يبدو أن التوتر السياسي والاقتصادي بين موريتانياومالي، أرخى بظلاله على حياة المواطنين في كلا البلدين، بعد أن وصلت الأزمة بين البلدين إلى حد إغلاق محلات تجارية ومنع حرية تنقل الأشخاص عبر الحدود المشتركة، في وقت لزمت فيه الحكومتان الصمت إزاء هذه التطورات المتسارعة، ما زاد المخاوف من تفاقم الوضع وانزلاقه نحو مزيد من التصعيد. وتشهد العلاقات بين ماليوموريتانيا هذه الأيام توترا غير مسبوق انعكس بشكل مباشر على حياة التجار والرعاة في البلدين.
ويأتي هذا التوتر في وقت تمر به جمهورية مالي بظرف صعب بعد أن تمكنت مجموعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة من "فرض حصار على مدينتي كاي ونيورو" الماليتين، مع حظر دخول الوقود إلى مالي عن طريق كوت ديفوار، وغينيا كوناكري، والسنغال، وموريتانيا.
وتحدثت مواقع إلكترونية مالية عن تنفيذ الجيش المالي خلال الأيام الأخيرة لعمليات جوية وبرية ضد الجماعات المسلحة في كل من مدن ليره، وغاو، وكاي، ونيورو، غير بعيد من الحدود مع موريتانيا، تمكن خلالها، جيش مالي، من مقتل العديد من المسلحين.
وفي السياق ذاته، قامت السلطات المالية "بحملة واسعة لإغلاق عدد كبير من محلات الموريتانيين التجارية في العاصمة باماكو وعدد من مدن الداخل"، حسب بيان لمكتب الجالية الموريتانية في مالي.
واعتبر البيان أن ما حصل تطور مفاجئ، يؤثر سلبا على سير عمل "الجالية الموريتانية هناك"، مضيفا أن "مكتب الجالية أجرى اتصالات بالسفارة الموريتانية في باماكو والجهات الدبلوماسية في البلد، لمعرفة الأسباب والدعوة لحماية المواطنين وممتلكاتهم".
قبل هذه الخطوة، أصدرت وزارة الإدارة الترابية واللامركزية بمالي من خلال حاكم ولاية نيورو، قرارا يقضي، حتى إشعار آخر، بحظر نشاطات تنقل ومراعي حيوانات الأجانب في المنطقة، ومن المعروف تقليديا أن هذه المنطقة لا ترعى فيها إلا مواشي الموريتانيين. واعتبر مراقبون لهذه التطورات أن القرارات المتبادلة بين باماكو ونواكشوط القاضية بإغلاق محلات تجارية، وعمليات طرد المواطنين، ومنع التنقل، تشكل تراجعا خطيرا عن مكتسبات تاريخية أرستها اتفاقية 1963 التي كرست حرية التنقل والإقامة بين الشعبين الموريتاني والمالي. ووجد العشرات من التجار الموريتانيين في العاصمة المالية أنفسهم أمام إجراءات إغلاق مفاجئة لمحلاتهم التجارية، بحجة غياب تراخيص إدارية أو شبهات تتعلق بالضرائب والأمن.
غير أن أفراد الجالية الموريتانية يرون في هذه الإجراءات حملة تضييق تهدد مصدر رزق آلاف الأسر التي استقرت منذ عقود في أحياء باماكو الشعبية.
وفي تطور آخر، أعلن حاكم ولاية نارا في 27 غشت المنصرم حظر الترحال والرعي على "الأجانب" بدواع أمنية مرتبطة بالعمليات العسكرية في المنطقة، لكن المتضرر الأكبر من هذا القرار هم الرعاة الموريتانيون الذين يعتمدون منذ أجيال على عبور الحدود إلى جنوبمالي طلبا للمراعي خلال موسم الجفاف.
وجاءت هذه القرارات بعد قيام حكومة نواكشوط مؤخرا بترحيل عشرات المهاجرين الماليين بدعوى الإقامة غير النظامية أو غياب وثائق ثبوتية، الأمر الذي أثار في مالي شعورا بالإهانة، لترد باماكو عبر قرارات يرى مراقبون أنها تحمل طابعا انتقاميا.
وفي حين تبرر السلطات الموريتانية والمالية هذه القرارات باعتبارات أمنية وإدارية، يحذر خبراء من أنها تفتح الباب أمام سابقة خطيرة تمس جوهر التكامل في غرب إفريقيا، وتضر بشكل مباشر بالشرائح الأكثر هشاشة من تجار صغار ورعاة حدوديين.