مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    البطولة: الوداد الرياضي يبتعد في الصدارة بانتصاره على أولمبيك آسفي والدفاع الجديدي يرتقي إلى المركز الثامن    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    قنصلية المملكة بكورسيكا تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    المنتخب المغربي للفتيان يسحق كاليدونيا الجديدة ويعزز آمال التأهل    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    تتويج إسباني وبرتغالية في الدوري الأوروبي للناشئين في ركوب الموج بتغازوت    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور التكنولوجيا السياسية في تخلف الدول
ماهي التكنولوجيا الممنوع نقلها؟
نشر في العلم يوم 03 - 09 - 2010

جاء كتاب » دور التكنولوجيا السياسية في تخلف الدول« الصادر ضمن منشورات وزارة الثقافة والفنون بالجمهورية العراقية، بمواجهة صريحة جامعة عالجت أخطر المشاكل التي تعانيها الدول المتخلفة، والنامية، والتي في طريق النمو، وأهمها قضية نقل التكنولوجيا الحديثة من الدول المتقدمة إلى تلك النامية وقد كشف المؤلف منير الله ويردي عن الخبايا والمحاولات التي تحاول الدول الأجنبية اتباعها لمنع الدول المتخلفة والنامية من الحصول على التكنولوجيا، ولا شك أنّ الكتاب في هذا الصدد يعالج مشكلة الاستعمار بشكله الجديد، أي ربط الدول النامية بعجلة الاستعمار عن طريق التبعية التكنولوجية. وقد سلط الضوء على تلك الأساليب وتقدم بنصائح في هذا الصدد ولعل أهمها وجوب رفض الدول النامية لمحاولات إقامة المشاريع بأسلوب المشروع الجاهز أو ما يعبر عنه بطريقة تسليم المفتاح (TURN KEY) إلا في حالات الضرورة القصوى. وليس أخطر على مستقبلنا من التخلف الدائم ما لم نملك زمام التكنولوجيا ونجتاز حدود المنطقة الخطرة للاستعمار الجديد، المتمثل بالتبعية التكنولوجية.
المبادرة والاعتماد على الذات:
ويقول صالح مهدي عماش في تمهيده لهذا الكتاب إن على الدول العربية إلغاء طرق تسليم المفتاح في كل المشاريع الصناعية والزراعية، ولابد من فسح المجال للاقتصاديين والمهندسين العرب للمشاركة في وضع الخطط وتنفيذ المشاريع مهما كانت نسبة المشاركة ضئيلة فإنها أنفع من الطريق الاتكالية، »طريقة تسليم المفتاح« والتي تشكل المصيدة للوقوع بدوامة التبعيية التكنولوجية أو الاستعمار الجديد، والتي ستقودنا إلى التبعية الفكرية.
ويدعو لحل مشكلة المشاركة في التنفيذ والتخطيط، باشتراك فنيين عرب من أقطار عربية أخرى بهذا الخصوص، إذا أعوز دولة عربية وجود الفنيين على المستوى القطري. بل يرى أن تتاح الفرص لكل عربي في الأقطار العربية الفقيرة أن يدرس على نفقة الأقطار العربية الغنية، وخصوصا منهم أولئك النابغين الذين حصلوا ويحصلون على معدلات ممتازة ولهم قابليات معينة.
إنّ عملية نقل التكنولوجيا لن يقوم بها إلا المؤهّلون لذلك ليس أحوج من العرب أمة بين الأمم لإحداث ثورة ثقافية شاملة يخطط لها ضمن نظرة تكافلية فيدرس الطالب اليمني أو التونسي أو الأردني الدكتوراة بالخارج، مثلا في موضوع الكيمياء أو الهندسة الالكترونية على نفقة الجامعة العربية. أو على نفقة الصندوق الثقافي العربي إذا ما أُسّسَ، أو على نفقة إحدى الدول العربية الغنية..
