مراسيم جديدة لتنظيم الملاحة الجوية العسكرية وتحفيز وحدات الردع السريع    الإمارات تعلن استثمارات ضخمة بأمريكا    جنوب إفريقيا إلى نهائي "كان" الشباب    سقوط أكثر من 100 شهيد في هجمات إسرائيلية جديدة على قطاع غزة    الأميرة للا حسناء تترأس الدورة الأولى للمجلس الإداري لمؤسسة المسرح الملكي الرباط    جهة طنجة تطوان الحسيمة تسجل أكبر عدد من حرائق الغابات في 2024    جماعة الحسيمة تستقبل وفدًا بلجيكيًا في إطار مشروع تربوي مشترك    وفاة جندي مغربي من "القبعات الزرق" في حادث مأساوي بجمهورية الكونغو الديمقراطية    رئيس مجلس النواب يجري مباحثات مع المدير العام للمنظمة الإسلامية للأمن الغذائي    العرائش.. كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري تقود زيارة ميدانية إلى وحدات صناعية توفّر حوالي 14 ألف منصب شغل    إعدام جماعي للكلاب المعقمة يثير موجة استنكار بطنجة وسكان يطالبون بالمحاسبة    صناعة قوس قزح    مشجعو الكوكب المراكشي يحتفلون بعودة الفريق إلى القسم الأول من البطولة الاحترافية    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    في الجزائر الانفعال سياسة دولة    بعد 3 أشهر من وضعه.. إزالة السوار الإلكتروني عن نيكولا ساركوزي وإفراج مشروط عنه    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    الغلوسي بخصوص المصادقة على مشروع القانون المسطرة: "هناك من يسعى لحماية المفسدين من المساءلة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تم توقيفه في باب مليلية.. خمسيني يحاول تهريب الشيرا في بطنه    قضية مبديع.. متهم أمام هيئة المحكمة باستئنافية الدار البيضاء: لم أتلقَ أي تعليمات بشأن الصفقات    الجيش الملكي يواجه الزمامرة في ثمن نهائي كأس العرش في هذا التاريخ    الملك محمد السادس يهنئ باراغواي    قبل استئناف تصفيات المونديال "فيفا" يُعيد خصم "أسود الأطلس" إلى المنافسة    محكمة العرائش ترفض دعوى زوج الوزيرة المنصوري وتُمهّد لاسترجاع عقارات جماعية    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي لتعزيز الإبداع والتعليم الفني بالمغرب    تنسيقية المسرحيين البيضاويين تطالب بعقد لقاء مع والي جهة الدار البيضاء سطات    أخنوش يستعرض الإصلاحات التعليمية    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    ارتفاع الضغط يطال 1,2 مليون مغربي    باب برج مراكش يفتح ذراعيه لتيار تشكيلي مغربي يسعى لكتابة اسمه عالميًا    الأمن الوطني يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيسه: وفاء للمسؤولية.. تحديث مستمر.. وخدمة مواطنة متجددة    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    كأس الكونفدرالية... ملعب أمان بزنجبار يحتضن النهائي بين نهضة بركان وسيمبا التنزاني    فيدرالية الدواجن تفنّد شائعة الحظر الصيني وتؤكد سلامة الإنتاج الوطني    بنيعيش يفتتح مهرجان الموكار طانطان لحماية وصون تراث الصحراء    الموت يغيب الرابور "مول العافية"    إدريس الروخ يكشف كواليس تصوير "BAG" قبل العرض الأول    الوزيرة السغروشني تترأس مراسيم تسليم السلط بين المدير العام السابق لوكالة التنمية الرقمية وخلفه أمين المزواغي    في خطوة لدعم العالم القروي: سند مستدام ثان لبنك المغرب من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية    إحياء النادي السينمائي بمدينة مشرع بلقصيري    بريطانيا تعتزم السماح للمستثمرين الأجانب بتملك حصة 15 في المائة من الصحف    تقرير أمريكي يصنف المغرب كأفضل وجهة إفريقية لرجال الأعمال الأجانب    الاتحاد البحر الأبيض المتوسط لرياضات الكيك بوكسينغ ينتخب السيد عبد الفتاح بوهلال عضوا ضمن مكتبه التنفيذي    بولونيا بطلا لكأس إيطاليا على حساب ميلان    أسعار النفط تتراجع بعد ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية    ترامب: أمريكا تقترب جدا من إبرام اتفاق نووي مع إيران    ثلاث ميداليات للمغرب خلال بطولة العالم للتايكوندو للفتيان / الفجيرة 2025 منها ميدالية ذهبية ثمينة :    من طنجة إلى بكين: كتاب "هكذا عرفتُ الصين" يكشف عمق الروابط التاريخية بين المغرب والصين    مشروع صيني مغربي جديد لتحلية مياه البحر يدشّن مرحلة متقدمة من التعاون البيئي    أسعار العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الخميس    الكرملين يكشف عن تشكيلة وفده للمفاوضات مع أوكرانيا في إسطنبول    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحريات الفردية والمسؤوليات الأخلاقية.. تعارض أم تكامل؟
نشر في أخبارنا يوم 16 - 02 - 2021

تطفو على السطح بين الفينة والأخرى نقاشات ومجادلات داخل المجتمع المغربي، قد ينظر إليها البعض على أنها ترف، فيما يجدها البعض الآخر ضرورية وذات راهنية.
