رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    خمسة مرشحين يتنافسون على رئاسة نادي الوداد البيضاوي    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    تطوان تترقب وصول الملك محمد السادس لقضاء عيد الأضحى وبدء نشاطه الصيفي    كلمة رئيس الحكومة خلال المؤتمر الدولي حول خطة الاستجابة العاجلة للوضع الإنساني في غزة    شركة "آبل" تطلق نظاما جديدا للتشغيل في أجهزتها قائما على الذكاء الاصطناعي التوليدي        وزارة العدل تتهيأ لتطبيق برنامج رقمي يساعد القضاة على تحرير الأحكام في سياق وصل الذكاء الاصطناعي بالمحاكم    كأس العرش: تأجيل مباراة نصف النهائي بين الرجاء الرياضي أمام مولودية وجدة    من الصعب على المغاربة تقبل استمرار هذه الحكومة    مكتب السكك الحديدية يرفع عدد مقاعد "البراق" لمواكبة اسفار عيد الاضحى    من إصدارات دار الشعر بمراكش الديوان الخامس من سلسلة "إشراقات شعرية" للشعراء المتوجين بجائزة "أحسن قصيدة"    القناة الثقافية تحاور الناقدة والروائية المصرية شيرين أبو النجا    الموت يحزن سعد لمجرد    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    استيقظوا!.. أوروبا في خطر بعد صعود اليمين المتطرف    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس اعتبارا من السبت القادم    المغرب ضيفا على الكونغو برازافيل في أكادير..    تصفيات المونديال.. المغرب يواجه الكونغو اليوم الثلاثاء وعينه على تعزيز صدارة المجموعة الخامسة    "التقدم والاشتراكية": الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المقلقة لا يمكن تفسيرها بالجفاف    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    جثة هامدة تستنفر أمن طنجة    انتحار فتاة بسبب "الباك" يسائل دور المدرسة والأسرة في المواكبة النفسية للتلاميذ    وهبي يقترح "وساطة مستقلة" لإبعاد نزاعات الزواج والشغل عن القضاء    "شغيلة التلفزة" تنادي بزيادة في الأجور    الحكومة تكشف خطتها لتسريع الإقلاع الاقتصادي وخلق فرص شغل قارة للمغاربة    حماس تعلن قبولها قرار مجلس الأمن لوقف الحرب في غزة    مالاوي.. مصرع نائب الرئيس وتسعة آخرين في حادث تحطم طائرة    المغرب يلتزم بإدماج التقنيات النووية السليمة في مختلف القطاعات    " فخورون، معلقون وعنيدون بعض الشيء"، عن منطقة كتامة والحشيش وأشياء أخرى..فيلم بالمسابقة الرسمية لفيدادوك    مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تنظم ورشة لتلقين مبادئ النقد السينمائي وتجويده، لفائدة الصحفيين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    سوق الأغنام بالرباط.. المعادلة المتداخلة لاختيار أضحية العيد    أطباء: مليون ونصف مصاب بالسكري لا تصلهم علاجات وزارة الصحة والتغطية الصحية لا تزال ضعيفة    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    "نقاش نووي" يجمع المغرب وأمريكا    ميناء طنجة المتوسط يترقب رقما قياسيا جديدا بمعالجة 9 ملايين حاوية في 2024    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    إقصائيات كأس العالم.. عموتة يتطلع للانتصار على السعودية والانقضاض على صدارة المجموعة    الداكي: النيابات العامة استقبلت خلال سنة 2023 ما مجموعه 35 ألف و355 طفلا    كيوسك الثلاثاء | ثلث الشباب المغاربة يفكرون في الهجرة    اجتماع يُنهي أزمة فريق المغرب التطواني    العصبة تعلن عن برنامج الجولة الأخيرة من بطولة القسم الثاني    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    الحكومة التركية تدرس ضريبة جديدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    اسعار الاضاحي تفسد فرحة العيد وأسر تفكر في الاستغناء عن شعيرة الاضحية    الركراكي يتقدم بطلب خاص للصحافة قبل مواجهة الكونغو    الحج ب "التهريب": "اضطررنا إلى التحايل لأداء الفريضة"    مديرية الحموشي توضح بشأن فيديو "ابتزاز شرطي لمبحوث عنه"    ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي للأحداث    سيدة أعمال تعلن ترشحها لانتخابات الرئاسة الجزائرية    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا عليّ .. إنّ فيك شبهاً من عيسى ..

الاحتفاء بالمناسبات الدينية أو الأممية فرصة لإنعاش الذاكرة بالنبش في قديمها لنأتي منها بجديد متجدّد .. في ذكرى مولد الإمام علي بن أبي طالب فتّشت في ذاكرتي ونبشت في كتبي لعلّي أقرأ ما لم أقرأه من صفحات حياة هذا العظيم الذي خدم الإنسانية ولازال بفكره وشخصيته الفريدة .. فكان هذا المقال.
سُئل: كيف تعرّفت على شخصية الإمام علي، متى وأين؟
فأجاب بإسهاب: تلقّيت دراستي في بلدتي (مرجعيّون) التي عُرف أبناؤها بميلهم الشديد إلى العلم، وكنت أحياناً أهرب من المدرسة عندما أستطيع الهروب وأحمل معي كتابين هما ديوان المتنبي، ومجمع البحرين، وألجأ إلى كنف من أكناف الطبيعة الجميلة حيث أجلس تحت شجرة ظليلة أو على مقربة من مياه جارية، وأقرأ هذين الكتابين بنهم، وذات مرّة رآني شقيقي في هذه الحال فشجعني على المضي فيما أنا فيه ولو اضطررت للهروب من المدرسة أحياناً، ثم جاءني بكتاب "نهج البلاغة" وقال لي: أدرس هذا الكتاب واحفظ منه كل ما تستطيع حفظه فإنّ فيه الخير كلّ الخير .. أضف إلى ذلك أنّ لشقيقي قصائد كثيرة في الإمام علي يتحدث فيها عن سموّ فكره، وعظمة مبادئه الإنسانية، وكنت أصغي إليها باهتمام وهو ينشدها على زائريه، فرسخت صورته في مخيلتي من الصغر كما ترسخ في مخيّلة الطفل الأقوال والأعمال والصور التي تؤثّر فيه".
