على الرغم من كل الصعوبات المالية و الاقتصادية التي تعيشها الجزائر بفعل التراجع المسترسل لعائدات تصدير النفط و الاستنزاف المقلق و المفرط لاحتياطي الخزينة الجزائرية من مدخرات العملة الصعبة , تظل شهية النظام الجزائري للتسلح مفتوحة على الآخر و هو ما يفتح باب التساؤل المشروع : لمن تتسلح الجزائر ؟ بالنظر الى أن نوعية الصفقات التي تبرمها لتعزيز ترسانتها العسكرية لا تبرر مخاوف النظام الجزائري من التهديدات الارهابية المحيطة بترابه من ثلاثة جهات بقدر ما تعكس حقيقة حرب الترهيب النفسية التي يخوضها النظام الجزائري ضد جيرانه و في مقدمتهم المغرب الذي يقود مع جارته الشرقية منذ ثلاث سنوات على الأقل سباقا غير متكافىء للتسلح بالمنطقة تعتمد فيه الجزائر على خيار الأسلحة الاستراتيجية من مروحيات و قطع بحرية ضخمة في حين تراهن الرباط على شراكات لتأهيل سلاحها الجوي و الرفع من كفائته القتالية تقارير صحفية حديثة كشفت أن وزارة الدفاع الجزائرية وجهت مؤخرا طلبية جديدة الى مصنع حربي إيطالي بريطاني ( اوغوست ويستلاند ) لاقتناء 100 طائرة مروحية متعددة الخدمات و42 أخرى هجومية لتحتل الجزائر موقعا ضمن 6 دول الأكثر شراء للسلاح الحربي بناء خلال السنتين الماضيتين . الى ذلك توقع تقرير أمريكي أصدره مركز متخصص ارتفاع حجم الإنفاق العسكري في الجزائر خلال السنوات المقبلة في ظل تزايد ما يصفها بالتحديات الأمنية بدول الجوار الاستراتيجي، ليتجاوز 16 مليار دولار عام 2020، مقابل 13 مليار دولار للعام الجاري. التقرير الأمريكي عزا وتيرة الانفاق العسكري المتزايد للجارة الشرقية للمملكة إلى تنامي حجم التهديدات الإرهابية في المنطقة وتردي الأوضاع في تونس وليبيا ومالي دون أن يغفل الحافز الأساسي لشهية التسلح و المتمثلة في رهان النظام الجزائري لضمان التوازن العسكري مع المغرب ، حتى لو تطلب الأمر المغامرة برفع الإنفاق على المعدات والأسلحة من 4.5 مليار دولار سنويا إلى 6.8 مليار دولار سنويا بحلول العشرية المقبلة في الوقت الذي تقترب فيه مدخرات الخزينة الجزائرية من العملة الصعبة و المقدرة بزهاء 200 مليار دولار قبل ثلاث سنوات فقط على النفاذ الكامل خلال منتصف السنة المقبلة إذا إستمر مسلسل تبديدها من طرف الحكومة الجزائرية بالوتيرة الراهنة . و تفيد آخر معطيات و بيانات صادرة عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الخريف الماضي أن الجزائر رفعت ميزانية الدفاع والتسليح إلى مستوى قياسي في مشروع الموازنة المتعلقة بالعام الجاري ( 2015) لكي يصل الغلاف المرصود للتسلح 13 مليار دولار، وهو رقم قياسي يضاعف 6 مرات قيمة ميزانية الدفاع عام 2008 و13 مرة نظيرتها قبل 25 سنة لنفس البلد . و بمقارنة بديهية يتضح أن الجزائر ستصرف على تسليح جيشها مع نهاية السنة الجارية ما يعادل أو يناهز الميزانية المتوسطة لثلاثة جيوش عربية مجتمعة هي مصر والمملكة المغربية وتونس . هل لنا أن نتصور أن حمى التسلح هذه تعكس قلق الجيران فقط من التهديدات الأرهابية التي تتهدد ثلاث واجهات حدودية لنفس البلد أم تعكس حسابات إستفزازية لا تقل تداعياتها الإقليمية خطورة و حساسية في موازين العلاقات الدولية و المحلية ؟ من البديهي الاقرار أن الجزائر نظام عسكري يقوم على ثنائية قطبية غريبة تتفاعل ضمنها سلطة النظام الممركزة في رئاسة الجمهورية التي تعتبر الوريث الشرعي لجيش التحرير الوطني و سلطة الجنرالات التي تمارس من وراء الستار شؤون الحكامة الفعلية و تستحوذ على القرارات الكبرى و المصيرية لدولة ما زالت تحن لعهود الإيديولوجية الثورية و ضمنها ميراث الحرب الباردة التي بوأت الجار المغربي موقع العدو الافتراضي و التاريخي الأول و الأخطر النسبة لنظام الجنرالات النافذ بغض النظر عن الالتزامات و المعاهدات التي تربط البلدين الجارين في إطار معاهدة تأسيس إتحاد المغرب العربي الاطار الاقليمي المحتضر في غرفة انعاش . هل المملكة المغربية الغريم التقليدي لرموز النظام الجزائري معنية بهذه الشهية الجزائرية المفتوحة على مصادر التسليح المتنوعة ؟ الأكيد أن ما يجمع المغرب و الجزائر من تاريخ مشترك طويل من المشاحنات لا يرقى الى مستوى توقع مواجهة عسكرية مباشرة و محتملة ما بين جيشي البلدين . فحتى عندما قررت الحكومة الجزائرية من طرف واحد إغلاق الحدود البرية مع الجار المغربي شهر غشت من سنة 1994 فإنها لم تتخذ إجراءات عسكرية يستفاد منها أنها تستفز الرباط و تستدرجها لمواجهة عسكرية مباشرة . من الصعب توقع تكرار سيناريو حرب الرمال في الظرف الراهن أو في السنوات القليلة المقبلة لأن للبلدين معا من الانشغالات السياسية و الأمنية و التحديات الاقتصادية ما يلجمهما معا عن التفكير في تسوية الخلافات الدبلوماسية و السياسية الثنائية عبر الحلول العسكرية الجذرية . الجزائر التي لا تفوت فرصة لعصرنة عتادها العسكري محكومة بمنطق بورصة النفط و تقلبات أسعاره في الأسواق الدولية و انخفاض محتمل لسعر البرميل الواحد تحت سقف ال 100 دولار كما هو الحال حاليا يعني كارثة حقيقية للموازنة المالية لخزينة الدولة الجزائرية و انهيارا سريعا و مزلزلا لبنية الاقتصاد الجزائري المبني أساسا على عائدات تصدير المحروقات . المغرب الذي لا يتوفر على ريع نفطي لا ينافس الجيران في سباق التسلح بالمعنى التقليدي للمصطلح لكنه يبحث بدوره عن شركاء لتحديث منظومته الدفاعية الجوية و اللوجيستية و عينه على المجال البحري الذي يمثل نقطة التفوق لدى الجيران بفعل صفقات تعزيز البحرية العسكرية الجزائرية بغواصات هجومية . قبل نصف سنة و حين اعتبر خبير أمني جزائري بأن نشر المغرب قوات عسكرية على الحدود مع الجزائر بمثابة خطوة في المفهوم العسكري تعني نوعا من إعلان الحرب و قبلها حين تسلم الوزير الأول الجزائري أحمد سلال تقريرا مفصلا يتهم المغرب بالوقوف وراء مؤامرة خارجية تهدف تأليب منطقة القبائل والتخطيط لانفصالها عن الحكم المركزي الجزائري ، و إستغلال الاضطرابات الحاصلة في دول الجوار كليبيا وتونس لضرب استقرار الجزائر إنطلاقا من منطقة غرداية التي تعيش على إيقاع الاحتجاجات اليومية , لم تبد الرباط أي تجاوب أو تفاعل رسمي مع الاتهامات الجزائرية الخطيرة و لم تنخرط بدورها في جوقة تهييج الرأي العام المغربي و اعداده نفسيا لخيار المواجهة العسكرية . رارا من هذا القبيل لا يتعلق طبعا بإرادة القوتين الرئيسيتين بمنطقة شمال إفريقيا و لا حتى بالمزاج المتقلب و الاندفاعي لبعض الضباط السامين في مؤسسة النظام بل يندرج ضمن ترتيبات جيو إستراتيجية تتقاطع ضمنها اعتبارات دولية معقدة . منطق اللاسلم و اللاحرب هذا و تداعياته السياسية و الإقليمية تجعل من ملف الوضع الغريب للعلاقات بين البلدين الجارين أحد أبرز التعقيدات الدولية المحكومة بالشذوذ . البلدان الجاران يتقاسمان زهاء 900 كلم من الحدود البرية المغلقة منذ زهاء العقدين, و حتى وصفة التقارب و الاندماج ألمغاربي المنشود و المؤسس بفعل مواثيق دولية موقعة منذ 25 سنة تظل بعد كل التمارين السياسية المضنية مجرد ديكور شعارات لإشباع نهم و غرور قلة ممن لا زالوا يجرؤون على تماثل الحلم ألمغاربي المجهض و المنسي في وضع احتضار طويل و ممل .