الحكومة تدرس حل العصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب    بوريطة يستقبل وزيرة خارجية إفريقيا الوسطى ويستلم منها رسالة خطية موجهة للملك محمد السادس    أخنوش: نتشرف بأن بلادنا تمتلك منظومة متكاملة للاستثمار الخاص بعد إخراج ميثاق جديد للاستثمار    عناد نتنياهو.. هل هو ضعف أم استبعاد لنهاية المشوار السياسي؟    بعثة الكونغو برازافيل تحط الرحال بأكادير استعدادا لمواجهة المنتخب المغربي    رسميا.. ريال مدريد يعلن المشاركة في كأس العالم للأندية    بعد إغلاق باب الترشيحات.. 3 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي    الركراكي يعلن عن تغييرات مُهمة في مباراة الكونغو برزافيل    الركراكي: ما يهمني هو الفوز وليس الأداء    بنموسى: عبأنا 49 ألف مراقب لتعزيز تكافؤ الفرص في امتحانات بكالوريا 2024    الأمير مولاي الحسن يعطي انطلاقة إنجاز محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء الأكبر من نوعها بإفريقيا    إعداد وترويج "ماحيا" يطيحان بعشريني بفاس    بسبب امتحان البكالوريا تلميذة تنهي حياتها بآسفي    الداكي : السياسة الجنائية للمغرب تضع قضايا الطفولة ضمن أبرز أولوياتها الاستراتيجية    الأمثال العامية بتطوان... (621)    الحصيلة العددية لانتخابات البرلمان الأوروبي تضع القارة وسط "زلزال سياسي"    الأحمر يُغلق تداولات بورصة الدار البيضاء    أخنوش: الحكومة نجحت في وضع اللبنات الأساسية لتحقيق العدالة الجبائية    ريما حسن "صوت فلسطين" داخل البرلمان الأوروبي.. من مخيمات اللجوء إلى أعلى هيئة سياسية أوروبية    بوابة رقمية لتعزيز الخدمات الاجتماعية للأمن    بوانو: أخنوش قام بتخفيض رسوم الاستيراد لشركات أقربائه ورفع من نسبة تضريب المقاولات الصغرى    أطباء يستعرضون معطيات مقلقة حول مرضى السكري بطنجة    شركة "كازا تيكنيك" تستهل عملها الرسمي بالحسيمة بمشاكل مع العمال    "البيجيدي": لا ثقة في إسرائيل وندين مجزرة النصيرات    الناظور.. لقاء تشاوري حول مستقبل الأمازيغية بالمغرب    وزير الخارجية اللبناني يشدد على موقف بلاده الدائم الداعم لسيادة المملكة ووحدة ترابها    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    تهرب ضريبي واستغلال مفرط وغير قانوني.. تقرير يرسم صورة قاتمة عن "التسيب" في مقالع الرمال    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار بشأن غزة    مجلس الحكومة يدرس إعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    الحكم على ثلاثة مشجعين لفالنسيا بالسجن ثمانية أشهر بسبب إساءات عنصرية ضد فينيسيوس    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    الصغيري يكتب: مأزق الديمقراطية الداخلية للأحزاب المغربية    بلينكن يطالب ب "الضغط على حماس"    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    لارام تستعد لاقتناء 200 طائرة جديدة    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين قبل عيد الأضحى    طيب حمضي ل"رسالة24″: احتمال إنتشار فيروس انفلونزا الطيور ضعيف جدا    يوسف القيدي مبادرة فردية شديدة التميز في مجال الفن التشكيلي    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة.. الفيلم الكونغولي «متى يحل عهد أفريقيا» لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    العشرات يشاركون في كاستينغ المهرجان الوطني للمسرح والكوميديا ببنسليمان    المحامون يدعون لوقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    "الحياة حلوة" عن معاناة فلسطيني من غزة في الغربة…فيلم مشاركة في مهرجان "فيدادوك"    ديشامب يكشف عن حالة مبابي قبل اليورو    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    «نقدية» الخطاب النقدي الأدبي    رابع أجزاء "باد بويز" يتصدر الإيرادات السينمائية الأميركية    موريتانيا تكشف اقتناء أسلحة متطورة    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    من سيحسم لقب البطولة الجيش أم الرجاء؟    جسور التدين في المهجر.. لقاء مع الدكتور عبد النبي صبري أستاذ جامعي في العلاقات الدولية والجيوسياسية    استعمالات فلسفية معاصرة بين الهواية والاحتراف    أعراض داء السكري ترفع خطر الإصابة بالكسور العظمية    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    المغرب يتجه لتحقيق اكتفائه الذاتي من البترول بحلول منتصف 2025    بنحمزة يوضح موقف الشرع من الاشتراك في أضحية واحدة    المغرب يسجل حالة وفاة جديدة بفيروس كورونا    تشوهات الأسنان لدى الأطفال .. أكثر من مجرد مشكلة جمالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوعي ماء حياة الروح

تأمّلت المعادلة الكيميائية التي نعرفها جميعاً؛ أن الماء يتكوّن من اندماج نسب دقيقة من غازيّ الهيدروجين والأكسجين، فأما الأول فغاز شديد الاشتعال، وأما الثاني فوقود النار ولا تتمّ إلا بوجوده، ورغم ذلك فإن الماء لا يحترق، بل يُستخدم لإطفاء النار! ما يعني أنه يمكن المزاوجة والدمج بين عناصر طبيعية يبدو بينها تضارب أو (عداء) – إن صحّ التعبير – لإنتاج عنصر آخر لا يحمل صفات أيٍّ من العنصرين المكوّنَين له، وفي حالة الماء (الخاصة) أنتج هذا الدمج (الحكيم) مادّة حياة الأشياء كلّها "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ".
