جلالة الملك يهنئ الرئيس الإيطالي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    حرب على العروبة أم على الانتماء المشترك؟    بوريطة: المغرب مستعد لشراكة "جوهرية" مع كوريا في إطار الأجندة الافريقية    الكويت.. الشيخ صباح خالد يؤدي اليمين الدستورية بمناسبة تعيينه وليا للعهد    الفتح واتحاد طنجة وجمعية سلا والماص يتأهلون إلى نصف نهائي بطولة السلة    رسميا.. مبابي يوقع عقود انضمامه لريال مدريد    إحباط تهريب أطنان من المخدرات بالبيضاء    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    طنجة.. توقيف شخصين لتورطهما في الاعتداء على أشخاص بشارع مالاباطا    The Village Next to Paradise فيلم من الصومال تتغنى به المواقع السينمائية حول العالم    الرباط: معرض نموذجي بصندوق الإيداع والتدبير لخريجي المدرسة العليا للفنون الجميلة بالبيضاء    ارتفاع حصيلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 36439 قتيلا    صلاحي السويدي رئيس منتدى الصحراء للحوار والثقافات يجتمع بالمديرة العامة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات    بعد منع أسماء لزرق من الغناء بتونس.. فنانون مغاربة يطالبون ب"تطبيق المعاملة بالمثل"    الفنانة اللبنانية أميمة الخليل مسك ختام المهرجان الدولي للعود بتطوان    الفيفا تتفقد ملاعب اسبانيا المرشحة لاستضافة مونديال 2030    المغرب – كوريا: بيان مشترك حول إطلاق مباحثات استكشافية لإرساء إطار قانوني للتجارة والاستثمار    مباحثات بين بوريطة ونظيره الكوري تهدف إلى ضخ دينامية جديدة في علاقات التعاون بين البلدين    أحمدي نجاد يترشح للانتخابات الرئاسية بإيران في انتظار قرار مجلس صيانة الدستور بشأنه    تحقيقات أمنية في طنجة تكشف جريمة دفن جثة في جدار منزل    آيت ملول.. توقيف سيدة يُشتبه تورطها في انتحال صفة ومزاولة مهنة ينظمها القانون    آيت طالب يبرز دور التحول الرقمي في تحقيق السيادة الصحية بإفريقيا    برشيد: غموض يكتنف قضية نفوق رؤوس الأغنام بجماعة المباركيين    "الخالدون" و"آلة الفوز".. الصحف تتغنى بتتويج ريال مدريد ملكاً لأوروبا للمرة ال15    الجيش الملكي يواجه المغرب التطواني لحسم اللقب    انطلاق أعمال القمة الدولية لريادة الأعمال ونهائي برنامج الإيسيسكو لتدريب الشباب بمجال التكنولوجيا    صحيفة اسبانية: المغرب يستورد مزيدا من الأغنام الإسبانية وأسعارها تتراوح ما بين 2200 و4400 درهم حسب العينات (فيديو)    السعودية تستضيف بطولة العالم للراليات لأول مرة في تاريخها "    مسؤول: نأمل أن يتم تسريع وثيرة دراسات مشروع تّحلية مياه البحر لإنقاذ سقي 10 آلاف هكتار بتارودانت (فيديو)    رغم الجفاف.. ارتفاع صادرات المغرب من الماء    أبطال أوروبا.. أنشيلوتي سيد المسابقة القارية من دون منازع    خطوات مهمة يجب اتباعها إذا تعرض حساب بريدك الإلكتروني للاختراق    تفاصيل جديدة حول الباخرة الاثيوبية بالجرف الأصفر.. 9 ساعات إنقاذ ومروحية قادمة مراكش كانت حاسمة في عملية الإنقاذ    الجزائر تستغل ولايتها في مجلس الأمن لاستهداف مصالح المغرب    من هو محمد الشرقاوي الدقاقي المدير العام الجديد ل"لوطوروت"؟    من هو طارق حمان المدير العام الجديد للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب؟    كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية بالقمامة والقاذورات    99 مليون مكسيكي يختارون أول رئيسة    بعد استبعاده من قائمة المنتخب.. عبد الحميد يكشف تفاصيل حديثه مع الركراكي    لقاء يستعرض دور الأسرة في السياسات    رحلة العائلة المقدسة: المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأجانب    اليمين المتطرف الأوروبي والتقارب المتزايد مع إسرائيل    طنجة.. سيارة تدهس شخصا وسط البولفار وترديه قتيلا    منظمتان تهتمان بتعزيز الحكامة الرقمية    تشيلي تنضم إلى جنوب إفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    الفلامينغو يمتع جمهور "باب الماكينة"    فاطمة الزهراء قنبوع تكشف رغبتها بتعلم الريفية: "كنحماق على الريافة، وكنموت على الريف"    "المهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع" بتونس    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة الحلقة القصصية عند عبد الرحمن زوزيو
نشر في تطوان نيوز يوم 03 - 03 - 2015

لقد ظلت القصة المغربية المعاصرة تحاول رصد تحولات الواقع الاجتماعي الجديد وتناميه، فقد استطاعت أن تنفتح على مجموعة من الأجناس الأدبية الأخرى، وتستلهم منها أدواتها وتقنياتها وجمالياتها التعبيرية والفنية مثل تحطيم البناء الموباساني، وخلخلة التسلسل الزمني، والنزوع إلى التقطيع والتداخل بين الأزمنة، والتركيز على لحظات متشظية من التجربة، وإلغاء الحكاية، والميل إلى الشعرية واعتماد التكثيف، وتفجير اللغة، وإلغاء الحكاية والاعتناء بما هو سيكولوجي ونفسي، وتوظيف الغرائبية والفنطاستيك… إلخ.
وفي هذا الإطار سوف تظهر مجموعة من الأعمال القصصية، ستشكّل تيارا جديدا قائم الذات، له حساسيته التعبيرية وهواجسه الإبداعية وأسئلته الخاصة. ومن جملة الأعمال التي طالعتنا في الآونة الأخيرة هذا الأثر الذي نحتفي به اليوم الذي صدر عن مطبعة الهداية بتطوان، واختار له كاتبه عبد الرحمن زوزيو عنوانا تصريحيا خبريا وهو "ما يكرهه الرجل".
ينفتح النص القصصي عند عبد الرحمن زيوزيو على مجموعة من النصوص الأجناسية الأخرى مثل: الشعر كقوله مستشهدا ببيت شعري لأبي البقاء الرندي ( ص: 56) أثناء بحث البطل فاضل عن ثغرة تمكنه من النفاذ إلى ملفات غانم والحصول على الملف المرغوب فيه:
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
وقد تم ذلك من خلال ابنته خلود غانم التي درست معه والتي استطاع الحصول على عنوانها من خلال الشبكة العنكبوتية.
كما نجده يوظف بعض المقاطع الغنائية كما هو الأمر في الأقصوصة المعنونة ب"الرفاق حائرون" فقد أتى بمقطع من أغنية الفنان عبد الحليم "الرفاق حائرون.. [يفكرون].. يتساءلون في جنون حبيبتي أنا.. من تكون". وهذه الكلمات – كما هو معلوم- من إعداد خالد بن سعود، غير أننا نلحظ حدوث سقط لا نعلم إن كان سهوا أم عمدا لكلمة "يفكرون" وكذلك للنقطتين الأفقيتين أو كما يسميها صديقنا الدكتور جميل حمداوي علامة التخييل والإبداع الجمالي. فهي تعطي – على حد تعبيره للقارئ فرصة الاستمتاع بالنص لذة وتقبلا وجمالا، والتمعن فيه أثناء القراءة ذهنيا وبصريا ووجدانيا وحركيا"
وكذلك وظف الكاتب مقطعا آخر في أقصوصة "خلود غانم" ظل يردده بطل الأقصوصة لما ركب دراجته متوجها إلى عمله. وهو أغنية "وا الدلالي وا الدلالي واش تيقولو فينا" (54). ولعل هذه الأغنية من المشرك الغنائي بين مجموعة بلدان المغرب العربي، بحيث نجد الفنان التونسي لهادي حبوبة يغنيها وكذلك المغني الجزائري محمد محبوب السوفي والمغني الخليجي مؤخرا حسين الجسمي.
كما يوظف الكاتب – أيضا- الأمثال السائرة مثل قول السارد في أقصوصة "في سيارة الأجرة": "الوجه المشترك لا يغسل" (86) مشيرا إلى أن واجهة العمارة التي تعدُّ ملكية مشتركة بين سكان العمارة يصعب صباغتها أمام تعدد الآراء واختلاف المواقف.
