تقول استر وهي سجينة يهودية: إنني ألوم نفسي كلما تذكرت تلك الضربات التي أنزلتها بنادية لقد حرضني شخص ما، وسرقت من نادية أغراضها، ليس لحاجتي إليها، بل انتقاما منها ومن شقيقتها، ولإلحاق الأذى بهما، وبخاصة نادية. لقد كنت أكيل لها الشتائم طوال اليوم، وكانت آنذاك منغلقة على نفسها في غرفتها. وكنت أقف على الكوة المطلة على غرفتي وأوجه لها الشتائم بالعبرية والعربية،،، حتى تستوعب هذه الشتائم جيدا. نادية، ماهي الكلمات الأولى التي تعلمتها بالعبرية؟ في البداية «بصير خير» «جيد»، وبعد ذلك: «زانية» و «بنت الزانية». وفي وقت لاحق «صباح الخير» وما إلى ذلك من كلمات. وتضيف استر قائلة: لقد تحدثنا حول الضربات. وقد كان ذلك في يوم السبت، فقد كنت أجلس في الممر مع سجانة، نثرثر. وفجأة مرت نادية وشقيقتها، وتوقفت نادية وقالت لي: ماذا تريدين منا يا أستر، قولي ماذا تريدين! فقلت لها: أنت تعرفين جيدا ماذا أريد. أنتما «مخربتان» ومكانكما ليس هنا، يجب قتلكما. وقد ساعدتني إحدى السجينات وانضمت إليّ بكيل الشتائم لهما. وقامت احدى السجينات بضرب مرلين، وأنا أمسكت شعر نادية، وهاجمتها. لقد أردت الإنتقام منهما،،،،، ولا أدري الآن، ماذا فعلت بالضبط. وكل ما أذكره أننا كنا إثنتي عشرة سجينة يهودية وقمنا جميعنا بالهجوم عليها وشقيقتها وضربناهما. وماذا فعلت ، أنت يا نادية، وبماذا شعرت؟ إنني لم أشعر بشيء، لقد كان عددهن كبيرا بالنسبة لي ولشقيقتي، وكن جميعهن في حالة هستيريا، وكلهن هاجمننا وضربننا،،، وكنت في حالة مضطربة. ولم أشعر حتى بالألم. وبعد مرور وقت كبير جاءت السجّانات، وفصلن بيننا، وأخذنني وشقيقتي إلى الزنزانة، أما السجينات اليهوديات اللواتي اعتدين علينا بالضرب فلم يتخذ ضدهن أي إجراء. وتضيف نادية: إننا نعرف بأن القانون ينص في مثل هذه الحالة، على وضع الجميع في الزنزانة، وبعد أن يتم استيضاح الأمر يجري... بيد أن القانون لم يكن له وجود في حالتنا،،،، ومكثنا أربعة أيام في الزنزانة في مرحلة من النسيان، على ضوء ذلك رفضنا تناول الطعام، وطالبنا بمقابلة المديرة. وبعد ذلك، ورويدا رويدا، أخذت الأمور تسير في مسارها الصحيح. تعرفت وشقيقتي على المديرة، وكنت أتحدث معها كثيرا، وكأننا صديقتان. وأصبحت مديرة السجن بالنسبة لي مثل أم جيدة، وبفضلها بدأ كادر السجن بتغيير معاملته لنا. ولكن حتى ذلك الوقت واجهت وشقيقتي الأمرين. لقد اعتقدت بأن هذا أقصى عقاب في العالم. ليس لكوني سجينة، بل لأنني مرغمة على العيش في مثل هذا المجتمع. ورددت في خاطري عبارة سارتر التي تقول: «إن جهنم هي الآخرون»، وحينذاك بذلت جهدا كبيرا في تعليم اللغة العبرية، وبالفعل تعلمتها بسرعة كبيرة، إذ كان من المهم بالنسبة لي، أن أفهم المجتمع الإسرائيلي والبيئة التي أعيش فيهما. وتغيّرينها أيضا؟ إن الرغبة في التغيير والمساعدة، جاءت في مرحلة لاحقة، وذلك عندما فهمت المجتمع الذي أعيش في كنفه والمتمثل بالسجينات اليهوديات. وقد جاءت هذه الرغبة بفعل الإشفاق عليهن. لقد أدركت أنهن مسكينات، وهن يتشاجرن فيما بينهن. ولكن كان كل شيء مسموحا به عندما يتعلق الأمر بنا، لكوننا فدائيات أما فيما بينهن، فهو شيء آخر. لقد كان أفظع شيء بالنسبة لي، إضافة الى ما ذكرت، هو سرقة سجائرنا قبل المحكمة. فقد كنا موقوفتان، ولم نتلق أي شيء من الخارج، بما في ذلك السجائر. كما لم يكن هناك من يزورنا، ليحضر لنا بعض الحاجيات. لقد كنت أجمع أعقاب السجائر عن الأرض وأدخنها. ومع كل ذلك، استمرت عملية شتمنا وضربنا وسرقتنا، وكان كادر السجن يغض الطرف عن كل ذلك، وعندما كنا نشتكي السجينات اليهوديات للسجّانات ، كانت السجانات يسخرن منا، وتأكد لنا، بأن السجانات أيضا هن اللواتي يحرضن السجينات علينا، وأنهن راضيات عن «قيامهن بمضايقتنا بكل الوسائل».. وبينما كان الحديث يدور بيني وبين نادية صرخت استر التي كانت تقف بجانب النافذة محذرة: «المديرة في طريقها إلى هنا، إنها ستقتلني إذا رأت الأشرطة،،، اخفوها بسرعة». قالت نادية الهدوء: «لم نأت لعمل فاحش» وتناولت قيثارتها وراحت تشدو بأغنية أخرى كتبت هي كلماتها: وتقول كلمات هذه الأغنية: نظرت إلى نفسي في المرآة العينان منتفختان والرأس مستدير وكأنني شربت طوال الليل ولم أحلم في الصيف إنني كئيبة والغرفة متسخة وأنا سمينة وأنت تغسلين المجلى أنا أنظف المنفضة وبعد قليل يتم العدّ وبعدها يبدأ العمل، العمل أنت تكنسين وأنا أرفع الدلو وأحلم ببلاد بعيدة وعلى غابات الصنوبر دورك في التكنيس يوم السبت لطيف جدا وانظر في المرآة التي تثني لي وجهي مندهشة كيف سينتهي اليوم دورك في التكنيس».