شكلت الألعاب التقليدية إحدى مظاهر الثقافة الشعبية التي تميز حياة الشعوب ، فهي حالة ابداعية تعبر عن أحاسيس وما يعتمل داخل وجدان المجتمع، كما تعكس في أحايين أخرى شخصية ذلك المجتمع وهويته وخصوصيته. في هذا السياق تندرج هذه المحاولة والتي نروم من خلالها استعراض بعض الألعاب التقليدية التي ميزت الموروث الثقافي الشعبي، وما احتفظت به الذاكرة في واحة الجرف، غير أن أهم ملاحظة يمكن إبداؤها بهذا الخصوص مع، نوع من الحسرة، هو الانقراض التام للألعاب التي سوف نأتي على ذكرها، حيث لم يعد لها وجود في الفترة الراهنة نظرا للتحولات التي شهدتها الواحة في سياق المتغيرات العالمية، وتأثيراتها القوية على كل ماهو وطني وجهوي واقليمي ومحلي. ونخص بالذكرالألعاب العصرية التي انتجتها التكنولوجيا الحديثة. فماهي أبرز الألعاب التي أبدعها الانسان الجرفي؟ يمكن التمييز بين تلك الألعاب بين ألعاب جماعية وأخرى فردية همت الذكور والإناث على حد سواء، ولعل من ابرزها و التي كانت حكرا في أدائها على الذكور: - رادوز: تندرج ضمن الألعاب الجماعية التي اكتست طابع القوة والعنف، نظرا لكونها تقوم على مواجهة بين شخصين أو فريقين تستعمل فيها الأرجل للركل، وتوجيه ضربات قوية، قد تمس أجزاءا حساسة من الجسم وتؤدي الى الموت أو الاصابة بعاهة. ذلك أن كل طرف يستعرض قواه الجسمانية، وذكاءه في توجيه الركلات. لكن عندما يحس كل طرف بقوة الآخر فإنه يجلس على الأرض ومن تم يحرم لمسه، وتشكل أحد الشروط التي يتم الاتفاق عليها قبل انطلاق اللعبة. - الكرة والكرنفة: تدخل هذه اللعبة كذلك ضمن الألعاب التي اختصت بها فئة الذكور، وتقوم هي الأخرى على استعراض القوة، وتنبني على وجود فرقتين من ثلاثة أفراد كحد أدنى، وتتفقان على وضع كرنافة (وهي الجزء الخشبي من الجريد والقاعدة الملتصقة بالنخلة) وتثبيتها في وسط مساحة محددة سلفا تفوق الثلاث أمتار على الأكثر. تنطلق اللعبة بتوجيه قذفات قوية باستعمال اليد وبواسطة كرة مصنوعة من أطراف ثوب بالية لاسقاط الكرنافة، والهدف من وراء تلك القذفات هو ابعادها لمسافة بعيدة عن مركزها الأصلي حتى لايتمكن الخصم من الوصول اليها، وفي هذه الحالة ينام أحد أفراد الفرقة الأخرى(الخصم) على بطنه من مركز الكرنافة ويمتد طولا لتحصيلها وأخذها، وفي حالة اخفاقه ينضم زميل له بالوضعية نفسها للامساك بها، وبالتالي يفقد الفريق أحد أعضائه وتسمى ب "سقطت قامةّّّ" للاشارة فهذه اللعبة كانت تجرى داخل فضاءات القصر (تجمع سكني ومعمار مبني بالطوب والطين يخص الواحات) خاصة في أماكن الجلوس والمعروفة بلغة أهل البلد ب "الدكانة" ( كراسي طينية )، وأمام أعين اعداد كبيرة من المتفرجين الذين غالبا ما يرفعون شعارات من قبيل "عينو عورة صبعو منخور" لإرباك صاحب محاولة اسقاط الكرنافة. - شانكير: تقتضي هذه اللعبة وجود شخصين متنافسين، الأول يضع قطعة خشبية لا يتجاوز طولها 30 سنتمترا فوق حجرتين متباعدتين بمسافة طول تلك القطعة الخشبية، يعمل على رفعها بواسطة عصا ورميها بعيدا بينما الشخص الثاني يبقى أمام الأول على مسافة محددة، محاولا الامساك بتلك بالقطعة ، وقبل عملية الرمي يتبادل الطرفان لازمة وهي: يقول الأول: شانكير. الثاني: ربي. الأول: العالي الفوقاني. لتبدأ اللعبة، حيث يقوم الأول بضرب القطعة المذكورة – بعد عد من 1 إلى 10- في أحد رأسيها لكي ترتفع عن الأرض ويسهل إبعادها لمسافة طويلة، بينما الثاني يحاول التقاطها، وكلما ابتعدت تلك القطعة تكون في صالح الأول الذي سوف يحمل على ظهر الثاني وهنا تكمن متعة اللعبة. - انتما لينا واحنا ليكو: لعبة شيقة تدور أطوارها بين فريقين، وفي فترة محددة وهي فترة الليل، ويكمن مضمونها في وقوف الفريق الأول على طول أحد جدران القصر ( حائط ) لحراسته من اختراق الفريق الثاني الذي يعمل على اخفاء أحد أفراده بطرق متنوعة وتمويه الفريق الأول حتى يتمكن من التسلل الى الحائط المحروس ولمسه، ومن تم الاعلان عن الفوز. تبقى الاشارة الى أنه في حالة اندفاع الفريق الثاني اتجاه الفريق الأول يردد عبارة "انتما لينا واحنا ليكو". - الدار والبيرو: لعبة جماعية بين فريقين تبدأ بتحديد كل منهما اطارين يتخذان شكل مربع كبير، يعرف بالدار(منزل) والبيرو(مكان احتجاز وسجن)، فبالنسبة للاطار الأول "الدار" تضم أعضاءا يحاولون الخروج منها جريا والعودة إليها، بينما أعضاء الإطار الثاني "البيرو" يحاولون الامساك بعناصر" الدار" واحتجازهم في البيرو المذكور، وكلما تم القبض على تلك العناصر، تتعدد محاولات الطرف الأول للإفراج عن زملائهم باستعمال العديد من الحيل خاصة أثناء عملية الجري. - حيط مندا ايديك لدا: تستوجب هذه اللعبة وجود ثلا ث أفراد، إثنان يحملان الثالث بشكل طولي رجلاه فوق كتف الأول ورأسه على كتف الثاني الذي يضع يديه على أعين الثالث المحمول، ثم يبدآن بالدوران لتدويخه، بعد ذلك يتوجهان به للتعرف على مجموعة من الأماكن انطلاقا من الرجلين، فإن أفلح في معرفة المكان الذي تلمسته الأرجل فيبقى محمولا إلى أن يخطئ، لتبدأ عملية التناوب على اللعبة بين الأطراف الثلاثة. - اكلينا البيض واخلينا القشور: تندرج هذه اللعبة ضمن لعبة الغميضة، حيث يتم اقتراح شخص يضع يديه على عينيه متكئا على حائط، بينما زملاؤه ينتشرون في مجال محدد، ويختبؤون فيه ويقومون بوضع كريات من التراب تسمى"البيض" وبنائها في مواضع لا تخطر ببال، وبعد انتهائهم من هذه العملية، يفك الشخص عن عينه ويبدأ في البحث عن تلك الكريات (البيض) لهدمها (تكسيرها). وعندما يظن انه افلح في عمله، قد يفاجئه الآخرون بكريات (بيضات) لم يصل إليها، ومن ثم تبدأ عملية حسب وعد تلك الكريات. وبالتالي إعادة اللعبة من جديد وترشيح آخر لإغماض عينيه. - الكاربيل: عبارة عن قطعة من مادة متفجرة، يتم وضعها في حفرة صغيرة مملوءة بالماء، حيث تبدأ في عملية الانصهار وفرز مادة غازية، يتم تجميعها بوضع علبة أسطوانية الشكل تنسجم مع عرض الحفرة، وإحداث ثقب في القعر الآخر من تلك العلبة، وهنا يقوم أحد الأشخاص بوضع أصبعه في هذا الثقب حتى لاتنفذ المادة الغازية، فيقدم شخص آخر على وضع فتيلة من النار مكان الأصبع، مما يؤدي إلى إحداث انفجار يدفع بالعلبة الى السماء. - الداما: يمكن التمييز فيها بين 3 أنواع: داما "عادية" وهي عبارة عن تقاطع 5 خطوط عمودية ب 5 خطوط أفقية للحصول على مربعات، يتم استغلال رؤوسها من طرف لاعبين بوضع بيادق غالبا ما تكون من العلف (نواة التمر) وقطع من الحجر الصغير يتم تحريكها داخل الشكل المحصل عليه، تبقى