إن مثل هذا الاتجاه يقرب العرب من بعضهم نفسيا، ويحطم الحواجز القطرية كما أنه يقرب الأمة العربية من رسالتها الخالدة، التي لابد أن تقدمها للعالم، فتفعل وتتفاعل مع الشعوب الأخرى لتطوير الحضارة الإنسانية. كما تبرز أهمية الدراسة الوحدوية لكل مشروع ينشأ في الوطن العربي، فإن اقتصار الدراسة والجدوى الاقتصادية للمشاريع على أساس قطري وضمن تصور إقليمي ضيق، أمر لا يتسم بالعلمية إطلاقا، ويضيف صالح مهدي أن عددا كبيرا من المشاريع الصناعية والزراعية تقام في الوطن العربي على أساس غير سليم. وإنما ضمن نظرة قطرية محدودة فهناك مشاريع محطات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية تقام في بلدان عربية سوف لا يسكنها إلا عدد محدود من السكان عند انتهاء البترول. بينما البلدان العربية الغنية بالمصادر المائية والأراضي الخصبة والكثرة السكانية تعاني فقرا وعجزا ماليا لا يجعلها قادرة على إنشاء مثل هذه المحطات. ومثل هذا في المجال الزراعي، فمعلوم أن مساحة الوطن العربي حوالي 13 مليون كيلومتر مربع أي 1300 مليون هكتار لا يزرع منها حالياً سوى 54 مليون هكتار زراعة شبه بدائية إذ تترك نسبة تتراوح بين 21 - 70٪ بوراً بينما نرى المناطق المزروعة بالمحاصيل والغابات في فنلندة 21 مليون هكتار ونفوس فنلندة أقل من 5 ملايين نسمة.
وأشار المؤلف إلى بروز تعابير ومفاهيم مثل »الفاصل التكنولوجي« القائم بين الدول المتطورة والدول المتخلفة، وكذلك التمييز بين الدول الغنية والدول الفقيرة أو الشمال والجنوب، والدول الصناعية والدول »النامية«، وحيث إنها تفهم ضمن مجال التقسيم الجغرافي للمجتمعات المختلفة في العالم. ويلاحظ أن جل تلك المفاهيم ذات علاقة بالقدرة التكنولوجية للجمعيات حيث إن المجتمعات أو الدول المتخلفة اقتصاديا هي متخلفة تكنولوجيا أيضا.. ومن هنا برزت مفاهيم وعبارات من صنف ثالث وهي تتعلق ب »التكنولوجيا« نصف درجة تطورها أو ملاءمتها للبيئة والمجتمع، قسوتها وليونتها من حيث أثرها في المجتمع والطبيعة. فهناك التكنولوجيا المستنزفة للموارد الطبيعية والملوثة للبيئة والتي يطلق عليها اصطلاح التكنولوجيا القاسية وعلى عكسها التكنولوجيا »اللينة« الأكثر رفقا والأقل استهلاكا وتلويثا والأكثر ملاءمة ل »لتوازن البيئي«. وقد برزت أيضا الدعوة الى التكنولوجيا البديلة، وفي كل الأحوال أصبح واضحا أن اختيار التكنولوجيا ونقلها من دولة متقدمة إلى دولة متخلفة واتجاه تطورها بات خاضعا لعوامل سياسية مما برر استعمال مصطلح »التكنولوجيا السياسية«.
وهذا الكتاب يساعد على شرح المفاهيم الآنفة الذكر. ولا يخفى على القارئ الكريم ما للتكنولوجيا من علاقة بالموارد الطبيعية من معادن ومصادر للطاقة. والأمر ذاته ينطبق على الغذاء حيث إن توافر هذه وتلك والمقدرة على إنتاجها تعتمد على القدرة التكنولوجية.
أما تكاثر السكان والحاجة إلى رفع مستواهم المعيشي الذي يساعد على الحد من معدل ذلك التكاثر ومنع انفجار السكان فهو مرتبط مباشرة مع التنمية الاقتصادية والصناعية وهذه ترتبط بظاهرة تلوث البيئة.
والمواضيع الأساسية التي يشتمل عليها الكتاب هي:
1) التبعية التكنولوجية والتخلف.
وقد حاول المؤلف هنا شرح وجهتي النظر المتناقضتين، نظرية النمو الصفري - أو حدود النمو لجماعة نادي روما، ونظرية استمرار النمو المؤمنة بقدرة التكنولوجيا على حل كافة المشاكل التي يخشى من تفاقمها نادي روما بشكل غير قابل للرجوع مما يؤدي إلى انهيار المجتمع البشري.
2) التكنولوجيا، وهي محور موضوع الكتاب وقد حظي بأكبر نصيب من الشرح.