هذا ونجده – أحيانا- يعمد إلى محاكاة الأسلوب القرآني مثل تضمينه بعض الملفوظات والتراكيب من الآية التاسعة عشرة من سورة "النور"، بحيث جاء على لسان السارد في أقصوصة "جرس المنبه" وهو يصور اهتداء البطل حسام إلى نور يُلمَح من بعيد بعد رحلة التيه والخوف والجزع داخل الغابة: "يرى ضوءا ينبعث من بعيد، مثل نوره كمصباح، المصباح في غرفة، الغرفة في شقة، الشقة لا جديدة ولا قديمة…" (29).
أو أسلوب الآي القرآني من سورة المدثّر الذي ورد في سياق قراءة سارد أقصوصة "عصير أسود" لإحدى القصص التي تحكي عن شخصية تسترجع شريط حياتها مع زوجة كانت تخونه مع شاب: ف"فكر وقدَّر ثم عبس" (69)، أو الاستشهاد بالآي القرآني من سورة الرعد (الآية: 28)، كما جاء في نهاية أقصوصة جرس المنبه: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (32).
كما نجد الكاتب في عتبة الأقصوصة الأولى التي عنون بها هذه المجموعة القصصية يدرج أسلوب الكتابة الترسلية داخل مسار السرد، فقد وجد بطل أقصوصة "ما يكرهه الرجل" بعد عودته إلى بيته رسالة تركتها زوجته تقول له فيها:
- سئمت من خيانتك، عندما تعرف قيمة الزوجة سأعود إلى بيتي، سافرت إلى بيت والدتي.
يبدو في هذه المجموعة القصصية أن عبد الرحمن زوزيو تستهويه كثيرا تقنية التقطيع والكولاج المعتمدة في مجال السينما، ولذلك سعى إلى توظيف هذه التقنية في كتابته القصصية، مع حرصه الشديد على تحقيق الوحدة لحكاياته وخلق الترابط بين بنياتها. ويلحظ القارئ لعمله أنه يعتمد تقنية الحلقة السردية، بحيث إن معظم نصوصه تنبني على ثلاث حلقات وإن كنا نلفاها في بعض الأحيان تتعدى ذلك إلى سبع حلقات كما هو شأن أقصوصة "شجرة الزيتون"، أو تعتمد نظام الأجزاء كما في أقصوصة "عبس ثم ابتسم" التي تتكون من جزأين ، وإن كنا نعتبر هذا الإطلاق مجرد تنويع واستبدال لمفهوم الحلقة ليس إلا. كما نجد الكاتب يتراجع عن هذا نظام بصفة نهائية مثلما هو الحال في أقصوصة "بجانب المستشفى" وإن كانت هذه التجربة بالإضافة إلى أقصوصة"عبس ثم ابتسم" السابقة الذكر تقتربان كثيرا من بنية القصة القصيرة جدا لما تتميزان به من اقتصاد لغوي وإدهاش ومفارقة وسخرية.
ثمة خاصية تميز الكتابة القصصية عند عبد الرحمن زوزيو وهي اعتماده كثيرا على أسلوب الحوار سيما في صيغته المباشرة، كما هو الحال في نص"منظار" الذي نجده ينبني كله على الحوار وذلك من خلال صيغتن: الأسلوب المباشر والمونولوج. وأقصوصة "بجانب المستشفى" التي يطغى فيها -أيضا- الحوار المرتكز على الأسلوب المباشر إلى جانب نماذج من الخطاب المروي بشكل لافت للنظر. وقلما نجد حلقة قصصية سردية بالكامل، باستثناء الحلقة الثانية في الأقصوصة الأولى "ما يكرهه الرجل" التي اعتمدت أساسا على السرد، ويبدو فيها السارد عالما بكل شيء (الرؤية من الخلف). أما الحلقة الأولى والثالثة فقد زاوج فيهما الكاتب بين السرد والحوار المباشر كما هو الشأن في العديد من القصص .
أما أسلوب الوصف فينذر في هذه المجموعة، وقليلة هي المقاطع التي يوظف فيها الكاتب هذه التقنية مثل هذا المقطع من أقصوصة "حبة جوز الهند" الذي يصف فيه تغير الجو وإنذاره ركاب السفينة بمقدم العاصفة "سماء صافية تتخللها بعض الغيوم، سرعان ما تكاثفت وكثرت، تغير الجو واضطربت أمواج البحر وتعالى ارتفاعها" (19).
