لطيفة رأفت في قلب قضية "إسكوبار الصحراء".. هل تواجه سعيد الناصري؟    حادثة سير مميتة تودي بحياة مسنّ بمدارة تانوغة ضواحي بني ملال    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    الذهب يتجه لأسوأ أداء أسبوعي في 6 أشهر بعد انحسار التوتر التجاري    إطلاق برنامج مخصص للمقاولات الصغيرة جدا    بريطانيا تسجل أكبر تراجع في عدد المليارديرات بسبب تغييرات ضريبية    ترامب: كثيرون يتضورون جوعا في غزة    بذكرى النكبة.. مغاربة يتضامون مع غزة ويرفضون التطبيع    المغرب يواجه جنوب إفريقيا في المباراة النهائية لكأس أمم إفريقيا للشباب    للتتويج القاري الثالث.. نهضة بركان يستضيف سيمبا التنزاني في ذهاب نهائي كأس "الكاف"    الاتحاد الاشتراكي ينسحب من تنسيق ملتمس الرقابة: "لا جدية في التفعيل"    وفد اسباني يطّلع على دينامية التنمية بجهة الداخلة وادي الذهب    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    الحرارة تعود إلى مناطق داخلية بالمغرب    أوراق قديمة عصِيّةَ الاحتراق !    25 سنة من الأشرطة المرسومة بتطوان    إيقاعات مغربية وخليجية تلهب جمهور طانطان في ليلة فنية استثنائية    عن المثقف المغيّب والمنابر المغلقة..!    تيكتوك... حين تعرّت الشخصية المغربية أمام العالم!    تغازوت تحتضن مؤتمر شركات السفر الفرنسية لتعزيز التعاون السياحي المغربي الفرنسي    في عز الموسم.. أسعار الفواكه تلهب جيوب المغاربة وتثير موجة تذمر    وهبي للمحامين.. سأقاضيكم، بسببكم أصبت بالسكري    المغرب يرسخ ريادته كقبلة إفريقية لاحتضان المباريات الدولية    160 مليون درهم لحماية غابات الناظور والمناطق الاخرى من الحرائق في صيف 2025    لازارو وزينب أسامة يعلنان عن عمل فني مشترك بعنوان "بينالتي"    إسرائيل تسلم واشنطن قائمة "خطوط حمراء" بشأن الاتفاق النووي مع إيران    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر: الاقتصاد العالمي يواجه تحديات عميقة وتباطؤاً في النمو عام 2025    على هامش افتتاح المعرض الدولي للصحة ..دعوات رسمية تحث على استغلال البيانات وتقدم مجالات التشخيص والعلاج (صور)    ريال مدريد يهنئ برشلونة بلقب "الليغا"    إصابة 13 شخصًا في حادث دهس جماعي قبل ديربي كتالونيا    كأس الكونفدرالية: تحكيم موريتاني لمباراة نهضة بركان وسيمبا التنزاني    واشنطن تؤكد اهتمام القيادة السورية الجديدة ب"السلام" مع إسرائيل    بعد سنتين على اختفائه.. "جزار سوريا" وداعم "الأسد" يظهر في الجزائر    تقرير: 33% فقط من النساء المغربيات يمتلكن حسابا بنكيا    متحف البطحاء بفاس يستقطب آلاف الزوار بعد ترميمه ويبرز غنى الحضارة المغربية    جوردي ألبا يمدد عقده مع إنتر ميامي إلى غاية 2027    رئيس مجلس النواب يستقبل سفير السعودية    نداء إنساني من ابنتي الكاتب بوعلام صنصال: لا نعلم أي شيء عن حالته داخل سجنه بالجزائر    من طنجة إلى مراكش.. الصالون الوطني لوكالات كراء السيارات يتوسّع وطنياً    جدل حول مشروع قانون المسطرة الجنائية والتنسيقية توضّح: "لا صفة ضبطية للمقدمين"    الزيارة لكنوز العرب زائرة / 1من3    لقاء بالعاصمة يعزز القيادة النسائية    16 ماي.. ذكرى تأسيس الأمن الوطني المغربي: مسيرة عطاء وتفانٍ في خدمة الوطن    وهبي يمرر قانون المسطرة الجنائية أمام لجنة العدل والتشريع بعد جلسة ماراثونية    كارثة إنسانية في العرائش: تهميش ممنهج أم تقصير فادح؟    طنجة.. تدخل أمني سريع بكاسابراطا استجابة لنداءات السكان لإخلاء الرصيف    تيزنيت تحتفل ليلاً بصعود الأمل و"الريزينغ" يشعل ساحة الاستقبال وأجواء فرح لا تُنسى ( صور )    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي لتعزيز الإبداع والتعليم الفني بالمغرب    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    ارتفاع الضغط يطال 1,2 مليون مغربي    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعث بعد الموت في آيات القرآن الكريم
نشر في أخبارنا يوم 28 - 02 - 2015