3) الجهود الخارجية للتطوير، أثرها السلبي في الدول المتخلفة ومساهمتها في إقامة الجدار التكنولوجي وتثبيت التبعية.
4) الطاقة والمعادن، وهما بدون شك من أهم عناصر القدرة التكنولوجية.
5) تلوث البيئة، وهو من نتائج التقدم الصناعي ومن أهم العوامل السلبية التي يجب الحذر من استفحالها في المجالين الاقليمي والعالمي.
6) الغذاء والزراعة، جوهر المعضلة البشرية.
7) أثر التكنولوجيا في المجتمع، وهو الموضوع الذي ينبغي الانتباه إليه في ضوء ما حصل في الدول الصناعية من تجارب كانت بعضها قاسية ومرة.
لقد حاول المؤلف تجنب عبارات المجاملة كعبارة »الدول النامية« بدل الدول المتخلفة لغرض تذكير القارئ باستمرار وتحفيزه لإدراك حالة التخلف و»عملية التخلف« ومن باب تسليط الضوء على أغلب ما يسمى بالمساعدات الخارجية من الدول الصناعية حيث تستخدم مبالغها لتمويل صادرات تلك الدول، فقد أشار إليها بعبارة »المبيعات« إذ من الواضح أن لولا تلك »المساعدات « لما أمكن للدولة الفقيرة المشمولة بتلك المساعدة شراء صادرات الدول الصناعية سواء كانت هذه من السلع أو الخدمات.
أهم ما ينبغي للدول المتخلفة الانتباه إليه هو اقتراب ذلك الوقت الذي سيتحتم فيه إيقاف النمو الصناعي أو التعرض المباشر لأخطار لا قدرة لها على تحملها وهي مازالت بأمس الحاجة إلى مثل ذلك النمو، بينما الدول المتصنعة التي تتمتع بمستو ى معيشي مرتفع يمكنها معه قبول إيقاف النمو لدرء الخطر. الأمر المخيف هو أن إيقاف النمو يمكن أن يتم - طوعا أو جبرا - بينما إعادة التوزيع
العادل للثروات بين الشعوب لاينسجم مع واقعيات العالم ولا أمل في أن يكون كذلك في المستقبل.
المساعدات الاقتصادية
يقول المؤلف إن للمنظمات المتخصصة ب »تطوير« الدول المتخلفة شعارات تنطوي على معان إنسانية محترمة، ونشرات منمقة مليئة بالأرقام والأدلة على ماتبذله الدول المتصنعة من جهود ل »مساعدة« الدول المتخلفة ولكن يجدر أن نترك ذلك جانبا لأهله ونلقي نظرة أعمق على باطن الفكر الغربي الذي يكمن خلف تلك »الواجهة« من الشعارات والنشرات.
ثمة توافق غير مقصود بين بعض تطبيقات المبادئ الإنسانية وبين مقتضيات الاستعمار ساعد على تفاقم أوضاع الدول الفقيرة، وذلك أن المبادئ الإنسانية اقتضت مساعدة الشعوب الفقيرة على مكافحة المرض والوباء بتحسين وسائل الوقاية والمعالجة الطبية والصحة العامة وإن كانت دوافع المساعدة الصحية تتعلق في بعض الأحيان بمتطلبات صيانة صحة المستعمرين أنفسهم في المستعمرات قبل أن تكون دوافع إنسانية محضة. وعلى كل حال فقد اضطرت الدول المستقلة حديثا والخارجة من عهد الاستعمار الكلاسيكي في حالة تخلف وفقر كاملين الى التركيز على توفير الغذاء لأبنائها المتزايدين وذلك بالانصراف الى مشاريع التنمية الزراعية وماتتطلبه من تخصيص الجزء الأكبر من الموارد القومية (وبضمنها موارد العملة الأجنبية) ولأجل حصول هذه الدول الفقيرة على العملة الأجنبية فقد اضطرت الى أن تبيع الى الدول المتصنعة ما تقبل هذه الأخيرة شراءه من الأولى، وكذا فقد حققت للدول المستعمرة (بكسر الميم) ما أرادته بدون احتلالها الفعلي للمستعمرات بحصولها على المواد الخام والمعادن والمواد الأولية والعمل الرخيص بصورة مستمرة ومضمونة، وتم تنظيم نظام النقد الدولي وتركيب هيكل الاسعار وأنظمة التجارة الدولية بما يتلاءم مع تلك الغاية. إن هذا النوع من »التبادل التجاري« ينطوي على ابتزاز للموارد والثروات الطبيعية المحدودة للدول الفقيرة مقابل ما يكاد يغذي أبناءه. إنه تسابق غير منصف على استهلاك هذه الموارد في وقت لاقدرة للشعوب الفقيرة فيه على استعمالها لرفاه أبنائها بسبب تخلفها التكنولوجي. إن هيكل النقد والتجارة والأسعار لاتعكس تعويضا معقولا للدول الفقيرة على ماتفقده الى الأبد من ثروات، كما وأن ذلك الهيكل يضمن تبادلا أقل عدالة وإنصافا بين مجهود العامل أو الفلاح على جانبي الجدار الفاصل بين العالمين المتقدم والمتخلف، وتدل بعض التحليلات على أن مجهود فرد في دولة صناعية يبادل بمجهود عشرين أو ثلاثين في الدول الفقيرة.
