مجددا، تثير أشغال تهيئة وتوسعة محطة القطار المدينة الجدل لدى الساكنة الرباطية وعدد من المنتخبين المحليين . وفضلا عن تأخر الأشغال وبطء وتيرتها، طفى إلى السطح، مرة أخرى، واحد من أبرز المشاكل، التي تعرقل هذه الأشغال وتكبح المضي قدما في إنجاز المشروع متمثلا في صعوبة إقناع المغرب لهيئة اليونيسكو بضرورة هدم جزء من سور الموحدين التاريخي المحاذي للمحطة لإحداث مدخل جديد . ولاحديث للرباطيين خلال الأسبوع الماضي، وخاصة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، سوى موضوع احتمال إقدام المكتب الوطني للسكك الحديدية، صاحب مشروع تهيئة وتوسعة محطة القطار المدينة، على هدم جزء من السور الموحدي الأثري الفاصل بين المحطة وحديقة ابن تومرت. وهو الأمر، الذي سارع المكتب إلى نفيه تهدئة للنفوس الغاضبة، من خلال تصريح لموقع القناة العمومية الثانية. وأمام استنكار الغاضبين من احتمال هدم السور التاريخي، الذي عمر لثمانية قرون من عهد الموحدي يعقوب المنصور، والمتخوفين من إقبار واحد من المعالم الهوياتية التاريخية للمدينة وذاكرتها التاريخية، خرج المكتب الوطني للسكك الحديدية ليعلن "نفيه القاطع" لهذا الخبر، الذي أكد أنه " لا أساس له من الصحة". وأوضح المكتب، على لسان أحد ممثليه في تصريح لموقع القناة الثانية، أن "المكتب مؤسسة مواطنة تحرص على الحفاظ على الهوية والتراث المعماري التاريخي للمدينة". وكانت تهيئة وتوسعة محطة القطار المدينة، وهي الأشغال المندرجة ضمن المشروع الضخم والمندمج " الرباط عاصمة الأنوار"، الذي كان أطلقه الملك محمد السادس سنة 2014، أثارت انتقاد هيئة اليونيسكو، بالنظر إلى أن السور الموحدي يشكل واحدا من المعالم، التي على أساسها تم تصنيف الرباط ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي، وهدمه يعني الإخلال بمقومات التصنيف. وراسلت الهيئة الثقافية التابعة للأمم المتحدة في 2019 السلطات المغربية محت ومعبرة عن "غضبها" من مجموع الأشغال المندرجة ضمن المشروع الملكي، والتي رأت فيها تغييرا لمعالم العاصمة، والتي قد تُفقدها بعضا من المقومات، التي على أساسها منحتها التصنيف . وبشأن تحديدا السور الموحدي، فقد أعربت الهيئة الأممية في تقريرها عن "الأسف" لكون مشروع تهيئة وتوسعة محطة القطار المدينة، يتضمن هدم جزء من السور لإحداث مدخل جديد مفضي إلى حديقة ابن تومرت . وأوضحت الهيئة الثقافية أنه كان "من الممكن إجراء تغييرات طفيفة على مشروع توسعة محطة السكة الحديد لتقليل تأثيره على أسوار المدينة". وفي 2020، تقدمت الجهات المختصة المغربية بتقرير تضمن مجموع ردودها وتوضيحاتها حول ملاحظات اليونيسكو، خاصة في ما يتعلق ببرج محمد السادس، الذي كان هو الآخر موضوع انتقاد، والسور الموحدي (الصفحة 26 من التقريرالذي يقع في 193صفحة) . وسعت الجهات المغربية المعنية إلى تبديد التوتر بينها وبين منظمة اليونيسكو، التي ترفض تليين موقفها الرافض لأي تعديلات من شأنها تغيير الطابع التاريخي للمدينة، والتي عللت موقفها المتشنج من عدد من المشاريع ، بعدم إخبارها المسبق بهذه التعديلات ونبهت إلى أنها كانت "ضحية صمت السلطات المعنية". وتفاعل المستشار الجماعي بمجلس مدينة الرباط، ممثل فيدرالية اليسار الديمقراطي، عمر الحياني، في تدوينة له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك. إذ كتب عمر الحياني :" لكل من يسأل عن مصير السور الموحدي المجاور لمحطة القطار الرباطالمدينة : بالفعل، كان من المقرر هدم جزء كبير من السور لفتح المدخل الرئيسي لمحطة القطار البشعة التي لا زالت في طور الإنجاز. إلا أن اعتراض اليونسكو على المشروع، في منطقة مصنفة تراثا عالميا، جعل السلطات تعيد النظر في بعض الجوانب، لا سيما هدم جزء من الثرات الموحدي". واستنكر عمر الحياني ما تضمنه تقرير السلطات المغربية المعنية الموجه لليونيسكو