السنن الاجتماعية وسنن التاريخ كقوانين الكيمياء والفيزياء كلّها قوانين كونيّة صارمة تمضي كحدّ السيف ولا تحابي أحداً، مع فارق أن قوانين الكيمياء والفيزياء يمكن التحكّم بمختلف عناصرها ومتغيّراتها ومن ثمّ الإحاطة بتفاصيلها في المختبرات العلمية، بينما قوانين التاريخ والاجتماع يصعب رصد كل متغيّراتها، ويستحيل التحكّم فيها لتشعّبها، ولأن (الإنسان) عنصرها الأهم، و(النفس البشرية) مادّتها الشديدة التعقيد، وبالتالي فمحاولة كتابة قوانينها الحتمية كما تُكتب تركيبة العناصر الكيميائية المختلفة أو معادلات الفيزياء من الصعوبة بمكان.
لهذه الأسباب وغيرها بقيت إدارة النفوس ورقيّها مناطة بأصحابها ليختار كل امرئ (المزيج) المناسب من العقائد والأفكار فيخلطها ليتمخّض منه (خلقاً) آخر يعيش في سلام مع نفسه ومع من حوله ويحمل في ذاته مادّة إصلاح العالم، وأداته الأولى في رحلة العمر هذه (الوعي) الذي اختلفوا على تعريفه بين من يرى أنه أشبه بحال مخمور خرج من سكره فذهل للآثار السلبية التي نجمت عن غياب (عقله) وقرّر أن لا يعود لمثلها أبداً، ومن يرى أنه كحال من استيقظ من نوم عميق خسر من جرّائه الكثير وعليه أن يعوّض ما فقده حال (غفوته)، وقد يكون كلا التشبيهين صحيحاً بالنظر إلى درجة غياب الوعي التي يمرّ بها الأفراد والمجتمعات وحالة اليقظة التي تخلفها، فرُبّ نائم تيقّظ ولكنه بقي بين النوم واليقظة فما نفعته صحوته شيئاً، وربّ مخمور عاد إليه رشده فلم يفارقه أبداً، فتحوّل من حال إلى حال.
يُذكر أن طفلاً ضرب سيارة أحد الأثرياء بحجر كبير، فنزل صاحب السيارة ليرى الضرر الذي أصاب سيارته وليعاقب الفاعل، فوجد طفلاً خائفاً يقف في الزاوية فعنّفه وهدّده بأنه سيُعاقبه على غلطته الشنيعة تلك وسيغرّمه تكاليف الضرر الذي أصاب السيارة، فاعتذر له الطفل وقال أنه كان يحاول أن يلفت انتباه أي شخص في الشارع ليساعده على إخراج أخيه المعاق الذي سقط في حفرة نتيجة اختلال توازن كرسيه المتحرّك، وعندما يئس من أن يلتفت إليه أحد لجأ إلى هذه الطريقة .. هنا تأثر الرجل الثري كثيراً لحالة الطفل، فطمأنه بأنه لن يطالبه بشيء، وأخرج أخاه المعاق من الحفرة، وتعمّد أن لا يصلح الضرر الذي أصاب سيارته لكي يتذكّر الحادثة التي أخرجته من حالة (اللاوعي) بالآخر وحاجته إلى حالة (التعاطف) معه والرحمة به.
بممارسة الوعي لا يتغيّر الفرد فحسب بل يسري التغيير لكلّ ما حوله، فتتحوّل الظلمة إلى نور، والجهل علماً، وينقلب الشرّ خيراً، وتتبدّد المخاوف، ويتحرّر العقل، وتتباعد الجدران المحيطة بالعقل، والقيود المعيقة للحركة، فكلما ازداد الوعي كبر مجال الحركة، وكثر العطاء، وطاب العيش، وهنأ البال، لأنه مزج بين معطيات عالمي الروح والمادّة بنسب حكيمة فلا يرى في العطاء حرمانا، بل يرى في بعض الحرمان سعادة، وبالوعي لا يعود التدين طقوساً وشعائر، ولا الإيمان مظاهر ومواعظ، وربما اكتسب الواعون مهابة في محيطهم وبثّوا يقظة فيمن حولهم بحيث يصبحون مصدر إزعاج وقلق وتهديد لمن يريد للناس أن يبقوا في حالة خدر وسكر وسبات عميق.
وقد يعيش الإنسان الواعي نفسه حالة ذهنية يقظة تكون مصدر إزعاج له كذلك، لأنه يمارس عملية معالجة وتصنيف وتحليل وتفكيك وإعادة ربط لكل ما يصل إليه من معلومات من خلال منافذه المفتوحة على العالم الخارجي – حواسّه الخمس - وتلك التي تطلّ على باطنه – عقله وقلبه - فهو في حالة تفكير دائم، يربط القديم بالجديد، والتاريخ بالجغرافيا، ويقارن بين الماضي والحاضر، ويوظّف ذلك كلّه ليرى الأمور على حقيقتها، فلا يدع نفسه تخادعه؛ يقف لها بالمرصاد، ويتّهمها، ثم يقومّها، وهكذا في حركة تصاعدية دائبة لفهم الحياة والانخراط فيها بتطبيق قواعد الوعي الأعلى التي لا تُعلَّم بل تمارس باستمرار حتى يتعرّف الإنسان على أفضل حالات الوعي التي يمرّ بها ومعطياتها ليمزج – بوعيه - بين عناصر كيمياء حياته، فتتواءم الروح مع النفس ليصل إلى ماء حياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.