الرقمنة تجلب %91 من ضرائب مغاربة الخارج وتمنحهم أكثر من 4 مليون شهادة إلكترونية    بوروسيا دورتموند يكرر فوزه على "سان جيرمان" وييلغ نهائي عصبة الأبطال للمرة الثالثة    الملف المطلبي يدفع التنسيق النقابي لقطاع الصحة إلى تفعيل إضراب وطني    سفينة جانحة تغادر "مضيق البوسفور"    طقس الأربعاء.. موجة حر تصل 44 درجة تضرب عدة مناطق مغربية    النهضة البركانية تهزم المغرب التطواني    جماعة الحسيمة تصادق على 20 نقطة في دورة ماي 2024    "نتنياهو يعرف أن بقاء حماس يعني هزيمته"    "الكاف" يعين صافرة سنغالية لقيادة مباراة نهضة بركان والزمالك المصري    وزير الثقافة المالي يشيد بجهود جلالة الملك الداعمة لإشعاع الثقافة الإفريقية    توقيف شخصين بأكادير للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات الصلبة    الرباط.. تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام التنموي في دورتها الثانية    توقعات لهبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية في السلك الابتدائي بجهة الشمال    الملك محمد السادس يستقبل الأمير تركي حاملا رسالة من العاهل السعودي    باريس سان جيرمان يخطط للتعاقد مع نجم المنتخب المغربي    الداخلية تفتح باب الترشح لخلافة بودريقة في رئاسة مرس السلطان    رئيس روسيا يأمر بمناورات نووية    بنموسى يكشف عن مصير الأساتذة الموقوفين    قتلى وجرحى في هجوم بالصين    عبد النباوي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الكويتي يتفقان على وضع إطار اتفاقي للتعاون    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    طلب "أخير" من الاتحاد الجزائري بخصوص أزمة قميص نهضة بركان    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    الشرطة الفرنسية تصادر مليون قرص مخدر    المغرب يقتحم الحدود الممنوعة في صناعة السلاح الفتاك    بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    إدارة إشبيلية تحتفي بالمدرب الركراكي    تداولات الافتتاح في بورصة الدار البيضاء    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    مناسبة لتأكيد تمسك الأمة بمبدأ الوفاء للعرش العلوي المجيد.. الذكرى الواحدة والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    "حماس": 54 شهيدا خلال 24 ساعة في غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل فشلت حكومة بنكيران في رهان محاربة الفساد؟
صدوق: «محاربة الفساد لا تتم بالوعظ والإرشاد وحصيلة الحكومة ضعيفة»
نشر في المساء يوم 15 - 06 - 2014

عرفت حكومة عبد الإله بنكيران انتكاسة جديدة، أثبتت فشلها في رهان محاربة الفساد الذي وظفته كحطب لحملتها الانتخابية، بعد المعطيات الصادمة التي خرج بها تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة.
فبعد سياسة التشكيك التي استعانت بها الحكومة لمواجهة عدد من التقارير الدولية، التي قالت إن الفساد لازال يحافظ على مكانته داخل دواليب الاقتصاد وعالم السياسة والمال بالمغرب، جاء تقرير الهيئة ليؤكد عددا من الوقائع، ويضع اليد على مكامن الخلل والقصور في التعاطي مع هذه الظاهرة.
وفي هذا السياق ربط صدوق عبد الصمد، الكاتب العام ل»ترانسبرانسي المغرب»، الأسباب الموضوعية لعدم تحقيق الحكومة نتائج ملموسة في محاربة الفساد، بتعاطيها والأحزاب المشكلة لها مع هذه الإشكالية عن طريق خطاب خلق انتظارات كبرى لدى الشارع العام دون أن يترجم خطوات ملموسة.
وأوضح صدوق أنه بعد مضي أكثر من سنتين على تنصيب الحكومة لم يظهر أي إجراء فعلي لمحاربة الفساد، مشيرا إلى أنه كان هناك تأخر في وضع إستراتيجية تهم هذا الملف، قبل أن تحاول الحكومة تدارك الأمر، بعد أن اتضح أن الحصيلة ضعيفة، ولم تسفر عن أي تدابير أو إجراءات. وأضاف «ما هو موجود هو استمرار الحكومة في التعاطي مع الفساد بنفس السياسة». ونوه صدوق بالعمل الذي قامت به الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، غير أنه أكد بأن تأثيرها بقي محدودا رغم المجهودات التي قامت بها الهيئة ورئاستها.
وانتقد صدوق محاولات تبرير ضعف الحصيلة الحكومية في محاربة الفساد بتغلغل هذا الأخير وتشعبه، وقال إن هذا الأمر «بديهي ومعروف، ومعترف به من طرف الدولة والمجتمع المدني»، قبل أن تساءل: «السؤال المطروح هو ما هي الإجراءات التي قامت بها الدولة؟». وأجاب أن الجمعية بعد شهرين من تنصيب الحكومة كانت تنتظر إجراءات إيجابية وجد مشجعة قبل أن يخرج رئيس الحكومة بجملته الشهيرة: عفا الله عما سلف.