أو في هذا المقطع الذي افتتح به السارد عتبة أقصوصة "اللذائذ الحرام" قائلا: "أشعة فصل الربيع تسلط على طبق السمك المقلي، تنبعث منه رائحة تجلب شهية كل من مر بجانبه" (ص: 23)
ونلاحظ أن قصص المجوعة تتوزع عبر أربعة مناحي بارزة يمكن إجمالها في: المنحى الاجتماعي والمنحى النفسي والمنحى السياسي والمنحى القومي. وقد اعتمد عبد الرحمن زوزيو في معظم قصص هذه المجموعة المنحى الاجتماعي، وجاء في إشارة للباحث نجيب العوفي أن السؤال الاجتماعي في القصة المغربية أضحى ملتبساً وملغوماً لأن آلية الصراع في السابق كانت محددة، بينما أضحت لاحقا معقدة، كما أن القصة القصيرة استدعت «أبطالاً» جدداً اختزلهم في نموذجي الكادح والمثقف. بالإضافة إلى ذلك أن القصة استقطبت موضوعات مختلفة، واستطاع اختزالها أيضا في موضوعتين هما: القهر الاجتماعي والقهر الروحي؛ ليستنتج –أخيرا- أنه ليس ثمة اتجاهات ومنازع محددة يمكن أن نقولب فيها هذا الاختلاف الموجود بين كتاب هذا الاتجاه الواقعي، بل ثمة تنويعات قصصية على وتر الواقعية. (نجيب العوفي، ظواهر نصية، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، 1992، ص: 116 117).
نجد الكاتب في أقصوصته الأولى "ما يكرهه الرجل" يعالج موضوعة وهم الخيانة من خلال تجربة زوج سيقوم بتطليق زوجته متوهما بأنها تخونه؛ ليكتشف في نهاية القصة وبعد أن اختلفت مصائر كل واحد منهما، أنها كانت –فقط- تساعد زوجة أحد الجيران التي كانت تضع مولودها، وهو الأمر الذي سيجعله يحس بمشاعر الندم في النهاية سيما وأنها خلفت له بنات كان يقوم برعايتهن.
كما تعالج أقصوصة "سيارة فارهة" مسألة الفساد المستشري في جهاز القضاء من خلال تجربة القاضي لقمان الذي لم يكن يتصف بالعدل والنزاهة. ويبدو القاضي لقمان بطل هذه الأقصوصة داخل المحكي القصصي معطل الإرادة، فقد كان السارد يفعل به ما يشاء، ففي الحلقة الأولى يتعرض إلى سرقة سيارته الفارهة من طرف جماعة، وفي الحلقة الثانية يحس بخوف من العجوز الذي أركبه عربته ودعاه إلى بيته عندما اكتشف أنه سبق أن حكم على ابنه بعشرين سجنا، وفي الحلقة الثالثة سيحس بتأنيب الضمير وسيقرر أن يستقيل من منصبه عند عودته. غير أن السارد سيضع له حدا وهو على الطريق السيار بأن دهسته شاحنة كبيرة أردته قتيلا.
وفي أقصوصة "هذه فرصتي" يتشعب الاجتماعي ويتعقد بسبب الظواهر الجديدة التي أفرزها المجتمع المعاصر، والتحولات الطارئة التي برزت في حياة الإنسان، فهي تكشف أن العمل الخيري الذي تتقنع به بعض الجمعيات الخيرية تكون خلفه دواع إرهابية مثل الجمعية الخيرية الفرنسية التي ستقوم بمعالجة مسعود الذي كان يبيع الأحذية المستعملة في بلده، والذي جيء به إلى فرنسا من أجل الاستشفاء على حسابها؛ ليكتشف من خلال الحقيبة التي سيعثر عليها بعد أن ألقى بها أحدهم أثناء مطاردة رجال الشرطة له أنها تحتوي على قرص وعقود مبرمة لصفقات سلاح بين رئيس الجمعية الخيرية التي عالجته والمسمى باتريك دياس وإحدى الدول العربية.
