مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    مشاركة مجلس النواب في اجتماع مجموعة العمل البرلمانية رفيعة المستوى للتكنولوجيا والابتكار والتحول الرقمي التابعة للبرلمان العربي    حصيلة نصف الولاية الحكومية: تناقضات وأسئلة عالقة    توقيف الدعم المباشر عن بعض الأسر يستدعي لقجع لاجتماع عاجل بالبرلمان    بركة يغلق باب اللجنة التنفيذية بوجه المتابعين ويعتمد "الكاستينغ" لاختيار البروفيلات    جهة طنجة – تطوان – الحسيمة: المخزون المائي بالسدود يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    اعتقالات وإصابات في حق طلاب أمريكيين رافضين للعدوان الإسرائيلي بغزة    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    رغم الهزيمة.. حكيمي ضمن التشكيلة المثالية لنصف نهائي أبطال أوروبا    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    عاجل: إحالة مسؤول بالاتحاد الاشتراكي على "جرائم الأموال" بالرباط في فضيحة "الوظيفة مقابل المال" بوزارة العدل    إطلاق طلب عروض لمشروع جديد للمكتب الوطني للمطارات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    اللجنة العلمية لكورونا تخرج عن صمتها بشأن أضرار أسترزينيكا وترمي الكرة بملعب الحكومة    الداخلية تكشف موعد إجراء انتخابات جزئية ببنسليمان وسيدي سليمان        الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بإعادة ملء الاحتياطي الأمريكي    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    جوهرة بناني تحتفظ بلقبها: انتصار ملفت في رالي عائشة للغزالات    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين بمنع ارتداء سراويل داخلية تغطي الركبة    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    حادثة سير تسلب حياة سيدة في مراكش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تراجع التضخم في كوريا إلى أقل من 3 في المائة    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    مليلية تودع "أحوري".. الصوت النضالي لحقوق الريفيين بالمدينة المحتلة    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    «باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخيمات تندوف و الهوية العارية
نشر في العمق المغربي يوم 05 - 01 - 2021

يعتبر مشكل الصحراء من أقدم النزاعات في العالم، نزاع ظل معلقا لاكثر من اربعين سنة على مفاوضات لا تنتهي لاسيما في ظل تحولات عالمية متسارعة.
التدبير السياسي كان مكلفا وطويلا،طغيان التدبير السياسي أفقد المشكل كثافته،من خلال اختزاله في صراع حول الأرض . الجزائر التي نجحت و لأكثر من 40 سنة في خداع العالم ،عبر ترسيخ اعتقاد أنها مجرد دولة جوار،ومراقب لما يقع و داعم لحق الشعب في تقرير المصير.
التعامل الاختزالي و حصر القضية في البعد السياسي جعل الرؤية معتمة ،مما ساهم في تضخيم الأبعاد السياسية للنزاع ،و تغييب العنصر الأهم في القضية:البعد الإنساني و وضعية المحتجزين / اللاجئين بمخيمات تندوف.
محتجزي -مخيمات تندوف حسب تصورات ورؤية الدولة المغربية،ولاجئي تندوف حسب تصورات الدولة الجزائرية و من معها – يعيشون وضعا استثنائيا، باعتبارهم الأساس الذي اصبح غير اساسي في صراع طويل.
سكان تندوف و ضعهم شبيه بوضع الرهائن ، لا يملكون حتى الحق في الكلام عن انفسهم و عن مصالحهم ، هم فقط رهائن يخضعون للمساواة و البيع والشراء. هذا هو عمق الازمة و عمق المشكل، الموضوع ليس موضوع ارض،ومجموعة شعارات ملونة حول الوطن و الحق و الانتماء ، إنما جوهر المشكل حول إنسان يعيش بلا هوية و بكرامة و لا يملك الحق الحديث عن نفسه .
تابعت مجموعة من الأشرطة الوثائقية حول واقع المخيمات ،و قرات تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حول مخيمات تندوف لاسيما تقرير ،2018 جملة ملاحظات صادمة استوقفتني و كانت سببا في التفاعل و كتابة هذا المقال.
بنيات تحتية منعدمة , امراض واوبئة بكل مكان, اكثر من 35 ألف تلميذ لا يجدون الفضاءات الملائمة للتمدرس شروط العلاج هشة, الماء يوزع بكميات محدودة لدرجة ان كمية الماء الخاصة بكل فرد لا تتجاوز 18 لتر وهي كمية لا تكفي حتى للوضوء.
الإطار العام للحياة يكشف ان مخيمات تندوف هي إطار للموت ، بلا شك ما يقع بالمخيمات هو عملية ابادة جماعية و تحويل المواطن الصحراوي الى وسيلة للضغط والمساومة السياسية في حرب غير أخلاقية , حيث المستفيد/ التاجر يجيد الاختباء، فغياب الماء و الصحة و حقوق التمدرس و عزل المحتجزين / اللاجئين في خيم يكشف البعد الحربي و العسكري لعمليات الاحتجاز و التوطين.