وأضاف صدوق «لقد سمعت رئيس الحكومة في اجتماع لجمعية مفتشي المالية العامة وهو يلجأ إلى خطاب الوعظ والإرشاد بخصوص الرشوة، علما أن الفساد لا يمكن أن يحارب بمثل هذه الطريقة، ولابد من سياسة عمومية واضحة».
وعلاقة بما ورد في تقرير الهيئة، تحفظ القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي على الأحكام التي تم استخلاصها من التقرير، وقال إن «صدور مثل هده الأحكام عن مؤسسات يفترض فيها المساهمة في محاربة الفساد من شأنه أن يحدث نوعا من الخلط»، مضيفا بأن الأمر «كان سيصبح مقبولا لو صدر عن جهة معارضة، لا عن جهة يتعين أن تكون لها حصيلة في هذا المجال».
ويقر أفتاتي بأن حصيلة الحكومة في محاربة الفساد تبقى دون المستوى المأمول، وقال: «هناك تقصير، ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران له إرادة كبيرة لمحاربة الفساد. لكن القيام بهذا الأمر لا يتوقف على الإرادة فقط، بل لابد أيضا من النجاعة والإجراءات والانخراط الجماعي».
وأضاف بأن الحديث عن «وجود تقصير لا يمنع التأكيد بوجود مجهود»، قبل أن يعود إلى التقرير الصادر عن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، الذي كشف أن العدل يأتي على رأس القطاعات التي تعاني من الرشوة والفساد، ليعلق على ذلك بالقول: «هذا يؤكد بأن بعض الجهات ضالعة في الرشوة، وتقوم بممارسات من أجل إفشال مجهود محاربة الفساد»، قبل أن يضيف «مثل هؤلاء القضاة فين غادي يديرو وجههم».
ووجه أفتاتي أصابع الاتهام إلى عدد من الجهات التي قال إنها تقف وراء عرقلة عملية محاربة الفساد، وأن لها مصلحة في العمل على استمراره، وعلى رأسها «الأحزاب وبعض رجال الأعمال»، وقال إن الأحزاب لها «مفسدون كبار يتوزعون ما بين المجالس والقيادات والبرلمان، وبعض المؤسسات»، وأنه «لو قامت الأحزاب بعمل ذاتي لتنقية صفوفها من المفسدين، لتقدمنا بشكل كبير في مجال محاربة الفساد، لكن للأسف لازالت مستمرة في توفير غطاء للمفسدين».
ونبه أفتاتي إلى أن نفس الأمر ينطبق على رجال الأعمال الذين «يتعين عليهم أن يفضحوا من راكم الثروات بالإرشاء والارتشاء»، إضافة إلى بعض «النافذين في الإدارة»، الذين «يعدون من رموز الفساد، إلى جانب أشخاص مبثوثين في البرلمان تحولوا من بسطاء إلى أعيان المغرب»، وقال إن «هؤلاء هم من يجب أن توجه إليهم السهام».
ورغم الإجماع على فشل حكومة في محاربة الفساد أو على الأقل محاصرته، حسب ما ورد في عدة تقارير دولية ووطنية، مما سيجعل حكومة بنكيران في موقف حرج أمام الناخبين الذين وضعوا ثقتهم في حزب العدالة والتنمية بعد حراك شعبي، فإن أفتاتي أبدى تفاؤلا كبيرا، وقال إن الحكومة ستتقدم «بشكل كبير في مسار محاربة الفساد بدعم من المؤسسات المعنية لأن الأمر يتعلق بمطلب للمغاربة».
وعلاقة بالانتقادات التي وردت في تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، قال أفتاتي: «هذا أمر لا يمكنني أن أكون ضده، بل نحن بحاجة إلى المزيد من الملاحظات والانتقادات لتقويم المسار، وهنا لا يمكنني الاختلاف مع مؤسسة محترمة، وما أختلف معه هو الأحكام التي تم استخلاصها من تقريرها».
وكانت الهيئة قد سجلت عددا من المؤاخذات في التعاطي مع الرشوة والفساد، حيث كشفت ضعف التناسق المؤسسي بين مختلف سلطات وهيئات التفتيش والمساءلة والمتابعة. كما نبه رئيسها إلى أن النسبة الغالبة من أجوبة وزارة العدل والحريات تمثلت في قرارات بالحفظ لأسباب مختلفة (تتعلق بانعدام وسائل الإثبات أو إنكار المشتكى به أو المبلغ عنه أو التقادم أو تعذر الاستماع إلى الأطراف أو عدم كفاية الأدلة أو انعدام العنصر الجرمي).
كما رصدت الهيئة الصعوبات المرتبطة بالولوج إلى المعلومات، وصعوبة التنسيق مع الفاعلين الآخرين بموضوع الفساد، وبالانخراط غير الكافي لبعض الأطراف، وبضعف الوسائل، كما تم الكشف عن وجود تردد في تطبيق القانون المتعلق بحماية الشهود وضحايا أفعال الفساد.
مصطفى الحجري
أسباب محدودية المنظومة الزجرية لمحاربة الفساد
استثناء الإثراء غير المشروع ورشوة الموظفين الدوليين من دائرة التجريم
ظلت فعالية المنظومة الزجرية لمحاربة الفساد محدودة نسبيا في عهد الحكومة الحالية، رغم اتخاذها عددا من التدابير مع دستور 2011، والتي يمكن حصرها في عدم استيعاب دائرة التجريم لرشوة الموظفين الدوليين، والإثراء غير المشروع، والمسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتباريين، وغياب آليات التعاون والتواصل مع سلطات إنفاذ القانون حول التبليغ عن جرائم الفساد، وصعوبة تفعيل الحماية القانونية للمبلغين، وقصور آليات المتابعة والمحاكمة الجنائية، ومحدودية فعالية الأثر الردعي للعقوبات، وإشكالية الالتزام بتنفيذ الأحكام القضائية، وعدم اعتماد إطار قضائي متكامل ومتخصص في جرائم الفساد، وفق تقرير للهيئة المركزية لمحاربة الرشوة أصدرته مؤخرا.
ولمحاربة الرشوة والفساد أقرت الحكومة مرسوما لتدبير الصفقات العمومية، ثمنته الهيئة المذكورة، غير أنها تطرقت إلى بعض الثغرات التي ما زالت تشوبه، ومنها الاستثناء غير المبرر المخول لإدارة الدفاع الوطني في مجال الصفقات العمومية بالنسبة إلى الشراءات العادية المنجزة من طرف الإدارة، والتي ليست لها علاقة بأمن الدولة، وغياب آلية مستقلة للحسم في التظلمات والشكايات.
وفي مجال الحكامة السياسية، ورغم إيجابية القانون التنظيمي الخاص بها في مجالي الشفافية وتقديم الحساب فإنه ما زال قاصرا لعدم تنصيصه على المسؤولية المدنية للأحزاب وعدم تضمين عمليات تدقيق مالية الأحزاب في التقارير الخاصة للمجلس الأعلى للحسابات، وعدم إخضاع الأحزاب للاختصاص القضائي للمجلس بخصوص التأديب المتعلق بالميزانية، وعدم إلزامها بنشر الوثائق المقدمة إلى مجلس الحسابات.
وبخصوص الحكامة الانتخابية، تضمن القانون التنظيمي لانتخابات أعضاء مجالس الجماعات الترابية عددا من المقتضيات الإيجابية، لكنه ما زال يعرف بعض الثغرات، منها عدم سريان المنع من الترشح للانتخابات على الأشخاص الصادرة في حقهم أحكام من طرف المجلس الأعلى للحسابات بالغرامات أو باسترداد الأموال المطابقة للخسائر، وعلى المحكوم عليهم بحكم نهائي لارتكابهم جرائم الأموال المنصوص عليها في القانون الجنائي، وعلى الأشخاص الذين أصدر المجلس الدستوري قرارات بإلغاء فوزهم على خلفية ارتكابهم مناورات تدليسية، وعلى الأشخاص الذين في ذمتهم ديون غير مسددة للدولة.
التقرير رصد أيضا الأسباب التي حالت دون محاربة الفساد خلال الفترة الممتدة ما بين 2005 و2010، ومنها استثناء مجموعة من أفعال الفساد من دائرة التجريم كالإثراء غير المشروع وبعض الأفعال المرتبطة باختلاس الأموال العمومية وبرشوة الأجير بموافقة مشغله وبالاتجار في المخدرات كمصدر لغسيل الأموال وبإخفاء الأشياء المتحصلة من جرائم الفساد، إلى جانب عدم إدراج فئة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية والأشخاص المعنويين في دائرة المساءلة الجنائية عن أفعال الفساد، وكذا التفاوت غير المبرر في العقوبات المحددة لمختلف جرائم الفساد وغياب عتبة مالية لمضاعفة العقوبة في جريمة الرشوة في القطاع الخاص وعدم التنصيص على عقوبات للمستفيدين من جرائم الفساد من جريمة الغدر.