وسيختم الكاتب القصة بنهاية مغلقة مقتفيا فيها البناء الموباساني، بحيث سيسمع البطل مسعود طرقا على الباب ليفاجأ بالشرطة وهي تخبره ليس بافتضاح أمر الأوراق المحتجزة عنده، بل بانتهاء تاريخ صلاحية أوراق إقامته منذ أشهر وضرورة مغادرة الديار الفرنسية توًّا.
أما عنوان الأقصوصة فيعكس أفق انتظار البطل مسعود الذي اعتقد لما عثر على الحقيبة أنها تحتوي على أوراق مالية أو أشياء ثمينة، إلا أنها سوف تضيف مشكلا آخر على مشاكله.
أما أقصوصة "هاتف يرن" فتتميز بالطرافة وهي تجربة جميلة أبطالها ثلاثة: جمال وجعفر والزوجة. ثمة عامل يعيق باستمرار التواصل بين جمال وجعفر وهو رنين هاتف جمال، فكلما التقاه في مكان إلا ويرن هاتف جمال ليؤجل اللقاء لاحقا، ولتقوم زوجة جعفر عند عودته إلى المنزل بتأويل ما كان يود عرضه جمال، وذلك حسب المكان الذي التقاه فيه: وتأسيسا على ذلك تضطلع الأماكن (الحي- السوق- المسجد- المستشفى) وكذلك "الهاتف" بأدوار عاملية بارزة في تطور المحكي ونمائه.
وفي أقصوصة "منظار" يعالج الكاتب موضوع تعدد الزوجات من منظور المرأة والرجل، وكذا الخيانة، واستغلال الخادمات جنسيا.
أما الأقصوصة المعنونة ب "عفوا" فهي أقصوصة اجتماعية تصور الصراع التقليدي بين الأزواج والحماة، وذلك من خلال شخصية عايدة التي رفضت أن تقيم معها أم معاد بعد زواجهما، مما جعلهما يفترقان قبل بداية الطريق سويًّا، ولتظل عايدة بدون زواج تعاني الوحدة والاكتئاب. وتبرز الأقصوصة التحول الذي حصل في هذه الشخصية، بحيث أضحت تملأ وقتها بزيارة الأمهات المتخلى عنهن تكفيرا عن فكرتها التي جعلتها وحيدة.
أما أقصوصة " في سيارة الأجرة" فتذكرنا بأقصوصة "سيارة الأجرة الزرقاء" لأنطونيو رييسantonyo reyes التي قام بترجمتها عبد اللطيف البازي. وهي تتشكل من بنيتين حكائيتين مندمجتين في بعضهما البعض: البنية الحكائية الأولى تعالج مسألة الملكية المشتركة بين سكان العمارة ومشكل صباغتها أمام تنصل بعضهم من مصاريف الصيانة، والبنية الحكائية الثانية هي عبارة عن حوار بين راكبي سيارة الأجرة حول اللباس غير المحتشم الذي أصبح يرتديه الناس وهم يمشون في الشوارع دون أن يعيروا أي اهتمام للأخلاق أو التقاليد.
وعلى مستوى بناء هذه الأقصوصة كان يستحسن لو قام الكاتب بفصل بين الحكايتين، ولم يتم دمجهما، بحيث يجعل كل واحدة مستقلة بذاتها، على اعتبار أن كلا منهما تشكل قصة منفصلة عن الأخرى وبالتالي لا يثقل الحكاية الإطار بأسئلة كبيرة لا تستطيع حملها.
أما أقصوصة "عصير أسود" ، فهي من النماذج المميزة متنا ومبنى داخل هذه المجموعة القصصية، وتمثل المنحى السيكولوجي، بحيث تصور كيف يؤثر فعل القراءة على الإنسان ويغير حالته. فعامر الذي اختار السواد ليترجم به الحالة الداخلية التي يعاني منها: "أسدل الليل سدوله عامر ممتد على أريكة سوداء لابس جلبابا أسود قاتما. غرابيب سود" أو بحثه عن عصير غامق أو أسود في المطبخ. بسبب العلاقة التي ربطته بالجنس الآخر كما تفصح عن ذلك مقروءاتُه، وبعد قراءته لنموذج الزوجة التي كانت تُحتضر وهي تنصح زوجها بأن يلبس معطفه الصوفي درءا للبرد. ستتغير نظرته وحالته وتعود إليه الابتسامة ويقوم بإزاحة اللوحة السوداء ووضع ثوب أبيض ناصع البياض على الأريكة السوداء.
