يبرز موضوع التربية غير النظامية للواجهة كل بداية موسم دراسي، لكن سرعان ما ينطفأ تأججه و يموت بريقه، ليصبح أمر النظر لهذه الفئة الشغيلة التي تضحي بمجهوداتها ووقتها و كل ما تملك في مهب الريح، و إمكانية حل مشاكلها مجرد حديث اللغو لآذان صماء. ينبغي للجميع أن يعترف بأن مجموعة من العاملين في هذا المجال بمثابة المنقذ لفئة من أبناء هذا الوطن، لأنهم يتكبدون عناء تقويم اعوجاج العديد ممن تاهت بهم السبل فتركوا مقاعد الدراسة وانضافوا للائحة الأميين، في وطن قاوم و لا يزال لينتشل أبناءه من براثن الجهل و التخلف. عند انطلاقة كل موسم يتم التطرق لهذا المشكل و بالتفصيل، كي يحظى باهتمام وسائل الإعلام و الرأي العام و حتى المجتمع المدني، فتتجند الأطر وينكب المهتمون على وضع برامج هادفة و مباشرة لإنقاذ هذه الفئة من الضياع في مآرب العمل الغير المقنن أو في البيوت المسعورة على تشغيل فتيات قاصرات. و بالفعل هناك برامج مخططة تسعى لإصلاح ما أفسده التعليم النظامي حيث يتم كل عام تأطير مجموعة من الشباب و الشابات "الحاملين لشواهد عليا، أقلها الإجازة" لينخرطوا في هذا العمل تحت رقابة جمعيات متعاقدة مع النيابات و الأكاديميات، و حتى مع أطر أجنبية شريكة في المجال لتفيد هؤلاء بخبرتها المتراكمة. أذكر على سبيل المثال جمعية المدرسين المتقاعدين بفرنسا، أو ما يعرف ب"أساتذة بلا حدود"، حيث تم على صعيد تطوان مثلا تأطير هذه الفئة على مدى ثلاث سنوات بمجموعة من التكوينات بلغت في مجملها 470 ساعة. و للإشارة فقد تم تكوين المؤطرات على مستوى التفتيش و التكوين للمكونين في خطوة استباقية لاقت نجاحا كبيرا في تطوان و حدها و لأول مرة، و منحت شواهد الاعتراف هذه لستة من المؤطرات سيتمكنون فيما بعد من إنهاء عمل هؤلاء الأساتذة بعد تقديم خلاصة ثمار الثلاث سنوات الشهر المقبل بمدينة "باريس" حيث ستتكلف مؤطرة من بين المجموعة – وو حيدة على صعيد المغرب- بجانب دول أخرى كالنيجر و مالي و السنغال لتعزيز عمل هؤلاء بتقديم الخلاصة في ندوة ستتدارس حصيلة و آفاق هذا العمل مستقبلا. و فضلا عن هذا وذاك لا يجب تجاهل اعترافات وزارة الداخلية التي أكدت في أكثر من مناسبة عن تراجع أرقام الجرائم في أوساط القاصرين بفضل انكباب هؤلاء على جعل أولويات اهتماماتها في "حتمية إعادة" العديد ممن يعيشون بين أزقة و دروب هذا الوطن- بسبب ظروف صاغها الكبار وكانت السبب في تشردهم- لمقاعد الدراسة و انتشالهم من الضياع. كل هذه" المجهودات" و التي لا تمثل شيئا لوزارتنا المحترمة و المتنصلة من حقوق هذه الفئة ، تجعلنا نطرح و باستمرار سؤالا عريضا بالشأن: كيف لحكومة ألا تعترف بفئة عاملة، مجتهدة و مبتكرة لأسس تعليمية فعالة، لمجال يحتضر و يغرق يوما بعد الآخر في غياهب الانحطاط و جاعلة وطنا برمته تحت رحمة أطر عقيمة ، عاجزة عن إيجاد الحل لأبنائه الذين يعتبرون دعامته الأساسية و أمله في السير به قدما نحو المستقبل الزاهر…