ونقاش الحريات الفردية الذي يعتمل في المغرب يبدو حقلا خصبا للجدال والسجال؛ يبرز حينا ويتوارى أحيانا ليعاود الظهور في الشارع والصحافة والإعلام، وفي منصات التواصل الاجتماعي.
وقد أعادت واقعة سيدة بمدينة تطوان، كانت ضحية مقطع فيديو إباحي تم تداوله على نطاق واسع عبر وسائط التواصل الاجتماعي، إلى الواجهة نقاش الممارسة الفردية للحريات الجماعية، وما أعقبه من مطالبات بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
قضية "سيدة تطوان"، وقبلها "قضية التنورة"، وغيرها من "النوازل"، تضع المغاربة من جديد أمام تجاذب جدلي بين ما هو محلي وما هو كوني في دوامة التدافع المجتمعي لتكريس قيم يعتبرها البعض حرية منضبطة ومسؤولة ترفض التكبيل، بينما يراها البعض الآخر حرية متسيبة و"تطبيع مع الفاحشة". وفي جو الجدل القائم حول الحريات الفردية، يقول المتمسك أحمد، وهو أستاذ جامعي وباحث في علم الاجتماع، إن هذا "النقاش يعكس التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي"، لافتا إلى أن "الحريات الشخصية لم تعد تندرج ضمن خانة الكماليات، بل أضحت تشكل رافدا أساسيا من الروافد الضرورية للتقدم والازدهار".
وحذر المتمسك، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، من مغبة اختزال مفهوم الحريات الفردية في العلاقات الجنسية قبل الزواج، علما بأن هذا المفهوم أوسع بكثير ويتضمن شتى حقوق الفرد والمجتمع على السواء، موضحا أنه يتعين التمييز بين التمظهرات الخارجية لهذه الظاهرة وبين ما تحمله من خلفية وبنية عميقة تضبط حقل الدينامية الاجتماعية.
ومضى قائلا "قد يدعي البعض أن تغيير الأفكار يأتي بعد تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في حين أن الطرح السليم يبدأ بأفكار بسيطة وجريئة تجعل من الفرد قوة اقتراحية فاعلة تساهم في إطلاق العنان للإبداع والابتكار من أجل تغيير المجتمع".
مجتمع يضعه الأستاذ الباحث في الفن المعاصر، محمد الشرقاوي، في عين العاصفة بقوله إن "المشكلة الحقيقية تكمن في المجتمع المغربي الذي يؤمن بحقيقة أن كل ما لا يراه لا وجود له، ولم ا يفتح عينيه يشرع في محاسبة الآخر".
إذ يعتبر الشرقاوي، في تصريح مماثل، أن معضلة الحريات الفردية في المغرب ليست وليدة اليوم، "وكل ما في الأمر أنها أصبحت أكثر إلحاحا مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي أخرجت هذه الحريات، خاصة الأكثر إثارة منها للجدل، من السر إلى العلن".
واستطرد قائلا "العيب في نظرة المجتمع القاصرة التي ما زالت تربط حرية الجسد بالجنس، ولا ترى فيها صورة للإنسان وانعكاسا للذات. فالجسد يظل الأساس الأول والأخير لفهم المخزون والمكنون".
بيد أن فئة عريضة من المجتمع المغربي -يضيف الباحث- بدأت تشهد تغيرات صريحة على مستوى نواة الأسرة؛ إذ لم يعد دور الأب مركزيا ولا دور الأم هامشيا، وأصبح للأبناء رأي يعتد به داخل الأسرة، مشددا على أهمية تحقيق مطلب الحريات الفردية لبناء مجتمع حداثي قادر على مجابهة تحديات المستقبل وحماية خصوصيات أفراده.
وعن الحق في الخصوصية، يقول أستاذ الإعلام والاتصال بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، محمد عبد الوهاب العلالي، إن واقعة "سيدة تطوان" بانعكاساتها المختلفة أوقعت المنظومة القانونية في امتحان حقيقي إزاء موضوع الحق في الصورة، ومكانتها ودورها في مجتمعنا اليوم.
