قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في مقال لمراسلتها في بيروت هيلين سالون، تحت عنوان: "الحرب في غزة.. حماس مُنهكة لكن دون أن يتم القضاء عليها وتسعى لرسم أفق سياسي"، إنه بعد عشرين شهرا من الحرب ضد إسرائيل، لم يتم القضاء على حركة حماس تماما. وأضافت الصحيفة الفرنسية، أنه رغم الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، ورغم فقدانها جزءا كبيرا من قيادتها العسكرية، ترفض الحركة الفلسطينية الاستسلام، وتواصل خوض حرب العصابات على الأرض وتحتفظ بعدد من الرهائن، وتصرّ على مطلبين رئيسيين في مفاوضات وقف إطلاق النار: إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزة.
"لوموند" نقلت عن أمجد عراقي، الباحث في "مجموعة الأزمات الدولية" (ICG) قوله: "بعد الحرب مع إيران، تمتلك إسرائيل فرصة للإعلان عن النصر، لكن الحرب لم تُغيّر المعادلة بالنسبة لحماس. لقد تغيّرت حساباتها بشكل كبير خلال العامين الماضيين. فقد أضعفها تدمير غزة، والقضاء على قيادتها، وانهيار محور المقاومة بقيادة إيران".
وأوضح عراقي، أن الهدف الحالي للحركة لم يعد إعادة تشكيل كتائب عز الدين القسام – جناحها العسكري الذي أنشأته بدعم إيراني – بل تأمين مستقبل سياسي لها.
الصحيفة الفرنسية نقلت أيضا عن عزمي قشوعي، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، قوله: "ما تزال لدى حماس بعض الأوراق التفاوضية: أبرزها الرهائن، وهو ما يُعد الفشل الأكبر لإسرائيل. الحركة ما تزال صامدة ميدانياً وتحظى بدعم داخل الشارع الفلسطيني".
وعلى الرغم من إعلان إسرائيل عن مقتل 20 ألفا من مقاتلي الحركة وتصفية قيادتها، إلا أن حماس ما تزال تُظهر قدرة على الصمود. ويضيف هيو لوفات، الخبير في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" (ECFR): "استراتيجية حماس القائمة على التمويه والاختباء نجحت حتى الآن. فعندما تدخل القوات الإسرائيلية، ينسحب المقاتلون مع المدنيين أو يختبئون. وهناك خلايا ما زالت تنفذ هجمات مباغتة ومحدودة". ففي شهر يونيو وحده، قُتل أكثر من عشرين جندياً إسرائيلياً في المعارك.
وتابعت "لوموند" قائلة إن حماس تعمل على إعادة تنظيم صفوفها، مستقطبة مجندين شبابا، إلى جانب إعادة تشكيل قيادتها. وبينما تُلاحق إسرائيل قادتها، لم يعد هناك مركزية في اتخاذ القرار داخل الحركة، حيث أصبحت تعمل كحركة مقاومة لامركزية تقودها خلايا محلية، وفق أمجد عراقي.
ويُسجّل هذا الخلل أيضا على مستوى إدارة القطاع. فقد بدأت بعض العشائر – التي دعمتها وسلحتها إسرائيل – بتحدي سلطة الحركة. ويقول هيو لوفات: "العشائر المرتبطة بشبكات إجرامية وجهادية، والتي قمعتهم حماس حين سيطرت على غزة عام 2007، يحاولون اليوم الثأر".
ومن أبرز هذه العشائر عشيرة دغمش، المرتبطة بجماعة "جيش الإسلام" التي بايعت تنظيم "داعش". وقد أصبح زعيمها، ياسر أبو شباب، هدفا لحماس. وبعد فشلها في اعتقاله، أصدرت وزارة الداخلية التابعة لها مذكرة توقيف بحقه بتهم "الخيانة"، و"التعاون مع العدو"، و"التمرد"، وقد حوكم أمام محكمة ثورية.
ووفقا لأمجد العراقي، "تشن حماس حربا ضد هذه العشائر، لكنها لا تشكل تهديدا فعليا، إذ تفتقر للدعم من العائلات والعشائر التي تسعى حماس للتحالف معها لتثبيت سلطتها في غزة".
واعتبرت "لوموند"، أن وقف إطلاق النار، في حال تحققه، من شأنه أن يمنح الحركة فرصة لاستعادة سلطتها.. كما تسعى حماس إلى هدنة تؤمن تدفقاً واسعاً للمساعدات الإنسانية، بهدف التخفيف من غضب السكان المتزايد تجاهها.
الصحيفة أوضحت أن القيادة السياسية للحركة لم تُجرِ مراجعة ذاتية بعد هجوم 7 أكتوبر 2023. وقد تلقت ضربة قاسية باغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في طهران بتاريخ 31 يوليوز 2024، وخليفته يحيى السنوار في رفح يوم 16 أكتوبر.
وأردفت أنه منذ ذلك الحين، أصبحت القيادة جماعية، تتألف من خمسة أعضاء، أبرزهم حاليا خالد مشعل (القيادي السابق بين 2004 و2017) وخليل الحية، الذي يقود المكتب السياسي بعد اغتيال السنوار، غير أن كليهما خارج غزة. ويؤكد عزمي قشوعي: "حماس في الخارج لا تملك الكلمة الأخيرة في المفاوضات، القرار يعود للموجودين داخل غزة، فهم من يعرفون الميدان ومن يحتجزون الرهائن".
ومنذ بدء الحرب، لم تتنازل الحركة عن شرطَيها: إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة. وهو ما ترفضه إسرائيل ضمن أي اتفاق وقف إطلاق نار، كي تحتفظ لنفسها بحق استئناف العمليات العسكرية.
وأشارت الصحيفة الفرنسية، إلى أنه خلال لقائها مع المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، في مارس، أعربت حماس عن استعدادها لوقف إطلاق نار طويل الأمد يتراوح بين خمس وعشر سنوات، وتفكيك سلاحها الهجومي (كالصواريخ)، وتسليم إدارة غزة.
أما مسألة نفي قادتها، فترى فيها الحركة مطلبا رمزيا، لأن معظمهم قد قُضي عليهم بالفعل. ويؤكد هيو لوفات: "حماس لن تقبل الخروج من غزة كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات من لبنان عام 1982".
ووفقا للتصورات المطروحة – توضح "لوموند"- تبدي حماس استعدادها لنقل السلطة إلى لجنة من التكنوقراط تضم 80 شخصية مستقلة وافقت عليها مسبقا. لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض هذا الاقتراح، كما أنه يُماطل في المصالحة الفلسطينية الداخلية، ويرفض إشراك حماس في قيادة موحدة – وهو السيناريو المدعوم من الدول العربية.
ويرى خبير شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجي، هيو لوفات أن "حماس ستبقى جزءاً من المشهد السياسي الفلسطيني، شئنا أم أبينا. وإذا أردنا تقليص نفوذها ومنعها من التخريب، يجب ألا يتم تهميشها".