الإشارة إلى أن كل طرف يستغل 12 رأس لمربعات الشكل، ويبقى رأس فارغ هو الذي يسمح بهامش التحرك. ثم "شابحة" تشبه الداما السابقة في عدد الخطوط وطريقة اللعب، لكنها تتميز بإضافة خطين متلاقين ينطلقان من الرؤوس الكبرى للشكل الأول، ثم وضع 4 خطوط جديدة على شكل معين تنطلق من نقط تلاقي الخطوط الوسطى أفقيا وعموديا. والنوع الثالث "دكة" وهي عبارة عن 3 مربعات الواحد داخل الاخر، وتقوم على وجود خصمين لدى كل واحد 3 بيادق، ويكمن مضمون اللعبة في استغلال أضلاع المربعات ورؤوسها لتكون البيادق في مستوى واحد سواء في الأضلاع أو في الرؤوس، ثم محاصرة كل طرف للاخر وتضييق هامش التحرك، لكن هذه العمليات تتطلب مجهودا ذهنيا كبيرا من كلا الطرفين، وغالبا ماكانت هذه اللعبة تستقطب خضورا كبيرا ينقسم بين الخصمين. من جهة اخرى، تميزت الألعاب التي تهم المرأة بالواحة بخصوصيتها ومحدوديتها، نظرا لطابع المحافظة وسيادة الثقافة البطريركية التي تهيمن على أغلب الأسر الجرفية أحيانا، ثم الأعمال المتنوعة التي كانت تقوم بها سواء داخل البيت أو خارجه في أحايين أخرى، ولعل من أهم هذه الألعاب نشير إلى: - الستوت أو السيوك: عبارة عن قطع خشبية يتم استخلاصها من جريد النخيل، وتقطع بشكل متواز يصل طولها 30 سنتيمترا، ويصل عددها أحيانا الى 6، ومن مميزات هذه "الستوت" او "السيوك" كونها تتخذ لونين اخضر(الظهر) وابيض (البطن) الذين يحددان طريقة اللعب ، خاصة وأن اللعبة تقوم على تجميع الستوت في اليد الواحدة، ورميها على الأرض للكشف عن طبيعة اللون الذي سوف تظهر عليه والمحدد سلفا من طرف المتباريات، حتى وإن ظهرت جميعها بلون واحد آنئذ تلقب صاحبة المحاولة ب "سلطانة". - الكعاب: تعتمد هذه اللعبة على عظام صغيرة مكعبة الشكل تجمعها النسوة في اليوم الثاني من عيد الأضحى، وهو اليوم المعروف ب " التشراح" أثناء عملية تقطيع لحوم أضحية العيد. ويصل عددها مابين 4 و8 تشبه الى حد ما لعبة السيوك خاصة في الرمي، وانتظار الصورة التي ستظهر عليها تلك الكعاب، هل هي واقفة ام العكس انطلاقا من الضوابط التي تحددها اللاعبات. - الكروط: قطع من الحجر الصغيرة الحجم احتكرت الاناث هذه اللعبة، على الرغم من أن الذكور كانوا يلعبونها من حين الى آخر، تشارك فيها من 2 الى 4 لاعبات وتساهمن ب 10 "كروط"التي ترمى على ظهر اليد، ويتم الامساك بما علق فوقها، ثم بعد ذلك البدء في التقاط الأحجار (الكروط) الموجودة على الأرض واحدة تلوى الأخرى بدفع "كرط" الى أعلى، وعندما يتم لمس أحد الكروط غير المستهدفة، تكون اللاعبة قد أخطأت، ليأتي الدور على المتبارية الأخرى. - السماطي: يمكن ادخال هذه اللعبة ضمن المراهنات في مستوياتها البسيطة، حيث يتم استغلال كمية من التراب وتدفن فيها "المقابط"(قطع حديدية يشد بها شعر المرأة) و"المساسيك"(قطع حديدية يشد بها غطاء الرأس) ثم تقوم إحداهن بتوزيع تلك الكمية من التراب الى أجزاء حسب عدد المشاركات، فتختار كل واحدة منهن جزءا، ولها ماحصلت عليه. خلاصة القول، أن هذه المحاولة المتواضعة وضعت الأصبع على واحد من الموضوعات التي لم تستأثر بالعناية اللازمة، وبالمتابعة الدقيقة خاصة على مستوى جمع وتدوين جزء هام من تراث واحة الجرف والتي يبقى موضوع الألعاب احد أضلاعها.