وصل التصادم بين مكونات حكومة الدكتور سعد الدين العثماني أوجه في الفترة الحالية، وارتفعت حرارة التراشق الكلامي والتنابز السياسي بين وزراء حكومته، ممن ينتمون إلى القطبين الرئيسيين للأغلبية، إلى مستوى يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ الحكومات المتعاقبة. فأن يجري سجال بين الحكومة والمعارضة، وإن ارتفعت حدته، فذلك أمر طبيعي، ويندرج في سياق الحديث عن ممارسة سياسية طبيعية وقوية، لكن أن يحتدم الخلاف بين مكونات نفس الحكومة، وأن يتم إخراج هذا الخلاف من الدائرة المغلقة للحكومة المتمثّلة في اجتماعاتها العادية والإستثنائية إلى الرأي العام، وأن يحرص كل مكون من مكونات الحكومة الرئيسية، على انتهاز كل فرصة صغيرة أو كبيرة لتوجيه فوهة مدفعيته صوب حليفه الرئيسي في نفس الحكومة، ولا يتردد كل واحد منهما في كيل التهم، بل واستخدام عبارات حاطة من الكرامة في حق بعضهم البعض، وأن ينتقل الوضع إلى تبادل الرسائل المفتوحة بين وزراء ينتمون إلى نفس الحكومة ويجتمعون كل أسبوع في نفس القاعة، فإن ذلك يؤشر على معطيات وحقائق لا بد من الوقوف عند بعضها. أولا، إنه من أسس العمل الحكومي في جميع التجارب العالمية، التضامن الحكومي، وهذا التضامن يستند إلى الاحترام والاحترام المتبادل، وحينما تفتقد أية حكومة إلى أساس التضامن فإنها تصير عبئا ثقيلا على المجتمع برمته، لأنها ببساطة لا تعود مسؤولة كحكومة موحدة ومنسجمة، ويصبح الرهان في ضوء ذلك، بدون أي وخزة ضمير، هو تسخير جهود مكوناتها لدحض بعضها البعض في مواجهات إعلامية عديمة الجدوى عوض أن يكرسوا كل جهودهم لخدمة المواطن وكسب رهان وتحديات التنمية وايجاد الحلول للمشاكل التي تزداد استعصاء. ثانيا، إن الحكومة بهذا الأداء، وبكل هذه الانزياحات المعيبة، لم يعد ممكنا مساءلتها و لا محاسبتها، لأن كل طرف منها، وكل مكون من مكوناتها يحمل مسؤولية مظاهر الفشل الكثيرة والمتراكمة إلى الطرف الآخر، وكل جهة تتنصل من تحمل المسؤولية فيما يلاحق البلاد من عناوين كثيرة للفشل، ولنا فيما حدث مع الفوترة الرقمية خير مثال على ما نقول، وبالتالي فإن هذا الشطح السياسي الخطير الذي نشهده بكل أسف يفرغ الممارسة السياسية من محتواها ويضرب روح الدستور، ويعمق الاختلالات في المشهد السياسي الوطني. ثالثا، إن عدم استعداد الحكومة لتحمل مسؤولية قراراتها، وتسابق مكونات أغلبيتها إلى الظهور بمظهر المعارض والقفز من سفينة الحكومة كلما خشوا على سلامتهم الانتخابية، من شأنه أن يعمق ويوسع من مساحات الغموض والالتباس في الحياة السياسية الوطنية، مما يستحيل معه الفصل في رسم الحدود بين الأغلبية والمعارضة، وبين المسؤولية والمحاسبة، وهذا الغموض والالتباس يزيدان في تعميق عدم ثقة المواطن في المؤسسات ويكرس نفوره من الممارسة السياسية الوطنية، وفي هذا الأمر تجن حقيقي على المصلحة العليا للوطن. رابعا، إن ما يحدث داخل الحكومة وخارجها يؤكد أنه أكبر من جميع محاولات اللجم، التي قام بها رؤساء أحزاب الأغلبية مجتمعين أو متفرقين، بما في ذلك التوقيع على ميثاق أخلاقي قيل إنه سينظم العلاقة بين مكونات الأغلبية، وجرى توقيعه في حفل رسمي. إن الأمر إذن يتعلق بعوامل أكبر من أن تستوعبها حروف خطت على وثيقة سُميت ميثاقا. إن الأمر يتعلق بحكومة غير قابلة للتعايش تماما بسبب التباين في المرجعيات والأولويات والالتزامات، وفي السلوك السياسي الواضح والشفاف تجاه المواطن. لذلك كله و غيره كثير مما لا يتسع المقام إليه، نقول و نؤكد أن الشعب المغربي يستحق حكومة أحسن وأقوى من هذه، حكومة تحترم المغاربة، وتضع في طليعة أولوياتها خدمة مصالح المواطنين، حكومة تنتمي إلى الوضوح السياسي العام.