اتحاد جزر القمر يجدد تأكيد دعمه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    سلطت الضوء على فرص الادماج والمبادرة..طنجة تحتضن الملتقى الأول للتشغيل وريادة الاعمال        الحرب الامبريالية على إيران    حريق مهول يلتهم الهكتارات من غابة عين لحصن ضواحي تطوان        اتصالات المغرب تعتمد نظام حكامة جديد وتُعيد تعيين بنشعبون مديراً عاماً    شاهد يثبت تورط بعيوي في فبركة شجار للإيقاع بشقيق زوجته السابقة    الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    الحكومة تحدث وكالة حماية الطفولة    الحكومة تصادق على تقنين استخدام "التروتينت" ووسائل التنقل الفردي بقوانين صارمة    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    الإعلام الإنجليزي يشيد بأداء الوداد وحماس جماهيره في كأس العالم للأندية    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    عبد النباوي: المغرب جعل مكافحة الجريمة المنظمة أولوية أمنية وقضائية    إصابة دركي بطلق ناري من بندقية صيد خلال إحباط عملية للهجرة السرية    أخبار الساحة    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية: ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط    الرباط وبرايا ترسيان التعاون في العدل        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي        نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذاكرة الكروية المغربية: من فخر الإنجاز إلى ثقافة الترصيد
نشر في العمق المغربي يوم 13 - 05 - 2024

إن ثقافة الشعوب باعتبارها ذلك الفسيفساء من السمات والمميزات التي يختص بها مجتمع بشري ما، ولكون هذا المفهوم يعد وعاء رحبا يسع أيضا فنون الشعوب، أنشطتهم واهتماماتهم التي قد تنشأ في أزمنة دون غيرها، تأتي الساحرة المستديرة في مقدمة الرياضات التي شغلت وعاء الثقافات الكونية الحديثة ومن ضمنها الثقافة المغربية. وبالنظر إلى متخيل الآخر، كلما ذُكِرت الخصوصية المغربية إلا ورافقتها تلك الحمولة القيمية والخلقية الجميلة، والتي ما فتئت تطبع هذه الرياضة الشعبية بألوان الهوية المغربية الضاربة في عمق الماضي، والتي وجدت لها رسميا مساحة مشرقة في صفحات تاريخ هذا الوطن، لتشبع بذلك رغبة الامتلاك الجماعي للمكاسب الوطنية ورغبة إرساء معالم الكينونة المشتركة في الآن ذاته.
في قلب غابة المعمورة، أكبر غابات الفلين في العالم ورئة العاصمة المغربية وما جاورها، ومن رحم الذاكرة الكروية المشتركة للمغاربة التي ألفت بين قلوبهم لأكثر من اثنين وعشرينا عقدا مضت، وزادتهم تضامنا وتآزرا، انبثق من داخل مبنى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم متحف مميز بمواصفاته وغاياته. كانت المبادرة من الجامعة نفسها بشراكة مع المؤسسة الوطنية للمتاحف. يتعلق الأمر بفضاء جذاب تَشكل ليلملم باحترافية عالية شتات ذكريات كرة القدم الوطنية في مختلف محطاتها، بما فيها تلك التي أبهرت العالم وهتف لها الخصوم قبل الأصدقاء، ولم يكن مرد ذلك تميز أداء اللاعبين فقط واستماتتهم لرفع راية الوطن، بل لأن الهوية المغربية الأصيلة كانت حاضرة بقوة هنا وهناك، ولنا في محطة قطر 2022 خير مثال، وليس أول ولا آخر مثال، على نبل الشخصية المغربية وإخلاصها لخصوصيات هويتها الوطنية. محطة أبهرت القاصي والداني منذ أن بدأت بالرسائل القوية التي مررها أسود الأطلس ومدربهم بمعية أهاليهم، وأكدها الجمهور المغربي الراقي... ولم تنته بحفاوة الاستقبال الملكي الأسطوري لعناصر الفريق الوطني رفقة أمهاتهم، بما يحمله الموقف من دلالات ورسائل إنسانية يعجز القلم عن حصرها في سطور.
بهندسة محبوكة وتقنيات عرض يمتزج فيها عبق الماضي بآخر ما أبدعته التقانة الحديثة من شاشات عرض ببعدين وثلاثة أبعاد، انتظمت المعروضات في ألوان زاهية يغلب عليها الأحمر والأخضر ولمعان الذهب والفضة تارة، ويكسوها الأبيض والأسود تارات أخرى ليعيش معها الزائر المندهش ذلك التيه اللطيف بين معادلات الزمان والمكان والمواد والألوان والأشكال. زد على ذلك ما يثيره الفضاء المتنوع والأغاني المغربية المؤثرة لكأس العالم من مشاعر الوطنية الصادقة. مشاعر تمتزج لدى الزائر بذكريات الذات والآخر وما تحمله معها من حنين لكل ما دار في فلك الوقائع والأحداث الموشومة في الذاكرة.
