عاد الصراع بين الهندوباكستان إلى الواجهة مرة أخرى، حيث أعلنت وزارة الدفاع الباكستانية أنها أسقطت مقاتلتين هنديتين، اليوم الأربعاء، وأسرت طيارين اثنين، فيما قالت الهند إنها فقدت طائرة واحدة وأسقطت مقاتلة باكستانية. وتطغى قضية كشمير من جديد على جميع عناوين الأنباء. فما هي الجذور التاريخية التي تكسب هذا الصراع الطويل الأمد استدامته لعقود؟ تتشارك الهندوباكستان في أكثر من مجرد حدود مشتركة، فهما تتشاركان في التاريخ والثقافة واللغة. إلا أن هناك خلافات على عدة جبهات، تدفع إلى استمرار المناوشات بين الجارتين النوويتين. تظل قضية كشمير هي القضية الأساسية التقليدية للنزاع الإقليمي بين البلدين، وهي أهم حجر عثرة في أي علاقات ثنائية بينهما. وقد وصلت الخلافات والمناوشات أوجها في عام 1998، أعقاب التجارب النووية الباكستانية التي أجريت ردا على التجارب الهندية في مطلع العام نفسه، وحينها ندد المجتمع الدولي بخطوات الجانبين. ودفع سباق التسلح بين البلدين إلى التخلي عن البرامج الاقتصادية والاجتماعية، وإنفاق الملايين للإبقاء على الوجود العسكري في سياشين (منطقة في إقليم كشمير)، ومر الصراع بعدد من المراحل لعل أبرزها أحداث كارجيل عام 1999، ومومباي عام 2008، وهما حادثتان أفضيتا إلى تراجع العلاقات للغاية بين البلدين. بدأ الصدام بين القومية الهندية والمسلمين خلال حكم الاستعمار البريطاني، وعلى الرغم من استمرار التفاهم بينهما خلال حرب الاستقلال عام 1857، حينما حارب القوميون الهنود هندوسا ومسلمين ضد البريطانيين، إلا أن خيوط القومية ظهرت مؤسسيا بتأسيس حزبي المؤتمر والرابطة الإسلامية. حينما ضعفت الحكومة البريطانية وبدأت حركة الهند من أجل الحرية، كان حتميا أن تندلع اشتباكات بين الحزبين الهنديين، حيث ظل الحزبان على خلاف حول طموحاتهما وأهدافهما النهائية، وتخلى الطرفان عن أي اعتبار للشراكة المتبادلة من أجل الاستقلال حين بدأت الرابطة الإسلامية الدعوة لبناء وطن منفصل للمسلمين عام 1937، واستفحل الأمر حينما فشل الحزبان في التوصل إلى إجماع حول صيغة الاستقلال، وبانسحاب بريطانيا عام 1947، أصبحت باكستانوالهند دولتين مستقلتين في 14 و15 غشت على التوالي. بدأت بالتوازي عمليات هجرة جماعية طائفية للمسلمين إلى باكستان، وللهندوس والسيخ إلى الهند، حيث اقتلعت آنذاك عائلات من جذورها، ودمّرت سبل العيش، وتغيرت العلاقات إلى الأبد، وانضمت المناطق الإسلامية إلى باكستان، وذات الأغلبية غير المسلمة إلى بعض المناطق الهندية، وانقسمت الأقاليم الغنية والمهمة اقتصاديا وثقافيا (البنجاب والبنغال) على أسس عرقية، ما أدى إلى الفوضى. في الوقت نفسه كانت هناك ولايات أميرية لها خيار أن تكون جزءا من الهند، أو باكستان، حيث لم تكن تمثل جغرافيات محددة بين الجانبين، وكان من ضمن هذه المناطق ولاية جامو وكشمير، ذات المناظر الخلابة والأهمية الاستراتيجية في الشمال، والتي أصبح من نصيبها حتى يومنا هذا تقرير مستقبل العلاقات الباكستانيةالهندية، وهي الولايات التي اندلعت فيها الحرب بعد الاستقلال بأشهر معدودات. حرب كشمير الأولى اندلعت الحرب الباكستانيةالهندية الأولى عام 1947، وتعرف باسم "حرب كشمير الأولى"، واستمرت حتى عام 1948، وهي أول نزاع مسلح بين الجارتين اللتين حصلتا لتوهما على الاستقلال عن بريطانيا. وبينما تمتعت الولايات الأميرية بحق الاختيار بين الانضمام