ومن بين الأسباب أيضا التي جعلت المنظومة الزجرية محدودة «تذبذب الإطار القضائي لمكافحة الفساد باستبدال قضاء استثنائي بقضاء عادي غير متخصص، حيث لم يتم استغلال الفترة الانتقالية التي عرفت نقل اختصاصات المحكمة الخاصة للعدل إلى محاكم استئناف لتطوير وتحديث وملاءمة جهاز قضائي متخصص في مكافحة الفساد، فضلا عن وجود ثغرات على مستوى القانون والممارسة تؤدي إلى الإفلات من المتابعة تتجلى في تحجيم تحريك المتابعات الجنائية في قضايا الفساد بفعل إخضاعها لمبدأ الملاءمة والتراتبية الإدارية بما يتعارض مع مقتضيات القانون الجنائي، وكذا تحجيم دور المجلس الأعلى للحسابات في تحريك المتابعات القضائية مباشرة لدى وكلاء الملك بإلزامه برفع الأفعال التي تشكل مخالفات جنائية إلى وزير العدل قصد اتخاذ ما يراه ملائما في تعارض تام مع أحكام قانون المسطرة الجنائية.
ومن بين العراقيل أيضا التي حالت دون فعالية زجر الفساد «عدم تأسيس المتابعات الجنائية على نتائج أشغال اللجان البرلمانية لتقصي الحقائق وكذا التوظيف السلبي للحصانة البرلمانية ولقواعد الاختصاص الاستثنائية كمطية للإفلات من المتابعة، وتعطيل مسار إنفاذ القانون من خلال إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية، سواء الصادرة في مواجهة الإدارة أو القاضية باسترداد الأموال المنهوبة».
وقد حالت عدة أمور في ما يخص نجاعة المنظومة المؤسسية، منها ضعف المراقبة البرلمانية نظرا لكون الآليات المتاحة لا تسمح في الواقع بالتحليل الدقيق للقوانين المالية في الآجال المرعية ولا تعتمد دائما على أهداف واضحة، زد على ذلك ضعف المراقبة الإدارية المتجلي في الدور المحدود للمفتشيات العامة للوزارات الذي يبقى مطروحا نظرا لعدم تقييد سلطة الوزير المسؤول بإلزامية تحريك المسطرة التأديبية أو المتابعة القضائية وغياب التصدي التلقائي للاختلالات المطروحة ومحدودية فعالية المحاكم المالية.
خديجة عليموسى
أبو درار: تفشي الرشوة يؤدي إلى تقلص حجم الاستثمارات رغم ارتفاع تكلفتها
أكد أن الرشوة تحرم فئات واسعة من الوصول إلى الخدمات الأساسية
يتوقف عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، في هذا الحوار، عند أهم ما جاء في التقرير السنوي الذي قدمته الهيئة خلال الأيام الماضية، شارحا وجهة نظره في الكثير من القضايا المرتبطة بتفشي الرشوة وتأثيراتها على قطاعات حساسة في المغرب. ويؤكد أبو درار أيضا في الحوار على أهمية تبني «القانون المتقدم» لتنزيل الهيئة الوطنية للنزاهة، الذي يمنح أفقا شاسعا للاشتغال وإنجاز التقارير السنوية والموضوعاتية.
- على ضوء التقرير السنوي الذي رصد مواضع تفشي الرشوة في المغرب، هل من الممكن أن تلجؤوا إلى آليات أكثر تدقيقا في التقارير المقبلة حتى يتسنى رسم ملامح متكاملة عن انتشار الرشوة في الكثير من القطاعات؟
عندما نتحدث عن التقارير المقبلة، فنحن نتحدث عن الهيئة الجديدة المنصوص عليها في الدستور. هذا يعني أنها ستتمتع بصلاحيات جديدة وسلطات أوسع وميزانية كافية، تخول لها العمل بشكل مختلف وأكثر عمقا. إن الحصول على المعلومات الكافية والضرورية، والتجاوب الإرادي للقطاعات المعنية يظلان في غاية الأهمية عند إعداد تقارير حول الرشوة والفساد. ونحن قدمنا مشروعا متقدما لتنزيل الهيئة الوطنية للنزاهة يترجم من جهة المقتضيات الواردة على الخصوص في الفصلين 36 و167 من الدستور، ومن جهة أخرى يتماشى مع المعايير والتجارب الدولية في هذا المجال، وكل ذلك من شأنه أن يجمع مختلف الفاعلين ويوحد إرادتهم، من أجل تشخيص حقيقي لواقع الرشوة في المغرب، وتحديد مكامن الخلل وبالتالي علاجها بالإجراءات المناسبة.
-نطرح سؤالا مباشرا وأكثر دقة: ماذا يخسر المغرب من تفشي الرشوة بالشكل الذي لامسه تقريركم السنوي؟
يخسر المغرب جراء الرشوة ما تخسره غيره من الدول التي تعرف انتشارا لهذه الظاهرة. فعلى المستوى الاقتصادي ترتفع تكلفة الاستثمارات فيتقلص حجمها، مما ينعكس سلبا على مستوى التشغيل وبالتالي على نسب البطالة والهشاشة والفقر مع ما يستتبعه ذلك من حرمان فئات واسعة من الوصول إلى الخدمات الأساسية.