يعد البعث بعد الموت، وحشر الخلائق إلى بارئها لنيل جزائها يوم القيامة، من العقائد الأساسية في القرآن الكريم، ولما كانت هذه العقيدة محل شك واستبعاد من قبل المشركين كما حكى الله عنهم قولهم: { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون }(الصافات: 16) فقد اهتم القرآن اهتماماً بالغاً بإثبات هذه العقيدة وتقريرها، والرد على المشككين فيها، وتنوعت أدلة القرآن في تقرير هذه العقيدة بين إخبار بوقوع البعث، وتدليل على وقوعه، واستدلال بالحس على إمكانه، وتشبيهه بأمور تجري واقعاً في الحياة، وبين ذكر قصص متنوعة لحالات تم فيها بإرادة إلهية إحياء الموتى، وسوف نعرض لهذا كله من خلال استعراض آيات القرآن الواردة في هذا الشأن.

أولاً: خبر القرآن بالبعث: قال تعالى في تقرير عقيدة البعث بعد الموت: { ثم إنكم يوم القيامة تبعثون }(المؤمنون: 16)، وقال تعالى: { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون }(المؤمنون: 99- 100) وقال تعالى: { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون }(النحل: 38)، وقال تعالى: { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير }(التغابن: 7) وقال تعالى: { وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون }(الأنعام: 38) وقال تعالى: { وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون }(المؤمنون: 79)، فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الأموات يحييهم الله جميعاً يوم القيامة فيبعثهم من قبورهم، ويحشرهم إليه سبحانه، فيجازى المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.

ثانياً: الاستدلال بعموم قدرته سبحانه: فالله عز وجل من صفته القدرة المطلقة، فهو سبحانه على كل شيء قدير، وما دام له القدرة المطلقة سبحانه، فإن مقتضى ذلك أن يقدر على إحياء الموتى، لكن المشركين استبعدوا ذلك الأمر وأنكروه، فضرب لهم سبحانه الأمثلة بأمور مشاهدة من الحياة هي نظير بعث الأجساد وحشرها، قال تعالى:{ قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم * ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالؤون منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم * هذا نزلهم يوم الدين * نحن خلقناكم فلولا تصدقون * أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون * نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين * على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون * ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون * أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظللتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون * أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون * أفرأيتم النار التي تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون * نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين * فسبح باسم ربك العظيم }(الواقعة: 49- 74).

وقد تضمنت هذه الآيات أربعة أدلة حسية ومشاهدة من واقع الإنسان وحياته على جواز البعث وإمكانه:

الدليل الأول: ماء الرجل ( المني ) قال تعالى: { أفرأيتم ما تمنون } ووجه الاستدلال بهذا الدليل على البعث، أن المني إنما يحصل من فضلة الهضم، وهو كالطل المنبث في أطراف الأعضاء، فإذا أراد الإنسان إخراجه تجمع من أجزاء البدن، وأخرجه ماء دافقا إلى قرار الرحم ليتكون إنساناً جديداً، فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها، وكون منها ذلك الشخص، فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى من التراب ؟!!

وقد تكرر هذا الدليل في مواضع أخر من كتاب الله منها في سورة الحج( 5 - 7 ): { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج * ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير * وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور }. وفي سورة القيامة: ( 37 - 40 ){ أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى }، وفي سورة الطارق: ( 5- 8 ) { فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب * إنه على رجعه لقادر }.