ما يقع بالمخيمات هو تجريد من الانسانية اولا ، ان تجميع مجموعة من البشر في الصحراء و لمدة تزيد عن 45 سنة ، و بلا أمل في حياة عادية ، فالأمر يقود الى مسلسل القتل البطيء ،و تجريد من الهوية عبر تعرية المواطن الصحراوي و جعله عاريا يفقد علاقته بهويته و بوطنه و بكبريائه و تحويله الى مجرد متسول يعيش على الفتات و التسول و الكثير من الاهانات، و بالمقابل هناك من يتغذى على الماساة و ينتعش انهم تجار الازمات و الذين يزداد ربحهم بعمق المآسي والأزمات ،حيت استطاعوا حولوا القضية إلى صفقة تحقق عائدا ماليا او سياسيا لمن يتحكم في تمويل و صناعة المخيم .
محتجزو تندوف, و اختياري لهذه الاسم ليس انحيازا غير مبرر لأطروحة بلدي، وإنما انحيازا للواقع لان مفهوم اللاجئ تقتضي عنصر القسر والإكراه في ترك الوطن ، في حين ان الوطن يرحب بجميع ابنائه تجسيدا لرؤية الملك الحسن الثاني إن الوطن غفور رحيم.
فسكان المخيمات هم كائنات معلقة ، و بلا هوية مسلوخين من واقعهم ،ومن هويتهم و من ماضييهم, يعيشون بلا دولة وبلا وطن، وبلا قيمة . والنتيجة المزيد من الانتظار في انتظار ما لا يتحقق ، لان مصيرهم ليس بايدهم ،و لكن بايدي من يتاجرون بالملف .
المقولات الملونة التي ينتجها اعلام الجزائر حول الحق في تقرير المصير،و الاشتراكية، و بناء الوطن هي مجرد تعبيرات أيديولوجية للتضليل و اخفاء الحقيقة.
الحقيقة تسكن في الواقع وليس في غيابه او تغييبه ، المناضل لا يتسول ولا يعيش على التسول و على الشفقة و مساعدات الآخرين. المناضل لا يقبل الحلول الوسطى ، و لا يقبل الشفقة ، ينتصر او يموت ،لانه يعيش من اجل المبادئ و على التسول و الاعلانات .
ان تحتجز أكثر من 120 ألف مواطن فوق رمال حارقة، و تحت شمس حارقة ، و بين الحريقين مساومات ومفاوضات للربح جعلت من الصحراوي رهينة ، أمر يكشف عمق المشكلة و تعقيداتها .
النظام الجزائري , يتاجر بالقضية بجعل المواطن المحتجز عاريا ، و تحت أشعة حارقة حتى الماء يوزع بالكوطا و ربما والزبونية ، ان يصبح المواطن الصحراوي عاريا معناه ان يفقد علاقته بالأرض والهوية و بالوطن و بثقافته التي تعتبر التسول سبة و احتقارا.
المناضل لا يتسول، و لا يسمح باستعماله كرهينة للمتاجرة و البيع و الشراء،و لا يوظف سلاحه بمقابل , لعل من أسوأ ما يقع بمخيمات تندوف ان الصحراويين يعيشون في مكان ليسوا منه و ليس لهم،مكان الإنسان الصحراوي هو الحرية و الثقافة و الشعر و النخوة والكبرياء ، التاريخ شاهد و يضمن الكثير من الشواهد ،و كيف كانت شراسة الشيخ ماء العينيين في مواجهة من تحق مواجهتهم .
الخيام هي امكنة مؤقتة , يتم بناءها على امل الرحيل يوما ، لكن في مخيمات تندوف نصبت الخيام و منذ أكثر من 45 سنة و مازلت منتصبة ، ستظل مادامت الجهة التي نصبتها لم تقبض الثمن ، او على الاقل استخلاص ثمن حراستها لكل هذه المدة .
الخيمة في المدلول السوسيولوجي هي رمز الفراغ المكاني ، وهي رمز للمؤقت ،لذا فهي هشة سريعة الزوال ، , لكن تجار الأزمات جعلوا منها عنوانا للازمة ، و فرصة للتجارة و ارتهان مواطن و عزله عن جذوره ،و هو ما عبر المفكر جورجيو اجامبيين في كتابه حالة الاستثناء و الحياة العارية : ان المخيمات هي مخلفات ما يتركه الجنود بعد المعركة.
تجربة المخيمات تجربة اليمة لأنها شكلت تجربة لتعرية مواطن يعيش بالكبرياء و حولته الى مواطن هش وعاري يعيش بالتسول .
* الفرفار العياشي أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن زهر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.