كما يساهم الفساد عموما في إضعاف البنيات التحتية الضرورية كمَّا وجودة، بالتلاعب في الصفقات العمومية مثلا، مع ما يكبده ذلك من نفقات إضافية للإصلاح والترقيع كان يمكن توجيهها إلى أشياء أخرى لتلبية حاجات ملحة للمواطنين.
إجمالا، بالرغم من أنه ليس هناك رقم محدد لما يمكن أن يتكبده بلد ما بسبب انتشار الفساد، فإن الخبراء في مجال مكافحة الفساد يؤكدون أن نسبة مهمة من الناتج الداخلي الإجمالي تتبخر.
- رفعت الحكومة الحالية شعار محاربة الفساد والرشوة في بداية ولايتها الحكومية غير أن التقارير الدولية تؤشر على استمرار انتشارها، كيف تنظرون إلى تعاطي الحكومة مع قضية الرشوة مع العلم أن تقريركم أشار بما لا يدع مجالا للشك إلى أن قطاعات العدل والمالية والداخلية أكثر القطاعات «غرقا» في الرشوة؟
بالنسبة لنا في الهيئة المركزية نفضل أن نظل إيجابيين ومتفائلين، خاصة أن المؤشرات نسبية. إيجابيون بمعنى أننا نفضل البحث عن حلول واقتراحات لتحسين الوضع. لهذا فإذا كنا قد أنجزنا تشخيصا شموليا ثم قطاعيا، فلكي نصل إلى تحديد خريطة للمخاطر واقتراح إجراءات عملية للحد من هذه المخاطر. وبالتالي فالغاية من هذه التقارير بما فيها التوصيات التي تتضمنها هي تطويق أسباب الفساد وليس اتهام جهات معينة. فعندما نقول بضرورة تبني استراتيجية وطنية، فهذا لتحقيق التنسيق والتناسق والالتقائية بين مختلف الإجراءات والخطط التي تتخذها القطاعات والوزارات المختلفة.
ولا أشك أن هناك عدة إجراءات اتخذت لمحاصرة الرشوة والفساد، خاصة منذ بداية الألفية، وهناك أمثلة كثيرة، لكن أكتفي فقط ببعض ما ساهمت الهيئة في إخراجه أو تقويمه من قبيل قانون حماية المبلغين والشهود، المرسوم الجديد للصفقات العمومية، مشروع إصلاح منظومة العدالة، مشروع القانون المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، رفع العقوبات الحبسية والغرامات في قضايا الفساد، إقرار ميثاق حول أخلاقيات الممارسة السياسية وغير ذلك.
هناك تقدم مهم مسجل على مستوى الآليات والأدوات مؤسساتيا وقانونيا، لكن الإشكال يكمن في بطء الوتيرة التي يسير بها تنفيذ هذه الإصلاحات وبالتالي هناك تأخر، ربما، في تحقيق النتائج المرجوة.
- بدا جليا خلال ندوتكم الصحافية أن عدم صدور القانون المنظم للهيئة يحول دون ممارسة مهامكم بالطريقة المطلوبة مما قد يعرض تقاريركم إلى ما يسميه البعض ب»التعويم»، أين وصل القانون الذي من المنتظر أن يحدث تغييرا جذريا على طريقة اشتغالكم؟
كما قلت خلال الندوة، مشروع القانون أخذ طريقه في مسار المصادقة ومن المنتظر أن تتم إحالته قريبا على البرلمان. وقد أشرت سابقا إلى بعض مضامين هذا القانون الذي سيؤطر عمل الهيئة في صيغتها الجديدة بما في ذلك تحديد مضامين التقارير السنوية التي ستكون موضوع مناقشة في البرلمان.
وأعتقد أن الأشواط التي قطعها المغرب في مجال الإصلاحات المتعلقة بتعزيز الشفافية والحكامة ومكافحة الفساد لم يعد من الممكن معها التراجع عن هذه المكتسبات بما في ذلك نوعية تقارير الهيئة التي ينبغي أن تتحسن وتتطور بالنظر إلى الصلاحيات التي يفترض أن تتمتع بها بفضل الإطار القانوني الجديد.
- هل يمكن للاختصاصات التي خولها القانون الذي أعددتموه وتنتظرون المصادقة عليه أن تخول لكم الاقتراب من قطاعات ظلت دائما موضع الطابو؟
كما أكدت مرارا، اشتغلت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في إطار التعاون والشراكة مع عدد من القطاعات من وزارات ومفتشيات عامة وغيرها، ولم يكن هناك قطاع طابو، تماما كما لم يكن هناك تدخل من أي نوع في عملنا. هذا أمر مهم جدا وجب التذكير به.