يحكي المتحف قصصه الخالدة من خلال مؤثثات منها المُقتنى والمُهدى، ومنها الأصلي والمستنسخ في شكل صور وأشرطة، أقمصة وأحذية رياضية، كؤوس، كرات ذهبية، مجسمات ثمينة وجوائز قيمة، كما تستوقفك في كل مرة كلمات ملوك المغرب المؤثرة، تذكارات وتذاكر، مجلات، صحف ووثائق نادرة بلغات مختلفة ... يجتمع كل ذلك وغيره ليؤرخ بمداد من ذهب ومضات من تراث عتيد، لم يكن لذاكرتنا القصيرة أن تحتفظ ببعضه إلا عبر حكي الشيوخ المولعين، أو مصادفة بعض اللقى الطريفة الشاهدة على العصر. ولنا إذن أن نتخيل جسامة مهمة القائمين على إنشاء المتحف وتأثيثه مع السهر على التجديد المستمر مواكبةً للمستجدات الكروية...، ولنا أن نستشف أيضا صعوبة لملمة القطع المتناثرة للمشاهد الكروية المغربية عبر العالم منذ بداياتها، والتي تعود، حسب بعض الشهادات، إلى أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن الماضي.
في محاكاة لعمق الذاكرة البشرية وبياضاتها المعتمة بفعل النسيان، صمم فضاء العرض بخلفية سوداء وإضاءة موجهة بإتقان في ثمانية أروقة بأسماء معبِّرة انطلاقا من المعرض المؤقت إلى أرض الشغف، ومرورا بالمعرض الدائم، الرؤية الملكية المستنيرة، أرض الرواد، أرض التميز، رواق المشاهير وأرض مضيافة. جاء هذا التنوع الملفت حرصا من إدارة هذه المعلمة على ترسيخ ثقافة العرفان وتجسيدا لمبدأ الإنصاف لكل من يمت لكرة القدم بصلة، نذكر منها الأندية والفروق الوطنية والمنتخبات بما فيها رائدات كرة القدم النسوية؛ شغف العائلة الملكية وحرص الملوك المغاربة على تجاوز حدود اللعبة لتأكيد التحام الملوك بالشعب؛ الألقاب المتتالية المشرفة لمنتخب المغرب لكرة الصالات (الفوتسال) وغيرها من مشاركات الفئات الأخرى بما فيهم الأبطال الذين تحدوا وضعيات الإعاقة؛ كما توجد أروقة أخرى لمساهمات المشاهير من الرؤساء المتعاقبين على الجامعة، حكام ومدربين أو مسيرين، وكذا مشاركة الجمهور المغربي الذي كان سباقا منذ عقود لاستقبال نساء مشجعات في الملاعب بزيهن التقليدي الأصيل، دون أن يغفل المتحف ذكريات الأحداث الكروية البارزة وزيارات النجوم الدوليين الذين حظوا بكرم الاستضافة في مختلف ربوع المملكة.
حرص المتحف، كوجهة مثالية لعشاق كرة القدم، على مفاجأة زواره بتوفير إمكانية خوض تجربة تفاعلية فريدة من نوعها للأطفال واليافعين، وذلك قصد محاكاة مباريات كرة القدم على الشاشات الإلكترونية من خلال لاعبين آليين أو حقيقيين عن بعد. كما يحتضن فضاء للاستقبال وقاعة للعروض والندوات ومركزا للتوثيق الورقي والإلكتروني، إلى جانب مقصف لاستراحة الزوار مع إمكانية اقتناء تذكارات دالة على ماهية الفضاء. تجدر الإشارة إلى كونه فضاء دامجا لاحترامه معايير الدمج الاجتماعي لفئات الزوار المختلفة، من خلال توفير ولوجيات معمارية وشاشات للعرض مكيفة حسب الحاجيات الخاصة، كما تتوفر سماعات للترجمة بلغات مختلفة لفائدة الأجانب.
إن فكرة الترصيد لهذا التراث الوطني المادي واللامادي تتضمن، إضافة لما أوردنا، رسالات ضمنية قوية لمن استوعب أبعاد المبنى وعمق المعنى؛ فهي دعوة لكل القطاعات الحيوية الأخرى والمؤسسات الوطنية للتفكير في التأريخ الجاد لكل فعل تراكمي جماعي حسب مجال اشتغالها. فعدوى الترصيد الحميدة هذه من شأنها تحصين المكاسب والنجاحات واستنباط العبر من الإخفاقات، كما تساهم، على نحو مستدام، في إذكاء الروح الوطنية وإبراز مواطن غنى وقوة مكونات الهوية المغربية الأصيلة كمصدر اعتزاز وفخر لدى كل مغاربة العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.