي عبد الكريم الخطابي، لتبقى محاصرة بمقابير لا يعرف مصيرها إلى اﻵن،ومعزولة لمدة زمنية تركت ورائها ذكريات مسجلة في جبال ومخابئ وكهوف لتكون عبرة للأجيال القادمة. تصل إلى قيادة فيفي التابعة لعمالة شفشاون، بحثا عن أحد الدواوير التي خاضت المعارك الضارية مع المستعمرين. تستقبلك جبال وهلال وهضاب، وغطاء نباتي متنوع ،لا زالت صامدة رغم معاناتها خلال فترة اﻹستعمار، حيث كان المجاهدون يختبئون في الجبال أياما عديدة دون عتاد ولا شراب، من أجل تحرير البلاد من يد المستعمرين. " دوار سيدي اشريف كنعرفوا"، بهذه العبارة استقبلنا نور الدين وله سيارة من الجحم الصغير، لا يعرف هذا الدوار إلا بقبة ضريح " سيدي اشريف" من خلال ذكرى المولد النبوي الشريف، الذي كانت تحتفل به كل الدواوير بهذه المناسبة السنوية، يعتمده أصحاب الصرع والجنون من أجل العلاج، كما كان في هذا اليوم يجتمع القبائل ﻹجراء عملية الختان لابنائهم،الجو كان يطفح عليه التسامح والعطاء والمواساة ليخفي الأحتفال ببطىء كما تختفي الشمس أثناء غروبها، ،(طنجة24) زارت الدوار من أجل معرفة تفاصيل المعارك الضارية،وحيثيات المواهجات القبلية في عهد الحماية،والمشاريع التي فتحت عيون الساكنة بعد ضلام دامس لمدة عقد من الزمن. تباغثك في الطريق دواوير متعددة، معلقة في جبال،يبدو لك أنها على وشك الانهيار، طريق صعبة وبجانبها أراضي كانت مخصصة لزراعة القنب الهندي منذ سنوات،وأراضي غطتها أشجار الزيتون الشاهقة وأخرى غابوية،وفي الطريق تشاهد الى جنبات الطريق شيوخ يتألمون على غدر الزمن الماضي الذي منحوه العطاء، من أجل ﺇخراج المنطقة من فقروعزلة لا تنتهي قصتهما. الوصول الى أخر نقطة من المواصلات، تقودنا الى التعرف على دوار بني انعايم(دوار سيدي اشريف)، التي خاض معارك ضارية على واجهتين،الصراع القبلي مع قبيلة لخماس من جهة، وطاغوت اﻹستعمار من جهة ثانية،دوار لا يتعدى شيوخه 10 مقاومين تجمعهم روح الوطنية والجهاد والتضحية من أجل نيل الاستقلال. سوق السبت "سوق السبت" حاول شيوخ هذا الدوار ﺇنشائه لتوفير حاجيات المنطقة، من جميع المنتجات محملة على اﻹبل،لكن اﻹستعمار أعد العدة والعتاد لمحاربته بأبشع الأسلحة،لتبقى العضام منتشرة في كل بقعة من أرض "سوق السبت" شاهدة على العصر. "البروزي"شخص توفي قبل سنتين خلف ورائه قصص لتكون عبرة لشباب المستقبل، حيث نجى بأعجوبة بعد هجوم نفذه المستعمر، بواسطة طائرة على"سوق السبت" ، لتخلف ضحايا في اﻷرواح و خسائر مادية ما زالت دلالاتها على سطح الارض الى يومنا الحالي،ففي سوق السبت كانت فرصة لشيوخ القبائل من أجل رسم مخططهم الهجومي على المستعمر، لكن الخونة كانو يبلغون المستعمر بكل حركة للمقاومين،الشئ الذي كان يلحق أضرار في صفوف المقاومة،وبالتالي تم التخلي عن هذا السوق التي ترك بصمة ومأسي في صفوف الشيوخ. الدوار يوجد في آخر نقطة تابعة لعمالة شفشاون،كما أنه يوجد في المنطقة الحدودية بين قبيلة غزاوة وقبيلة أخماس،تحاصره ثلاث أودية،و تعزله في فصل الشتاء عن العالم الخارجي،ويوجد في قمته ضريح "سيدي اشريف" التي تتخلله شقوق إن دلت عن شيء إنما تدل على أن المستعمر استعمل أسلحة فتاكة لمحاربة المقاومين،عظام منتتشرة في كل محيط الضريح، لتكون حجة للأجيال القادمة، الدوار مقسم ﻷحياء صغيرة توحي لك بأنك في أحياء المدينة،الى جانب الضريح توجد مقبرة غطت مساحات شاسعة،لكن الغريب في الأمر خلال معاينة المكان، تم اكتشاف جمجمة وأضراس وصدر على وجه الارض يجهل سببها،أحمد أكد لنا أن الهجوم الاستعماري على "سوق السبت" ،كان لا يترك فرصة للمقاومبن من أجل دفن الموتى بشكل جيد، الشيء الذي أتر سلبا على المقبرة بالاضافة الى عوامل التعرية. فيفي و مأساة الساكنة بعد الاستقلال ابتكرت