ما يلاحظ هو أن لكل قطاع أولوياته المرتبطة بطبيعة نشاطه وبالتالي هناك استعداد للعمل مع الهيئة في قطاعات معينة أكثر من قطاعات أخرى. إن هذا التفاوت يؤكد الحاجة الملحة إلى استراتيجية وطنية تتضافر فيها جهود الجميع وتحدد مسؤوليات كل فاعل وآجال إنجاز المهام التي ستوكل إليه.
في هذا الإطار أعتقد أن الهيئة المقبلة، بالنظر إلى المقومات التي من المنتظر أن تتمتع بها، ستعمق أكثر العمل الذي قامت به الهيئة المركزية.
- هل هناك إمكانية لإصدار تقارير موضوعاتية حول قطاعات ومجالات معينة إذا ما تمت المصادقة على القانون الجديد لهيئتكم؟
لقد أنجزنا دراستين قطاعيتين في الصحة والنقل، كما أعددنا عدة مذكرات موضوعاتية حول إصلاح العدالة والإعلام والصفقات العمومية، والفساد السياسي والجهوية المتقدمة وتضارب المصالح، وكذلك إبداء آراء في العديد من مشاريع القوانين التي تهم من قريب أو بعيد مجال تدخل الهيئة. إذن فقد قمنا بكل ما ورد في سؤالك، ومن المؤكد أن الهيئة المقبلة ستطور هذا العمل.
محمد أحداد
هيئة محاربة الرشوة.. من الوقاية إلى التحري والبحث في قضايا الفساد
مشروع قانون اشترط الكشف عن هوية المبلغين لقبول الشكايات
هيئة باختصاصات محدودة، «ممنوعة» من الولوج إلى المعلومة، تحيل شكايات المواطنين على القطاعات المعنية، دون أن تتوصل بأي جواب حول مآلها. هذا هو واقع الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي وإن استطاعت أن تسقط «طابو» الفساد داخل كل الأوساط والقطاعات، كما صرح بذلك رئيسها عبد السلام بودرار، فإنها مع ذلك اصطدمت بواقع صلب فرمل إمكانيات تطوير عملها، أو جعل تدخلاتها تأخذ طابعا زجريا تعطي به العبرة.
وعلى الرغم من إنجاز تقارير عن واقع الرشوة والفساد في البلاد، فإن الهيئة المركزية واجهت إشكالية تدبير مهامها بشكل فعال، بالنظر إلى محدودية المهام الموكولة إليها، والمتعلقة باستحالة اضطلاعها بصلاحية الإشراف، ومحدودية ممارستها مهام التشخيص والتقييم، وصعوبة نهوضها بالدور الاستشاري والاقتراحي.
التقرير الأخير الذي صدر عن الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة كشف عن حقيقة الصعوبات التي تواجهها في ممارسة مهامها، إذ يستحيل على هذه المؤسسة الاضطلاع بصلاحية الإشراف بالنظر إلى غموض تموقعها المؤسسي، فهي ليست سلطة تنفيذية تمتلك أدوات تنفيذ صلاحياتها، أو تصريف مشاريعها وبرامجها، ومن جهة أخرى ليست سلطة تشريعية لها حق المبادرة بالتقدم بمقترحات قوانين. وعلاوة على ذلك، لا تمتلك المؤسسة التي يشرف عليها رئيس الحكومة آليات الإلزام الكفيلة بإذكاء قدرتها على استنهاض جميع المعنيين للانخراط بفعالية في المجهود الوطني لمكافحة مختلف أشكال الفساد.
الإشكال الثاني الذي تحدث عنه التقرير يتمثل في محدودية ممارستها مهام التشخيص والتقييم، بالنظر إلى قصور آليات الملامسة المعتمدة، وندرة المعطيات والإحصائيات، وضآلة الكفاءات النوعية المتوفرة، وصعوبة النفاذ إلى تقييم السياسات العمومية. ولعل التصريح الذي جاء على لسان رئيس الهيئة كان واضحا في رسم معالم التحديات التي واجهتها في الولوج إلى المعلومة، عندما قال إن الهيئة اصطدمت بثقافة السرية فيما يتعلق بالمعلومات الموجودة لدى الإدارات والمؤسسات العمومية.
أما الإشكال الثالث فيرتبط بصعوبة نهوض الهيئة بالدور الاستشاري والاقتراحي، نظرا لغياب آليات إلزامية تجبر القطاعات على طلب استشار الهيئة في المشاريع ذات الصلة باختصاصاته، من جهة، ومن جهة أخرى لهشاشة موقع الهيئة في مسار تنفيذ المشاريع، والتوصيات المتعلقة بمكافحة الرشوة.
