يمكن أن نتحدث بكل أريحية عن تعطيل الحكومة لآليات محاربة الفساد من خلال حالتين على سبيل الاستئناس لا الحصر. الحالة الأولى تتعلق بتجميد رئيس الحكومة من جهة لمقتضيات المرسوم المحدث للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة فيما يهم عدم تمديد ولاية أعضاء الجمع العام، أو تعويضهم بعد انتهاء مدة ولايتهم بتاريخ 15 أكتوبر 2012، حيث إنه بعد قضاء هؤلاء الأعضاء لولاية أربع سنوات لم يتم حتى اعتبار ما قاموا به، سواء بالإيجاب أو السلب، رغم أن المرسوم ينص على أن هذه الولاية قابلة للتجديد بالنسبة للأعضاء، في حين أن ولاية رئيس الهيئة محددة في ست سنوات غير القابلة للتجديد، والتي ستنتهي يوم 20 غشت 2014. وقد ترتب عن عدم تجديد أعضاء الجمع العام للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة تعليق تقريرين سنويين لسنتي 2012 و 2013، وهما التقريران اللذان كان يفترض أن يوجها إلى رئيس الحكومة ووزير العدل. ودائما في إطار الحديث عن الحالة الأولى، التي تؤكد عدم اكتراث الحكومة بمحاربة الفساد ، الذي ركبت موجته لتتربع على كراسي المسؤولية في سياق دستور 2011 وانتخابات سابقة لأوانها، يمكن أن نشير إلى تعليق مشروع قانون الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المنصوص عليها في دستور فاتح يوليوز 2011، والذي مَرَّ بعدة محطات للمناقشة والاعداد وفق مقاربة تشاركية، إلا أنه مازال «رهن الاعتقال الاحياطي» لمدة تزيد عن سنتين، بعد أن كنا قد اعتقدنا أنه سيبرمج في الدورة البرلمانية الاستثنائية الأخيرة، علما أن رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بشرنا بقدوم الإفراج عن هذا المشروع قريبا من مجلس الحكومة. أما الحالة الثانية من تعطيل الحكومة لآليات محاربة الفساد فنستدل بها على سبيل المثال لا الحصر أيضا، من خلال تصريحات رئيس الحكومة وبعض وزرائه، الذين عوض أن يعملوا على إعمال المقتضيات القانونية الجاري بها العمل لمحاربة الفساد فإنهم يدخلون في جوقة التنديد، والتشهير، والضرب من تحت الحزام، حيث يُخيِّل للمرء أننا أمام خطاب معارضة، ولا وجود للحكومة أصلا. وهكذا يمكن التذكير باتهام رئيس الحكومة بعض معارضيه في قبة البرلمان التي هي مؤسسة تشريعية من وظائفها مراقبة عمل السلطة التنفيذية بتهريب الأموال عوض إحالة الملف على القضاء، كما تتبعنا يوم الأربعاء الماضي حديث السيد عبد الإله بنكيران حينما قال : «...أستغرب لأقوام تحتجُّ على الحكومة وتوظف أبناءها بطرق غير قانونية ...وأن المغرب لا يتوفر إلا على حزبين، حزب للإصلاح وآخر للفساد». كما أقر رئيس الحكومة، في افتتاح أشغال الجمع العام للوظيفة العمومية بوجود اختلالات في التعيين بالمناصب الشاغرة في مؤسسات الدولة، حسب ذات المصادر الإعلامية. وإذا كان رئيس الحكومة في ظل الصلاحيات الدستورية والقانونية التي يتوفر عليها، يُقرُّ بوجود توظيفات مشبوهة واختلالات في التعيين في مناصب المسؤولية فماذا يمنعه من تقديم الملفات إلى القضاء للفصل في هذه الاتهامات الخطيرة. إن عدم لجوء رئيس الحكومة لتفعيل القانون واحترام المؤسسات القائمة في سياق فصل السلط توظيف خطير للمؤسسات، وإضرار بالمال العام، ومس خطير بالأشخاص في غياب إقامة الدليل المادي، وكذا تمييع للمشهد السياسي. من جهة أخرى تتبعنا خبراً يؤكد أن وزير السكن وسياسة المدينة اتهم أعوان السلطة المحلية بعرقلة البرنامج الوطني لمحاربة السكن غير اللائق. وأكد الوزير، تبعا لذات المصدر، أن الحكومة اكتشفت استنبات 100 ألف دار صفيح جديدة بعد أن اقتربت من حلِّ الملف، حيث سبق للحكومة أن أحصت 270 ألف أسرة مستقرة بدور الصفيح وتم إسكان 230 ألف، معتبرا أن الأمر أصبح يتجاوز إمكانيات الحكومة وصلاحياتها. وعليه، ماهي الإجراءات العملية التي اتخذتها الحكومة لمعاقبة المسؤولين عن تفريخ البراريك، وبالتالي الإضرار بمالية الخزينة العامة وتشويه رونق المدن. وعليه فإذا كانت الحكومة بدورها تشتكي من الفساد من خلال الحولقة، فمن المعني بمحاربته؟ ومن المسؤول عن تعطيل القانون؟ ومن المسؤول عن --إهدار المال العام وارتفاع كلفة الإصلاح. [email protected]