استأثر الرأي العام الوطني والدولي بقضية الصحراء المغربية من جديد على ضوء الموقف المفاجئ للأمين العام للأمم المتحدة في شأنها والذي يتسم بالانحياز لأطروحة خصوم الوحدة الترابية بدءا من تصريحه الذي ينعت فيه المغرب ببلد محتل و بعده تقريره المقدم لمجلس الأمن، حيث يستخلص منه بصورة مباشرة أو غير مباشرة إقامة كيان مستقل عن المغرب. و الحال أن قرار مجلس الأمن الذي مازال البحث جاريا في شأنه من أجل إنهاء النزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية المسترجعة والتي اأصبحت تخضع للسيادة المغربية شأنها كشأن جميع أقاليم المملكة . و يبدو أن هذا الموقف المناوئ لحق المغرب في صحرائه يجعل بان كيمون خارجا عن صلاحياته و يسقط في اقتراحه بالتجاوزات في الزمان و المكان . و كان عليه في إطار مسؤولياته و مهامه إزاء المنتظم الدولي أن ينطلق من الاقتراح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي الموسع بعد ما ظل هذا القرار النهائي لمجلس الأمن و المتعلق بالقضية جامدا منذ سنوات، ويتعلق الأمر بإيجاد حل سياسي متوافق عليه بين طرفين النزاع . وقبل الإشارة إلى جوهر الصراع في المنطقة و خلفيات النظام الجزائري تجاه الصحراء و آفاق الوحدة و التجزئة، أود أن أشير إلى أن الصحراء تشكل منطقة استراتيجية من حيث التبادل التجاري عبر قرون من الزمن، وتزخر بثروات هامة تتجه إليها أطماع الاستعمار، وكانت جزءا من التراب المغربي الذي لم يخضع لنفوذ وسيطرة الخلافة العثمانية، خلافا لتونسوالجزائر، و عندما بدأت تبرز في الأفق الدول الغربية مطامع التوسع التجاري و الصناعي، شرعت في الزحف بالقوة لاحتلال الصحراء كجزء من المغرب، إلا أنها لم تكن محصنة في هويتها الثقافية المكتسبة، و لم تتمكن في البداية من رد هجوم الفرنسيين و الاسبان . و في مواجهة هذا الهجوم للدولتين، لم يكن هناك لدى السكان الصحراويين سوى شعور ذي هوية إسلامية عربية قد يصبح ذا بعد وطني في إطار ما يسمى بالمغرب الأقصى التاريخي الذي تضافرت معه عدة عوامل، لتجعل منه مركز إشعاع و شعور ينمو و يتوطد في أوساط السكان المغاربة، تمخضت عنه حركة، لمواجهة النصارى المستعمرين . و كان هذا الشعور الوطني يغلب عليه الطابع القبلي يتغلغل بنفوذ الزوايا و الشرفاء و بشدة الرباط العربي الإسلامي بالمشرق، الذي ظل قبلة المغرب الدينية و الثقافية و مورد الأخذ بالأفكار الإصلاحية . أما بالنسبة للأطماع الاستعمارية، فكانت كل من فرنسا و انجلتراواسبانيا تتنافس من أجل احتلال المغرب، وكانت كل قوة امبريالية من تلك القوى تسعى إلى إلحاقه بمنطقة نفوذها. و عندما أصبح الضعف ينخر أوصال المخزن العلوي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، شرعت البلدان الاستعمارية في إبرام الاتفاقيات و تسوية الخلافات القائمة بينها بهدف تقسيم البلاد وتحديد مناطق النفوذ، و كان من بين الاتفاقيات التي عقدتها فرنساواسبانيا اتفاقية 1900 و التي بموجبها احتلال الصحراء في خضم الاحتلال المسيحي، أصبح الصحراويون يضطلعون بمهام جديدة، و يتعلق الأمر بالدفاع عن الدين وحالة المسلمين وصيانة التراب الوطني. و في هذا الإطار، برز نجم ماء العينين، وصار قائدا مدافعا عن