انتقد محللون مغاربة الفكرة التي اقترحها مؤخراً كاتب صحافي إسباني ببيع مدينتي سبتة ومليلية، اللتين تقعان في التراب المغربي وترزحان تحت الاحتلال الإسباني منذ عهود طويلة، إلى المغرب من أجل المساهمة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي تعيشها إسبانيا في السنوات القليلة الأخيرة. وأثار مقال نشره الكاتب "أوراسيو فيكساندي" قبل أيام في جريدة "غاليسيا كونفيدونسيال" الإسبانية ضجة سياسية وإعلامية في إسبانيا، حيث طالب حكومة ماريانو راخوي بالإسراع في البدء في صفقة بيع مدينتي سبتة ومليلية إلى المغرب، بسبب سوء الوضع الاقتصادي في إسبانيا. وذكر أن بيع المدينتين للمغرب يدخل في سياق التجارة الرابحة، لأنه في الحقيقة المدينتان ليستا ملكاً لنا من الناحية التاريخية، مبرزا أن المغرب سيقبل بهذا العرض مثل قبول إسبانيا بشراء جبل طارق في حال لو عرضته بريطانيا للبيع. ويُذكر أن سبتة ومليلية تقعان جغرافيا في أقصى شمالي المغرب لكن سيادتهما تخضع للدولة الإسبانية، وتعاقب على احتلال سبتة (28 كيلومترا مربعا) البرتغاليون عام 1415 والإسبان عام 1580، أما مليلية (12 كيلومترا مربعا) فتديرها إسبانيا منذ 1497، وأصبحت المنطقة تتمتع بنظام الحكم الذاتي داخل إسبانيا منذ سنة 1995، فيما يرفض المغرب الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني لهاتين المدينتين. لا تبيع ما لا تملك وقال الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بمدينة فاس، ل"العربية.نت" إن فكرة الصحافي الإسباني "رأي شاذ ولا يعكس الموقف السائد في إسبانيا"، منوها إلى أن غرابة هذا الاقتراح تظهر من خلال حجم ردود الفعل في إسبانيا ضد مقاله في مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، التي انتقدت الكاتب. وشدد الصديقي على أنه لا يحق لإسبانيا أن تبيع ما لا تملكه، مؤكداً رفض الشعب المغربي بهذا الأمر باعتبار أن هاتين المدينتين تشكلان جزءا أساسيا من تصوره لإقليم المغرب. واعتبر أن اقتراح الكاتب الإسباني مجرد نقد مبطن للحكومة الإسبانية الحالية التي عجزت حتى الآن عن حل المعضلة الاقتصادية والمالية، التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من أربع سنوات، وما تعانيه حكومتا كل من المدينتين من شح في الموارد المالية خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحتا تشكلان عبئا ثقيلا على الميزانية العامة للإسبانية. تجارب دولية ومن جهته قال الدكتور سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية والإنسانية بمدينة جدة، في تصريحات ل"العربية.نت" إن هذا الاقتراح ليس غريبا، فقد كانت هناك سوابق في هذا السياق من قبيل اليونان التي عرضت بعض جُزرها الكثيرة للبيع أو الإيجار طويل الأمد، من أجل إيجاد حلول لديونها الضخمة المتراكمة وأزمتها المالية. وأفاد بودينار بأن هناك عددا كبيرا من الإسبان يعتبرون المدينتين المغربيتين جزءا أساسيا من التاج الإسباني، غير أن بعض النّخب السياسية بدأت تدرك أنه من الصعب بقاء هذا الأمر على ما هو عليه الآن في المستقبل، مشيرا إلى أن فكرة بيع تخامر أذهان بعض النُّخب المحدودة في إسبانيا، لكنها قد تتسع مع مرور الوقت. ويرى مراقبون أنه يجب على المغرب أن يستفيد من تجربتي "هونغ كونغ" و"ماكاو" وتجربة جبل طارق في ما يخص توفير الأمن والتنمية والتدبير الجيد للقضاء على الاحتلال الإسباني، حيث لا يمكن لإسبانيا أن تبيح لنفسها ما لا تريده لغيرها.