الدليل الثاني: إنبات النبات: قال تعالى: { أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظللتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون }(الواقعة: 67 ) وجه الاستدلال أن الحب إذا وقع في الأرض الندية، واستولى عليه الماء والتراب فالنظر العقلي يقتضي أن يتعفن ويفسد، لكنه لا يفسد بل يبقى محفوظاً حتى إذا ازدادت الرطوبة انفلقت الحبة فلقتين، فيخرج منها ورقتان، ثم تكبر لتستوي شجرة تامة، أفلا يدل ذلك على قدرة كاملة، وحكمة شاملة، فمن قدر على إخراج شجرة باسقة من بذرة صغيرة كيف يعجز عن جمع الأجزاء وتركيب الأعضاء بعد تفرقها وتفتتها.

وقد تكرر هذا الدليل في غير ما آية منها قوله تعالى: { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون }(الأعراف: 57).

الدليل الثالث: إنزال المطر: قال تعالى: { أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون }(الواقعة: 68 - 69)، ووجه الاستدلال بهذا الدليل على البعث أن الماء عند صعوده إلى السماء يتحول إلى بخار، وتعبث به الرياح فتفرقه تفرقاً عظيماً، ومع ذلك يجمعه سبحانه، ويعيده إلى حالته الأولى، وينزله إلى مواضع يريدها، فمن قدر على جمع ذرات الماء وإعادتها إلى حالتها الأولى، وإرجاعها من حيث صعدت، كيف يعجز عن جمع ذرات الإنسان ورفاته وإعادته.

الدليل الرابع: استخراج النار من الشجر الأخضر: قال تعالى: { أفرأيتم النار التي تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤون * نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين }(الواقعة: 71-73) ووجه الاستدلال بهذه الآيات على البعث بعد الموت قدرته سبحانه على ما هو أصعب من جهة العقل من بعث الأجساد وإحيائها، وهو استخراج النار من الشجر الأخضر، فإن الله ألهم بني آدم استخراج النار من الشجر الأخضر على رغم التنافر بين خاصتيهما، فالشجر أخضر رطب بارد، والنار يابسة حارة، فمن قدر على إيداع الحرارة في الأجسام الرطبة، فكيف يعجز عن تركيب الحيوانات وتأليفها بعد تفتتها واضمحلالها .

وقد تكرر ذكر هذا الدليل في غير ما آية منها قوله تعالى: { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون }( يس: 78-80)

ثالثاً: الاستدلال بأن من قدر على ابتداء الخلق، فهو قادر على الإعادة، وهذه الدلالة تقريرها في العقل ظاهر، ووضوحها بين، فإن من قدر على الخلق أول مرة، فهو قادر على إعادة ما خلق، فإن الخلق الأول حصل من لا شيء، والإعادة حاصلة من بقايا مخلوق سابق، فهي أيسر في قانون العقل، وأما في قانون القدرة الإلهية فالكل سواء، وقد ورد هذا الدليل في مواضع من كتاب الله، ففي سورة البقرة: 28 : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون }، وفي سورة الإسراء: ( 49-51) :{ وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا * قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة }، وفي سورة العنكبوت: (19){ أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير }، وفي سورة الروم (27): { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }( الروم 27 ) وفي سورة يس (79): { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم }.

رابعاً: الاستدلال بأن من خلق الأعلى والأكبر فقدرته على خلق الأدنى والأصغر أولى، وهذا في حقنا أما في حق الله فالكل في قدرته سواء كبر المخلوق أم صغر، فخلق السموات كخلق الذر الكل سواء في ميزان القدرة الإلهية، ولكنه سبحانه يضرب الأمثال لنا بما نعقله وندركه، وقد ورد هذا الدليل في آيات منها في سورة الإسراء (99): { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم } وفي سورة يس (81):{ أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم } وفي سورة الأحقاف (33): { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير }، فاستدل باقتداره على خلق السموات على اقتداره على إعادة الأجساد.