استقلال الوطن، ويعني المغرب كاملا ،حيث أصبح خليفة للسلطان في المنطقة، وأنشأ زاوية لإصلاح شؤون الدين في المدينة أسسها في الساقية الحمراء بسمارة. و قد بات هاجسه الوحيد، هو كيف يخلص البلاد من النصارى، وتعبئة كل القوى الصحراوية أولا و الوطنية ثانيا. ولما توفي وأصل ابنه الهبة المشوار، واستطاع تحرير عدد من المناطق التي احتلتها اسبانيا في الصحراء والفرنسية في الشمال، رغم الانتقاد الموجه إليه وأبيه من طرف المرحوم علال الفاسي، حيث قارن موقفهما بموقف زعماء الريف . هكذا جاءت الهزيمة سنة 1934 و احتلت اسبانيا الصحراء، وتوقفت ملحمة الكفاح ضد المستعمر، و إبرام اتفاق مرن مع بعض زعماء القبائل منهم ولد الجماني . و بعد الاحتلال تعرض المغرب الأقصى لعملية تجزئة من طرف الاستعمار الأجنبي بعد أن ظل لفترة طويلة مركز توحيد ووحدة، وهو ما جاء به بان كيمون للمساس به في تصريحه و تقريره في الآونة الأخيرة . أما بالنسبة للمغرب، فيرى أن الاستقلال يكمن في استكمال وحدة ترابه الوطني الذي تحقق بمسيرة شعبية سنة 1975 . تم التوقيع بين الملك المرحوم محمد الخامس و فرنسا على إنهاء عهد الحماية الفرنسية منذ سنة 1956 و لما حصل المغرب على استقلال، بقيت عدة أجزاء من التراب الوطني تحت الاحتلال الفرنسي والاسباني مثل أقاليم الصحراء الغربية و الشرقية و شنغيط و سبتة و مليلية و الجزر الجعفرية . و قد مثل الحصول على الاستقلال خطوة متقدمة في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية . غير أن انسحابا عن تحرير المناطق المشار اليها، أبرز التفاؤل لدى المغاربة، حيث ظهرت إمكانيات وكأنها في متناول اليد، عندما حرر جيش التحرير والقبائل الصحراوية كل المناطق الواقعة في الجنوب. إلا أن هذا الحكم، لم يتحقق لعدة أسباب، أذكر منها أن المغرب هو الذي لم يتول فيه الحكم حركة التحرير، حيث انهمك عدد منها إلى بناء الدولة قصد الاستفادة من المواقع الاقتصادية و السياسية ووقع الخلاف في حقوقهم وعاشت البلاد مخاضا عسيرا حول الديمقراطية والمسألة الاقتصادية و نمط الحكم . و حتى لما تم تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنشق عن حزب الاستقلال، تم إجهاض حكومة المرحوم عبد الله ابراهيم، وحل جيش التحرير، وإدماجه في صفوف القوات المسلحة الرسمية، و من ثم اندلع الصراع بين الاتحاد و النظام الحاكم في البلاد، ومن حوله انطلاقا من سنة 1960 إلى غاية 1997 سنة مجيء الأستاذ اليوسفي بصفته الكاتب الأول للاتحاد أنذاك، وتولى الحكومة التي يطلق عليها التناوب التوافقي، وتم نسفها بدورها سنة 2000 ،وبعدها دخل المغرب في منعطف جديد إلى الآن، وأجهضت معه المكتسبات المحققة أو التي في طور التحقيق، خاصة في ظل الحكومة الحالية . كان الحصول على الاستقلال تعبيرا عن ميزان قوى عام بين حركة التحرير، والاستعمار الفرنسي بصفة عامة، وبين واقع الحركة الوطنية المغربية والاحتلال الفرنسي بصفة خاصة، و بالنسبة لقضية الصحراء، التي بقيت محتلة، و مجرد موقف عام، و لم يعط لدى النخبة المستفيدة من الاستقلال هدف يسعى إلى تحصين الاستقلال السياسي و الاقتصادي و الوحدة الترابية « الصحراء» بقدر ما كان يعنيه الاكتفاء بالغنيمة و الاستحواذ على السلطة السياسية، مهما كلف ذلك من ثمن. و في خضم هذا المخاض، وقع الاختلاف بين أهداف الحركة الوطنية، التي ترمي إلى إقامة دعائم الدولة و استكمال الوحدة الترابية و المؤسسات الديمقراطية، في حين كان هدف النخبة المشار إليها هو الاستحواذ على الغنيمة والقرار السياسي والاقتصادي وحتى مطلب انتخاب مجلس تأسيسي لصياغة الدستور، في حين جاء آخرون برفضه، بعدما انخرط الجميع في بناء الدولة الوطنية، ومن هذا المنطلق، بعد الاختلاف، كان الاقطاع الوطني، يريد استعادت مجده المخزني العنيف، و يسعى بكل ما أوتى من جهد إلى إرساء و تعزيز مركزه، مفضلا حتى التحالف مع الاستعمار المباشر أحيانا. فرغم رفعه لمطلب استكمال وحدة التراب الوطني، باعتباره مطلبا للقوى الشعبية، إلا أنه لم يكن قادرا و لامستعدا لتحقيق هذا المطلب، و في خطوة كفاحية . و في هذا السياق، برز اتجاه ثالث يتحدث عن إمكانية تحرير الصحراء في الوقت المناسب، لو توفرت الإرادات السياسية لدى الدولة الوطنية، للقيام بمهام التحرير، و تنسجم الإرادة مع الموقف الأوربي و الأمريكي الذي يؤيد مصالح الاستعمار المباشر في المنطقة انطلاقا من مصالحها . وتتجلى هذه المصالح بالأساس، حيث إن إبقاء المناطق تحت السيطرة الاسبانية، سيتيح لحلف الشمال الأطلسي أن ينشئ قواعد ذرية و صاروخية سرية في الصحراء للحفاظ على السواحل من جبل طارق إلى جزر البليار، كما أن طبيعة الأراضي التي تقع تحت نفوذ الاسبان تساعد على إجراء التجارب الذرية والاختبارات العلمية . وإن مبرر هذا الموقف، ناتج عن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي و أمريكا . هذا ودون الدخول في تفاصيل الأحداث و الاتفاقات والنقاش حول استرجاع الصحراء طيلة الفترة الممتدة من تاريخ استقلال المغرب إلى غاية 1974،حيث أعلنت اسبانيا عن نيتها إجراء استفتاء في الصحراء، حول تقرير ما تسميه بالشعب الصحراوي، و ذلك بخلق كيان جديد في المنطقة، تابع لها. و جاء هذا الموقف ليضع النظام المغربي أمام الأمر الواقع، و أعلن عن عدم تنازل عن حقوقه المشروعة ورفضه المطلق لقيام دولة في المنطقة ،و عزم على استرجاع أقاليمه الصحراوية دون الدخول في مواجهات عسكرية، مفضلا التأثير السياسي بحده الأقصى وتطور موقعه إلى الاستعداد لاسترجاع الصحراء ولو بالحرب، مهما يكن الثمن، و من ثم، انتهج أسلوب تصفية الاستعمار في الصحراء، وفق مسطرة الأممالمتحدة. وفي إطار هذه المسطرة، تم الاتفاق بين المغرب و موريتانيا من جهة، و اسبانيا من جهة أخرى، حول استرجاع الصحراء، بعد أخذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، القاضي بوجود علاقة بيعة سكان الصحراء لسلطان المغرب، وكذلك العلاقة بين سكان الصحراء و المجموعة الموريتانية. و في هذا الصدد، كانت الأحزاب الديمقراطية الوطنية(الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال)، قد أيدت الموقف الرسمي المغربي الذي استجاب لمطلبها، فبادرت إلى دعوة الحكومة إلى الاعتماد على الجماهير الشعبية، وتجنيد الشعب والالتحام بصفة استعجالية، و هو ما تم تتويجه بالمسيرة الخضراء . وحصل الشرف لإقليم ورزازات، (حيث مازال إقليما زاكورة و تنغير تابعين له) أن يكون في مقدمة المسيرة