خصص الخطاب الملكي حيزا مهما لتدبير الحقل الديني، هذا الورش الذي يحاول المغرب من خلاله خلق نموذج خاص، قابل لخلق التوازن والأمن الروحيين في البلاد في مواجهة خطاب الغلو والتطرف والظلامية... وهو نموذج قابل أيضا للتصدير إلى البلدان المجاورة لما يتمتع به من توازن يخدم الديني ولا يعرقل المدني… توجه المغرب في الحقل الديني يرجع بنا إلى ورقة الديموقراطية، التي يحاول البعض رفعها في وجه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق، وفي وجه الظهير المنظم للقيمين الدينيين، وهي ليست سوى ذريعة خبيثة لمواجهة قرار طالب به الديموقراطيون الحقيقيون منذ مدة، هو الفصل بين ماهو سياسي وما هو ديني. الذين يرفعون هذا الشعار في وجه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو معظمهم، لا يؤمنون أصلا بشيء اسمه ديموقراطية، بل يعتبرونها بدعة وكفرا وخروجا عن الملة، وهجومهم على التوفيق إما نابع من تطرف في الدين، وتبعية لتيارات دينية إخوانية أو نصروية أو داعشية أو غيرها، أو من مصلحة دنيوية مادية يوظفون فيها الدين. الديموقراطية، التي يرفع شعارها اليوم مناهضو إصلاح الحقل الديني، هي كمفهوم وكنظام حكم، تقوم على الفصل بين الديني والسياسي. هذا الفصل هو المطلب الذي يرفعه الديموقراطيون من أجل ممارسة سياسية تتكافأ فيها الفرص وترتبط فيها المسؤولية بالمحاسبة، ويبتعد عنها المقدس الذي يكبلها وتكبله، ويفسدها وتفسده. هي العلمانية أو اللائكية أو سمها ما شئت، والتي يهاجمها الإخوان بدعوى كونها تحارب التدين، في حين لنواياهم أهداف أخرى مرتبطة أصلا بأصوات المواطنين في الإنتخابات، وذلك من خلال استعمالهم للمساجد وللمناسبات الدينية في لعبة لا تحترم المنطق السياسي والحزبي... فصل الدين عن السياسة في النموذج المغربي لا يمس بالتدين، بقدر ما هو تنظيم للديني والسياسي في نفس الوقت، وتدعيم بالخصوص للممارسة الديموقراطية التي يرغب المغاربة في تطبيقها، ليس فقط في جانبها التقني المتمثل في المشاركة في الإقتراع، ولكن أيضا في جانبها القيمي المبني على التعايش والتسامح والمساواة والعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص والتمتع بالحقوق المدنية بكل تجلياتها.