مصعب التجاني * : سيقبل المغاربة على انتخابات المجالس الجماعية والجهوية في شهر يونيو من العام المقبل 2015 حسب ما أكده السيد رئيس الحكومة المغربية، وبذلك ستعتبر أول تجربة انتخابية جماعية بعد حراك 20 فبراير وبعد إقرار دستور 2011 والذي يأتي في إطار استكمال البناء الديمقراطي وتدعيم دولة المؤسسات وفصل السلط، وهي التجربة التي تجعلنا نطرح عددا من الأسئلة على مستواها تتدرج من الوطني إلى المحلي،محاولة في نفس الوقت ملامسة مختلف المجالات والتشعبات المرتبطة بالانتخابات الجماعية المقبلة. فعلى مستوى الترسانة القانونية التي تعتبر الإطار العام والقاعدة الخلفية اللازمة لإجراء هذه الانتخابات؛ حيث هل ستتمكن المؤسسة التشريعية من بلورتها وإخراجها إلى حيز الوجود في وقتها المسموح والمعقول؟، ومن بينها القانون المرتبط بمالية الجماعات المحلية 45.08 وكذا قانون الجبايات المحلية 47.06 وهما القانونان اللذان يشكلان العصب الحيوي للتسيير الجماعي وهما نفسهما اللذان يحتاجان إلى إصلاحات بنيوية حتى تتمكن الجماعات من تدبير ماليتها بكل استقلالية وحرية ؛وأمر الاستقلالية هذا هنا أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالاستقلال المالي للجماعات المحلية (الترابية) يعتبر أحد ابرز أوجه التدخل وتقييد التدبير والتسيير الجماعي،وهو بالتالي ما يفرض التعديل كما اشرنا سابقا ،إن أردنا أن ندشن بهذه الانتخابات الجماعية مرحلة جديدة في مسلسل إرساء واستكمال البناء الديمقراطي للبلاد،ومن ناحية ثانية نجد إن المؤسسة التشريعية اليوم مطالبة بمراجعة القانون 97.9 المتعلق بالانتخابات وتعديله وفق مقاربة تأخذ بعين الاعتبار ما جاء به القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية من جهة ،ومن جهة ثانية فاسحا للمجال أمام مشاركة مغاربة العالم في هذا الاستحقاق الانتخابي تطبيقا للفصل السابع عشر من الدستور المغربي الناص على : " يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة،بما فيها حق التصويت والترشح في الانتخابات.ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية .... " وكذا تطبيقا للفصل 30 من الدستور الذي يضمن الحق في التصويت والترشح للانتخابات لكافة المواطنات والمواطنين البالغين سن الرشد القانوني. والعمل من جهة أخرى على تتويج هذه التعديلات بإخراج مدونة للانتخابات جامعة وشاملة لمختلف القوانين الانتخابية والمرتبطة بالعملية الانتخابية. إن الانتخابات الجماعية المقبلة تتطلب من جانب آخر إخراج القوانين المرتبطة بالجهوية المتقدمة وتعديل القانون 17.08 وكذا القانون 79.00 إضافة إلى القانون 47.96 المتعلق بتنظيم الجهة ،وهي القوانين التي لا يمكن في أي حال من الأحوال إجراء الاستحقاقات الانتخابية الجماعية المقبلة دونما تغييرها خصوصا في ظل دستور اعتمد الجهوية المتقدمة ركيزة للتنظيم الترابي اللامركزي للمملكة. وبالتالي فإخراج قوانين التنظيم الترابي الجديدة من الأمور المستعجلة وهو الرهان الذي يجب أن تتقيد فيه المؤسسة التشريعية بما ورد في مذكرة تقديم مشروع قانون يتعلق بمبادئ تحديد الدوائر الترابية للجماعات الترابية تحت رقم 131.12 من مبادئ وتوصيات وتوجيهات،إضافة إلى التقيد برأي اللجنة الاستشارية للجهوية ،ومن جانب آخر يبقى الرهان في كل ذلك على اعتماد مقاربة تشاركية وتشاور موسع في إخراج وتعديل