ربما الأجواء الروحانية وحدها التي توحي بأن الجديدة تعيش زمن رمضان الأبرك، فلا أنشطة ثقافية ولا اجتماعية، باستثناء توزيع بعض الإعانات على المحتاجين والفقراء من طرف بعض المحسنين والمؤسسات الاجتماعية ، ضمنها المساعدات الرمضانية التي توزعها دولة الإمارات العربية المتحدة على بعض محتاجي الجديدة ... فباستثناء التيه بشوارع المدينة ذهابا وايابا، فلا جديد في عالم الجديدة، فالزمن الجديدي يعيد نفسه كل سنة. صباحات مقفرة رغم مرور أكثر من أسبوع على انطلاق شهر رمضان، فمدينة الجديدة لم تعرف لحد الآن ادنى نشاط ينم عن حركية سواء من الجهات الرسمية أو الشعبية، يخرج المدينة من سباتها العميق. فالجديدة،أضحت تعيش صمتا مطبقا وكأنها مدينة أشباح بعد أن كانت رائدة في المجال الثقافي طيلة السنة، حيث أن الجمعية الثقافية كانت منارا حقيقيا يضيء درب المثقفين وأبناء المدينة ومحطة أساسية للنقاش والجدال مع أسماء كبيرة من كل العوالم، قبل أن يتم إغلاق مقراتها ذات مساء وهي العملية التي لا يمكن تصنيفها إلا في خانة تدميرذاكرة مدينة برمتها والتي كانت تضم مثقفيها وسياسييها وغيرهم ليتم بعد ذلك تفريخ عدد من الجمعيات التي ولدت بدون روح، وهي الوضعية التي جاءت بنتائج مخيبة للآمال حيث ظلت المدينة تعيش على وهم الثقافة الموسمية، أما ترسيخ ثقافة الاستمرار فلا وجود لها، حتى أضحت عبارة عن مدينة صامتة ودون أن تفكر في أنشطة تحترم قدسية هذا الشهر فاتحة بالتالي المجال أمام مقاهي القمار واستهلاك المخدرات وغيرها؟ ويبقى الرهان على ليالي رمضان المنظمة من طرف المركز الثقافي الفرنسي قائما ، حيث بإمكانها إعادة بعض من بريق الجديدة، خاصة وأن برنامجها يضم أسماء كبيرة ومعروفة في الفن والموسيقى بمختلف تلاوينها ، كما أن هذا المهرجان الذي يقام على مدى ثلاثة أيام في حاجة ماسة الى تأسيس إطار يعمل طيلة السنة من أجل استقطاب محتضنين ومستشهرين والذين تزخر بهم المدينة دون أن يستفيد منها الجميع على قدم المساواة. ملتقى فن الملحون يساهم في إيقاظ الجديدة من سباتها ينعقد الملتقى الدولي لفن الملحون تحت شعار «محمد الفاسي: معلمة المغرب في فن الملحون»، بكل من أزمور و المهارزة الساحل في الفترة ما بين من 16إلى 19 يونيو الجاري.و قد أعلن المنظمون عن برنامج الدورة السادسة و التي ستعرف مشاركة نخبة من الفنانين القادمين من تونس والجزائر والمغرب ويتضمن الغناء الروحي والفن الشعبي الجزائري والحضرة التونسية في انسجام تام مع الحضرة والذكر العيساوي المغربي،ويعكس تنوع غنى الموسيقى الروحية. وسيتميز بمشاركة مجموعات موسيقية تقترح المزج بين مختلف الألوان الموسيقية المغربية والموروث الثقافي للبلدان المشاركة كالفن الشعبي من خلال موسيقى الحوز والممثلة بالفنانة الجزائرية نسرين غنيم ،والتي ستخوض تجربة ثنائية أولى من نوعها مع الفنان عصام كمال.كما سينفتح الملتقى على التجارب الحديثة في التعامل مع فن الملحون من خلال مشاركة الفنانة نبيلة معان وعازف الكمان الشهير أمير علي ، صحبة مجموعة عصام كمال.تجربة أخرى سيقدمها الملتقى للتماهي الصوفي بين الحضرة التونسية والحضرة العيساوية بين الفنان التونسي عبدالله الدوادي والشريف حسن بنخامة مقدم الطائفة العيساوية بأزمور.وحفاظا على الموروث الثقافي والهوية المغربية يستضيف الملتقى مجموعة من الفنانين المغاربة في فن الملحون كالفنانة سناء مرحاتي، شيماء الرداف، رفقة جوق وطني مكون من أمهر عازفي فن الملحون بالمغرب.وفي إطار التكريم والاعتراف بالفعاليات الوطنية التي قدمت الكثير للتراث والثقافة المغربية سيتم الاحتفاء بالأستاذ عبد الله شقرون اعترافا بما قدمه للتراث والإعلام المغربي. تقاليد في طريقها الى الانقراض كما للمدن المغربية عاداتها وتقاليدها، فالجديدة هي الأخرى لها من العادات والتقاليد الكثير خاصة خلال شهر رمضان ومن بين الأشياء التي التصقت بها استقبال رمضان بسبع طلقات من مدفعية، وهي ذات المدفعية التي تعلن عن مواعيد الافطار والاسحار وصلاة الفجر. كما أن الجديدة تتوفر على صفارة انذار تعلن عن موعد الإفطار بشكل يومي، فيما يستعين العديد من المواطنين في الاستيقاظ للسحور بقرع الطبول، وهي العادات التي بدأت في طريقها الى الانقراض إما بفعل العامل الزمني أو بقرارات ادارية مجحفة.أما المدفعية فقد حافظت على طلقاتها الثلاث على مدى الأربع والعشرين ساعة.