عاد شبح الزلزال المدمر المحتمل في مدينة إسطنبول التركية إلى واجهة المشهد السياسي الداخلي بالتزامن مع مرور البلاد في الذكرى السنوية ال25 لزلزال مرمرة، الذي ضرب ولايات شمال غربي تركيا، في 17 غشت عام 1999، وذلك وسط تحذيرات من كارثة إنسانية واقتصادية كبيرة قد تعصف في تركيا حال تعرضت إسطنبول إلى زلزال مدمر دون أخذ تدابير الوقاية من تداعياته.
ومنذ تعرض تركيا إلى الزلزال المدمر الذي ضرب ولايات الجنوب في فبراير 2023، تصاعدت تحذيرات السياسيين وعلماء الجيولوجيا من إمكانية وقوع زلزال مشابه في مدينة إسطنبول، التي تعد عصب الاقتصاد التركي وأكبر الولايات من حيث عدد السكان.
وفي 6 فبراير 2023، وقع زلزالان مدمران طالا 11 ولاية تركية، نجم عنهما مصرع أكثر من 50 ألف مواطن وتشريد الملايين، وانهيار آلاف المباني، في مأساة وصفت ب"كارثة القرن"، ونتج عنها إعلان الولايات ال11 "منكوبة".
وتعد ولاية إسطنبول واحدة من المدن الأكثر عرضة للزلازل بسبب موقعها على خط صدع شمال الأناضول، وتصنف ضمن المجموعتين الثانية والثالثة من حيث مخاطر وقوع الزلازل.
ويتجاوز عدد سكان إسطنبول ال16 مليون نسمة، ما ينذر بأن وقوع زلزال بقوة تفوق سبع درجات على مقياس ريختر سيخلف مأساة سيكون لها آثار كبيرة على البلاد، لاسيما إذا ما أضيف عدد السكان في الولايات المجاورة التي من الممكن أن يطالها أي زلزال محتمل يضرب المنطقة.
وفي تصريحات صحفية، قال عالم الجيولوجيا التركي ناجي غورو، إن هناك 600 ألف مبنى في إسطنبول، وعلى افتراض أن أربعة أشخاص يقطنون في كل منزل، يعني أن 2.5 مليون شخص يواجهون خطر الموت، مشددا على أن الخسارة في الأرواح التي سيلحقها الزلزال ستكون غير قابلة للتصديق.
والأسبوع الماضي، حذر والي إسطنبول داود غول من وجود مئات آلاف المباني التي تحتاج إلى الدخول في مشاريع التحول الحضري لتعزيز قدراتها على مقاومة الزلازل.
وقال غول في كلمة له على هامش مؤتمر "التمرين الوطني الرابع للبحث والإنقاذ"، إن "لدينا مباني غير مستقرة في إسطنبول، تماما مثل أي مكان آخر في تركيا"، موضحا أن "أكثر من 500 ألف مبنى بحاجة إلى الخضوع للتحول الحضري"، حسب ما نقلته وكالة "DHA" التركية.
والسبت، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتعزيز أمن المدن التركية ضد الكوارث الطبيعية والزلازل، موضحا في تدوينة عبر حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقا) أنهم مدركون لحقيقة أن تركيا "بلد معرض لخطر الزلازل دوما".
أما الكاتب التركي ناكي بكر، فيرى أن الزلزال الكبير المتوقع حدوثه في إسطنبول يهدد اقتصاد البلاد بأكمله بسبب موقع المدينة "المركزي" في جميع القطاعات تقريبا، سيما أنها تساهم في توليد ما يقرب من نصف دخل الدولة.
ويوضح بكر مقال نشره في صحيفة "دنيا" التركية، أن إسطنبول المهددة بخطر زلزال مدمر محتمل تفوق قوته 7.5 درجة على مقياس ريختر، قدمت 44 ليرة من كل 100 ليرة تركية من الإيرادات التي حققتها الدولة ضمن نطاق ميزانية الحكومة المركزية خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، حسب تقديرات وكالة تخطيط إسطنبول (IPA).
ويشدد الكاتب التركي على أن زلزال إسطنبول المحتمل يهدد البلاد بأكمها، مشيرا إلى أن المدينة تحتضن 15 مليونا و655 ألفا و924 نسمة، أي 18.34 بالمئة من سكان تركيا.
ولهذا السبب، فإن الزلزال الكبير الذي قد يضرب إسطنبول يشكل خطرا حيويا على اقتصاد البلاد وأمنها القومي بسبب احتمالية تعطيل العمليات الاقتصادية في المحافظات الأخرى.