أثبتت الكوارث التي تعرض لها المغرب في السنين الأخيرة أن الحكومة تجهل بالمطلق حالتي الاستثناء والطوارئ، وأكدت أنها حكومة لا يمكن أن تعمل وتتحرك إلا في الظروف العادية. ورغم أن الحكومة تزعم أنها نابعة من صناديق الاقتراع أي أنها تمثل الشعب فإنها لا تفكر في إستراتيجية إنقاذ في حالة تعرضه لكوارث طبيعية أو غيرها. فالحكومات الديمقراطية تضع دائما في حسبانها خطة لمواجهة الطوارئ،وتقوم بتضمين الميزانية العامة بندا يتعلق بمواجهة الأخطار، إلا في المغرب فإن الحديث عن الكوارث ظرفي ووظيفي؛ ظرفي يرتبط بحدوث الكوارث،ووظيفي لأنه يسعى إلى إسكات الأصوات المتعالية ضد تهاون الحكومة. عند الحديث عن حالتي الطوارئ والاستثناء يتبادر إلى الذهن إقدام الملك الراحل الحسن الثاني على حل البرلمان سنة 1965 عقب أحداث 23 مارس الدامية بالدارالبيضاء،وتعليق العمل بالدستور وتجميد الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لكن لم تصل الحالة إلى حالة طوارئ يتم فيها إلغاء القانون المدني،وإعلان أحكام عرفية وإن كانت التجاوزات التي مورست شبيهة بذلك، كما ارتبطت حالتي الاستثناء والطوارئ بالفترة التي أعقبت انقلابي الصخيرات سنة 1971 وانقلاب الطائرة سنة 1972. لكن اليوم مع امتناع حدوث مثل هاته الوقائع نظرا للتطور الذي عرفه المغرب سياسيا واجتماعيا فإنه لا ينبغي أن ننسى أن حالتي الطوارئ والاستثناء تعلن بدون رغبتنا وتفرضها علينا التحولات المناخية والطبيعية،وقد تفرضها في وقت لاحق الجيوبوليتيك. فماذا أعدت الحكومة لحالتي الاستثناء والطوارئ؟ يؤكد الخبراء أن المخزون الاستراتيجي من الحبوب في المغرب لا يتجاوز 22 يوما أي بتأخر 68 يوما عن المخزون الاستراتيجي العادي الذي حددتها الأممالمتحدة والمتمثل في ثلاثة أشهر، بمعنى أن أي تحول في الملاحة الدولية، التي هي سريعة التأثر بالمتغيرات الإقليمية والدولية يهدد المغاربة بالجوع، لا يخفى على أحد أن التحولات تفرض الرفع من قيمة التأمين على السفن الذي يحيل بدوره إلى الرفع من قيمة الشحن التي تعني في المحصلة الرفع من ثمن الحبوب الذي يمكن أن يصبح باهظا. فهل يعقل أن تغض الحكومة الطرف عن موضوع مهم يمس كافة الشرائح الاجتماعية دون أن تجد له حلا؟ ولا يتجاوز المخزون الاستراتيجي من المحروقات بالمغرب أربعة أيام بتأخر كبير عن المخزون العادي. يقول خبير في شؤون النفط "نظرا لارتفاع الاستهلاك اليومي للدول فإنها تحتاج إلى تكوين ما يسمى بالاحتياطي الاستراتيجي من خلال تخزين النفط في مستودعات تخزين ضخمة تستوعب ملايين البراميل من النفط تمثل الاحتياطي الاستراتيجي لهذه الدول. هذا الاحتياطي الإستراتيجي يوفر ميزة استقرار الإمدادات في مواجهة أي نقص طارئ للعرض من النفط أو اضطرابات سياسية أو بيئية في مناطق إنتاج النفط. إلا أن هذا المخزون الإستراتيجي أصبح من محددات الأسعار اليومية للنفط الخام، بصورة عكسية، أي أنه عندما تميل كميات المخزون الإستراتيجي إلى التزايد، فإن أسعار النفط الخام تميل نحو الانخفاض والعكس. تملك الولاياتالمتحدة أكبر مخزون استراتيجي من النفط في العالم يبلغ 727 مليون برميل وهو ما يكفي استهلاكها لمدة 62 يوما. وتخطط الولاياتالمتحدة إلى رفع هذا المخزون الاستراتيجي إلى حوالي مليار برميل، وهو ما يكفي استهلاكها لمدة 85 يوما. وهو ما سيمكن الولاياتالمتحدة من سحب حوالي 44 مليون برميل يوميا في حالة حدوث أي طوارئ، مثل أوقات عاصفة الصحراء وإعصار كاترينا، والتي يمكن أن تؤثر على إمدادات النفط. الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط، دخلت على خط بناء مخزون استراتيجي منذ 2004. ويبلغ المخزون الإستراتيجي من النفط في الصين حوالي 272 مليون برميل، والتي يمكن أن تكفي استهلاك 30 يوما في الصين. وتخطط الصين حاليا لرفع مخزونها الإستراتيجي بما يكفي استهلاكها لمدة 100 يوم. أكبر مخزون إستراتيجي من النفط كنسبة من الاستهلاك السنوي يوجد في اليابان حيث يكفي المخزون الإستراتيجي اليابان لتغطية استهلاكها لمدة 82 يوما حاليا. الهند تملك مخزونا إستراتيجيا يكفيها حاليا لمدة أسبوعين، وهي تخطط حاليا لرفع هذا المخزون لمدة 45 يوما بحلول عام 2012. ولنلاحظ جيدا الفرق الشاسع بيننا وبين دول العالم، وهو فارق لا يمكن سده إلا بخطة للطوارئ. ركزنا على المخزون الاستراتيجي من الحبوب والمحروقات لأنهما عصب الحياة اليوم لكن المخزونات الإستراتيجية بالمغرب كلها أرقام متدنية جدا. والمؤسف أن الحكومة لا تضعها في الحسبان. عند حدوث أي كارثة ينبري الوزراء للحديث عن خطة لتجاوز الكارثة لكن بعد أن تعود الأوضاع لطبيعتها يعود الوزراء لمكاتبهم ويطوون صفحة مليئة بالمآسي،ولا يفتحوها إلا بوقوع كارثة أخرى. نتذكر جيدا فيضانات طنجة التي وقعت السنة الماضية،والتي خلفت خسائر فادحة في الحي الصناعي تكلفت خزينة الدولة بتعويض المتضررين، لكن فيضانات هذه السنة أعادت السيناريو نفسه، المشاهد نفسها والشكايات نفسها والخسائر كذلك. فأين الخطة التي تم الحديث عنها السنة الماضية؟ لهذا نقول إن حكومة عباس الفاسي تجهل حالتي الاستثناء والطوارئ.