كان حصيلة هذه النصيحة الذهبية أن ألّف المفكّر والكاتب المسيحي "جورج جرداق" ستة مجلّدات عن الإمام علي قد تكون أفضل مما كتبه أكثر المسلمين عنه بالنظر إلى موضوعية الطرح وعلميته بعيداً عن العواطف الولائية أو التشنّجات المذهبية التي اختصرت حياة الإمام وفكره في زمان ومكان وحادثة معيّنة مرتكبة بذلك أكبر ظلم في حقه باسم الموالاة والانتماء وربما الدفاع عن الحقيقة، بينما حبّ جورج جرداق للحقيقة الأشمل والأتمّ دفعه لتأليف "كتاب موسوعي يكون فيه بعض الإحاطة بهذه الشخصية العظيمة وبعض الإنصاف لها، واستدراك ما أهمله المؤلّفون الذين كتبوا عنه بدوافع لا علاقة لها بالموضوعية التي تدور في نطاق الفكر العلوي بحدّ ذاته، وبنظرة الإمام إلى معنى الوجود ونواميسه الثابتة، وشروط الحياة التي لابد من إجرائها في المجتمع الإنساني ليكون مجتمعاً سليماً في تركيبه، معافى في مسيرته، كريماً في غايته .. " بحسب تعبير الكاتب.
والسؤال الآن: كيف عرّف المسلمون أبناءهم وإخوانهم في المذاهب الأخرى وفي الإنسانية بمبادئ الإمام علي؟!
أكثر ما تعلّمناه في طفولتنا عن الإمام هو الروايات التي تثبت أحقّيته في الخلافة من قبيل "من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه"، و"عليّ مع الحق يدور حيث دار"، و"أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وإن حفظنا أيّة مقولة للصحابة ففيما له علاقة بنفس الموضوع كمقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب "لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن" وغيرها، كما تعلّمنا بأنّ أفضل كلام بعد القرآن وأقوال رسول الله (ص) هو كلام الإمام علي المدوّن في نهج البلاغة، ولكن .. كما بقي كلام الله مغلقاً عن الأفهام ومحيّرا لدارسيه بعد أن أصبح المفسّرون هم الباب الذي منه يؤتى القرآن، وأحاديث رسول الله التي تحمل كل قيم الخلاص من نكبات العصر من دعوات للعيش المشترك والتسامح والمحبة يُضرب بها عرض الحائط، فكذلك بقي كتاب "نهج البلاغة" (خاصّاً) بفئة دون أخرى يستغلّه بعضُ المستأكلين بالدين فيكرّرون حكمه العالية المضامين لينثروا التراب في عيون الناس، فما تزال تسمع الذين يأكلون حقوق الناس وأموالهم، والمتكالبين على الدنيا يذكرون مقولة الإمام عليّ لابن عباس حين سأله عن قيمة نعله التي كان يخصفها وهو خليفة المسلمين: "لهي أحبّ إليّ من إمرتكم هذه، إلاّ أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"، أيّ أنه لم يقبل الخلافة إلاّ لأجل إعادة الحقوق إلى أهلها، بينما واقع المتشدّقين بأقواله يشهد أنهم إنما اعتلوا مناصبهم حبّاً في الدنيا وتعلّقاً بزخرفها وزبرجها.
إنّ ما دعا إليه الإمام علي (ع) بمبادئه وسيرته وحكمه يتجاوز حدود الزمان والمكان إلى كل زمان ومكان، فكما كانت مبادئه تصلح لزمانه فقدّرها أصحابه آنذاك حقّ قدرها وأخذ كلٌّ منهم منها بحسب حاجته، فقد استوعب عمق أفكاره وسعة أفقه عدد كبير من المفكّرين المسيحيين كميخائيل نعيمة وجبران وغيرهما، وفي العام 2002 دعت المنظمة العالمية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدول العربية إلى اتّخاذ الإمام علي بن أبي طالب مثلاً للاقتداء بنهجه الإنساني في الحكم المتحلّي بروح العدالة الاجتماعية.
لا أدري ما هو سرّ تعلّق بعض المفكّرين والأدباء والشعراء والقساوسة المسيحيين بنهج الإمام علي حتى يُذكر أنّ أوّل نسخة من موسوعة جورج جرداق عن الإمام علي طُبعت على نفقة راهب مسيحيّ لبناني، وقد علّقت إحدى الكنائس في إيطاليا صورة للإمام علي في مدخلها، أهو نهجه الإنساني وإشاعته لسياسة العدل والمساواة بين أبناء الأمة بغضّ النظر عن دينهم ومذهبهم ولغتهم ولون بشرتهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية الذي بدأ في تطبيقه أيام خلافته حيث كان يؤكّد دائماً على معاملة المواطنين من غير المسلمين بالبرّ والإحسان، وعلى ضرورة مساواة اليهود والنصارى بالمسلمين في الحقوق والواجبات، ولعلّ مفتاح كلّ ذلك يكمن فيما يؤثر عن رسول الله (ص) حين نظر ذات مرّة إلى عليّ، وهو أعرف الخلق بطويّته وحقيقته وقال له: "يا عليّ، إنّ فيك شبهاً من عيسى بن مريم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.