على سائر الأقاليم الأخرى، وكان جزاؤه تصنيفه ضمن الأقاليم المهمشة، وأصبح يعاني إلى اليوم من جميع مظاهر التخلف في البنيات التحتية والظلم والاستبداد. أما السبب المتعلق بإنشاء جبهة البوليزايو، فيرجع إلى السياسة المنتهجة في البلاد، من طرف الطبقة الحاكمة في غضون سنة 1965 و تتجلى في مصادرة كل عمل سياسي ديمقراطي، فقد بلغ بها جو الإرهاب إلى حد أصبح الاتهام بالسياسة سيفا مسلطا على رقاب المواطنين . و في هذه السنة وقع اغتيال او اختطاف المهدي بن بركة، كما أدت التغييرات الايديولوجية على الصعيد العربي و العالمي إلى ظهور تيار يساري ماركسي- لينيني، خاصة في صفوف الطلبة، وكان من ضمنهم مصطفى الوالي، الذي أصبح أول رئيس لجبهة الساقية الحمراء وواد الذهب. فقد كثف جهوده تجاه الأحزاب السياسية المغربية بضرورة نهج خط أكثر جذرية لتحرير الصحراء من الاحتلال الاسباني، و لما لم يجد آذانا صاغية، راح يبحث عن سند آخر خارج المغرب، ووجد في النظام الليبي، ضالته المنشودة بزعامة القذافي الذي كان يدعم حركات الاختيار الثوري ضد النظام الملكي القائم في البلاد. وجاءت الجزائر، و فوجئت باسترجاع الصحراء، بدعم الجبهة، وحشد مجهودها الدبلوماسي من أجل فصل الصحراء عن المغرب، وكان لها أنذاك دور لإيوائها جميع حركات التحرر المغربي وغيرها، وهوالموقف الذي مازالت متمسكة به، بعدما احتضنت الانفصاليين في تندوف وتزويدهم بالعتاد المادي والعسكري . وهذا الموقف الجزائري، هو الذي عرقل حل النزاع في الصحراء، واستغلت اقتراح المرحوم الحسن الثاني القاضي بالاستفتاء في اجتماع القمة الإفريقي الثاني في نيروبي . و كان الاتحاد الاشتراكي بزعامة الكاتب الأول أنذاك المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، الحزب الوحيد الذي أثار الانتباه إلى خطورة الاقتراح المتعلق بالاستفتاء، وعلى إثره، تم اعتقال بعض أعضائه من عبد الرحيم بوعبيد و اليازغي والحبيب الفرقاني ومحمد لحبابي إلخ، ومما جاء في البلاغ، الذي لم يعرفه عدد كبير من المغاربة ويؤولونه تأويلا خاطئا، ذلك البلاغ لماذا اقترح الاستفتاء، بل جاء فيه ما دام أن الأمر يتعلق بالاستفتاء، حول الوحدة الوطنية، فإن الشعب المغربي هو الذي يجب أن يستفتى حول ماذا قبل الاستفتاء في الصحراء أورفضه. وهنا أسجل تدخل المرحوم بوعبيد أثناء المحاكمة، حيث صرح رحمه الله « هذه المحاكمة سيكون لها تاريخ رب السجن أحب إلي من التزام الصمت عن قضية تهم وطني «. إلا أن المرحوم الحسن الثاني، اعترف بالفعل، بعد مضي ثلاث سنوات، بأنه أخطأ . كما أن «الاتحاد الاشتراكي» هو الوحيد، الذي اقترح أنه في حالة القبول بالاستفتاء، فإنه يجب أن يشارك فيه عدد كبير من سكان الصحراء النازحين إلى المدن المغربية، بسبب القمع الذي يتعرضون له من طرف فرانكو . ثم إن «الاتحاد الاشتراكي» هو الوحيد الذي لعب دورا هاما في تأسيس اتحاد العربي الافريقي بين المغرب وليبيا يترأسه الراضي. و على ضوئه، أوقفت ليبيا دعمها للبوليزاريو إلا أنه من المؤسف أن جهات من الطبقة الحاكمة وخصومه تآمروا عليه من الداخل والخارج، لكي يضعفوه، متجاهلين أن المغرب في حاجة ماسة إلى اتحاد قوي، خاصة في الظرفية الراهنة،و مشروعه هو