إلى الهند أو إلى باكستان بعد الاستقلال، كانت هناك ضغوط على حاكم ولاية جامو وكشمير من كل من الهندوباكستان، لكن مهراجا كشمير، هاري سينغ، تجنب الانضمام لأي من الدولتين. ثار السكان المسلمون على المهراجا بعد تحفظه على الانضمام إلى باكستان في كل من بونش وميربور، وازداد الوضع سوءا مع اندلاع عنف طائفي ومجازر بين الطوائف، فلجأ السكان المسلمون إلى باكستان للمساعدة، وتدخلت الميليشيات الباكستانية لدعمهم. وعلى الجانب الآخر طلب المهراجا دعم الهند، التي قبلت التدخل بشرط توقيع اتفاق بين المهراجا والحكومة الهندية يقضي بانضمام ولاية جامو وكشمير الأميرية إلى الهند، ثم أرسلت القوات الهندية إلى كشمير للدفاع عنها. رفضت باكستان الاعتراف بانضمام كشمير إلى الهند، ووفرت لقوات المتمردين داخل الولاية، وفي مايو 1948 تدخل الجيش الباكستاني رسميا في الصراع. حرب كشمير الثانية كانت هذه الحرب تتويجا لمناوشات حدثت بين الجارتين، واستمر النزاع المسلح من غشت إلى شتنبر عام 1965، وبدأت الحرب حينما شنت باكستان عملية "جبل طارق"، التي كانت عبارة عن تسلل قوات باكستانية إلى جامو وكشمير للتحريض على تمرد ضد الحكم الهندي، وردّت الهند بإطلاقها هجوما عسكريا شاملا على باكستان الغربية. انتهى القتال بين البلدين بعد إعلان وقف لإطلاق النار تحت رعاية الأممالمتحدة نتيجة لتدخل دبلوماسي من الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدةالأمريكية، وإصدار إعلان طشقند. الحرب الباكستانيةالهندية عام 1971 اندلعت شرارة الحرب بعملية "جنكيز خان" التي قامت بها القوات الباكستانية، كضربة استباقية من جانبها، على قاعدة جوية هندية في دجنبر عام 1971، واشتبكت القوات الهنديةوالباكستانية على الجبهتين الشرقية والغربية، وانتهت الحرب بعد توقيع قائد الجبهة الشرقية للقوات المسلحة الباكستانية على وثيقة الاستسلام، التي انفصلت بموجبها باكستان الشرقية عن دولة بنغلاديش المستقلة. ونتيجة لهذا الصراع تشير التقديرات إلى فرار ما بين 8-10 ملايين شخص من بنغلاديش لجوءا إلى الهند المجاورة. وإلى جانب الحروب الثلاث واسعة النطاق، فإن اشتباكات حدودية مسلحة بين الشرطة والمتمردين في كشمير، تندلع بين الحين والآخر، علاوة على سباق التسلح النووي بين الجارتين، حيث أجرت الهند تجربتها النووية عام 1974، لترد عليها باكستان بالشروع في برنامجها النووي، الذي قال عنه رئيس وزراء باكستان، ذو الفقار علي بوتو: "إذا صنعت الهند القنبلة فسنأكل العشب أو أوراق النبات، وحتى نجوع، ولكن سنحصل على قنبلة خاصة بنا. ليس لدينا خيار آخر". بدأ البلدان حوارا شاملا عام 2004 لإطلاق عملية سلام لتحقيق تقدم على عدد من الجبهات، وفي عام 2008، وبعد 4 سنوات، و8 جولات من المحادثات تقدمت الأمور إلى الأمام. لكن الإرهابيين بدأوا بمهاجمة أماكن رئيسية في مدينة بومباي، ما أدى إلى مقتل 173 شخصا، وجرح 300 آخرين، وتدمير سنوات وعقود من المحاولات للتوصل إلى سلام بين الجارتين. كان الإرهابيون ينتمون إلى جماعة "لشكر طيبة"، وهي منظمة متشددة تستهدف الهند بسبب دورها في كشمير. اليوم وبتصاعد التوتر بين باكستانوالهند، عقب إعلان باكستان إسقاطها مقاتلتين هنديتين اخترقا أجواءها، وأسرها للطيارين الهنديين، عقب غارات جوية شنتها مقاتلات هندية في الأراضي الباكستانية، يتابع العالم بقلق بالغ ما يمكن أن تسفر عنه هذه الاشتباكات.