قبل أيّام، أطلّت سيرينا سحيم (30 عاماً) على شاشة "برس تي في" الإيرانيّة، على مقربة من مدينة عين العرب، وأدلت برسالتها كالمعتاد. وردّاً على أسئلة زميلتها من الأستوديو، أكّدت سحيم أنّ الاستخبارات التركية حقّقت معها، واتهمتها بالتجسّس على "داعش" لصالح إيران. قالت إنّ الاستخبارات التركيّة سألت سكّان المنطقة عن هويّتها، وإنّها تلقّت تهديدات، مشيرةً إلى أنّها خائفة، ولا تعرف ماذا سيكون مصيرها، خصوصاً أنّ تركيا صنّفت أكبر سجن للصحافيين في العالم. بعد ذلك تحقّقت مخاوف سحيم، فتحوّلت من ناقلة للحدث، إلى الحدث، بعدما لقيت حتفها في حادث سير على طريق عودتها إلى الأراضي السوريّة، من مدينة سروج التركيّة حيث كانت تقوم بتغطية ميدانيّة. وكانت برفقتها زميلتها المصورة في "برس تي في" جودي جولي التي أصيبت بجروح. ولم تعرف حتّى الآن هويّة سائق الشاحنة التي صدمت سيّارتهما، وما إذا كان الحادث مفتعلاً، أم مجرّد مصادفة.
رحلت المراسلة المشاغبة تاركةً خلفها طفلين هما علي (أربع سنوات) وأجمل (سنتان)، وعائلتها المفجوعة في برج البراجنة (الضاحية الجنوبيّة لبيروت). سحيم أميركيّة من أصل لبناني، ولا تحمل هويّة أو جواز سفر لبنانيّين، وكانت قد تركت بيروت إلى تركيا منذ حوالي أسبوع.
ويقول أحد أقارب الراحلة لصحيفة "السفير" اللبنانية إنّ "حادث السير كان مفتعلاً وليس قضاء وقدرا"، مستدلاً على ذلك بصور الحادث، وطريقة تصادم السيارتين. ويقول إنّ سحيم كانت تقضي معظم وقتها خارج لبنان، لأداء عملها الذي تعشق، مستنكراً عدم اهتمام الدولة اللبنانية بالموضوع، علماً أنّ شقيقة الراحلة توجهت إلى تركيا، مع وفد من "برس تي في"، لتسلّم الجثّة، ومتابعة التحقيق بالحادث.
وفي اتصال مع ذات الصحيفة، قال المدير الإقليمي ل"برس تي في" في لبنان ناجي كناني إنّ "سيرينا كانت مميزة، وخاضت تجارب إعلامية صعبة وغطت مناطق شهدت حروبا، ومنها العراق، وأوكرانيا، إضافة إلى الحدود مع عين العرب". ووصف كناني سحيم ب"الشجاعة والمتحمّسة دائماً، كانت من المراسلين القلّة الذين وصلوا إلى الحدود مع كوباني". ولفت كناني إلى أنّ "القناة لا تريد استباق التحقيقات، إلا أنّ بعض المعطيات، تثير الشكوك حول الحادث ومنها اعتراف سيرينا على الهواء بأنها تلقت تهديدات، إضافة إلى ذكرها في تقريرها الإخباري الأخير أنّ هناك شاحنات تنقل مسلحين إلى كوباني تحت غطاء جمعيات غير حكومية، وأخرى تقدم مساعدات". وأشار كناني إلى أنّ السلطات التركيّة تتهرّب من إجراء التحقيقات اللازمة، داعياً الجسم الإعلامي اللبناني ووزارة الخارجية للمطالبة بالكشف عن ملابسات الحادث.
من جهته، عبّر وزير الإعلام رمزي جريج في اتصال مع الصحيفة اللبنانية آنفة الذكر عن أسفه للحادث، لافتاً إلى "أنّها المرة الأولى التي يموت فيها صحافي وهو يقوم بمهامه". كما أكد جريج "أنه لا يملك معطيات تساعده على الجزم بظروف الحادث"، متمنياً «أن يتمّ التحقيق بالموضوع".
وبغض النظر عن ظروف الحادث، فقدت سيرينا سحيم حياتها، وفقدها ولداها اللذان كانا ينتظران عودتها في 26 أكتوبر الحالي. انضمّت سحيم إلى قافلة شهداء الصحافة، علماً أنّها ليست الصحافيّة الأولى التي تلقى حتفها من فريق قناة "برس تي في" الإيرانيّة الناطقة بالانكليزيّة، إذ فقدت المحطّة مراسلها السوري مايا ناصر، والذي توفي في دمشق العام 2012، بعد تلقيه طلقاً في الرقبة، خلال تغطيته تفجيرات هزّت ساحة الأمويين.