حيث وصف توضيحاتها ب"المخجلة" لما قالت إن "الخبرة المغربية في مجال التعامل مع تقييم الأثر على التراث ماتزال محدودة"، واستدركت "لكنها أصبحت الآن مكتسبة". إذ اعتبر المستشار الجماعي، والمهندس التكوين، أنه التبرير الذي ينتقص من خبرة المهندسين المعماريين المغاربة ومن قدرتهم على إبداع تصوات هندسية كفيلة باحترام الطابع التاريخي والتراثي للعاصمة ودمجه في الدينامية المعاصرة. وعاب المستشار على المكتب الوطني للسكك الحديدية، بوصفه صاحب المشروع، "صمته" و" التعتيم"، الذي يمارسه بشأن أشغال تهيئة وتوسعة محطة القطار المدينة بالرغم من الاحتجاجات العارمة على ما يتم تشييده الآن من هياكل حديدية، "استبشعتها" الساكنة الرباطية والوافدين عليها والمستعملين الأوفياء للمحطة، الذين يحنون لفضائها القديم البسيط والمندمج في المجال المعماري والحضري للمدينة. وفي هذا السياق، زاد عمر الحياني منبها :"لا نعرف لحد الساعة أي حل تم اختياره، لسبب بسيط هو أن السلطات و الONCF لا تناقش الأمر لا مع المنتخبين، ممثلي السكان، و لا مع الصحافة. يتكلمون فقط مع البراني. شكرا للبراني اللي حاضي لنا تراثنا المعماري". ويمتد السور الموحدي، الذي شيّده السلطان يعقوب المنصور الموحدي، من غرب إلى جنوب العاصمة على طول 2263 مترا وعرض 2.5 أمتار ويبلغ علوه 10 أمتار، وهو مدعم ب74 برجا، كما تتخلله 5 أبواب ضخمة، وفق معطيات وزارة الثقافة. وقد خضع السور التاريخي لعملية ترميم شاملة استغرقت شهورا طويلة، واستُثني فقط من عملية الترميم الجزء المحاذي لمحطة القطار الرباطالمدينة من جهة حديقة ابن تومرت، الواقعة بشارع ابن تومرت، مما يرجح احتمال إقدام المكتب الوطني للسكك الحديدية على هدم هذا الجزء لبناء مدخل جديد علما أن التصور الأصلي للتوسعة يشمل هدمه كما توضحه مجموعة من الصور لما ستكون عليه المحطة بعد انتهاء الأشغال بها . وتعيش الرباط دينامية غير مسبوقة على مستوى البنى التحتية وتأهيل النسيج العمراني التاريخي في إطار البرنامج المندمج للتنمية الحضرية للمدينة، الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2014، ويحمل اسم " الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية". إذ يضم المشروع، الذي يروم تكريس العاصمة كمدينة تزاوج بين التاريخ والعصرنة وقادرة على مواكبة التطور العمراني مع الحفاظ على روحها الأصيلة الممتدة في التاريخ، محاور متعددة تهدف أساسا إلى تثمين المجال الحضري للمدينة وتأهيله سواء التاريخي أو العصري، وتعزيز البنى التحتية، و حماية المحيط البيئي والمناطق الخضراء وضمان استدامة الطابع الأخضر وتنميته من خلال انجاز عدة مشاريع تهيئة تهم المناطق الخضراء والساحات والفضاءات الغابوية والمحافظة على البيئة، وتهيئة الشريط الساحلي للمدينة، وإغناء الحزام الأخضر من خلال خلق متنزهات وفضاءات ترفيهية، ومشروع تهيئة كورنيش الرباط ( 13 كلم )، وخلق فضاءات للترفيه والخدمات والسياحة. وتقع محطة القطار المدينة، ذات الطابع التاريخي، بشارع محمد الخامس، الشريان الرئيسي، الذي يمتد من القصر الملكي إلى مركز المدينة أو المدينة القديمة، وتحتل موقعًا استراتيجيًا فضلا عن أنها فضاء تاريخي بامتياز يمنح المدينة نكهتها الأصيلة. ويرتكز مشروع المكتب الوطني للسكك الحديدية، المتصل بتهيئة وتوسعة محطة القطارالمدينة، والتي تقدر تكلفته ب450 مليون درهم، على إحداث محطة تزواج بين الأصالة والحداثة على المستوى المعماري. إذ يعمل المكتب على توسيع المحطة على ثلاثة مستويات وتشييد هيكل حديدي ضخم مستوحى من الآرت ديكو المغربي، سيغطي المحطة التحت أرضية ويجعلها مندمجة في محيطها المعماري من خلال فتحها بواسطة رواق أو ممر فوق أرضي مفتوح على سكة الترامواي المحاذية لها وتحويل جزء من المحطة إلى رواق فني فضلا عن فتح مجموعة من العلامات التجارية المختلفة.