لم يكن حسن أوريد، المبعد من منصب مؤرخ المملكة أخيرا، يعتقد أنه يسير في المنحدر الخطير وكل ما ظنه صعودا نحو القمة لم يكن إلا وهما، لأن للصعود شروطه التي فقدها ذات زمان رأى فيه ذاته في مرآة منكسرة فخال نفسه فوق الجميع وأكبر من كل العاملين بدار المخزن وكل محيط الملك وكل الوزراء وكل الديبلوماسيين. فقدره أن يكون مغضوبا عليه. بدأ مشواره المهني بغضبة كبيرة لسفير المغرب بواشنطن محمد بنعيسى الذي طلب من الملك الراحل الحسن الثاني إبعاده عن السفارة لأن مزاجيته لا تنسجم مع العمل المطلوب من الهيئة الديبلوماسية كما أن غروره حال دون أن يربط علاقات قوية مع محيط العمل، ولم يتمكن من التأقلم مع العمل الديبلوماسي الذي من شروطه حسن الإصغاء للآخر كبر شأنه أو دنا لكن لأن موظف السفارة المغربية بواشنطن كان يعتبر نفسه أذكى من الجميع فإنه حاد عن كل الخطوط المرسومة التي لم يتحملها الراحل الحسن الثاني ولم يتحمل عجرفته، فلم يعد أمام وزارة الخارجية سوى إبعاده عن مكاتبها. بعد أن عاد للمغرب عاطلا عن العمل اشتغل بأجور زهيدة في بعض المجلات والجرائد على سبيل الحالة الاجتماعية. وبعد تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم حاول أن يمكن زملاءه في الدراسة من الانخراط في العمل داخل دواليب الدولة وقريبا منه ليكونوا بديلا عن رجالات الدولة الذين عملوا مع الملك الراحل الحسن الثاني وكي يهيئهم للتشبت بالتقاليد المرعية للدولة العلوية، فكان أن عين حسن أوريد ناطقا رسميا باسم القصر الملكي وهو المنصب الذي أنشأه جلالة الملك لأول مرة في تاريخ الدولة العلوية. وكانت مفاجأة محيط الملك أن أوريد لم يفهم مغزى ودلالات الناطق الرسمي. ولم يستفد من الضربة التي تلقاها بواشنطن فواصل غروره وعنجهيته فلم يعد، حسب ما أسر به مسؤول في الدولة، يرد على المكالمات الهاتفية لمستشاري الملك والوزراء بدعوى أن مستواه فوق مستوى كل المسؤولين وبالتالي لا ينبغي أن يحظوا بشرف الحديث إليه، فأكدت زلات لسانه والأخطاء التي ارتكبها عندما تقلد هذه المسؤولية أنه لم يحقق المرجو من هذه المهمة. ولأن حسن أوريد لم يستوعب معنى وجوده في مربع الملك فقد هاجم خلال مهرجان موسيقى الصحراء الذي ينظمه بمسقط رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي أثناء حرب العراق الثالثة دون أن يعي تبعات الهجوم على دول لها علاقات ديبلوماسية واقتصادية مع المغرب. حسن أوريد الذي ألف خلط الأوراق أسس مركز طارق بن زياد وبدل توظيفه لتحقيق الإقلاع الثقافي والفكري وتمكينه من أن يصبح قوة اقتراحية حوله إلى مركز تجاري لإنتاج الأشرطة السمعية البصرية والكتب بدعم من دول البترودولار التي يناهضها كما يدعي، ومزيدا من خلط الأوراق حاول اختراق مجموعة من الصحف الوطنية ليحولها إلى ذراع وسلطة بيده ليحارب بها خصومه المفترضين. وكحالة إنسانية تم تعيينه واليا على جهة مكناس تافيلالت، وهي التجربة التي يتذكرها المكناسيون كأسوأ تجربة في تاريخهم حيث تراجعت على كافة المستويات وخصوصا مستوى الاستثمار الذي عرقله بشكل كبير باستثناء الاستثمارات التي تعود إلى صديقه أبو بكر بلكورة، الذي ما زال يجالسه في إحدى مقاهي حي الرياض بالرباط، الذي حظي برخص استثنائية لا عد لها، فحول مكناس كلها إلى بناءات عشوائية. وبعد تكاثر الشكايات ضده وبعد محاكمة صديقه بلكورة وبعد تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية تمت إقالته من منصبه. ولأن حسن أوريد من خريجي المدرسة المولوية فقد تم تعيينه مؤرخا للملكة، إلا أن )المفكر( حسن أوريد لم يفهم دلالات ومغزى مؤرخ المملكة وهي التي أعاد التأكيد عليها بيان الديوان الملكي حول تعيين عبد الحق لمريني مؤرخا للمملكة. فمنذ تعيينه في منصب مؤرخ المملكة لم نسمع عن مؤسسة المؤرخ أي شيء ولم نسمع أي مجهود لتطوير المؤسسة وإعادة هيكلتها وفق رغبة جلالة الملك ووفق ما تتطلبه المتغيرات الحالية، لم يقم بأي شيء من المطلوب منه لأنه اعتبر نفسه مرة أخرى فوق مؤسسة مؤرخ المملكة وأكبر من مستشاري الملك والوزراء. فماذا أعطى أوريد للفكر الإنساني والثقافة المغربية حتى يظن نفسه فوق الجميع؟ فالنقاد والباحثون الذين قرؤوا كتاباته، التي اعتبر بعضها رواية وبعضها شعرا وأخرى نصوصا ودراسات، يقولون إنها بضاعة تافهة ليس فيها من الإبداع شيئا سوى غرور صاحبها بل قالوا إن جلها إن لم نقل كلها مستنسخة من كتابات مفكرين غربيين وباحثين مغاربة سطا عليها في ظروف غامضة. وتخلص القراءة الأولية لأفكاره أنه ناسخ سيء للفكر العدمي في نقده للحضارة فقصارى ما قام به وما يروج له حول الحضارة هو ما وصل إليه أليكسيس كاريل في كتابه "الإنسان ذلك المجهول" والتي روج لها محمد قطب في كتابه "جاهلية القرن العشرين" فهل أوريد يميل إلى الفكر المتطرف أم أن النسخ السيء كشف عورة المفكر التقدمي؟