كل هذه الإكراهات خفت حدتها مع أمل صدور القانون المنظم للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذي أثير بشأنه جدل كبير حول الاختصاصات الموكولة إلى المؤسسة المنصوص عليها في الدستور، قبل أن يدخل مشروع القانون في حالة من الانتظار، ويصبح السؤال: متى سيصدر مشروع القانون؟
الجواب جاء يوم الخميس الماضي، عندما وزعت الأمانة العامة للحكومة على الوزراء مشروع القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حيث نص المشروع على مجموعة من الاختصاصات، منها تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد ودراستها، والتأكد من حقيقة الأفعال والوقائع التي تتضمنها، وإحالتها عند الاقتضاء، إلى الجهات المختصة، والقيام بعمليات البحث والتحري عن حالات الفساد التي تصل إلى علم الهيئة.
وتتأسس مقتضيات مشروع القانون على الارتقاء بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة إلى هيئة وطنية مستقلة ومتخصصة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، وضبط وتوضيح اختصاصاتها وصلاحياتها بما يضمن تدقيق آليات التنسيق والتعاون الممكن اللجوء إليها لتفعيل هذه الاختصاصات.
وتم تعزيز دور المؤسسة في توسيع وترسيخ ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد، بتخويلها مهمة المساهمة الفاعلة في تطوير البرامج الوطنية في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته وقيم المواطنة المسؤولة. وتشير المذكرة التقديمية لمشروع القانون إلى أن من بين مرتكزاته تأهيل المؤسسة للاضطلاع بصلاحيات جديدة في مجال الوقاية من أفعال الفساد، مع تمكينها من أدوات في إطار التعاون والتنسيق في نشر المعلومات، مع الاحتفاظ بحق التتبع ومعرفة مآل ومراعاة الاختصاصات المخولة للمؤسسات والسلطات العمومية العاملة في هذا المجال.
كما سيتم منحها صلاحية وضع برامج استراتيجية وطنية للتواصل والتوعية والتحسيس ونشر قيم النزاهة للوقاية من الفساد ومكافحته، مع احتفاظها بصلاحية تقييم وتتبع تنفيذ هذه الاستراتيجية، وتقديم اقتراحاتها وتوصياتها بشأن مشاريع القوانين والمراسيم ومقترحات القوانين المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته.
من جهة أخرى، ينتظر أن يمكن مشروع القانون هذه الهيئة من مقومات الحكامة الجيدة التي تعتمد تمثيلية متوازنة ومنفتحة، بما يضمن لها الاستقلالية والخبرة والفعالية اللازمة للاضطلاع بكل تجرد بالصلاحيات الموكولة إليها. وينتظر أن تعد الهيئة قاعدة معطيات وطنية حول مظاهر الفساد في القطاعين العام والخاص، وتتبع السياسات العمومية ودراسة مختلف مظاهر الفساد ومحاربته عن طريق إحداث مرصد خاص لدى الهيئة.
ونصت المادة 19 من مشروع القانون على أنه يمكن لكل شخص ذاتي واعتباري، وكذا لأي رئيس من رؤساء الإدارات، توفرت لديه معطيات أو معلومات مؤكدة وموثوقة تثبت وقوع حالة من حالات الفساد، تبليغها إلى علم رئيس الهيئة. كما يمكن لكل مشتك، شخصا ذاتيا كان أو اعتباريا، تضرر أو من المحتمل أن يتضرر بصفة ثابتة ومؤكدة من حالة من حالات الفساد، أن يبعث بشكايته شخصيا أو عن طريق نائبه إلى رئيس الهيئة مباشرة.
غير أن المشرع اشترط لقبول التبليغ أو الشكاية بأن يكون مكتوبا ومذيلا بالتوقيع الشخصي للمبلغ أو المشتكي مع كتابة اسمه كاملا، وأن يتضمن جميع البيانات المتعلقة بهوية المبلغ أو المشتكي حسب الحالة، مع إرفاقه بجميع الوثائق والحجج والمستندات التي من شأنها إثبات حالة الفساد، والجهة المعنية بحالة الفساد. لكن مضامين مشروع القانون، وإن كانت تنص على مقتضيات متقدمة مقارنة بالاختصاصات المحدودة التي تتوفر عليها الهيئة المركزية، فإنها في المقابل لم ترق إلى ما تقدمت به الهيئة من مقترحات، شأنها في ذلك شأن عدد من الهيئات المدنية المهتمة بقضايا الحكامة في البلاد. فهل سيخرج مشروع القانون في حلة جديدة من قبة المؤسسة التشريعية؟
المهدي السجاري
الرشوة..تشابك ظاهرة اجتماعية وعجز حكومي عن مكافحتها
تسجل وضعية الرشوة في المغرب مفارقة صريحة مع الخطاب الرسمي حول محاربة الفساد، إذ تكشف التقارير الوطنية والدولية حول معدلات انتشار الرشوة في الإدارات والمؤسسات العمومية عن تزايد في هذه الظاهرة وطنيا سنة بعد أخرى، عوض أن تتقلص تدريجيا موازاة مع الخطابات الرسمية حول محاربة الفساد.