إن القلق الذي يسود الدول المصنعة حول تزايد سكان الدول الفقيرة له ما يبرره من وجهة نظرها، بل إن استمرار ذلك التزايد يجب أن يقلق الدول الفقيرة من باب أولى ولكن من حق شعوب الدول الفقيرة أيضا أن تقلق وتحتج على استمرار الدول المصنعة في استهلاك الموارد المحدودة للكرة الأرضية بهذا المعدل بدون أن يكون للأولى (الشعوب الفقيرة). فرصة للاستفادة من حصتها من تلك الموارد.
ظاهرة التخلف في الدول النامية
كان التخلف يوصف في السابق بثلاث كلمات بسيطة: المرض والفقر والجهل. ولكنه صار مؤخرا، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، من أهم مواضيع الدراسة بالنسبة لعلماء السياسة والاقتصاد والاجتماع. كما أنه صار من أهم مشاغل الدول المتصنعة التي احتلت مقعد القيادة لآلة التطوير التي تعمل تحت شعار القضاء على ظاهرة التخلف.
عبر روبرت ماكنمار (رئيس البنك الدولي) عن حالة التخلف القصوى بالوصف الآتي:
1 مابين ثلث ونصف سكان العالم أو ما يقارب الألفين من الملايين من الناس يعانون الجوع وسوء التغذية.
2 مابين 20 و 25 في المائة من الأطفال يموتون قبل بلوغ الخامسة من العمر. والملايين الذين يبقون أحياء بعد هؤلاء يعيشون حياة مقيدة وبطيئة بسبب ما لحق بأدمغتهم وأبدانهم من خراب، وانهم قليلو الحيوية بسبب سوء التغذية.
3 العمر المتوقع يقل ب 20 سنة عما في العالم الميسور. أي أنهم محرومون من 30 بالمائة من العمر الذي يتمتع به أبناء العالم المتطور. في الواقع إنهم محكومون بالموت المبكر منذ ولادتهم.
4 حوالي 800 مليون من هؤلاء لايعرف القراءة والكتابة. وبالرغم من التوسع المستمر في وسائل نشر الثقافة فإن ذلك العدد سيزداد بالنسبة لأبنائهم.
وأما فيما يتعلق بالتخلف التكنولوجي والاستغلال بين الدول، فيقول المؤلف إن الحد الأدنى من الاكتفاء التكنولوجي يتحقق عندما تتمكن المجتمعات من تزويد أبنائها بمتطلبات الصحة العامة من مياه وكهرباء وغذاء وكساء وسكن وعلاج بدون الاضطرار إلى طلب المعونة من الخارج ودفع الثمن بصورة »مجحفة«.
