المحمدية – حي البرادعة خليل بن الصغير لم تكن مطالب سكان حي البرادعة بالمحمدية سوى مطالب بسيطة، عادلة، وشرعية، الحق في السكن اللائق، في إطار قانوني وإنساني يضمن كرامة الأسر التي عاشت عقوداً في بيوت من الصفيح، وسط أوضاع اجتماعية واقتصادية هشة. لكن هذه المطالب، التي رُفعت منذ سنة 2011، اصطدمت بجدار من التماطل والتجاهل. في خضمّ الحراك الذي عرفه المغرب خلال "الربيع العربي"، وتحديداً في شهر ماي 2011، شاركت ساكنة الحي في وقفات حركة 20 فبراير، ورفعت لافتة كُتب عليها: "البرادعة تطالب بإسقاط البراكة وإعادة الهيكلة". ومن هنا انطلقت شرارة الاحتجاجات الأسبوعية، التي نظمتها الساكنة بشكل سلمي ومنظم، للمطالبة بالتسريع في تسوية وضعيتها السكنية. والتحقت ساكنة حي المسيرة المجاور بالاحتجاجات، وتم التنسيق الميداني بين الحيين. غير أن التباين في المطالب خلق نوعاً من التباعد، فبينما تمسكت البرادعة بإعادة الهيكلة والتوطين في نفس المكان، اكتفت ساكنة المسيرة بالمطالبة بإسقاط البراكة، دون اشتراط الموقع أو طبيعة الاستفادة. ورغم هذا الاختلاف، ظل الهدف المشترك هو تحسين ظروف العيش. احتجاجات البرادعة لم تكن عبثية. ففي إحدى الوقفات التي تزامنت مع عيد العرش، تدخّلت السلطات بقوة لمنع المسيرة، مما دفع بالساكنة إلى الاعتصام الميداني، ليتم بعدها فتح حوار رسمي مع باشا المدينة ومدير الأمن، توج بلقاء أول مع عامل المحمدية في شهر رمضان من العام نفسه. خلال الحوار، تم طرح مقترح أطلق عليه "تنويع المنتوج"، ويقوم على تمكين الساكنة من الاستفادة إما عبر: بقع أرضية (في الفتح 1 و2)، شقق سكنية، أو إعادة هيكلة. وافقت الساكنة، وتم الإعلان عن التهدئة مؤقتاً بطلب من السلطات، التي ربطت بين وقف الاحتجاجات و"إمكانية تنفيذ المشروع". لكن في كل مرة كان يُلاحظ فيها التماطل، كانت الساكنة تعود إلى الشارع. وبدأت العمالة تتنصل من وعودها، وتقلّص دور مندوبية السكنى، مما دفع الساكنة إلى التوجه لمقر المندوبية، حيث رفض المندوب استقبالهم. دخل المواطنون في اعتصام، فتدخلت السلطات بعنف، مما أدى إلى اعتقالات في صفوف المحتجين. عند وصول الخبر إلى الحي، التحمت الساكنة أمام مقر المندوبية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين. رغم إنزال أمني كثيف، ظل المعتصمون صامدين حتى تم إطلاق سراح المعتقلين وتحديد موعد جديد للحوار. بحلول سنة 2014، بدأ توزيع البقع الأرضية على ساكنة حي المسيرة، التي استبشرت خيراً وشرعت في الترحيل. أما ساكنة البرادعة، فلم يُمنح منها سوى عدد محدود من البقع، قبل أن تتوقف العملية كلياً، وتُوجه السلطات جهودها نحو ترحيل أحياء أخرى ك "الشانطي الجديد" و"سيدي عباد"، مما ترك مصير حوالي 90% من ساكنة البرادعة مجهولاً. وفي سنة 2024، ومع إعلان المغرب استعداده لاحتضان كأس العالم 2030، عادت الدولة إلى تسريع عملية القضاء على دور الصفيح في مختلف المدن. استبشر سكان البرادعة مرة أخرى، وبدأت عملية الترحيل لمن تبقى من الأسر. لكن المفاجأة كانت صادمة، البقع التي قُدمت لم تغطِّ سوى أقل من خُمس الساكنة، ما اضطر عشرات العائلات إلى هدم منازلها دون وجهة واضحة. وما زاد الوضع تعقيدًا، هو اعتماد السلطات على إحصاء يعود لسنة ما قبل 2010، ما تسبب في إقصاء جميع الأسر التي تكوّنت بعد ذلك التاريخ، طيلة 14 سنة كاملة. لم تُؤخذ في الحسبان التحولات الديمغرافية التي شهدها الحي، ما دفع العديد من الأسر الشابة إلى مواجهة مصير الإقصاء من برامج السكن، رغم واقعها الاجتماعي الصعب. واليوم، يجد العديد من سكان "البرادعة" أنفسهم موزعين بين بيوت الكراء، مما يطرح مجمزعة من الأسئلة المشروعة، لماذا لم تُنفذ وعود تنويع المنتوج؟، أين اختفت الشقق التي تم الإعلان عنها؟، ولماذا لم تتحقق إعادة الهيكلة التي كانت مطلباً أساسياً للساكنة؟، هل أخطأت الساكنة حين وثقت في وعود السلطات؟، أم أن لجنة الحوار لم تكن تملك ما يكفي من الخبرة لتدبير الملف؟، أم أن مطلب إعادة الهيكلة كان صعب التحقيق منذ البداية؟.