وتستمر حرقة العشوائية و"التهجيجة" و الخراب الذي حل بشوارع هذه المدينة حتى أضحت سوقا عشوائية دائمة، فاتحة أبوابها لكل متشرد و متسول وعاطل اعتبر في الترويج لأقل المنتوجات و أضرها فوق أرصفتها حلا لوضعيته ففرش وصفف عبر كل الأماكن بل حتى في الطرقات التي باتت تتقاسمها مع السيارات المارة ، و التي فقدت بدورها الأمل في إيجاد جزء منها للركن. تزداد الأمور تعقيدا… و تستمر معاناة المارة في شوارع مدينة كانت بالأمس القريب من أرقى المدن، حافظة لتراث قيم، و لتاريخ عريق خلفه أجداد غيورون على ثقافة لطالما افتخروا بها، لتصبح اليوم ذكرى ضائعة أليمة. يعز علينا أن نرى شوارعنا في هذه الحالة، بل بتنا نتفادى المرور وسطها حتى لا نزداد حسرة أو ألما يعصر قلبنا عليها أكثر مما نحياه… اشتقنا لأزقة نظيفة بيضاء، خالية من مفارش رديئة أسقطت هذه الجمالية من عيوننا، و أوهمت متعاطي هذا النشاط بعيش رغيد لا يرتكز إلا على نقوذ يتم تبادلها بين الطرفين دون أي ربح و قد يفضي لإفلاس لكل الأطراف لأنها تجارة غير محصية و لا تدر الخير حتى لمتعاطيها. قد تتكرر قصة فاضح فساد الزفت، و لكن هذه المرة على شوارع تستحق العويل و البكاء لأنها كانت على أجمل حال، و لا تزال شاهدة على ماض جميل يؤرخ لأرقى المراحل داخل بيوت عربية أصيلة حتمت تواجد شوارع تليق بمقامها بالأمس القريب…