أما المنحى السياسي فيحضر من خلال أقصوصة "الرفاق حائرون" فهي قصة تعالج التحول الذي يطرأ على عقول الشباب، فتراه ينتقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. فبعدما كان يُعتقد أن عبد الله بطل هذه الأقصوصة له صلة قوية بالرفاق بحيث سيستغلها جاره إدريس الموظف في قسم المحافظة على التراب الوطني لما سمعه يردد أغنية عبد الحليم "الرفاق حائرون" ليشي به إلى زميله هيثم الذي يرافقه في مشاور الواجب الوطني. وبعد تأكدهما بأنه من الرفاق نسجوا له بأن له صلة ب 20 أبريل. سنجده بعد ذلك يداوم على الصلاة والأمداح النبوية وسينتهي به الأمر بتفجير نفسه داخل حانة أمام ذهول المراقبين الذين استعصى عليهم معرفة كينونته.
إن استبدال الكاتب شهر فبراير بشهر أبريل ليدل – ربما حسب رأي الكاتب- على أن الربيع العربي هو كذبة من الأكاذيب التي يتميز به هذا الشهر. كما يعد أسلوب السخرية الذي ينماز به هذا النص إلى جانب بعض النصوص الأخرى من أهم سمات الكتابة عند عبد الرحمن زوزيو فهو يسخر من إلقاء القبض على شخصية عبد الله بدعوى أنه كان يردد أغنية الرفاق حائرون وهو يستحم داخل بيته.
ولعل أقصوصة "جرس المنبه" لها ارتباط بهذه القصة بحيث تشكلان معا حلقة قصصية متسلسلة، وإن كان الكاتب قد وظف بعض السمات المغايرة في هذه التجربة الأخيرة مثل الحلم وهو فاعلية سردية تسمح بولوج عوالم التخيل بدون قيود أو حدود. فإذا كان السرد في العديد من قصص المجموعة ينتقل في مساره من حالة التوازن إلى اللاتوازن ففي هذه القصة يأخذ مسارا مغايرا بحيث تنطلق الحكاية من اللاتوازن إلى التوازن. يتجلى حالة اللاتوازن في تلك الكوابيس التي كان يشاهدها البطل في أحلامه سواء تعلق الأمر بالحلم الأول الذي يصور مشاعر الخوف والهلع أثناء وجوده وسط الغابة أم الحلم الثاني الذي يصور البطل وسط الزحام وسقوطه ودخوله في غيبوبة أم الحلم الثالث حيث سيلقى عليه القبض داخل سيارة الأجرة فيتذكر ما وقع لصديقه عبد الله من مشاكل بسبب أغنية الرفاق حائرون.
لكن اللافت للنظر هو التنوير الذي سيختاره الكاتب لهذه القصة، بحيث سيتوضأ ويتطهر ويصلي ليذهب عنه هذه الكوابيس وهي نهاية نجدها في العديد من القصص ذات المنحى الإسلامي.
هذا ونجد الكاتب في هذه المجموعة القصصية يعانق -أيضا- بعض القضايا العربية، وتحديدا القضية الفلسطينية، بحيث يصور لنا ما يتعرض له هذا الشعب من قصف وتقتيل، وذلك من خلال أقصوصتي "نغم غزة" و"شجرة الزيتون". ففي الأقصوصة الأولى يحكي لنا السارد عن أسرة مازن في قطاع غزة تعرض منزلها إلى القصف والدمار، ويصور كيف كان ابنه ياسر يحاول إزاحة الحطام الذي سقط على ظهره وكيف انطلق يبحث عن أهله وكيف عثر على أخته تحت مائدة خشبية وكيف سيلتقيان بعد ذلك بأبويهما أثناء جنازة أخيهما الشهيد ضرغام. وكيف سيتوالى القصف ليعصف بثلاثين آخرين كان من بينهم أسرة مازن بكاملها. إنها المأساة الفلسطينية التي يختزلها نغم الناي الحزين الذي كان مازن يعزفه كل ليلة قبل نومه وسيعزفه طفل أثناء عثوره على الناي بين الأنقاض وبعد رقدة مازن الأخيرة.
نلحظ أن الكاتب يلجأ في بداية هذه الأقصوصة إلى تقنية الخلاصة ليحدد الشخصيات مما يجعل السرد يتسم بطابع كلاسيكي فيذكر أن: "أسرة مازن مكونة من خمسة أفراد أبوين وثلاثةِ أطفال أكبرُهم ضرغام عمرُه اثنتا عشْرة سنة".