خامساً: الاستدلال على وقوع الحشر لمحاسبة العباد، وإثابة المحسنين ومعاقبة المسيئين، واستيفاء المظالم والحقوق التي لم تستوف في الدنيا، فإن الخلق في الدنيا يتظالمون، فيعتدي بعضهم على بعض، وقد يموت المظلوم، ولما يقتص من الظالم، والله حكم عدل، فلو لم يكن هناك بعث للحساب والجزاء لانتفت صفة العدالة في حقه تعالى، فكان البعث بعد الموت ضروريا لمجازاة المحسن ومعاقبة المسيء، وقد ورد هذا المعنى في العديد من الآيات، قال تعالى: { إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون }( يونس 4 )، وقال تعالى: { إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى }( طه: 15)، وقال تعالى: : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار * أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار }( ص: 27 - 28 )، فلو لم يكن هناك بعث لكان هذا الخلق عبثاً ولاستوى المؤمنون والمفسدون والمتقون والفجار . قال الرازي في تفسيره: " واعلم أن من سلّط الظالم على المظلوم ثم إنه لا ينتقم منه فذاك إما للعجز أو للجهل أو لكونه راضيا بذلك الظلم، وهذه الصفات الثلاث على الله تعالى محال، فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظالمين، ولما لم يحصل هذا الانتقام في دار الدنيا، وجب أن يحصل في دار الأخرى بعد دار الدنيا " أ.ه .

سادساً: الاستدلال بإحياء الموتى في الدنيا على صحة الحشر والنشر، حيث حكى القرآن كثيرا من القصص الواقعية التي دلت على جواز بعث الأجساد بعد موتها، كما في قصة البقرة، وهي قوله تعالى: { فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون }(البقرة: 73)، فلما ضربوا الميت ببعض البقرة قام وأخبر عن قاتله، وهي دليل على بعث الأجساد بعد موتها. ومنها قصة إبراهيم - عليه السلام - حيث طلب من ربه رؤية كيف يحيي الموتى، فأراه سبحانه ذلك عياناً، قال تعالى: { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم }(البقرة:260)، ومنها قصة الذي مرّ على قرية فرأى خرابها ودمارها وموت أهلها، فتساءل كيف يحيي الله أهل هذه القرية ؟ فأراه الله صورة حية وواقعة مشاهدة لإحياء الموتى، إذ أماته مدة مائة عام ثم أحياه، وطلب منه مشاهدة إحياء حماره فرأى ذلك رأي العين، قال تعالى: { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير }(البقرة: 26)، ومنها قصة أصحاب الكهف، فإن الله أيقظهم من منامهم بعد فترة طويلة من الزمن، وعلل ذلك بقوله: { ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها }(الكهف: 21)، ومنها قصة أيوب - عليه السلام – الذي ابتلاه الله في نفسه وأهله وماله، حيث مات أهله، وفقد ماله، واعتلت صحته، لكنه سبحانه منّ عليه برجوع كل ما ذهب منه، بما فيهم أهله، قال تعالى: { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين }(الأنبياء: 84)، ومنها ما أظهره الله تعالى على يد عيسى - عليه السلام - من إحياء الموتى، قال تعالى: { أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله }(المائدة: 110) فكان إحياء الموتى – بإذن الله - معجزة من معجزات نبي الله عيسى - عليه السلام -، وكان ذلك دليلا حسياً لمن حضر على بعث الأجساد، ودليلا سمعياً قطعياً لتواتره لمن لم يحضر .

فهذه هي أصول الدلائل التي ذكرها الله تعالى في كتابه على صحة عقيدة البعث بعد الموت، وإعادة الأجساد إلى وضعها قبل الموت، وهي أدلة واضحة جلية، خاطب بها سبحانه أصناف الخلق من المنكرين وغير المنكرين، فالمنكرون ليؤمنوا وغير المنكرين ليزدادوا إيماناً، وقد ترقى سبحانه في مخاطبة أصناف البشر، فمنهم من قرب له صورة البعث بما يعرف من أحوال نفسه وأحوال العالم كإنزال المطر وإحياء الأرض وإنبات النبات، ومنهم من خاطبه بضرورات العدل في وجوب إثابة المحسنين ومعاقبة المحسنين، ومن لم يقتنع لا بالدليل العقلي الحسي ولا بالدليل العقلي المنطقي، خاطبه بالقصة والحكاية التي تسرد وقائع ثبتت صحتها بالدليل المتواتر عن أناس قاموا من بعد موتهم وأخبروا بما طلب منهم .

ومن لم يؤمن بكل تلك الأدلة ولم يقنعه أي منها، فلا شك في عناده وجحوده وهذا عاقبته النار وبئس المصير، وقد نص سبحانه على كفر منكر البعث بعد الموت، لأنه مكذب بخبر الله تعالى، ومنكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة، قال تعالى: { ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا * وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا * قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا }(الكهف: 35- 37 ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.