نحن في يوليوز 1970، شهر الامتحانات، وبخاصة كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية، اكدال، الرباط، وأنا متواجد بمكتب عميد الكلية السيد بلقزيز بحضور علال الفاسي. لم يكن علال فقط أستاذا بالكلية، بل مناضلا متح وتشبع بالوطنية منذ صباه،ود اخراج ما بأعماقه حول الوضعية العامة للبلاد التي مافتئت تزداد تدهورا. رغم التفاؤل المفرط إبان السنوات الأولى لاستقلال البلاد، الازمة العميقة للتعليم، الضغوطات العامة، اعتقالات، اختطافات، محاكمات، قمع، منع الصحافة (سنوات الرصاص)، الخ......ممارسة الحكم المطلق، الخضوع للمصالح الاجنبية. كان علال الفاسي جد قلق، لكنه غير خاضع أو راضخ، مناضل متفائل كما عهدته في سني عشر سنوات، حين سماعه بفاس إلى خطبه العمومية الأولى سنة 1936 بالدار السلاوية التاريخية وأنا منحني فوق السطح مع أخي وصديقي إدريس السلاوي. عند خروجه من مكتب العميد ، طلب مني علال الفاسي دعوته إلى كأس شاي بمنزلي القريب من الكلية لتجاذب الحديث حول التدهور العام الذي يتخبط فيه مجتمعنا والبلاد. كنت آنذاك على وشك إصدار كتابي» سنوات الثمانينات لشبابنا» (شبابنا على أبواب القرن الواحد والعشرين) مستقبل قاتم لشبابنا إذا ما استمر هذا التدهور خلال السنوات التي تفصلنا عن القرن الواحد والعشرين، وذلك في يوليوز 1970، في خضم استفتاء الوعي والأحاسيس. وها نحن بالمنزل نحتسي كأس شاي، حديث عام حول وضعية البلاد، بادرته بالسؤال: هل نظل مكتوفي الأيدي متفرجون ، ضعفاء، عاجزون عن وضع حد لهذا التدهور ، تاركين لأبنائنا مغربا فقيرا، مهينا، مذلا ؟ وكثيرون يبحثون عن الفرار، واللجوء إلى بلاد المهجر. علال الفاسي الفائض بالتفاؤل الذي لم يبرحه قط رغم معاناة النفي بالغابون، والمحن والمنعرجات التي اعترضت سبيله بعد الاستقلال، يبحث عن الأسباب..... فبدا الانقسام وتشتت قوى المناضلين. من بين الحلول للحد من هذا التدهور، ولما لا قلب الوضعية الحالية، حل يكمن في تحقيق «الوحدة « أو على الأقل « الاتحاد». إنها رسالة جد قوية، في مساء ذاك اليوم، قصدت منزل عبدالرحيم بوعبيد بسلا، لم أكن في حاجة إلى الكثير من الوقت لإقناعه. نعم الكتلة الوطنية ترى النور في 27 يوليوز 1970 ، مع إحداث لجنة مركزية متساوية الأعضاء بين حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتتكون من: علال الفاسي عبد الرحيم بوعبيد أمحمد بوستة عبد الله إبراهيم أمحمد الدويري المحجوب بن الصديق أبو بكر القادري محمد الحبابي مباشرة بعد ميلاد الكتلة الوطنية وصف علال الفاسي هذا الحدث بزواج بدون طلاق، زواج كاثوليكي. غير أنه لم يعمر طويلا إذ وضع عبد الله إبراهيم حدا نهائيا لهذا الزواج برسالته المؤرخة في 10 غشت 1972 * ( الصفحة 307 من كتاب: الكتلة الوطنية الطبعة الثانية 2009 لمحمد الحبابي)