الساكنة سوق"خميس فيفي" يبعد خوالي خمسين كلم عن مدينة شفشاون، والتي يعتبر سوقا مهما لساكنة قبيلة غزاوة وأخماس وبني فغلوم، تحت إشراف جماعة فيفي ، السوق بلغت فيه قنينة غاز صغيرة الحجم خمسين درهما، حسب مصدر من الساكنة، في تسعينيات القرن الماضي ، ،ﺇذ استغل التجار انقطاع الطريق الرابطة بين باب تازة والسوق الأسبوعي، من أجل تحقيق أرباح خيالية في العديد من المواد الغذائية،دون رقابة من السلطة المعنية،أما السكان فكانوا في فصل الشتاء لا يعرفون السوق أزيد من شهر. ويقول "العربي" وهو رجل لعشرة أولاد، أنه في أحد أيام فصل الشتاء لم يبقى له في البيت قمح ولا دقيق(العولة)،مما أدى به ﺇلى التوجه نحو السوق لاقنتاء ما يمكن توفيره من دقيق،للحفاظ على حياة أسرته من الهلاك، رغم سوء اﻷحوال الجوية، فأخد البهيمة وتوجه نحو السوق ،رغم ﺇصرار زوجته الجلوس في البيت ﺇلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، فأصر على قراره ،وعند عودته حاصرته أحد اﻷودية،بعد معانات مع اﻷمطار والرياح والطمي ،حيث لجأ ﺇلى أحد الدواوير المجاورة من أجل المبيت، حفاظا على حياته من الموت المحقق التي نجا منه بأعجوبة، أما زوجته وأولاده فلم يستطعن النوم بعد تأخره،حيث كانت المنطقة لا تعرف شيئ ﺇسمه" البورتابل"سوى رسائل بريدية تصلها في وقت متأخر.وهناك عشرات القصص خلفت ورائها عبر للآخرين. الانفتاح والتطور بعد مدة من العزلة،وصلت زراعة القنب الهندي الى المنطقة،التي اعتبرتها الساكنة الحل الوحيد ،للخروج من مآسي لا نهاية لها، والانفتاح على العالم الخارجي، ويقول (محمد) الكيف هو الذي ساعدنا في الخروج من الأوضاع المأساوية التي كنا نعيشها، حيث كان رجال الدواوير يجتمعون كلما حل شهر ماي، من أجل فتح الطريق من جديد بوسائل تقليدية ،وكنا نعمل في ظرف ثلاثة أيام بشكل متواصل من أجل شيء إسمه المواصلات ،أما اﻵن تطور اﻷمر حيث تساهم الجماعة بالجرافة في حين تعمل الساكنة على شراء المحروقات،كل سنة من أجل فتح المعابير الطرقية ما بين الجماعة القروية والدواوير المجاورة.أما في الماضي خاصة فصل الشتاء فلا حياة لمن تنادي،إذ سبق لنساء المنطقة أن ولدن وهم محملون على سرير خشبي بعد معانات مع البرد والشتاء،كما حدث لعائشة حينما أنجبت طفلة وهي محملة على الكتف بين الحياة والموت في زمن الحرمان. المنطقة تم تزويدها بالكهرباء في الأواني الأخيرة،لكن في العديد من الأوقات،خاصة في فصل الشتاء تنتقطع الانارة لأزيد من ثلاثة أيام،دون معرفة الأسباب،الشيء الذي يؤثر سلبا على المواد المحفوظة في الثلاجة. دوار بني انعايم ذات الكثافة السكانية القليلة والمساحة الترابية الشاسعة،والغطاء النباتي المتنوع،المعروف تاريخيا بدوار(سيدي اشريف)،أشرفت في الماضي ساكنته على تكوين لجنة من ثلاثة أشخاص قصد إخراج الدوار من العزلة التي يعيشها،حيث أبدت رغبتها في فتح المعبر الطرقي ما بين قبيلة غزاوة التابعة لجماعة فيفي، وقبيلة أخماس التابعة لجماعة الغدير كروش،إذ تصل مسافته الى خمس كيلومترات تقريبا، الشيء الذي استفاد منه 13 دوارا في تسويق منتجاتهم الصيفبة،حيث أن المنطقة تتوفر على ثروة مهمة من زيت الزيتون،التي تعتبر المصدر الاساسي لعيش السكان. "مكان خصنا تاخير ولكن دابا الله غالب"هذة الجملة التي كانت تخرج من أفواه الشباب،مثل ولد الزروالي التي يتوفر على أسرة تتكون من أربعة أفراد،هاجر من المدينة الى البادية بعدما أرهقته فواتير الماء والكهرباء والكراء،ليستقر بهذا الدوار الذي أصبح بدوره يقوم بزراعة القنب الهندي قصد توفير زاد المستقبل.أما رجال المقاومة انتشرت عظامهم على جنبات الضريح بعد تعرض قبورهم لعوامل التعرية.دون أن يجد أولادهم أي شيء ناضل أبائهم من أجل نيل استقلال البلاد.