ويتبين من الأرقام والإحصائيات أن جرائم الرشوة والفساد لم تتراجع في المغرب، فعلى سبيل المثال، كشفت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، المعروفة باسم «ترانسبرنسي المغرب»، في تقرير لها العام الماضي أن المغرب يوجد في وضعية تتميز برشوة مزمنة ومعممة تؤكدها المؤشرات الدولية. وأعربت الجمعية عن شعورها بالإحباط وخيبة الأمل بخصوص جهود محاربة الرشوة بالمغرب، مشيرة إلى أن المواطنين والفاعلين الاقتصاديين يشعرون بتأثير الرشوة في حياتهم اليومية. وأضافت الجمعية أن «سنة 2011 كانت سنة الأمل، وبعد مرور سنتين أصبحت خيبة الأمل أقوى بكثير من الانتظارات التي غذاها ورعاها خطاب سياسي تبنته الدولة والأحزاب السياسية المتنافسة». وفي سنة 2013 تم تكريس التراجع، إذ اعتبرت أن سنة 2013 مرت مخلفة وراءها خيبات الأمل والإحساس بأن الفساد مستمر لفترة طويلة، وهو ما عكسه التصنيف الأخير للمغرب في مجال إدراك الرشوة. وأضافت المنظمة، في تقريرها، أن «المغرب بعد أن خضع لتقييم من طرف ثمان وكالات وهيئات دولية، فقدَ أربع درجات في الترتيب الدولي باحتلاله المرتبة 91 هذه السنة من أصل 177 دولة بعد أن كان في المرتبة 87 في سنة 2012».
وقد ارتفع مؤشر الرشوة خلال السنوات الخمس الأخيرة بمعدل يصل إلى 3 بالمائة، أي بمعدل تنقيط سنوي بلغ 3.5، محافظا بذلك، تقريبا، على نفس مستوى التنقيط خلال الفترة الممتدة من 2002 إلى 2013، في حين عرفت رتبة المغرب تقدما مطردا خلال سنوات 2009 و2010 و2011 لتتراجع من جديد مع سنة 2012، منتقلة على التوالي من 80 سنة 2011 إلى 88 سنة 2012 و91 سنة 2013.
غير أنه يمكن ملاحظة أن هذا النمو في معدل انتشار الرشوة بالمغرب لا يعني تزايد نسبة الرشوة، كممارسة غير قانونية في المؤسسات والإدارات العمومية، بقدر ما يعني تزايد إقبال المواطنين على الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات والإدارات، إذ كلما تزايد هذا الإقبال برزت ظاهرة الرشوة، وهو ما أكده التقرير السنوي الأخير للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، الذي أشار إلى اقتران نسبة مخاطر الرشوة بارتفاع الطلب على الخدمات العمومية الأكثر ارتيادا من طرف المواطنين، كما هو الشأن بالنسبة إلى قطاعات العقار والضرائب والتجارة والصحة، التي تحتل مراتب متقدمة بنسبة 25 في المائة. وقد كشف عبد السلام بودرار، رئيس الهيئة، أن كلفة الرشوة على الاقتصاد الوطني تقدر بما بين 0.5 و2 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. كما أكد على التكاليف التي يتكبدها الاقتصاد الوطني، خصوصا على مستوى معدلات النمو، وتنافسية المقاولات، وتراجع الاستثمارات الوطنية والأجنبية، بسبب ارتفاع تكاليف إنجاز مختلف المشاريع في هذا الإطار نتيجة النفقات الإضافية غير القانونية.
ومنذ توليها مهامها قبل ثلاث سنوات، أعلنت الحكومة الحالية عزمها على محاربة الرشوة والفساد، بل أسندت مشروعيتها على هذا الهدف تحديدا، بسبب ارتفاع أصوات الشارع المطالبة بالقضاء على الفساد ومسبباته. غير أن تشابك الظاهرة وتداخل الصلاحيات بين مختلف المؤسسات لا يشير إلى سهولة النجاح في هذه المهمة، علاوة على تجذر ظاهرة الرشوة في المجتمع المغربي وفي الثقافة الجماعية. وفي عام 2012 أعلنت وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة إطلاق حملة إعلامية وطنية للتوعية ضد مخاطر الرشوة. غير أن تلك الحملة لم تؤد إلى نتائج ملموسة، الشيء الذي لم يؤثر على وضعية المغرب في سلم الرشوة على مستوى بلدان العام ومنطقة شمال إفريقيا بشكل خاص، إذ ظل يحتل رتبة سلبية بسبب ضعف الجهود الحكومية المبذولة في محاربة هذه الظاهرة، بالرغم من انخراطه في مسلسل آلية استعراض تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
ادريس الكنبوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.