وأضاف العلالي، في تصريح للوكالة، "على الرغم من أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 تنص في الفصل 24 بشكل واضح على حماية الحياة الخاصة التي تشكل الواقعة الاجتماعية المشار إليها نموذجا لها، فإن حالة الإرباك التي كرستها الواقعة حملت الضحية كل التبعات القانونية، من خلال تحويلها إلى متهمة".
ومضى متسائلا "كيف يمكن بناء قرائن على واقعة تعود إلى سنوات خلت، كانت حينها الفتاة المتهمة عازبة وهي اليوم أم لطلفي ن؟ مشيرا إلى الأضرار التي طالت الضحية جراء قرار المحكمة إدانتها بعقوبة حبسية كان يمكن لغرامة أن تفي بالغرض الاجتماعي من وراء العقوبة.
واعتبر العلالي أن المسار الذي اتخذته هذه القضية غير سليم ويشكل انحرافا عن الوجهة الحقيقية التي كان يتعين على المسار القانوني القويم أن يسلكها من خلال طرح القضية باعتبارها موضوعا مرتبطا بالحق في الصورة والخصوصية.
طر ح يرد عليه رشيد أنزيض، وهو باحث في علم الاجتماع والتاريخ والتراث، بالقول "إن ما قد يعتبره البعض انتهاكا للحياة الخاصة للفرد، قد يراه البعض الآخر إخلالا بهوية المجتمع وقيمه".
وأوضح أنزيض، في تصريح مماثل، قائلا "بدون النظر إلى المسألة في شموليتها والبحث عن الجوهر الأساسي لتمكين الفرد من تحقيق حريته في تناغم مع المجتمع والحريات العامة، سيظل الصراع قائما بين الاختيارات الفردية والنظام الاجتماعي"، مشيرا إلى أن "هذا التناقض يعد مسألة طبيعية ناتجة عن صراع المصالح؛ فما قد يعتبر حقا لدى البعض يعد انتهاكا لدى البعض الآخر، وهي قاعدة عامة تسري على كافة المجتمعات".
وحذر من أن تنامي النزعة الفردانية الأنانية على أنقاض المصلحة العامة، قد يدفع بالمرء إلى الاهتمام بحريته الخاصة على حساب حرية المجتمع، مشددا على أنه لا تحرر للفرد دون تحرر المجتمع، وأن القوانين لا يمكن أن تتغير بما يخدم حرية الفرد وخصوصيته إلا بوجود أساس مادي يرتبط بشكل جدلي بالنسق القيمي والاجتماعي للأخلاق العامة.
رأي يقابله رأي المنسق العام لمعهد بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان، ياسين بزاز، القائل بأنه "عند الحديث عن الحريات الفردية أو العلاقات الجنسية الرضائية، فإنه لا وجود لشيء اسمه الأخلاق العامة لأن مكان ممارستها بالضرورة مكان خاص".
وأضاف بزاز، في تصريح ل(و م ع)، أنه "ليس هناك سند ديني أو حقوقي يجرم مثل هذه الحريات أو العلاقات، فشروط الإسلام في إثبات واقعة الزنا، على سبيل المثال، تكاد تكون تعجيزية، إذ يقترن الإثبات بحضور أربعة شهود"، لافتا إلى أن الإسلام "يبتغي بذلك إضفاء نوع من القدسية على الحياة الخاصة".
وعلى غرار إصلاح مدونة الأسرة سنة 2004، اعتبر المنسق العام للمعهد أن المشرع المغربي مدعو للعمل على تعديل أو إلغاء بعض فصول القانون الجنائي، وعلى رأسها الفصل 490، وذلك من منطلق إعمال العقل والمصلحة لحفظ كرامة الإنسان والمساهمة في الارتقاء بالمشهد الحقوقي في البلاد.
وبعيدا عن اختزال هذه المجادلة في مجرد سجال بين رجعيين وتحرريين، يظل هذا النقاش الحي، الذي يتخذ صيغا راديكالية تارة وعقلانية تارة أخرى، ظاهرة صحية في مجتمع منفتح يشهد تدافعا للأفكار والآراء التي يفرضها سياق التغيرات البنيوية التي يشهدها المجتمع المغربي بحثا عن بناء منظومة متكاملة للحقوق والحريات الفردية والجماعية.
فما يزال الجدال مفتوحا حول العلاقة بين الحرية الفردية والمسؤولية الأخلاقية التي تتجاوز، في كثير من الأحيان، مسألة التعارض أو التكامل، وذلك باعتبارهما تعكسان نظرة مختلفة، ليست بالضرورة تصادمية أو توافقية، للإنسان محليا وكونيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.