القوانين السابقة الذكر وهما المطلبين الأساسيين والمحوريين في عملية التعديل والصياغة ، إذا انضاف إليهما إكراه الوقت المتبقي نخلص إلى أن المؤسسة التشريعية مطالبة اليوم بتسريع الجهود وفق مقاربة السرعة/ الجودة والتي تتطلب إشراك الفاعلين والمتخصصين في المجال لإخراج قوانين يمكن على أساسها تنزيل ورش الجهوية المتقدمة،ويمكن على أساسها ممارسة الاختصاصات الموسعة التي انيطت بالجماعات التربية وعلى رأسها الجهة التي تتبوأ مكانة الصدارة. إن ما يمكن إن نخلص إليه مما سبق هو أن الرهان على إخراج القوانين وتعديل ما يحتاج التعديل منها يعتبر أحد المحددات الأساسية لنجاح العملية الانتخابية المقبلة،والتي يجب من جانب آخر أن تخاصم الممارسات التحكمية لوزارة الداخلية وما سواها لان العكس سيعتبر ردة وانتكاسة للتطور الديمقراطي الذي اختاره وأكد عليه المغرب بدستور سنة 2011، وهو ما يجعل إضافة إلى ذلك من عملية التقطيع الانتخابي المقبل وتجديد اللوائح الانتخابية عربونا ومؤشرا على إرادة المضي قدما وفق منهجية ديمقراطية لكسب رهان استحقاقات شفافة ونزيهة ترضي تطلعات المواطنين. إذن فعلى المستوى الوطني وبشكل عام سجلنا عددا من الملاحظات لعل أهمها مرتبط بما على المؤسسة التشريعية من مسؤولية،بينما على المستوى المحلي وهو الذي يطرح عددا من الإشكالات والتساؤلات المرتبطة بالنخب المحلية وتمثيلية الشباب والنساء وتخليق الممارسة الانتخابية؛حيث لا يخفى اليوم على علم أحد أن الجماعات الترابية لم تعد في حاجة إلى أطر ومُنتخَبين جماعيين من الجيل السابق والذي نقصد به جيل "الشكارة" والعلاقات الفاسدة وهو ذاته الجيل الذي يفتقد إلى التكوين والتخصص والدراية والأخلاق في كثير من الأحيان، بل إن الجماعات اليوم تحتاج إلى أطر ومنتخبين مكونيين ومتخصصين ذوو أخلاق وحس مواطناتي وكفاءة قادرين على فهم وتمثل العمل الجماعي وفق نظرة جديدة تجعل من الجماعة الترابية مقاولة محلية رافعة للتنمية،جالبة للاستثمار، مندمجة في سياساتها،وهي الأمور التي تستعصي على فهم الجيل السابق من المسيرين والمدبرين الجماعيين،الجماعة اليوم تحتاج إلى من يبلور اختصاصاتها الموسعة والحساسة ويرقى بعملها ويفتح أمامها مصادر تمويل جديدة،الجماعة اليوم تحتاج لتفعيل دورها في إطار الدبلوماسية الموازية .وهو ما يجعل من الأحزاب السياسية اليوم أمام مسؤولية عظيمة تجاه وطنها وتجاه جماعاتهم بطرح منتخبين تتوفر فيهم المعايير والصفات السالفة الذكر،عوض إعادة إنتاج نفس الخطابات ونفس البرامج بنفس النخب ولكن بربطات عنق جديدة.كما انه ذات الأمر الذي يجعل الأحزاب السياسية أمام امتحان حقيق يعكس حجم وعيها بدورها وحجم ديمقراطيتها وديمقراطية أجهزتها وهيئاتها ،كما يعكس حجم قدرتها على تكوين وتأطير وتخريج نخب واطر بحجم الرهان المعقود على الجماعات الترابية، نخب قادرة على الارتقاء بالممارسة الجماعية من الهواية إلى الاحتراف؛فهل أحزابنا اليوم قادرة على إنتاج وطرح نخب جديدة واعية مكونة تراعي تمثيلية النساء والشباب؟ وهل مؤسستنا التشريعية قادرة فيما تبقى لها من الزمن التشريعي على تدارك التأخر في إخراج القوانين؟ وهل تماسيحنا قادرة اليوم على عدم مد يدها كما فعلت في الاستحقاقات التشريعية السابقة والاستمرار في لجم تحكمها وتدخلها أسوة بآخر استحقاقات تشريعية؟. * باحث متخصص في تدبير الشأن العام المحلي