أما النفار والطبال وصاحب المزمارفقد بدأت هذه العادات في الانقراض جراء التوسع العمراني الذي تعرفه الجديدة وأيضا مع رحيل روادها الى دار البقاء.و ما عرفته الذاكرة الثقافية من تدمير فإن الموروث الشعبي هو الآخر يسير في نفس المنحى. وتحرس العائلات الدكالية العريقة على الاحتفال بالأطفال الذين يصومون يومهم الاول، حيث يتم الاحتفاء بهم على الطريقة التقليدية ويتم استقبالهم بالبيت بكافة أنواع المأكولات والمشروبات والزغاريد قبل أن تؤخذ لهم صور تذكارية باللباس التقليدي. ويتميز رمضان الجديدة بظاهرة الإفطارالعائلي الجماعي كما يتم تبادل الزيارات بعد الافطار لإحياء صلة الرحم. الأسواق.. ملاذ لتزجية الوقت و«الفتونة» يعتبر كل من الميناء وسوقي علال القاسمي وبئر ابراهيم من بين اهم الفضاءات التي يتوجه لها الصائمون حيث تبدأ الحركة تدب فيها ابتداء من منتصف النهار. فالميناء يعرض يوميا انواعا من الاسماك المحلية الرفيعة المستوى.واذا كان قد تميز في السنوات السابقة فيما يخص عرض السلع بنظام و انتظام ، فإن هذه السنة تميزت بالفوضى العارمة وسوء التنظيم وعرض سلع غير صالحة للاستهلاك في غياب الجهات المسؤولة عن مراقبة الصحة، في حين يتحول السوق في آخر اليوم الى مايشبه المزبلة. اما سوق بئر ابراهيم او لالة زهرة ، كما اعتاد أهل الجديدة تسميته، فإنه السوق الذي يؤمه يوميا مئات الجديديين لاقتناء كل مايحتاجونه من خضر وفواكه، وهو السوق الذي يعرف عشرات المبارزات بين «فتوة» السوق ويتميز باللاتنظيم نظرا لاحتلال العديد من الباعة الموسميين لهذا الفضاء وبالقوة أحيانا. كما أن ظاهرة السرقة والاعتداءات على العارضين والمتسوقين، تبقى السمة الأساسية للسوق رغم تواجد سيارات الشرطة بشكل مستمر. سوق علال القاسمي الذي يعتبر من بين أقدم الأسواق بالجديدة، يعد فضاء لتزجية الوقت واقتناء الخبزالممزوج بالشعير، حيث يتم عرض كافة أنواعه وبأثمان تفضيلية ، كما أنه يمتاز بعرض أنواع متعددة من المأكولات التي تستهلك بشكل كبير خلال هذا الشهر الأبرك. واذا كان سوق لالة زهرة يعرف العديد من المبارزات، فإن العدوى انتقلت أيضا الى هذا السوق أما السوق المركزي الذي ظل يحافظ على أناقته وخصوصيته طيلة عقود بدكاكينه المعدة لبيع الأسماك، فإنه عرف هذه السنة تغييرا واضحا لمعالمه ، حيث تحول من فضاء لبيع الأسماك والخضروات والمواد الغذائية الى فضاء لقلي الأسماك ومقاهي ومطاعم مخصصة لطهي الأسماك والوجبات الخفيفة، هذه العملية التي تعرف خرقا واضحا في ما يخص عملية التفويت، حيث أن الدكاكين التي تعود ملكيتها الى البلدية يتم بيعها وتغيير عقود كرائها دون العودة الى المجلس المفوض الوحيد لتغيير التراخيص الخاصة بالفضاءات الجماعية. بمدينة الجديدة، كسائر المدن المغربية ، تمتلئ المساجد عن آخرها منذ الأيام الأولى لحلول هذا الشهرلأداء الصلوات الخمس وصلاة التراويح، كما يزداد الإقبال عليها فتضيق فضاءاتها الخارجية بالمصلين مع الإقبال على الدروس الدينية التي تبتدئ مباشرة بعد صلاة العصر. و من العادات ايضا في هذا الشهرالفضيل، تحول الليل إلى نهار بعد صلاة العشاء والتراويح، حيث يسارع الناس إلى الالتقاء سواء داخل البيوت أو على موائد المقاهي، الى ساعات متأخرة قد تستمر لحدود وقت السحور والتي يعلنها المدفع وصاحب الطبل أثناء تجوله بالأحياء ، معلنا وقت السحور والاستعداد للتوجه للمسجد قصد أداء صلاة الفجر، ولم يكن للطبال أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس في صباح يوم العيد، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب من ذرة أو قمح ، فيأخذ مكيالاً «بعوي» باللهجة الجديدية أو نصفه ، ولم يكن أجراً بالمعنى المفهوم، ولكنه هبة كل يجود بها حسب قدرته، ومن الأشياء التي تبقى متميزة خلال شهر رمضان بالجديدة هي موائد الإفطار التي تكون في غالبيتها متنوعة ومختلفة الاطباق اهمها الاسماك بمختلف انواعها واصنافها والفطائروالحلويات، وجرت العادة على أن يفطر الجديديون على التمر والحليب ثم يؤدون صلاة المغرب ليعودوا بعد ذلك إلى مائدة الافطار التي تعد فيها المرأة الدكالية أطباقا رائعة من أشهى الأكلات الخاصة بالشهرالكريم.أما ثقافيا فتتحمل الجماعة الحضرية بالجديدة مسؤولية كبيرة في الجمود الثقافي والرياضي والاجتماعي الذي تعرفه المدينة ...