رئيس الحكومة يمثل الملك في القمة العربية    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    وزير الفلاحة يفتتح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    خلال أربعة أشهر.. كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء العرائش يصل ل6177 طنا    "فايننشال تايمز": واشنطن تشجع المغرب ودول عربية على الانضمام إلى "القبعات الزرق" في غزة    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    كأس العرش: مولودية وجدة يتأهل إلى المربع الذهبي بعد فوز مثير على خريبكة    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    الجيش يعبر لنصف نهائي كأس العرش    سفارة المغرب ببانكوك تتابع عن كثب وضعية المواطنين المغاربة ضحايا تهريب البشر بميانمار    مداهمة منزل بحي طنجة البالية وحجز 105 كلغ من الشيرا    فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    تعبئة 10 ملايين درهم لإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء بمدينة الحسيمة    الجيش الملكي يقتنص تأهلا مثيرا لنصف نهائي كأس العرش على حساب أولمبيك الدشيرة    الأمثال العامية بتطوان... (599)    المالكي يستقبل أطفالا مقدسيين مؤكدا وقوف المغرب إلى جانب الفلسطينيين    رئيس سلوفاكيا في حالة حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    توقيع برنامج تعاون بين المغرب والصين في مجال تحديث الإدارة القضائية ورقمنة منظومة العدالة    سفر أخنوش يؤجل اجتماع المجلس الحكومي    موريتانيا تحقق في تحطم طائرة عسكرية ومقتل طاقمها    الشرطة السويسرية تفض اعتصاما طلابيا    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    مزور تستعرض جديد "جيتكس إفريقيا" بالمغرب.. الصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي    شاب يقدم على وضع حد لحياته داخل غابة بطنجة    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    العودة إلى موضوع "شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين"!    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود        مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    تأجيل القرار النهائي بشأن الغاز الطبيعي بين نيجيريا والمغرب    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    قصيدة: تكوين الخباثة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خِطَابُ الْعَرْشِ وَمحَاذِيرُ التَّنْزِيلِ
نشر في العمق المغربي يوم 14 - 08 - 2017

شكل خطاب العرش لهذا العام، نقلة نوعية في نوعية الخطاب الذي اختار الجالس على العرش أن يتواصل به مع شعبه. إذ لأول مرة في تاريخ التواصل بين الملك والشعب، يصل الوضوح والصراحة إلى مداهما، ويصل الحزم والحسم في قضايا ظلت تُدار بين فعاليات المجتمع، وفي صالونات النخب المهتمة بالشأن العمومي للمغاربة، بعيدا عن الخطاب الصريح لمن يهمهم الأمر، إلى مستوى من الوضوح غير القابل للتأويل. مما حول هذا الخطاب الصريح والواضح إلى مادة إعلامية فتحت شهية كل المهتمين بقضايا البلد، وحتى غير المهتمين. وتعددت القراءات المُحلِّلة للخطاب. فلم يَشُذَّ أحد ممن أحس في نفسه "إشارة" ما بين سطور الخطاب، عن الانخراط في تحليل هذا الخطاب، والإدلاء برأيه فيه؛ بدءا بالسيد رئيس الحكومة، مرورا بالسادة الوزراء، فأمناء الأحزاب، وانتهاء بأصغر موظف في البلد. الكل أدلى برأيه، والكل عبر عن فهمه، ولكن لا أحد قرأ فيما بين سطور هذا الخطاب، ولا حتى في منطوقه الواضح الصريح، أنه مقصود منه، وأن الوقت قد حان للاعتراف بالمسؤولية، الأخلاقية على الأقل، عن التردي والترهل الذي يعيشه المغرب والمغاربة في كل المجالات. فلا أحد انبرى ليعترف أمام المغاربة أنه يتحمل جزء من المسؤولية، وأن ساعة الحقيقة قد دقت، وأنه قد آن الأوان للاعتراف، وتقديم الحساب.
