مرت مائة عام على انساشيتطوان ،هذه الأيقونة الاسبانية التي صقلت مرتان في مرحلتين متتاليتن لم يزيد مدينة الحمامة البيضاء الا توهجا و اشعاعا (مرحلة ابتدأت منذ 1917 الى غاية الحرب الأهلية بقيادة فرانكو حتى نيل المغرب استقلاله). انشانشي تطوان أو الانسانشي الاسباني بتطوان،هو حي سكني و اداري ، ترفيهي ، ثقافي ،تجاريو حتى صناعي ..أقامه المستعمر الاسباني لعاصمته الجديدة في بلاد مستعمرته المغرب .الحي الاسباني (انسانشي) كان حيا فريدا و متميزا بكل المواصفات... لقد بدأ الاشتغال به فعليا سنة 1917 م من طرف صاحب هذا المشروع الكبير المهندس ( كارلوس أوبيلوكاستلو) ،تطلب منه سنوات لانجازه على أرض الواقع نظراللتموقع و التضاريس و أيضاللعوامل الجيولوجية الوعرة و البيئية و حتى الجمالية في ظل وجود المدينة القديمة لتطاوينبجانب المشروع..حوالي30 هكتارا كان معنية بهذا الصرح المعماري الكبير(1000 متر طولا و 300 متر عرضا). هندسة الانسانشي بين الأصالة و المعاصرة هندسة انساشي تطوان راعت نقطة مهمة ألا و هي التناغم العمراني العمودي مع المدينة العتيقة بأسوارها و تراثها الغني..المهندس الأندلسي استدعى خيرة المهندسين الاسبان ( خوسي ماريا بوستيندوي، مانويل لاتوري و كاستو فيرنانديز)و حتى المغاربة منهم لانجاز صرح تاريخي يراعي الأصالة و المعاصرةويضبط هندسة بارعة و شكلا جذابا و اعتماد وسائل حديثة و مواد بناء من الدرجة الأولى بالإضافة الى أيدي عاملة مجربة و ذات كفاءة.. هذا ما بدا من خلال مورفولوجية جد متناسقة و هارمونية بين حقبتين: بنايات عصرية من طابقين الى خمسة طوابق على طول الشوارع (عرضها بين 40 الى 50 متر و طولها بين 60 الى 80 متر) قسم المهندس الاسباني بمعية أمهر المهندسين الاسبان المنطقة الحضرية بما يسمى (لا مانزانا) أو قطع معمارية أو عمرانية (عبارة عن سكنى أو إدارة أو عمارة أو مجمع سكني أو حتى مكان للترفيه) الى ستون مانزانا.راعا فيهم التميز على المستوى الهندسي و الجمالي و التركيبي ،فكل بناية سكنية في الانسانشي تختلف عن الأخرى المحاذيةلها..و هنا يتجلى الابداع و العظمة..و جعل من المحاور المتقاطعة شوارع مفتوحة و عريضة ملائمة للراجلين و السيارات و الحافلات الخ حيث وضع لها عرض بين 12 و 15 مترا.. الحفاظ على الموروث الاسباني-الهندسي بتطوان
تختلف الحماية الإسبانية في شمال المغرب عن الحماية الفرنسية، فالإسبان لم يأتوا حضاريا من موقع استعلاء. فالمقاومة الريفية استلزمت حدود 1927 حتى يتمكن الإسبان من السيطرة الجزئية على الشمال المغربي..و رغم هذه الاعتبارات مضافا إليها البعد الإسلامي-الأندلسي بالمدينة العتيقة نشأت مدينة تطوانالجديدة ليس تماما كنقيض للمحتوى الهندسي الإسلامي بل امتداد له. فرغم الانتظام المجالي الجديد المغاير على مستوى الشكل، فإن المحتوى المعماري والحضاري ظل نفسه، و قد انتظم قلب المدينةالجديدة في مستطيل مفتوح يكمل امتداد المدينة العتيقة بمرجعية هندسية معمارية تعتبر تلاقحا بين البعد الفني والمهارة الإسلامية العربية الأندلسية المحتضنة من خلال وظيفتيها الداخلية والخارجية وبين المحتوى الهندسي الجماعاتي لفن العمارة الأوروبية، الذي وإن كان يعكس تراتبية اجتماعية فهو هيكليا محتضنا انطلاقا من أقواسه وارتفاعاته ومختلف استعمالاته الهندسية والوظيفية (نحن إذن أمام نموذج معماري مختلف و متميز).. التراث الإنساني بتطوان في موت بطيء
إن أهمية نموذج تطوان من خلال الانسانشي تكمن في كونها مدينة خليفيةوأندلسية اسبانية في آن واحد. إنها مدينة مقاومة، تراثها الإنساني مهم لكن يقضي نحبه ببطء في غياب تثمين وحماية حقيقية لتراثها العالمي (المدينة العتيقة) و للانسانشي. ففي ظل عدم مبالاة الفاعلين المحليين في الشأن العمومي والسياحي الخاص، و في ظل التعامل مع المدينة العتيقة باستراتيجية نفعية في إطار سياسات اللامبالاة والتعامل مع التراث كعناصر ديكور لا أقل و لا أكثر، و ليس كنتاج مجتمعي متعدد الرمزية والدلالة، ما يتعذر معه أية فعالية فيما يخص تثمين أو تدبير معقلن للمدينة باعتباره جزءا متكاملا و تراثا إنسانيا. و حتى على مستوى فهم دلالات هذا التراث الغني هناك عجز حقيقي ما يفتح المجال على مصرعيه لكل من هب و دب لتأويلات خاطئة باسم الثقافة و السياحة والاستثمار. مانراه من القيمين على الشأن المحلي و الجهوي و الوطني أنهم أهملوا الانسانشي و جعلوا سماسرة العقارو الفراشة و أصحاب المصالح.. يفسدون طابعها الجمالي لهذا أصبحت الذكرى المائوية ذكرى على الورق،بلا طعم و لا فائدة.