الإصلاح لرقي البلاد و مواجهة التحديات و الانتظارات التي يواجهها المغرب آنيا و مستقبلا . لذلك، لا يجب أن ننسى دور الأستاذ اليوسفي الكاتب الأول السابق للاتحاد، و رئيس الحكومة، وذلك بإقناعه من البداية، بسحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية، ومساندة كثيرة منها في دعم المقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي الموسع من طرف النظام المغربي، وهوالاقتراح الذي سبق أن اقترحه المرحوم بوعبيد للمرحوم الحسن الثاني سنة 1974 . أما بالنسبة لموقف النظام الجزائري المناوئ للمغرب في وحدته الترابية، ويسعى من خلاله إلى تجزئة المنطقة وإقامة كيان تابع له في الصحراء . و هذا الموقف يصعب تحديده في سبب واحد أوعامل من العوامل المرتبطة بعضها بعض . و في نظري، فإن العامل الرئيسي في تشكيل هذا الموقف منذ بداية السبعينات، كما يراه عدد من المهتمين بالقضية، ويتعلق الأمر بالطموح في بسط المغرب لنفوذه في المنطقة . وكذلك مشكل الحدود حيث ظل القادة الجزائريون متشبثون بالاحتفاظ بجميع الأراضي المغربية التي ألحقتها فرنسا بالتراب الجزائري . ثم إن القبول بحل المشكل في إطار وحدة المغرب العربي فكان في الواقع لدى الجزائر من وجهة نظري، مجرد مخرج مؤجل، وهناك رأي آخر يشير إلى حاجة الجزائر إلى منفذ للبحرعبر الصحراء لتسويق البترول والغاز و غيرهما من المنتوجات التي ترغب في تصديرها للخارج . و يبدو أيضا أن الاتفاق السري بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والحكومة المغربية سنة 1961 لم يكن سوى مناورة من الطرف الجزائري لتجميد الخلاف مع المغرب مؤقتا، وذلك في وقت كانت فيه حرب التحرير الجزائرية قد بلغت أوجها. و ما إن استقلت الجزائر، حتى بدأ مسلسل تدهور العلاقات بين البلدين، بتحركهما بالمساومات العسكرية على الحدود « تندوف «. وهكذا تأزمت الأوضاع في أكتوبر 1962 عندما أقدمت السلطات الجزائرية على طرد السلطات المغربية من تندوف، أسفرت الاشتباكات عن عديد من القتلى و الجرحى، كما أن الاختلاف بين النظامين السياسيين في كل من المغرب والجزائر، أعطى للحدود بعدا آخر سياسيا و إيديولوجيا، فأدى ذلك أيضا إلى نشوب الحرب بين البلدين 1963( حرب الرمال)، و هي التي فجرت اقتتالا عسكريا و سياسيا. وكل هذه العوامل وعوامل أخرى، جعلت الجزائر تتصلب في موقفها إزاء مشكل الحدود، ومن الأسباب التي شجعت الجزائر في موقفها المعادي للمغرب، فقد جاءت عملية التأميم التي أقدمت عليها الجزائر سنة 1964 في المناطق المتنازع عليها « كولن بشار «، و لكن سير الأوضاع في اتجاه ميل الميزان القوى العسكري والاقتصادي و السياسي لصالح الجزائر، أصبح منذ سنة 1967 يدفع في اتجاه إيجاد حل سلمي للخلاف حول الحدود بين البلدين في حالة إبقاء للأوضاع على ما هي عليه، كما أتاح الفرصة للجزائر لفتح مفاوضات مع المغرب حول الحدود، انتهت في البداية إلى صيغ غامضة ولكنها كانت تميل جملة في تأويلها لصالح الجزائر التي لمست لدى الجانب المغربي استعدادا للدخول في مساومات تلتزم بها الجزائر بدعم المغرب في مطالبته بالصحراء ويلتزم المغرب بجل مشكل الحدود القائمة بينهما بصفة نهائية والتنازل عن ممر بري يصل الجزائر بالمحيط