ولكن باستمرار تزايد نفوس الدول النامية (المتخلفة) تتفاقم مشاكل إعداد وتوزيع تلك المتطلبات الضرورية، الأمر الذي يستوجب الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة المستوردة لسد النقص، وقد بلغت كثافات السكان لبعض المناطق من الخطورة حيث أصبحت معها المساحات المخصصة للزراعة غير كافية لإنتاج الغذاء لما يكفي الجميع، وبالنسبة لبعض البلدان أصبحت مقادير المياه المتبقية غير كافية لأغراض الريّ لبروز استعمالات إضافية لها أو لخزنها خلف سدود عالية لغرض إنتاج القدرة الكهربائية. ولبقاء واردات الحقول الزراعية في مستواها الواطئ بالنسبة إلى متطلبات المعيشة للعاملين فيها، أخذت الهجرة من الريف إلى المدينة تتسارع حيث تفاقمت الأحوال في المدن الكبيرة التي ظلت غير قادرة على تحمل أعباء الخدمات الصحية والاجتماعية وبناء الهياكل التحتية اللازمة كمشاريع المياه والكهرباء والمجاري والشوارع وتجهيز وسائل النقل والمدارس والمستشفيات....
ومن الأضرار غير المباشرة للتخلف التكنولوجي تبني الأنواع غير الملائمة من التكنولوجيا، ومجابهة العوائق والقيود في مضمار نقل التكنولوجيا ومنع هذا النقل أو التنازل عن حقه، بالإضافة إلى التأثيرات البعيدة المدى للتكنولوجيا الدخيلة وتشويه الأهداف الوطنية في تنمية المقدرة التكنولوجية المحلية.
ماهي التكنولوجيا الممنوع نقلها؟
إذا استثنينا بعض أنواع التكنولوجيا المعاصرة الرفيعة لاسيما في مجالات الذرة والفضاء الخارجي وبعض الأدمغة الإلكترونية فإن بإمكان معظم الدول المتخلفة شراء المعامل المختصة بصنع كل ما تحتاجه من سلع إذا تمكنت من دفع ثمن ذلك المعمل.
وإن ما تشكوه أغلب الدول الفقيرة من نقص في مقدرتها التكنولوجية ليس له علاقة بتلك الأنواع الرفيعة من التكنولوجيا والتي لاتشكو من نقصانها إلا الدول التي قد قطعت شوطا كبيرا في مسيرتها نحو حالة التطور المتكامل.
لكن مجرد التمتع بحرية اقتناء المعمل لايعني أن أبواب انتقال التكنولوجية الممثلة بذلك المعمل مفتوحة على مصراعيها أمام الدولة التي تشتري وتقوم بتشغيل المعمل. ويصف الاستشاري م.ا.م شعبان من منظمة التصنيع المصرية في القاهرة حالة عدم انتقال المعمل وتشغيله في إحدى »الدول المجاورة« بأنه عندما قام بزيارة للمعمل وجده يشتغل بسدس طاقته الانتاجية فقط نتيجة لانعدام الصيانة اللازمة له. ويذكر الاستشاري شعبان أن الكثير من الدول المتخلفة تكتفي بتدريب إطار يكفي لتشغيل المعمل فقط وتهمل الإطار اللازم لصيانته..
الواقع أن الدول التي تملك الأطر الفنية اللازمة لصيانة معاملها تشكو هي الأخرى من عواقب النقص في القدرة التكنولوجية المتعلقة بتلك المعامل، وهذا يجرنا كما يقول المؤلف إلى النظر إلى جوهر الموضوع ما العلة في ذلك؟؟ كيف انتقل المعمل وانتقل مشغلو المعمل وانتقل القائمون بصيانة المعمل ومع كل ذلك لم تنتقل التكنولوجيا التي يمثلها ذلك المعمل؟؟ إن التكنولوجيا تنتقل متقمصة بالوسائل الثلاث التالية:
1 الأشخاص 2 المعدات. 3 الهندسة. وقد شرح المؤلف كل عنصر من هذه العناصر واعتبر الصناعات الهندسية من أهم أركان عملية نقل التكنولوجيا الصناعية إلى الدول المتخلفة. وللصناعات الهندسية أهمية اقتصادية اجتماعية لأنها مركز التطور التقني وبؤرة التحول الاجتماعي.
ثم تحدث عن المساعدات الخارجية للتطوير والاتفاقيات الثنائية أو الحاجة إلى العملة الصعبة. والقيود غير الرسمية والخفية.
والأسرار الصناعية وبراءات الاختراع والرخص الصناعية، وهيكل التجارة والنقد الدوليين، كما تطرق للعوامل الداخلية ضعف الثقة بما هو محلي، وسماسرة المصالح الأجنبية، والقيود الحكومية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.