كما نجد أن الحلقة الثانية من هذه الأقصوصة هي عبارة عن حكاية داخل حكاية أو حكاية فرعية داخل حكاية إطار, وقد جاءت على شاكلة استيهامات أو تخيلات (مضمون الحكاية: 35).
أما أقصوصة "شجرة الزيتون" فهي تعالج نفس الموضوع، القصف العشوائي على المباني الفلسطينية. فبعد أن كانت السيدة بلسم التي تشتغل صيدلانية تهيء مائدة الطعام لزوجها حكيم الذي كان يعمل طبيبا وابنها مراد ذي السبعة عشَر عاما إذ سُمع ذوي انفجارات وصرخات الجرحى: إنه قصف الصهاينة العشوائي. يستيقظ مراد بعد إغماءة لمدة ثلاث ساعات ليجد نفسه مقيدا في مساحة لا تمكنه إلا من الجلوس- يطلب الإغاثة- ينادي أباه وأمه.
كما كان من بين الجرحى والمصابين الذين نقلوا إلى المستشفى الذي يزاول فيه حكيم عمله الطبيب حكيم نفسه، ليقوم صديقه الدكتور محمد بعلاجه، وبعد أن استطاع الوقوف وأمام كثرة المصابين قرر القيام بعلاجهم (التضحية) بدلا من الذهاب للبحث عن زوجته بلسم وابنه مراد.
وسيعطي الحلم قدرة عجائبية وخارقة داخل القصة بحيث سيجعل الشجرة التي كان مراد يقف عندها دقيقتين كل صباح تكلم صديقه عرفة أثناء نومه وتخبره بأن مرادا لا يزال تحت الأنقاض. ليستنجد ببعض الشباب.
وعموما إن نهاية هذه الأقصوصة هي نهاية سعيدة عكس نهاية "نغم غزة"، فقد تم العثور على مراد. كما تم التعرف على بلسم التي كانت مصابة بحروق في المستشفى. كما تجدر الإشارة إلى أن أسماء الشخصيات في هذا العمل كله تحمل في أغلب الأحيان دلالة معينة، فحكيم وبلسم اسمهما دالّ على العمل الذي يزاولانه. بالإضافة إلى هذا فقد استعمل في كتابة الحلقات السبعة لهذه الأقصوصة التقطيع السينماني، كما وظف الفانطاستيك بحيث جعل الشجرة تتكلم أثناء الحلم.
غير أن أهم أقصوصة تم فيها توظيف تقنية الفانطستيك وإن كانت ذات منحى اجتماعي، فهي أقصوصة "طائر من الملاح" الذي كان يقوم بجولات يجمع من خلالها الأخبار ثم يأتي بتقرير لصاحبه إسماعيل / السارد. ففي الحلقة الأولى سيأتيه بأخبار طبقة الأغنياء حيث كان همّ ابن أحدهم هو اقتناء سيارة جديدة. أما الحلقة الثانية فاختصت بأخبار الطبقة المتوسطة التي كان شغلها الشاغل هو التفكير في الساعات الإضافية التي تحتاج إليها ابنة أحدهم، وفي مبلغ 5000 درهما لتسديد تكلفه مدارس الأبناء كل شهر. أما الحلقة الثالثة فتتعلق بهموم الطبقة الفقيرة وتتمثل في خبر البيت الذي يقطنه أحد الفقراء والذي أصبح آيلا للسقوط.
يستلهم الكاتب قصة سليمان الذي كان يعرف لغة الطير، نستشف ذلك من خلال الاسم الذي يحمله بطل الأقصوصة. وكذلك من خلال هذا الملفوظ السردي: ّتكلم معه كلاما لا نعرفه، لو عرفناه لما استغربنا".
هذه بعجالة بعض سمات الكتابة التي انمازت بها هذه المجموعة القصصية والتي حاول الكاتب فيها تجريب هذا الشكل الجديد متمثلا أساسا فيما أطلق عليه الحلقة القصصية. وأعتقد أن خوضه مغامرة هذه التجربة، واعتماده هذا الأسلوب الجديد سيدفعه إلى الدفع به إلى آفاق أرحب في الأعمال الإبداعية الآتية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.