الأطلسي لتسويق منتجاتها، كما سبق ذكره، وذلك في إطار وحدة المغرب العربي إلا أنه منذ لقاء ايفران بدأت الجزائر تدفع في هذا الاتجاه . صحيح أن الجزائر قد استطاعت بعد مفاوضات طويلة ومعقدة توقيع اتفاقيات حدودية مع تونس ومالي و موريتانيا لكنها لم تستطع إبرامها حتى الآن مع جارتها الغربية الجنوبية المغرب و لا جارتها الشرقية الشمالية ليبيا . وقد أثمرت هذه اللقاءات بين المغرب والجزائر سنة 1969 بالرباط. وبالنسبة للجزائر إيجابية و هي التوصل إلى اتفاقية 15/06/1972 بالرباط بموجبها تخلي المغرب عن المطالبة بالصحراء الجزائرية خاصة تندوف . كما تم الاعتراف بين الطرفين بأن واد ي درعة يشكل الحدود الطبيعية الفاصلة بين البلدين في حين أن الجزائر تعهدت بإشراك المغرب في عملية استغلال الحديد المستخرج من كارة جبيلات بتندوف مقابل مساندة الدبلوماسية المغربية في مطالبته بالصحراء تجاه اسبانيا إلا أن هذه الاتفاقية تم التصديق عليها من طرف الجزائر، في حين لم يصادق عليها المرحوم الحسن الثاني. غير أن الوضع، بقي على هذه الحال، و مازالت تتمادى في موقفها بشأن الصحراء،حيث تولدت لديها عقد التجزئة بسبب الاختلاف بين النظامين الملكي في المغرب و الجمهوري في الجزائر. لذلك، فإنه مادام الاختلاف بين النظامين بسبب فقط شكل الحكم و درجة النمو الاقتصادي والاجتماعي، فإن التناقض ليس جذريا بقدر ما هو تناقض يعكس طموحات قطرية ضيقة تلعب فيها عوامل تاريخية و استراتيجية واقتصادية في نهاية المطاف دورا أساسيا .أما الآن، فإن الوضع يميل لصالح المغرب، ويجب استغلاله بتقوية الجهة الداخلية و تلبية حاجيات المواطن وإقامة العدل لاسيما أن المغرب مازال يتمتع بالأمن والاستقرار، خلافا لما آلت إليه الأمور في الجزائر. أما إذا ظل الطرفان متشبثين بمواقفهما المتعارضة في هذه المسألة، فإن سيرورة الصراع الصامت، سوف تؤدي إلى مزيد من تدهور الوضع في مخيمات تندوف، وتفجير التناقضات الداخلية والتسريع بإيجاد تسوية نهائية لصالح الوحدة الترابية و التي لا رجعة فيه . و في اعتقادي فإن الأمر لا ينحصر في الخلاف والتسوية أوالوحدة و التجزئة كما يتصور ، إنما الصراع في عمقه، يتعلق بالأساس، بعقلية الاستعمار القديم والاستعمار الجديد. و هي الجوهر. يجب على حكام البلدين أن يعيا أن الغرب يرغب في إبقاء الوضع المتخلف كما هو عليه الآن في البلدان العربية الإسلامية. فمن مصلحة الدول المستعمرة السابقة أن يبقى مشكل الصحراء قائما كبؤرة التوتر، كما هو الشأن بالنسبة لبعض بلدان المشرق العربي و ليبيا والتي يسودها الاقتتال وعدم الاستقرار في الأمن وإضعاف الأنظمة أو انهيارها،ما سيفتح الباب من جديد لعودة الاستعمار الغربي لنهب الثروات التي تزخر بها، و بسط نفوذها عليها إما عاجلا أو آجلا . لذلك، فإن التسوية الحقيقية، هي بناء الاتحاد المغاربي، وإقامة الديمقراطية واحترام الحقوق. وهذه السبل، هي الكفيلة بمواجهة الأطماع الاستعمارية ومسايرة العصر بالتكتلات الجهوية ومواجهة الإرهاب و كل التحديات التي تنتظرها في ظل العولمة المتوحشة، و كما يجب أن يكون لشعوب المنطقة قرارٌ يؤثر في القرار السياسي، لتعيش مطمئنة في بلدانها للمساهمة في الرقي و الازدهار .