زملاء سحيم تبادلوا التعازي برحيلها على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بالكشف عن حقيقة الحادث الذي أودى بحياتها. ويعيد استشهاد سحيم إلى التداول ملفّ حماية الصحافيين في مناطق الحروب، وحقّهم بالحصول على تدابير أمان كافية.
إلى ذلك أثارت وفاة مراسلة قناة "برس تي في" الفضائية الايرانية الناطقة بالإنكليزية "سيرينا شيم" في حادث سير "مريب" على الحدود السورية التركية ردود أفعال في الأوساط الإعلامية.
ويأتي الحادث بعد ايام من توجيه السلطات التركية اتهامات لها بالتجسس لصالح المعارضة عقب تقارير أعدتها المراسلة حول دخول ارهابيين من تركيا إلى سورية.
فمقتل الصحفية وسط اتهامات مسؤولين اتراك لسرينا سحيم بالتجسس لصالح المعارضة يفتح ابواباً واسعة من الشك حول ضلوع حكومة انقرة في مقتلها بحسب محللين.
ويرى المتتبعون ان اتهام الاعلامية سحيم بالتجسس من طرف انقرة ثم مصرعها بعد ذلك في هذه الحادثة، امر يثير الشكوك ويضع علامات استفهام حول الكيفية التي قتلت فيها، مشددين على ضرورة التحري عن الحادثة لمعرفة مرتكب هذه الجريمة، خصوصاً وان هذه الصحفية كانت قد اعدت تقريراً يحتوي صوراً لدخول عناصر من داعش عبر تركيا إلى سورية.
وكانت شيم اعدت تقارير دخول الارهابيين من تركيا إلى سورية خلال تغطيتها للأحداث في مدينة عين العرب في سورية.
كما تناولت الصحفية موقف تركيا من جماعة داعش الارهابية وتورطها في دعم مسلحيها وإيواءهم على الاراضي التركية، مؤكدة ان قوافل الاغاثة التي تنطلق من تركيا باتجاه سورية تنقل مسلحين من داعش.
وقال رئيس جمعية الصحفيين في أنقرة يوسف كانلي : "لا نعرف اذا كان الحادث عادياً ام مدبراً، لدينا شكوك حول الطرف الذي قام باغتيال الصحفية، لان هذه الصحفية بالتحديد فضحت دعم الحكومة التركية لجماعة داعش الارهابية"، مؤكداً انه "لدينا مشكلة في حرية الصحافة حيث ان الاعلاميين يعيشون اجواء من الخوف والرعب".
واضاف كانلي، أن تركيا تأتي في المرتبة 48% بين الدول في حرية الصحافة.
وانتقدت اوساط اعلامية وفاة الصحفية بهذا الشكل المريب، فيما رجح اعلاميون إلى أن شيم اغتيلت لأنها فضحت حقيقة الحكومة التركية التي تقمع شعبها الذي يتظاهر من اجل نصرة مدينة عين العرب المحاصرة.
ويرى اعلاميون أن مقتل الصحفية سرينا شيم ليس مفاجئاً في بلد كتركيا التي تنتهك حرية الصحافة بشكل فاضح من خلال سياسة القمع وكم الافواه، وأن سجونها التي تعج بعشرات الصحفيين خير دليل على ذلك.
يذكر أن الصحفية سرينا شيم لقيت حتفها يوم الاحد الماضي، عندما اصطدمت السيارة التي كانت تستقلها بشاحنة ضخمة في "حادث مثير للريبة" في تركيا بالقرب من مدينة عين العرب الحدودية السورية المحاصرة، وهي لبنانية الجنسية وأم لطفلين كانت تغطي الاحداث عن عين العرب.
وصرح حامد رضا عمادي رئيس غرفة الاخبار بتلفزيون "برس تي في" الذي يبث باللغة الانكليزية ان ايران ستتابع الموضوع عبر الوسائل القانونية.
وقال: إن "وفاتها موضع شكوك بالغة ومن المرجح ان تكون نتيجة لتقاريرها الكاشفة الخطيرة لموقف تركيا وتورطها بنقل عناصر داعش بواسطة إلى سورية عبر قوافل الاغاثة".