ولكن الذي وقع، للأسف، هو التمادي في رفض الاعتراف، والاستمرار في رمي الكرة إلى ملعب الخصم، واعتبار الجحيم هو الآخر، والمقصود هو الغير. فلم نسمع، إلى حدود كتابة هذه الأسطر، شخصية ممن يعلم الشعب تورطهم في الاقترافات التي أشار إليها الخطاب، من صرح أو لمَّحَ، كأضعف الإيمان، بمسؤوليته عما يجري في المغرب. ولكن الذي وقع هو التسابق إلى تثمين الخطاب، وتحليله، وتأويل ما بين سطوره، حتى تحول أغلب مسؤولي البلد؛ من وزراء، وزعماء أغلبية، ومعارضة، وموظفين كبار من أصحاب المشاريع الفاشلة، إلى رماة للتهم والمسؤوليات؛ يقرعون من دونهم، من الموظفين والمرؤوسين الصغار، بالكلمات القوية للخطاب، ويتوعدونهم بعظيم السؤال، والمحاسبة، وكأنهم قد أمِنوا بِجَنابِ الملك ما يجعلهم فوق المحاسبة والسؤال. وكأن الخطاب لم يقصدهم، ولا ألمح إليهم.
وقد قرر الملك في حقهم ما قرر، وأشار إليهم بالبيان الواضح الصارخ ما لا يحتمل أكثر من معنى، أو مقصود. فمن يقصد الملك بقوله:" فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه". إن لم يكن هؤلاء؟ !. ومن يقصد بقوله:" ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟" إن لم يكن هؤلاء؟ ! ومن يقصد بقوله:" عندما يقوم مسؤول بتوقيف أو تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي، لحسابات سياسية أو شخصية، فهذا ليس فقط إخلالا بالواجب، وإنما هو خيانة، لأنه يضر بمصالح المواطنين، ويحرمهم من حقوقهم المشروعة .إن لم يكن هؤلاء؟ ! . ومن يقصد بقوله:" على كل مسؤول أن يمارس صلاحياته دون انتظار الإذن من أحد. وعوض أن يبرر عجزه بترديد أسطوانة "يمنعونني من القيام بعملي"، فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد " .ومن..؟ ومن..؟ !!
إن خلل التحجر الكامن في العقليات(1) ، كما أشار إليه الخطاب الملكي ، خلل بنيوي وجذري، لا يمكن إصلاحه، بمجرد إعادة تغيير المواقع، مع الحفاظ على ذات الشخوص، والمسؤولين، كما جرت العادة. ولكن الحل في تغيير هذه العقليات، وجعل تحمل المسؤوليات مُؤسَّسا على تعاقد واضح والتزام صريح، تُربَط فيه المسؤولية بالمحاسبة، كأحد أهم أسس إعادة تشكيل هرم السلطة والإدارة من جديد. وكل محاولة للإصلاح لا تستحضر هذا المعطى، ستُؤَبِّد الوضع المهترئ، وستزيد في استمرار الهتك في حق هذا الوطن، ومُقدِّراته، وشعبه.
فبعد الخطاب الملكي، الكل متهم، والكل متحمل لجزء من المسؤولية، ولا أحد فوق المحاسبة. وكل محاولة للالتفاف على التنزيل السليم والمُواطِن للخطاب الملكي، أو محاولة لاستغلال توجيهات هذا الخطاب لأجل تصفية حسابات ضد هذا الطرف أو ذاك، أو تشديد الخناق على البعض دون البعض، أو تقديم أكباش الفداء بين يدي الملك لإظهار حسن الالتزام والطاعة، أو محاولة لتمرير بعض المرفوضات الشعبية استنادا إلى مقتضيات الخطاب، واحتماءً بقرارات القصر، تحت تَعِلَّة التنزيل الصارم لتوجيهات الملك وقراراته، كما سجل في سلوكات أكثر من مسؤول في حق مرؤوسيه، وأكثر من مُرْتَفِق في حق موظفين صغار بمختلف المرافق العمومية، وأكثر من مسؤول حكومي في حق موظفي وزارته، ليس آخرها الخرجة المثيرة لوزير الوظيفة العمومية حول عدم استحقاق رجال التعليم لعطلتهم السنوية بسبب النتائج الدراسية الهزيلة المحصلة، اعتمادا على "قياس مع الفارق" على قرار الملك حرمان بعض الوزراء الذين أخلفوا موعدهم مع مشاريعه في الشمال،… فكل هذا مع الإصرار على هذه القراءة المُجْتَزَأة للخطاب، في محاولة للهروب إلى الأمام، وعدم الاعتراف بالمسؤولية، سيقلب الوضع غير الوضع، وسيحول الرغبة في الإصلاح من أجل الأحسن، إلى مجرد "حملة تطهير" جديدة، بضحايا جدد، يعيدنا إلى المربع الأول، بعد أن نخسر فيه أكثر مما سنربح.
دمتم على وطن.. !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.