تلتقي المنظمة العالمية للتجارة من جديد بمراكش للاحتفاء بمرور 20 سنة على تأسيسها ولتقديم معالم رؤية جديدة حول النظام التجاري متعدد الأطراف بما يجعل هذا النظام أكثر انفتاحا وإنصافا. وتزداد رمزية الحدث بتنظيمه بالمدينة الحمراء التي خرج من رحمها الاتفاق المعلن لإحداث هذه المؤسسة الدولية القوية، والتي تتولى لوحدها مهام التشريع والتقنين وحل النزاعات بين الأطراف في الاقتصاد العالمي. ولم تتأخر المنظمة التي أنشئت في فاتح يناير 1995 في سياق المؤتمر التاريخي لمراكش لتكون هياة للتفاوض حول القوانين الدولية، في الاصطدام بوجهات النظر المتباينة لأعضائها حول تحرير الخدمات ودعم المنتجات الفلاحية من بين قضايا أخرى. ويعتبر مؤسس مركز التفكير الأوروبي، "أوروبا نوفا"، غيوم كلوسا، أن المنظمة أسست "في الأصل، لتحل محل الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) لإيجاد معاير كفيلة بتعويض الاتفاقات التجارية الثنائية". ولكافة الدول الحق التام في الاستفادة من نفس الشروط التجارية عدا بعض الاستثناءات التي ينبغي أن تكون مبررة ومحددة في الزمن. وتعتبر المنظمة التي تتبنى مبدأ تحرير المبادلات أن التصدير محرك للنمو وفرص الشغل. وتشتغل المنظمة وفق منهجية ديمقراطية حيث لكل دولة صوت واحد بغض النظر عن ثقلها الاقتصادي أو السياسي. ويمكن اختزال مهمة المنظمة في بند "الدولة الأولى بالرعاية" الشهير وهو البند التي تمنح بموجبه الدولة المضيفة للأطراف المتعاقدة معها في اتفاقيات استثمار معاملة لا تقل تفضيلا عن تلك الممنوحة لدول أخرى بموجب معاهدات أخرى في المجالات عينها التي تغطيها. غير أن هذا البند يلاقي صعوبات في التنفيذ في ظل هيمنة الاتفاقات الثنائية على نظيراتها متعددة الأطراف. وحاليا، تسابق المنظمة الزمن لتتميم مفاوضات الدوحة المستمرة ل14 سنة، والمتعثرة بسبب تباين وجهات النظر بشأن الفلاحة والتناقضات بين الشمال والجنوب. ويضع هذا التباين في وجهات النظر مصداقية المنظمة العالمية للتجارة على المحك، غير أن التحدي الحقيقي يرتبط بالحكامة العالمية التي صارت مطلبا ملحا بعد الأزمة الاقتصادية بالخصوص. ومن اللافت للانتباه أن القوى الاقتصادية العالمية لا زالت تسعى للانضمام للمنظمة على غرار روسيا التي صارت العضو 156 فيها في غشت 2012، عشر سنوات بعد انضمام الصين. وبنبرة متفائلة يعتبر المحلل الاقتصادي، دان إيكونسون، عن مركز التفكير الأمريكي "كاتو إنستيتيوت" ، أن الاتفاق العابر للمحيط الأطلسي بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي يمكن أن يشكل الشرارة اللازمة لإنعاش مفاوضات الدوحة وتحقيق النجاح في اتفاق متعدد الأطراف جديد. ويشكل هذا الاتفاق التحدي الذي ينتظر مدير المنظمة روبرتو أزيفيدو بعد تحد ناجح يتمثل في المؤتمر الوزاري الذي عقد في دجنبر 2013 ببالي وتوج باتفاق بالي حول تيسير المبادلات. ويؤكد اتفاق بالي أن النظام التجاري متعدد الأطراف لا زال قائما وبأن المنظمة ما تزال قادرة على التصدي للسياسات الحمائية. وكان الرئيس السابق للمنظمة، الفرنسي باسكال لامي، نبه سلفه أزيفيدو إلى طبيعة عمل المنظمة بالقول إن " المنظمة تتحرك كناقلة نفط كبيرة ومديرها ليس قبطانها، وعليه أن يبذل قصارى جهده ليتغلب على ميل الدبلوماسيين إلى التسويف والمماطلة". ويجسد البرازيلي أزيفدو البروز القوي للدول الصاعدة في المبادلات التجارية الدولية. وبوجود 160 بلدا عضوا في المنظمة، يزداد إقرار مبدأ النظام التجاري متعدد الأطراف في العلاقات التجارية الدولية بالتوازي مع قيادة مفاوضات توافقية مع كل دولة عضو صعوبة، خاصة في ظل قدرة أي دولة، مهما كان حجمها الاقتصادي صغيرا، إجهاض الاتفاقات التي قد تراها لا تصب في مصلحتها. ويشارك في المؤتمر الوزاري والبرلماني لمراكش، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة مرور 20 سنة على تأسيس المنظمة العالمية للتجارة تحت شعار "20 سنة على تأسيس المنظمة العالمية للتجارة..احتفاء بالنجاحات وتفكير في تحديات المستقبل"، عدة وزراء أفارقة مكلفين بالتجارة. وسيناقش المؤتمر حصيلة 20 سنة من عمل المنظمة وإسهامها في اندماج إفريقيا في التجارة العالمية والمصادقة على اتفاق بالي المبرم في دجنبر 2013 حول تيسير المبادلات. شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)